قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

كانت سماح تعتصر طفلها الباكى بين يديها، تبكى بدورها بينما يقف الجميع يطالعونهما بعيون غشيتها الدموع، خاصة هذا الذي يَإنّ قلبه ألما لمرآهما على هذا النحو، يود لو ضمهما إلى ذراعيه ومنحهما الحنان، الأمان، والثقة التي يحتاجونها الآن، ولكنه يظل مقيدا بمكانته بينهم والتي لا تمنحه هذا الحق، أفاق على صوت مراد وهو يقول من وسط دموعه:
-بابا ياماما، مش هنشوفه تانى، قبضوا عليه عشان قتلها.

أخرجته من حضنها مقاطعة لكلماته وهي تمسك وجهه بين يديها ناظرة إليه بحزم وقوة قائلة:
-بابا مستحيل يعمل كدة، مستحيل يقتل يامراد.
نظر إلى عينيها بألم قائلا:
-بس هو كان بيقول انه هيقتلها.
قالت بإصرار:
-قلتلك مستحيل يعملها، حسام ممكن يشتم، يكذب أوحتى يضرب بس مش ممكن يقتل، وإحنا هنثبت برائته، صدقنى.

تبادل الجميع النظرات، بينما شعر رائف بقلبه يتضخم حبا لتلك التي تدافع عن طليقها بإستماتة وتثق به رغم كل ما فعله بها، ليتوجس هذا القلب في نفس الوقت خشية أن تكون باقية على حبه.
مسحت دموعه بحنان وهي تقول:
-هتروح مع خالتك سمر دلوقتى تغسل وشك وتاكلك لقمة وسيب موضوع بابا علية أنا وخالك، إتفقنا؟

أومأ برأسه فنهضت سماح وهي تشير لسمر التي أخذته إلى الشقة التي تقبع بالدور الأرضي، بينما إلتفتت سماح إلى مجد قائلة:
-وضعه إيه بالظبط يامجد؟
قال مجد:.

-لقوا نور مضروبة ضرب أفضى إلى موت وآخدة رصاصة في راسها كمان، والمشتبه الوحيد فيه طبعا كان حسام اللى هددها امبارح الصبح في الشركة قصاد عشرين موظف إنه هيقتلها وينتقم منها عشان خدعته وخلته يمضى على ورق ببيع الشركة ليها، طبعا لقوا بصماته في مسرح الجريمة وغالبا بيواجه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لإن نيته والواضحة من حالة الجثة، كانت قتلها بتصميم وانه ترصد بيها وفي الحالة دى بتبقى أقل عقوبة ممكن يواجهها دلوقتى هي السجن المؤبد ولو اقترنت قضية القتل بجنحة زي سرقة فلوس أو مستندات فده معناه إنه بيواجه الإعدام كمان.

شهقت وهي تضع يدها على فمها، جلست على الكرسي فلم تعد قدماها قادرتان على حملها، أطرقت رأسها للحظات بصمت ووقف الجميع يطالعونها بشفقة، لترفع عيونها إلى مجد قائلة:
-عايزة أزوره في أسرع وقت يامجد.
شعر رائف بغيرة حارقة تكوى هذا القلب الرابض بين أضلعه ولكنه كان مجبرا على الصمت بينما أومأ مجد برأسه قائلا:
-كنت عارف انك هتقولى كدة وقدمت طلب للنيابة بالتوكيل اللى انتى عاملاهولى، أدامنا يومين بالكتير، وتشوفيه.

يومان، هل ستستطيع الإنتظار كل تلك المدة؟فليعينها الله، أفاقت من أفكارها على صوت رائف يتنحنح قائلا:
-احمم، طيب الوقت إتأخر ياجماعة، وأنا شايف ان الكل يرتاح شوية عشان نقدر نفكر كويس.
أومأوا برءوسهم موافقون ليستطرد قائلا:
-أنا حجزت في فندق قريب من هنا ولو احتجتون...
قاطعه مجد قائلا:
-فندق إيه بس؟انت هتنام معايا ومع حسن في الشقة اللى تحت.
كاد أن يعترض فسبقه حسن قائلا:.

-مش هنقبل أي إعتراض، وأهو على الأقل ترحمنى من مواعظ الأخ ده.
وكزه مجد بغيظ ثم قال:
-مفيش داعى بجد لوجودك بالفندق واحنا موجودين، صدقنى ملوش لزوم تفضل رايح جاي.
نقل بصره بينهما ثم نظر إلى تلك التي تجلس بعيون متعلقة به ليدرك أن وجوده قربها سيريح قلبه قليلا، ليهز رأسه موافقا، هز مجد رأسه بإستحسان قبل أن يتجه لسماح رابتا على يدها، وهو يقول:
-هبعتلك سمر، كلى لقمة انتى كمان قبل ماتنامى، وخلى مراد معانا...

قاطعته قائلة:
-لأ، ابعتهولى محتاجاه ينام في حضنى النهاردة.
أومأ برأسه ثم إتجه للخارج مع حسن ورائف ليستوقفه صوتها المنادى بإسمه، إلتفت إليها فوجدها واقفة تتطلع إليه بإمتنان قائلة:
-أنا متشكرة أوى على وقفتك جنبى في المحنة دى واصرارك انك متسيبنيش، رغم ان بيرى أكيد واحشاك.
قال بصوت حان:.

-الغاليين على قلوبنا لازم نكون مطمنين عليهم ياسماح، بيرى كلمتها فيديو ومتطمن عليها مع ماجى ويوسف وجيسى، وكان لازم أتطمن عليكى انتى كمان.

لم تستطع التفوه بحرف فقط طالعته وهو ينظر إليها بحنان قبل أن يلتفت مغادرا، تاركا إياها في دوامة من المشاعر حملتها إليه كلماته ونبراته وتلك النظرة الحانية التي شملتها لتزيد خفقاتها بجنون، وضعت يدها على قلبها وهي تجلس مجددا، تحاول أن تنحى مشاعرها جانبا، لتفكر في القادم.

كانت تجلس بالخارج، في الشرفة تغمض عيناها المرهقتين بضعف، لقد نامت سمر مع طفلها للتو، ولكنها لم تستطع أن تحظى بقليل من النوم، تفكر فيما يحدث وكيفية الخلاص من تلك المصيبة التي حلت بهم، لقد كان اليوم مرهقا بشدة بالنسبة إليها، فإلى جانب رجوعها من رحلة عمل استنفذت طاقتها بالكامل، ثم معرفتها بهذا النبأ القاتل وقدومها إلى القاهرة ومن ثم مواساة طفلها، فهناك أيضا ذكرياتها القابعة بين أركان تلك الشقة، تخبرها جنباتها بما مرت به في السنوات الماضية، تخبرها قصة إمرأة تحملت وضحت ومنحت كل مالديها فلم تجد مقابلا لكل ذلك سوى النكران والخيانة، تخبرها قصة قصيرة حزينة عن ضلع إمرأة تحمل فوق طاقته حتى لم يستطع أن يتحمل أكثر فكسر، يذكرها هذا المنزل أنها تحيا بضلع مكسور يَإنّ كلما مرت اللحظات عليها يذكرها بقصتها الحزينة تلك.

انتفضت على صوت هاتفها، يعلن عن وصول رسالة إليها عن طريق تطبيق الواتس آب، فتحت الهاتف ونظرت إلى تلك الرسالة لتجدها منه هو، هذا الذي تنمو مشاعرها تجاهه بقوة ولكنها لم تعد تخشاها كما اعتادت أن تفعل، كانت رسالته عبارة عن كلمتين، ولكنهما زلزلا كيانها بالكامل،
-إنتى كويسة؟
وجدت أناملها تخط الكلمات:
-أيوة، متقلقش.
وصلتها رسالته على الفور:
-كنت متأكد إنك صاحية.
كتبت:
-هنام إزاي بس؟والوضع زي ما انت شايف.
كتب:.

-عشان تواجهى اللى جاي لازم تكونى قوية، لازم تدى لنفسك ولعقلك الوقت عشان يرتاح.
كتبت:
-وانت لسة صاحى ليه؟
كتب:
-اخواتك صاحيين، كانوا عاملين زي القط والفار وفجأة جالهم الاتنين اتصالات وكل واحد راح لحاله، لو أصورلك وشوشهم هتعرفى كل واحد بيتكلم مع مين.
ابتسمت ليدق قلبها بقوة حين وصلتها رسالته التالية:
-وبعدين محبتش أنام قبل ما أطمن عليكى.
أخذت نفسا عميقا ثم كتبت:.

-إطمن، هبقى كويسة، أثبت بس براءة حسام وهبقى كويسة.
وصلتها رسالته التي قرأت فيها بعض الغيرة ربما
-لسة بتحبيه؟!
كتبت:
-مش مسألة حب، حسام يبقى أبو ابنى وسمعة مراد من سمعة والده، ده غير انى متأكدة من برائته، وبعدين ده كان جوزى وبينى وبينه عشرة وعيش وملح يعنى لازم أعمل كل حاجة في وسعى عشان أساعده.
كتب:
-انتى أصيلة أوى ياسماح، مبقاش فيه منك.
شعرت بوجنتيها يحمران خجلا من كلماته البسيطة تلك لتقول بخجل:.

-شكرا، هسيبك دلوقتى عشان تعرف تنام، تصبح على خير.
كتب:
-تلاقى الخير، أشوفك الصبح.
بعثت له بعلامة الموافقة قبل أن تغلق التطبيق، تتنهد ثم تنهض لتنام وقد شعرت براحة غريبة من محادثة بسيطة منحتها ماتحتاجه بالضبط لتنام قريرة العين.

دلف حسن من الشرفة ليجد مجد جالسا بجوار رائف ليبتسم مجد قائلا:
-خلصت ياعم الحبيب، خلاص مش قادر متكلمهاش يوم واحد بس.
قال حسن بسخرية:
-ده على أساس إنك مش لسة مخلص مكالمتك مع زوزا.
قال مجد:
-دى مراتى وحبيبتى ولازم أطمن عليها.
قال حسن:.

-ودى حبييتى وهتبقى مراتى ولازم برده أطمن عليها، اللى بيحب بجد لازم يطمن على حبيبته قبل ما ينام، يتأكد إنها بخير، سواء بقى خاطبها، جوزها، مبتفرقش المسميات دى ولا إيه يامتر؟قول حاجة ياعم رائف.
إكتفى رائف بإبتسامة هادئة، يدرك صحة كلماته فلم يهنأ له بال حتى إطمأن على من خفق لها قلبه، بينما قال مجد:
-في دى غلبتنى ياأبو على، بس قوللى من امتى الكلام الكبير ده والحكم اللى بتقع منك دى.
ضم حسن ياقته قائلا:.

-طول عمرى.
ليجلس أمامهم وهو يستطرد بجدية:
-سيبكم بقى من الهزار وخلينا في الجد، إزاي هنقدر نثبت براءة حسام وهو فعلا بريئ ولا...
قاطعه مجد قائلا:
-مادام أختك واثقة في برائته يبقى أكيد بريئ وأنا حاسس بكدة كمان، حسام ممكن يكون ألف حاجة لكن قاتل، معتقدش، عموما مش هنقدر نعمل أي حاجة قبل ما سماح تزور حسام ونعرف أكتر عن ملابسات اللى حصل وأنا من بكرة هبدأ أعمل تحرياتى عن القتيلة.
قال رائف بجدية:.

-وأنا معاك، هساعدك بكل طريقة أقدر عليها.
قال حسن بجدية بدوره:
-كلنا معاك.
لينقل مجد بصره بينهما قبل أن يومئ برأسه بإرتياح.

تطلع إليها حسام في صدمة قائلا:
-سماح؟!
نظرت إليه سماح قائلة بهدوء:
-إزيك ياحسام، عامل إيه؟
قال حسام وهو يشير إلى جدران الغرفة:
-زي ما انتى شايفة، مسجون بين أربع حيطان، شفت جوة الزنزانة اللى عمرى ماحلمت أشوفه.
ليبتسم بمرارة مستطردا:
-من يوم ماسيبتينى والدنيا ملخبطة معايا ياسماح.
تجاهلت جملته الأخيرة وهي تقول:.

-مجد هيدافع عنك، هو عند وكيل النيابة دلوقتى بيطلع على المحضر وبإذن الله يلاقى ثغرة تطلعك من القضية دى وتثبت برائتك.
قال في لهفة:
-يعنى انتى عارفة انى بريئ؟لسة عندك ثقة فية.
طالعته قائلة بنبرة باردة:
-أكيد مبقاش عندى ثقة فيك، بس رغم كدة متأكدة انك مش ممكن تقتل.
أطرق رأسه بإحباط ثم رفعها إليها عندما قالت:
-أنا عايزاك تحكيلى كل حاجة عن نور.
قال بحيرة:
-اشمعنى؟!
قالت:.

-جايز في أي تفصيلة تقولها نلاقى حل اللغز ده، من الواضح ان القضية مش وراها سرقة، وده يبان من طريقة قتلها.
مرر حسام يده في شعره بتوتر قائلا:
-أنا معرفش عنها غير حاجات قليلة وكلها عرفتها بالصدفة.
رمقته بملامح خالية فقال بتوتر:
-ياسماح أنا متجوزتهاش عشان بحبها، أنا...
رفعت يدها تشير إليه بالصمت قائلة:.

-مش عايزة أي توضيح في موضوع جوازك منها لإن الموضوع ده ميخصنيش لو سمحت، أنا اللى يخصنى دلوقت انك تدينى أي معلومة تقدر تفيدنى وتفيد مجد في القضية، عشان نقدر نثبت برائتك ونخرجك من هنا، سمعتك دلوقتى تهمنى بس عشان خاطر مراد، ابنى وبس.
أطرق برأسه حزنا قائلا:
-وهو عامل إيه دلوقت؟
قالت بمرارة:
-تفتكر هيكون عامل إيه وباباه متهم في جريمة قتل وجه البوليس خده أدام عنيه؟أكيد متدمر نفسيا.
قال بألم:
-معاكى حق.
قالت:.

-الزيارة قربت تنتهى ياريت تحكيلى وبسرعة.
طالعها قائلا:
-هحكيلك ياسماح، هحكيلك كل حاجة أعرفها.

قالت سمر بسرعة:
-لأ طبعا تجيلى إيه بس؟انت إتجننت؟
زفر هادى قائلا:
-وحشتينى ياسمر، أعمل إيه طيب؟
قالت سمر برقة:
-انت كمان وحشتنى.
قال هادى بصدمة:
-سمر انتى قلتى انى وحشتك ولا أنا من قلة النوم بقى بيتهيألى حاجات كدة أستغر الله العظيم.
إبتسمت قائلة:
-لأ مش بتهيألك ياهادى، أنا قلت إنك وحشتنى لإنك فعلا وحشتنى، ووحشنى وجودك في حياتى.
قال هادى:
-أيوووووه بقى ياجدعان.
ضحكت قائلة:
-وقلبت إسكندرانى كمان.
قال بسرعة:.

- وهقلب دلوقتى صعيدى وأجولك اتوحشتك يابنت العم وجلبى جايد نار كمانى.
إزدادت ضحكاتها ليقول:
-لأ كدة كتير، مش هقدر أستحمل أنا هجيلك حالا.
توقفت عن الضحك قائلة بسرعة:
-يامجنون اوعى تعملها، احنا سايبين هاجر و زوزا في رعايتك ومش هينفع تسيبهم.
قال بإحباط:
-يعنى مش هقدر أشوفك.
قالت بإبتسامة:
-هتشوفنى وقريب كمان، ادعى بس الغمة دى تنزاح وكلنا هنرجع إسكندرية ونجتمع بأحبابنا من تانى ياهادى.
تنهد هادى قائلا:.

-يارب ياسمر، يارب.

أطرقت سماح برأسها تفكر فقال حسام:
-صدقينى معرفش حاجة أكتر من اللى قلتهولك، واللى ليل ونهار جوة الزنزانة بفكر فيه ومش لاقى في المعلومات القليلة دى أي طاقة نور.
رفعت رأسها تطالعه قائلة:
-متقلقش بإذن الله احنا هنلاقى، وأوعدك ياحسام إننا هنطلعك من هنا في أقرب وقت.
أمسك يدها بلهفة قائلا:
-أنا مش عارف...
قطع كلماته نفضها يده فإستطرد قائلا بحزن:
-أشكرك إزاي؟
قالت بهدوء:.

-متشكرنيش، قلتلك أنا بعمل كدة عشان خاطر ابنى وبس.
صمت فقاطعهم دلوف الحارس يعلن عن انتهاء الزيارة، فرأى حسام هذا الرجل الذي يمقته يقف في الخارج يطالعهما بهدوء، ليقول بحدة:
-الراجل ده جاي معاكى لحد هنا كمان، مش قلتلك انك...
قاطعته قائلة في برود امتزج بصرامة:.

-حياتى الخاصة متخصكش، ومن الآخر ياحسام اللى يمسك بإيدى، ويقف جنبى ويرفض التخلى عني، اللى يشترينى بإهتمامه ويقدرنى مستحيل أبيعه أو أتخلى عنه مهما كان.
قالت كلماتها ثم خرجت بهدوء ليضم قبضته بقوة ويضرب بها الحائط ليشعر بالألم الذي تعدى يده ليربض في قلبه، يدرك أنه من جلب ذلك لنفسه وليعض فقط أنامله من الندم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة