قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

العشق يتسلل لقلوبنا دون أن ندرى، يتغلل بالوجدان دون إستئذان، يجرى في الشرايين ويصبح جزءا منا، وحين ندرك وجوده نستسلم له، فقد فات أوان المقاومة، وضعفت حصون الكيان.

كانت تمسك بفنجال قهوتها ترتشف منه بهدوء، شاردة في أفكارها التي تدور مؤخرا حوله، لقد قاومت مشاعرها كثيرا وتصدت لها أكثر، تستحضر صورة والدها على الدوام كي تقوى من حصون هذا القلب الذي يتمسك بعناده، ولكن أنهكتها المقاومة حقا، وأصبحت على مشارف الإستسلام.

كانت تضع فنجال القهوة على المكتب في خضم شرودها ولكنه وقع لينكسر بصوت مسموع، زفرت في حنق ونهضت تجلس على ركبتيها، ترفع الأجزاء المكسورة، لتجرحها إحدى الأجزاء بقوة، فتأوهت بألم،.

كاد أن يطرق الباب حين سمع تأوهها المكتوم، ليسرع بالولوج إلى الحجرة، ينظر إليها وهي تحاول أن تكتم الدماء بيدها، ليسرع إليها ويجثو بركبتيه إلى جوارها يخرج منديله من جيبه، يلف به كفها، إلتقت عيناها بعينيه ولأول مرة يرى الضعف فيهما، لأول مرة تصله بعض المشاعر تجاهه من قبلها، لأول مرة تصله خفقاتها المتسارعة وتظهر في إنتفاضة هذا العرق النابض بقوة في عنقها، ليتأملها بحب قائلا:
-سمر أنا...

صمت يتوق لإعتراف يريح قلبه ولكنه يخشى ردة الفعل على كلماته، يخشى فراق قد تبغيه هي إن أدركت مشاعره، ولكنها حسمت تردده عندما قالت بعيون ربض بهم رجاءها الحار أن يتحدث وينهى مقاومتها:
-إنت إيه ياهادى؟
قال بعيون ظهر بهما العشق واضحا:.

-الحكاية مبقتش تمثيلية وأنا خلاص مبقتش قادر أخبى، أنا بحبك ياسمر، بحبك من أول يوم شفتك فيه، وحبك كان كل يوم بيكبر جوايا، سمر انتى بالنسبة لى حاجة كبيرة أوى، انتى بالنسبة لى حياة.
شعرت بأنفاسها تحتبس داخل صدرها، بكيانها يذوب، لم تستطع أن تحيد بنظراتها عنه، ولكنها نهضت ببطئ لينهض بدوره، تأمل إضطرابها ولكنه أحس بضعفها فاقترب منها قائلا:
-أنا مش مستعجل وعايزك بس تفكرى في تحويل الخيال لحقيقة، أنا...

قاطعه اهتزاز هاتفها بقوة يعلن عن وصول عدة رسائل، إضطرت إلى أن تخرج من حصار نظراته، وهي تمسك هاتفها قائلة بإضطراب:
-لحظة واحدة، أكيد فيه حالات طارئة وصلت المستشفى وبيستدعونى.
كانت تنظر إلى تلك الرسائل مع كلماتها الأخيرة، لتتسع عيونها بصدمة، تنظر إليه باستنكار، ثم تعاود النظر إلى رسائلها وسط حيرته، قبل أن تتحول عيناها لكتلة من الجليد كلية، وهي تنظر إليه قائلة:
-إنت كداب وغشاش، وخاين، زيك زيهم بالظبط.

عقد هادى حاجبيه يمسك يدها قائلا:
-سمر...
نفضت يدها من يده مقاطعة إياه وقد تصدعت ملامحها الجليدية قائلة بغضب:
-متنطقش إسمى على لسانك، واعتبر التمثيلية انتهت خلاص يادكتور، أنا مستقيلة.
وتركته مغادرة الحجرة بسرعة، تسمح لدموعها بالظهور لتخرج مكنون قلبها الحزين، بينما كانت هناك عيون تنظر لها وهي تغادر دامعة في شماتة، ترتسم على شفتيها إبتسامة مقيتة.

هز هادى رأسه بصدمة، بحيرة، يتسائل عن ما رأته بهاتفها وجعلها تتفوه بكل تلك الكلمات الجارحة لقلبه، حتى إهتز هاتفه بدوره يعلن عن وصول عدة رسائل، فتحه بسرعة آملا في أن يكون في تلك الرسائل تفسيرا لما يحدث،
ولقد كان، فقد إتسعت عيونه بصدمة، وهو يتصفح تلك الرسائل، قبل أن يغمض عينيه في ألم، يلعن مرسلها.

كانت سماح تلمع أثاث المنزل، حتى وصلت إلى تلك الصور التي تضعها فوق المدفئة، شعرت بالحنين وهي تمسك الصورة الأولى، كانت صورة زواجها، تذكرت هذا اليوم، لقد كان من أجمل أيامها، بل الأجمل على الإطلاق، حين كانت تظن أن الحياة وردية، تركت الصورة في حسرة لتتنقل بين الصور الأخرى ترى نفسها بين أخواتها، تأملت ضحكتها، تلك الضحكة التي تشع في عيونها قبل شفتيها، تشرق وجهها بالسعادة، أين ذهبت تلك الضحكة، أين ضاعت تلك اللمعة بعينيها؟ذهبت دون رجعة، ذهبت مع كل موقف مر عليها مع حسام، كان فيه بعيدا عنها، ولم يكن بجوارها عندما احتاجته، ذهبت مع كل إنتظار لمشاعر خبت جذوتها، ذهبت مع رغباتها العميقة بأن يدعها تمارس شغفها وأجابها بتعنته، ذهبت مع غيرته المرضية والتي أرهقتها نفسيا، حتى أنه كان يغار حين تهتم بأخواتها، يقلب الدنيا ويقعدها لإنها تركته وحده يشاهد المباراة، عندما إستدعتها أختها لتسألها عن شيئ ما ذات مرة.

ذهبت ضحكتها بلا رجعة في هذا اليوم الذي أصاب كفه وجهها، فكسر روحها، ربما قالت انها سامحته ولكن بداخلها تعلم أنها لم تسامحه، فقلبها يَإنّ.

فقط للذكرى، ودموعها عادت تبلل وجنتيها من جديد، أعلن هاتفها عن وصول بعض الرسائل، فأسرعت تحضره وتفتح تلك الرسائل، لتتسع عيناها بصدمة وهي ترى وثيقة زواج مصورة، بإسم زوجها، وفي خانة الزوجة كان هناك إسم آخر غيرها، إسم نور، مديرة مكتبه، أعادت قراءة الصورة تكذب عيناها، ترفض تصديق ما تراه، تمالكت نفسها وقرأت الرسالة التالية والتي كتب فيها،.

لو كدبتى الصورة، تعالى بنفسك وشوفى الحقيقة، هو هناك دلوقتى، معاها، ساب حضنك وراح لحضنها، هبعتلك العنوان في ماسيدج، بس تعالى بسرعة قبل ماينزل ويروح شغله، الساعة بتمر، تك توك، تك توك
فتحت الرسالة التالية لتجده عنوان قريب منها، أمسكت هاتفها بقوة، ثم ارتدت حذائها وحملت حقيبتها، تنطلق بقلب واجف إلى هذا العنوان، تبتهل إلى الله أن يكون مرسل تلك الرسائل، هو شخص كاذب، كلية.

توقف حسن أمام باب الشقة، ينتظر خروج هاجر، لينطلقا سويا إلى المكتبة كما أخبرته هاجر البارحة، ظهرت هاجر على عتبة الباب، وتوقفت حين إلتقت عيناها بعينيه، ألقى نظرة على لباسها المحتشم برضا، أربكتها النظرة، أفسح لها الطريق لتتقدمه، فتقدمته هابطة درجات السلم، كاد ان يتبعها لولا أن إستوقفه صوت سمر وهي تقول بإرتباك:
-أستاذ حسن.
إلتفت إليها متسائلا، لتستطرد قائلة:.

-الحقيقة، أنا كنت عايزة أسأل أستاذ مجد على حاجة، هو نزل الشغل خلاص؟
قال حسن بهدوء:
-أيوة نزل، بس الحقيقة هو هيسافر القاهرة، عشان يطمن على سماح، ومش هيرجع النهاردة، يعنى لو عايزاه ضرورى كلميه.
هل سافر القاهرة بالفعل؟ومن هي تلك الفتاة التي سافر من أجلها؟لم تنطق بتساؤلاتها وهي تقول:
-لأ مش ضرورى، لما يرجع من السفر بالسلامة بإذن الله.

أومأ حسن برأسه، ثم غادر، بينما أغلقت سمر الباب، تستند بظهرها عليه، ترفع يدها إلى خافقها الذي يكمن فيه شعور غير مألوف بالمرة لديها، هو ألم غريب نتج عن إدراكها أن تلك الفتاة والتي تدعى سماح ربما تحتل مكانة كبيرة في قلبه،
ألم ناتج ربما عن الفراق، فقد يمر يوما كاملا دون ان تراه على الإطلاق ولكنها تدرك أنه هنا، بجوارها، إن إحتاجته وجدته،.

أو ربما هو ألم ناتج عن الشوق، الشوق لرؤية ملامحه وسماع نبراته الهادئة ونظراته التي تتغلل إلى وجدانها،
ألم خشيته وأصابها برهبة، فليس له سوى معنى واحد، هي تقع في غرامه وبقوة، وهنا تقبع الجريمة، جريمتها في حق نفسها وحق رجل مازالت متزوجة إياه، حتى وإن أيقنت بداخلها أنه، لا يستحقها.

الغدر والخيانة يكمنان في دماء الخائن، كآفة تسرى بدمائه...
يعطبان كيانه، ويدمران آدميته، إنهما كمرض ميئوس منه، لا علاج له، وفي النهاية، يحطم نفسه، وكل من يحب.
عقد حسام حاجبيه قائلا:
-يعنى جايبانى على ملا وشى يانور عشان عندك شوية مغص؟
إقتربت منه نور وهي تمسك يده تضعها على جانبها الأيمن قائلة بدلال:.

-ده مش اي مغص ياحبيبى، ده مغص في جنبى اليمين، يعنى ممكن تكون الزايدة، وانا لوحدى زي ما انت عارف وخايفة.
قال حسام بتافف:
-أيوة بس...
قاطعته واضعة سبابتها على شفتيه تمنعه من الحديث قائلة:
-من غير بس، بقولك خايفة، هتسيبنى لوحدى وأنا تعبانة.

نظر إلى الرجاء في عينيها، فرغما عنه لم يستطع أن يخيب رجاءها، فلأول مرة تطلب منه أن يمكث معها وهي مريضة، لتبتسم عيناه، ابعدت سبابتها، وهي تبتسم بدورها تخلع عنه رباط عنقه لا تحيد بناظريها عنه، ولا يحيد بناظريه عنها، رفعت نفسها تقبله على وجنته بإغراء، تبتعد ببطئ ليوقف إبتعادها عنه يضمها بقوة يغمرها بقبلاته، يغوص في بئر الخيانة بعمق، لا يشعر بذنب، فخيانته كما أطلق عليها ليريح ضميره، خيانة شرعية.

توقفت يد سماح قبل أن تطرق باب تلك الشقة، تضمها بقوة، تتردد لثوان، ماوراء هذا الباب، سيقتلها إن كان صحيحا، ربما وجب عليها العودة من حيث أتت، ربما إرتضت بإخفاء الحقيقة عن عقلها وقلبها، ربما من الأفضل لها أن لا تعلم،.

لتغمض عيناها بألم، تساءل نفسها المكلومة، ألهذه الدرجة تحبينه؟ترتضين الحياة معه وأنت تشكين بخيانته على أن تتيقنى منها وتبتعدى عنه؟ألهذه الدرجة ضاع كيانك في كيانه، لتشعرين بأنك إن إبتعدتى عنه، صرتى بلا كيان؟
ألهذه الدرجة ضعفتى أيتها المسكينة، فلن تقوى على مجابهة الحقيقة وتفضلى الجهل عليها؟
ألتلك الدرجة جعلك حسام إمرأة بلا هوية؟جعلك لا شيئ تقريبا.

فتحت عيناها وقد إرتسمت القسوة فيهما، لا، ربما هي إمرأة ولكنها ليست ضعيفة، خلقها الله لِتُكْرَم، ليرفق بها، لم يخلقها لتهان، لم يخلقها لتعذب بالخيانة، لم يخلقها لتعيش بإنكسار،
لتدق جرس الباب بسرعة، ففتح الباب على مصراعيه وظهرت نور على عتبته، عيونها تنطق بشيئ أصاب قلب سماح في الصميم، تدرك أن ما ستراه بالداخل سيؤلمها، سيطيح بأحلامها وحياتها، سيقتلها حقا،
قالت سماح ببرود:
-هو فين؟

تظاهرت نور بالارتباك قائلة:
-هو مين؟
تخطتها للداخل تبحث عنه، فأسرعت نور إلى الغرفة التي يوجد بها حسام، تقف امامها، تتظاهر بالقلق والخوف قائلة:
-لو سمحتى، كدة مايصحش يامدام سماح.

أزاحتها سماح من طريقها وهي تفتح الباب، لتصطدم عيونها بعينيه، كان يقف متجمدا بدوره، تأملت هيئته، يرتدى ملابس بيتية مريحة، وكأنه في منزله، في حجرة نومه، إنه بالفعل في بيته وفي حجرة نومه مع زوجته، وهي الغريبة بالفعل، غشيت عيونها الدموع، شعرت بالطعنة تخترق صدرها، إنه هنا، يخونها، يحطمها كلية، دون شفقة أو رحمة.

رفع يده بإتجاهها، فهزت رأسها رفضا، بألم، قبل أن تلتفت مغادرة، تسلم ساقيها للرياح، لتتابعها عيون نور، يظهر على شفتيها، إبتسامة إنتصار.

الأصعب من الخيانة أن تكون مجبرا على إحتواء ألم الحقيقة المفجعة، وهو أنك لم تكن كاملا في عيون من تحب، أو أنه رأى في غيرك ما عجزت عن منحه إياه دون إرادتك،
الأصعب من الخيانة أن تدرك أن كل ما فعلته من أجل من تحب، كل مامنحته إياه وكل سنواتك معه، كل مشاعرك وتضحياتك، ضاعت سدى.
والأصعب من إدراكك خيانته مع غيرك هو إدراكك أنك قد طعنت بخيانته مرارا وتكرارا، ولم تشعر بالخيانة سوى الآن.

فالإهمال خيانة، التجاهل خيانة، التعنت خيانة، القسوة والتجبر خيانة
خيانة لكل الوعود التي أقسم أن يحققها وكل الأماني التي رسمها لك
خيانة لقلبك الذي أعطى دون مقابل فلم يجنى سوى، الخيانة.

كانت تبكى بحرقة حتى أنها أخفقت في فتح الباب عدة مرات، لا تدرى كيف عادت إلى المنزل، لقد سارت تلك المسافة بخطوات متعثرة تغشاها الدموع، عادت تشعر بأنها إنسانة مغدورة، طعنت بقوة بسكين الخيانة البغيض، تنزف شرايينها، تشعر بالروح تغادرها، تثق بأنها لن تستطيع أن تتحمل ما حدث، ما إن دلفت إلى المنزل وألقت حقيبتها أرضا، حتى سمعته يفتح الباب ويدلف بدوره، إلتفتت إليه تطالعه بجمود، تحجرت دموعها داخل مقلتيها، وتأملته في برود، كان الخزي يملأ ملامحه، الندم في عينيه يعلن عن نفسه بوضوح، لم يهتز لها جفن ولم يضعف وتينها كعادتها معه، بل شعرت به يتحجر، تزداد برودته حتى أصابتها بالصقيع، إقترب منها بسرعة يمسك يدها قائلا:.

-سماح أنا، أنا...
نفضت ذراعه تقول في غضب:
-إنت إيه، ها، إنت إييييييه؟أظن هتقولى غلطان وسامحينى، أظن فاكر إن ندمك ممكن يأثر فية، أظن فاكر إنى ممكن أسامحك على اللى عملته ده؟مش كدة؟
عقد حسام حاجبيه وهو يراها لأول مرة بهذه الحالة، غاضبة منه بشدة، تصله شرارات حنقها ومرارتها، ليقول بإضطراب:
-صدقينى كان غصب عني...
قاطعته هادرة:.

-هو إيه ده اللى غصب عنك؟إنك تخون عشرة السنين كان غصب عنك؟إنك تدمر كل الوعود اللى إديتهالى كان غصب عنك؟إنك تطعنى في ضهرى وتحسسنى إنى مكنتش كفاية عليك وإنى ولا حاجة بالنسبة لك كان غصب عنك؟
ليتهدج صوتها وتتصدع ملامحها، يظهر ألمها في عيونها الدامعة وهي تستطرد قائلة:
-إنك تإذينى وتدمرنى وتدمر قلب عمر ما كان همه غير سعادتك كان غصب عنك؟يا شيخ،.

ده أنا إديتك كل حاجة ومخدتش ولا حاجة، كان كل همى سعادتك وراحتك وبس،
ده أنا مكنتش بنام قبل ما ترجع البيت وأطمن عليك، أشوف أكلت ولا شربت، مرتاح ولا فيه حاجة مضايقاك في الشغل؟كانت اهتماماتك اهتماماتى وهمك همى؟مكنتش بفكر غير فيك انت وبس وناسية نفسى، بعد ده كله تقولى كان غصب عنك؟أعمل بيهم إيه الكلمتين دول؟قوللى أعمل بيييهم إيييه؟

هيرجعولى كرامتى اللى دوستها برجليك، ولا هيرجعولى سنين عمرى اللى ضاعت هدر ولا هيرجعونى سماح بتاعة زمان اللى تاهت ملامحها معاك؟
لترفع يدها تضعها على قلبها تشعر بالألم في نبضاته، مستطردة بصوت مذبوح:
-قلبى بيوجعنى أوى، حاساه خلاص بيموت، بيموت من سكينة غدرك اللى دبحته بيها بكل برود، آاااه ياقلبى، آاااه.
مد يده إليها لتوقفه بإشارة من يدها ونظرة حزينة ملتاعة تطل من عيونها، وهي تقول:.

-متلمسنيش، مبقاش ليك حق تلمسنى، مبقاش ليك حق فية ياحسام.
عقد حاجبيه متوجسا وهو يقول:
-قصدك إيه؟
نظرت إليه بكره وهي تمسح دموعها قائلة بحزم:
-يعنى من اللحظة دى أنا معتبرة نفسى مش مراتك، ولازم تطلقنى، حالا.

كانت تبكى بحرقة تضم ركبتيها إلى صدرها، وتستند بذقنها عليهما، تشعر بالضياع، بالوحدة تقتلها، حتى في أحزانها، لم تكن لها قط صديقة سوى أختها سماح وزوجة أخيها زوزا، لم يكن لها أحد أبدا سوى أخواتها، خاصة مجد الذي كانت تفضى له دائما بمكنون صدرها، ولكنه الآن بعيدا عنها، والآن، لا أحد بجوارها، حتى شقيقتها سماح لم تكن موجودة عندما صعدت إليها فور عودتها للمنزل لتلقى بنفسها بين ذراعيها، تخبرها عن كل ما حدث معها، لقد إتضح أن هادى خائن كأبيها تماما، لم يعد لديها شك في ذلك، لقد رأت صورته مع زوجته في تلك الرسائل التي بعثوها إليها، رأت خطابات لها يبثها فيه شوقه وعشقه، تحمل إسمها (زهرة)زهرته الجورية كمان كان يناديها في خطاباته، شعرت بالغيرة الحارقة، لتغمض عيناها بقوة، تلوم نفسها، لا حق لديها في غيرتها، إن زهرة هي الأولى به وبمشاعره وحبه لا هي، لماذا تركت نفسها تتوق إليه، لماذا إستسلمت لمشاعرها ولماذا هو بالذات؟بعد أن قاومت كثيرا كل الرجال في حياتها، لماذا هو بالذات؟ألإنه بدا مختلفا، ألإنه كان مميزا؟أي إختلاف وأي تميز؟ كل الرجال سواء.

أفاقت من أفكارها لتفتح عيناها على مصراعيها حين سمعت الباب يفتح، تأملت الدالف والذي تجمد لدى رؤيتها بتلك الحالة، لتنتفض واقفة، تسرع إليه، تلقى بنفسها بين ذراعيه، تبكى بقوة، ليضمها مجد على الفور يربت على ظهرها مهدئا، نعم فلتهدأ أولا، ثم سيعرف ما بها، لاحقا.

كان هادى يجول جيئة وذهابا كليث جريح، يدرك حالتها الآن وظنونها به، ولها كل الحق في ذلك، ترفض جميع إتصالاته، وتصيبه بالجنون، تبا، من مرسل تلك الرسائل وما غرضه من إرسالها؟ومن أين جاء بها؟ليتوقف وفي عيونه إرتسمت الصرامة، لقد كانت تلك الرسائل في حجرة مكتبه، إذا هناك من تسلل إلى مكتبه وأخذ صورا لتلك الرسائل، شخص يبغى أن يؤذى سمر، وهو لن يسمح بأذيتها أبدا بل سيمحى من يمسها بسوء من سجل الأحياء، ليتجه إلى هاتف المشفى ويقوم بالإتصال برقم ما، وما إن أجابه محدثه حتى قال في حزم:.

-عايز شرايط الكاميرا اللى في أوضتى في اليومين اللى فاتوا دول، حالا.

قال مجد بهدوء:
-بصى ياسمر أنا شايف ان فيه تفسير منطقى عند هادى للى شفتيه على الموبايل ده، هادى مستحيل يكون الشخص اللى انتى بتوصفيه، انا عرفته كويس فمستحيل أصدق إنه إنسان وحش أو خاين.
قالت سمر بمرارة:
-ميهمنيش و مش فارق معايا، أنا تعبت من المستشفى دى ومش هشتغل فيها تانى، هدور على مستشفى تانية أشتغل فيها، وأريح نفسى من كل ده.
ربت مجد على يديها قائلا:.

-اهدى بس، إيه رأيك تيجى معايا إسكندرية وتشتغلى هناك في مستشفى والد عادل صاحبى؟
نظرت إليه سمر بعيون شعت فيهم السعادة، لتنطلق مجددا إلى حضنه قائلة:
-فكرة حلوة اوى، ربنا يخليكى لينا يامجد.
ربت مجد على ظهرها قائلا بحنان:
-ويخليكوا لية، قومى بقى إغسلى وشك وتعالى نطلع لسماح عشان أسلم عليها، وحشتنى أوى.
قالت سمر:
-هوا.
كادت ان تنهض حين إستمعا سويا لصوت صراخ غاضب بالخارج، ليعقد مجد حاجبيه وسمر تقول بدهشة:.

-مش ده صوت حسام؟
أومأ مجد برأسه قائلا:
-أيوة.
قالت سمر بقلق:
-طب تعالى نشوف فيه إيه؟
قال مجد:
-مش عايز أتدخل في خصوصياتهم.
قالت سمر:
-شكل الموضوع كبير يامجد، وصوت حسام جايب لآخر الشارع، مبقتش خصوصيات على فكرة.
نهض مجد يتجه إلى الخارج قائلا:
-معاكى حق.
تبعته إلى الخارج، ليعقدا حاجبيهم وبعض أطراف الحديث تتناهى إلى مسامعهم.

قال حسام بغضب:
-لو فاكرة ياهانم إنى ممكن أطلقك تبقى بتحلمى، إنتى هتفضلى على ذمتى، إيه يعنى إتجوزت عليكى، مش ده شرع ربنا، مش ربنا حلل الجواز مرة تانية ولا حرمه؟
قالت سماح بمرارة:.

-ربنا حلله فعلا، بس لما أكون انا مقصرة في حاجة وهتلاقيها مع غيرى، بس أنا عمرى ما قصرت معاك، متجيبش بقى سيرة الشرع دلوقتى، عشان رسولنا عليه الصلاة والسلام برده قال رفقا بالقوارير وإنت عمرك ما رفقت بية، متاخدش من الشرع اللى يمشى مع أهوائك وبس، إتقى الله ياحسام.
إقترب منها يمسك بذراعها بقسوة قائلا:
-انتى كمان طلعتينى كافر.
قالت بألم:
-أنا مقلتش كدة، سيب إيدى ياحسام.
اقترب منها قائلا بصوت كالفحيح:.

-طب إيه رأيك بقى إنى مش هطلق وهخليكى كدة متعلقة لا طايلة سما ولا أرض، هتعيشى خدامة في بيتى ياسماح لغاية لما تتعدلى.
أغروقت عيناها بالدموع مجددا قائلة بألم:
-ياخسارة ياحسام، ياريتنى ماشفتك ولا عرفتك، طلعت ندل بإمتياز.

إنتفخت أوداجه غضبا ليترك ذراعها وينهال على وجهها بصفعة قوية، في تلك اللحظة التي دلف فيها مجد إلى الشقة حيث ترك حسام الباب مفتوحا، شهقت سمر وهي تسرع إلى أختها التي إرتمت أرضا من قوة الصفعة، تسيل الدماء من شفتيها، بينما أسرع مجد إلى حسام، ينهال على وجهه باللكمات، يقول في غل:
-بتضربها ياندل ياحقير، دى الأمانة اللى سيبناها عندك، ده دينك ياعديم الدين والرجولة.
قالت سماح بضعف:.

-سيبه يامجد، سيبه هيموت في إيدك.
توقف مجد عن ضرب حسام، وهو ينظر إليها بصدمة قائلا:
-لسة خايفة عليه؟
تحاملت سماح على نفسها لتنهض بمساعدة سمر، تأوهت بألم وهي تمسك ذراعها، فأدركت سمر بعيون الطبيبة أن ذراعها قد تأذى، لتنظر إلى حسام بكره، إقتربت سماح منهما قائلة وهي تنظر إلى عيني مجد مباشرة قائلة بقوة:.

-مبقاش يهمنى في شيئ، ولا يعنيلى، والله من النهاردة محيته من حياتى ولا بقى يفرق معايا خالص، أنا خايفة عليك انت، تروح في داهية عشان واحد ميستاهلش.
ثم نظرت إلى حسام الذي نظر إليها بخزي، لتقول بجمود:.

-هتطلقنى ياحسام، وحالا، وإلا قسما عظما هرفع عليك قضية خلع، وهبهدلك وافضحك في شغلك وابقى قابلنى لو شركتك اللى انت فرحان بيها دى قامتلها قومة بعد كدة، طلقنى ياحسام وحالا والا هتشوف واحدة تانية عمرك ما اتخيلتها ولا حلمت تشوفها.
نظر حسام إلى عينيها يبحث عن طيفه الذي لطالما رآه بداخلهما فلم يجد غير عيون خالية من الحياة يثق بأنها قادرة على تنفيذ تهديداتها دون تردد، ليطرق برأسه ألما وهو يقول بحرقة:.

-إنتى طالق.
أغمضت سماح عيناها ثم فتحتهما مجددا، لتسير بخطوات ثابتة بإتجاه باب المنزل، تغادر هذا القفص الذهبي التي ظلت سجينته بإرادتها، تغادره الآن بإرادتها أيضا، للأبد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة