قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

فتح الباب بهدوء ليتوقف متأملا تلك النائمة على سريرهما في وضع الجنين تمنحه ظهرها الذي يهتز ببطئ يعلن بكل وضوح عن بكائها الذي تكتم صوته، آلمه حالها الذي كانت والدته سببا فيه، إقترب منها حتى توقف خلفها تماما ليقول بحزن:
-ماجى.
أسرعت ماجى تمسح بيديها دموعها المنهمرة على وجهها ثم إعتدلت جالسة تنظر إليه قائلة بصوت خرج منها رغما عنها حزينا:
-خير يايوسف.

جلس بجوارها ينظر إلى عيونها المنتفخة من البكاء قائلا بحنان حزين:
-تفتكرى لو خبيتى عني دموعك مش هحس بيكى ياماجى؟ده أنا يوسف، باباكى وأخوكى وجوزك وحبيبك.

غشيت عيونها الدموع فأسرعت تطرق برأسها، مد يده يرفع ذقنها لتقابله عيناها التي سقطت دموعها على وجنتيها، ترسم نهرين متدفقين لم تستطع هي أن توقف تدفقهما اليوم، بإدعاء حواجز اللامبالاة والهدوء، فقد طفح بها الكيل وهي تتحمل تصرفات والدته التي تبغى بها إستفزازا لها، وإظهارها كإمرأة لا تستحق أن تكون زوجة لوحيدها، فاض بها حقا وهي تخبر نفسها مرارا وتكرارا أنها أم ترى ولدها كملكا متوجا بين الرجال يستحق الأفضل بين النساء كأميرته وهي بالتأكيد في نظرها ليست الأفضل، بل إبنة شقيقتها من تستحقه، تلك الأميرة الشقراء المدللة والتي تليق بيوسف الشرقاوى، ولدها الوحيد.

أفاقت من أفكارها على يديه التي مسحت دموعها بحنان قائلا:
-أنا آسف، آسف على كلام سمعتيه...
وضعت يدها على فمه تقاطعه قائلة:
-متتأسفش يايوسف، انت ملكش ذنب.
أزاح يدها قائلا في مرارة:.

-لأ، لية، ذنبى إن والدتى مش قادرة تتقبلك وبتسمعك دايما كلام يحرق الدم وأنا واقف أتفرج ومش قادر أمنعها، خايف تغضب علية وأغضب ربنا بغضبها، ذنبى إنى مش قادر آخدك وآخد بنتى ونبعد عن هنا خالص لأن ده معناه إنى هبعد عنها هي كمان وده ممكن يقتلها لإنى إبنها الوحيد، ذنبى إنى واقف عاجز أدام دموعك، مش قادر أوفى بوعدى ليكى لما قلتلك إنك مش هتدمعى تانى طول ماانا معاكى.

أغروقت عيناه بالدموع مع كلماته الأخيرة وتهدج صوته لتقول ماجى على الفور:
-ماتشيلش نفسك فوق طاقتها، حياتى معاك حلم بتمنى كل يوم مصحاش منه، أنا معاك مش بس أستحمل تصرفات بسيطة من مامتك، ده أنا مستعد أستحمل أكتر من كدة كمان، إيه يعنى كلمتين وقالتهم؟الكلام مبيموتش، الست اللى جابت وربت رجل زيك يايوسف، يتباس إيدها و تتشال على الراس، وعلى فكرة بقى أنا مقدرة برك بيها، وبحبك أكتر بسبب خوفك عليها.

نظر إليها بعيون عاشقة أغروقت بالدموع وهو يقول:
-ياريت ماما تسمعك، كانت عرفت إنى إخترتلها أحسن زوجة إبن في العالم.
لتسقط من عيونه سهوا دمعة على وجنته أسرعت هي بإزالتها قائلة بعشق:
-وأنا محظوظة بإبنها يايوسف، أنا عايزاك تعرف حاجة واحدة بس، لو رجع بية الزمن هختارك إنت، وهحبك إنت، لإن اللى أنا عايشاه معاك مكنش ممكن أعيشه مع أي حد تانى.
إحتضنها بلهفة، مغمضا عينيه بقوة وهو يقول:.

-بحبك أوى ياماجى، من أول يوم شفتك فيه لما كنتى طالبة عندى في الكلية ولغاية النهاردة، بتبهرينى بجمالك من جوة زي برة بالظبط، جمالك كل يوم في عينى بيزيد ياحبيبتى.
أغمضت عينيها تقول بدورها:
-وأنا كمان بحبك يايوسف، بحبك أوى.

نفض مجد تلك الصدمة التي اعترته لدى مرأى الشيخ سالم وبقية الرجال، وهو ينظر إلى الشيخ سالم بثبات قائلا:
-إتفضل ياشيخنا، خطوة عزيزة، أنا عارف إنى مقصر معاك بس والله لو عرفت ظروفى هتعذرنى.
تقدم الشيخ سالم صاعدا الدرج مع الرجال حتى توقف أمام مجد وحسن رامقا إياهما بصرامة قبل أن تستقر نظراته على مجد قائلا:.

-فضونا من السلامات ياولاد الحاج محمود الصعيدى، وخلونا في المهزلة اللى انتوا عاملينها دى، مش عيب ياولاد الراجل الطيب تنجسوا بيته بعد مماته.
ظهر الغضب على وجه حسن بينما قالت سمر في حدة:
-إنت بتقول إيه ياراجل إنت...
قاطعها مجد قائلا بحزم:
-إسكتى إنتى ياسمر.

رغم نبرته الآمرة الحازمة، إلا أن سمر أطاعته و صمتت على الفور وهي ترى تلك النظرة في عينيه والتي أخبرتها أن عليها حقا أن تستمع لأوامره في تلك اللحظة، لتنظر إلى الجميع بحنق بينما إلتفت مجد إلى الشيخ سالم قائلا بهدوء:
-ومش حرام ياشيخنا تتهم حد من غير بينة.
ظهر الإرتباك قليلا على وجه الشيخ سالم، إلا أن وجهه إستعاد صرامته وولده مرتضى يستطرد بسخرية:.

-ما البينة واضحة أهى، تقدروا يابهوات تقولولنا بتعملوا إيه هنا في وقت متأخر زي ده؟
قال حسن بغضب:
-إخرس إنت خالص ولا نسيت إنت عملت إيه؟
قال مرتضى بقوة:
-شايف ياابا البجاحة.
أشار الشيخ سالم إلى ولده بالصمت قائلا:
-أسكت إنت يامرتضى.
ثم إلتفت إلى مجد قائلا:
-وإنت ياابن الصعيدى، ما تجاوب على السؤال، قوللى بتعمل إيه في بيت البنات دول في وقت زي ده؟
نظر مجد بثبات إلى الشيخ سالم قائلا:.

-فيه حد برده يسأل راجل عن سبب وجوده في بيته ومع مراته في أي وقت، ده حتى تبقى عيب ياشيخنا.
إتسعت عينا مرتضى وظهرت الصدمة على وجه الشيخ سالم وبقية الرجال، بينما رمق حسن مرتضى بسخرية امتزجت بالغضب، غافلين عن تلك التي إتسعت عيونها بشدة من الصدمة لدى سماعها لكلمات مجد.

كانت سمر تقف في شرفة حجرتها تتأمل السماء أمامها في شرود، تنهدت وهي تضع فنجال قهوتها على سور الشرفة، تنظر إليه، تلك القهوة التي تذكرها به ايضا، تماما ككل شئ يخصه، تتساءل عن سر إضطرابها كلما جالت كلمات هادى في خاطرها وكلما تراءت لها صوره في مخيلتها، لقد أعلنت اليوم إستسلامها لمنطقه، وأقرت بإختلافه عن فكرتها التي رسمتها عن الرجال، ولكنها في نفس الوقت تخشى أن يكون إدراكها هذا خاطئا وأن يكون هادى هو صورة مصغرة من أبيها، فقد كان والدها طيبا حانيا، تماما مثل هادى، حج بيت الله وكان يتقيه في زوجته وأولاده، ولكنه ومنذ أن سافر بحثا عن فرصة عمل أفضل لتحسين مستوى معيشتهم، حتى تغير كلية، فلم يأخذ أجازة قط، في سعيه الدائم لجني المال، ولم يعد يهتم بهم، او يهاتفهم بصورة دورية كما إعتاد أن يفعل، حتى أخبر والدتها ذات يوم بزواجه من أخرى، ليتوفى بعدها بفترة قليلة، بعد أن ترك شرخا قاسيا في علاقته بالجميع، فبينما رضخت والدتها بمرارة لفعلة زوجها، رفض كل من سماح ومجد الأمر ولكن رغما عنهما تقبلاه من أجل والدتهم، ليقابل حسن هذا الأمر بلامبالاة ظاهرية ولكنها تدرك أنه تأثر في أعماقه، أما هي فقد كانت الأكثر تأثرا بينهم، كانت مدللة أباها وصعب عليها تقبل خبر تفضيله إمرأة أخرى عليهم، لتظهر ثورتها ورفضها في شكل نفور كلى من كل من يحمل لقب مذكر، ولن يكون هادى إستثناءا، ربما ظهر كأبيها في النصف الأول من حياته، ولكن من يدرى، ربما أصبح مثله في النصف الأخير إن هي رضخت لمشاعرها تجاهه، لذا فعليها أن توأد تلك المشاعر في مهدها، فهي في غنى عن عذاب لا طاقة لها به، ستجنيه إن هي أحبت هذا المخلوق الذي تجده جذابا، خفيف الظل، وقور، عملي، هادئ ورزين، تماما كما تحب أن يكون شريك حياتها، هذا إن هي فكرت يوما في الإرتباط، وهي لن تفعل، مطلقا.

قال الشيخ سالم بدهشة:
-مراتك؟
قال مجد بهدوء:
-أيوة سمر تبقى مراتى وهاجر خطيبة أخويا، ومعايا الدليل على كلامى ياشيخ سالم.
كادت سمر أن تنفى هذا الأمر ولكن ضغطة يد هاجر على ساعدها جعلها تصمت مرغمة حتى ينتهى الأمر، بينما قال الشيخ سالم متطلعا بثبات إلى عيون مجد قائلا:
-ولما إنت إتجوزت يامجد مقلتلناش ليه؟
قال مرتضى بحدة وقد شعر بإنفلات الأمور من يديه:
-إنت هتصدق كلامه ياابا؟
قال مجد بصرامة:.

-إنت بالذات تسكت خالص، انا ساكتلك من الصبح وعامل حساب لوالدك الشيخ سالم، لكن قسما بالله كلمة زيادة ومش هراعى أي شئ ولا حتى الجيرة اللى بينا.
تحفز مرتضى للرد ولكن صوت والده أخرسه تماما وهو ينهره قائلا:
-مسمعش صوتك يامرتضى، مفهوم؟
قال مرتضى بحنق:
-مفهوم ياابا.
قال مجد:
-ياشيخ سالم ربنا قال في كتابه العزيز، (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

قال الشيخ سالم:
-صدق الله العظيم.
ليرمق مجد مرتضى بنظرة صارمة قبل أن يلتفت للشيخ سالم قائلا:
-واللى وصلك السوء عننا، انا قادر بعون الله أظهرلك كذبه وفساده بالدليل زي ما قلت، وحالا.
قال الشيخ سالم بهدوء:
-وفين الدليل ده ياإبنى؟
رمق مجد أخاه للحظة قبل أن يقول للشيخ سالم بحزم:
-معايا في الشقة اللى فوق، بس معلش حضرتك بس اللى تتفضل معايا عشان أوريهولك، ده طبعا بعد إذن الكل واللى أكيد واثقين فيك ياشيخنا.

نظر الشيخ سالم إلى الجميع ليومأوا برءوسهم بصمت بينما كاد مرتضى ان يتحدث لولا أن أخرسته نظرة والده الصارمة ليشيح بوجهه بحنق، لينظر مجد إلى هاجر قائلا:
-خليكوا هنا واقفلوا الباب عليكم بالمفتاح ومتفتحوش لحد.

أومأت هاجر برأسها بصمت لينظر مجد إلى سمر نظرة طويلة حملت لها العديد من الأحاسيس التي لم تستطع أن تفهمها ولكنها أرسلت في جسدها قشعريرة وسارعت من دقات قلبها بجنون، ليلتفت مغادرا، ومغلقا الباب خلفه بهدوء، لتتجمد سمر مكانها، وشعور بالخوف ينتابها على هذا الرجل الذي يثبت لها بصورة قاطعة أنه رجل بحق في زمن قل به الرجال، رجل يثير بداخلها شعورا تدرك وبكل قوة أنه الوحيد القادر على إثارته بكيانها، بينما أسرعت هاجر إلى الباب تغلقه بالمفتاح وهي تغمض عينيها، تشعر بوجوب محادثتها لأخيها فقد أرهقها السكن بهذا المكان، ربما إقتراح سمر بالعودة إلى القاهرة هو إقتراح صائب، وليذهب كل شئ آخر للجحيم.

فتح حسام الباب، ودلف إلى منزله بهدوء ليتوقف وهو يرى سماح الجالسة بالردهة، متقوقعة في مكانها تضم ركبتيها إلى صدرها بيديها وتستند بذقنها عليهما، لتعتدل ما إن رأته، ثم تنهض مقتربة منه قائلة بقلق:
-حسام، إتأخرت ليه؟وتليفونك إتقفل تانى ليه، حرام عليك أنا أعصابى تعبت.

نظر إلى عيونها القلقة بإضطراب إمتزج بداخله بذلك الإحساس المريع بالذنب، ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يمد يديه ويمسك بيديها قائلا بهدوء مفتعل:.

-أنا آسف ياحبيبتى، بس بعد ما كلمتك لقيت عصام مقابلنى وكان مخنوق أوى، فإضطريت أفضل معاه شوية أخفف عنه حبة، إنتى عارفة مشاكله اللى ما بتخلصش مع نهاد، فمحستش بالوقت خالص إلا بعد ما وصلته البيت وبصيت على التليفون لقيته فصل شحن تانى، بعد اكيد ما إتصلتى بية كتير وأنا ناسيه جوة العربية.

بداخلها شكوك لا تحصى، تخشى أن تبوح لنفسها بها حتى، شكوك تصاعدت مع دلوفه اليوم إلى المنزل، تفوح رائحة نسائية منه الآن، لم تشتمها عليه من قبل، تخشى أن تصدق ظنونها فتنهار حياتها كلية، أو تكون ظالمة إياه بشكوكها، فيتضح أن تلك الرائحة خاصة بعميلة لديه أو ربما هكذا تتمنى، رمقته سماح قائلة بثبات لا تشعر به حقا:
-لحد إمتى ياحسام؟
عقد حاجبيه قائلا:
-ما قلتلك كنت معاه من ساعتها لحد دلوقت.
قالت سماح بنفاذ صبر:.

-مبتكلمش عن صاحبك، أنا بتكلم عن حياتنا كلها.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول:
-مالها حياتنا ياسماح؟
رمقته سماح بضيق:
-شايفها طبيعية؟أنا بقى مبقتش شايفاها طبيعية، حياتنا بقت غريبة ومملة، مبقتش مرتاحة ولا قادرة أحس براحة، بسأل نفسى كل يوم لحد إمتى هفضل أستحمل؟لحد إمتى هفضل ساكتة؟
أمسكها حسام من ذراعها يجذبها خلفه بقوة وهو يتجه إلى حجرتهما قائلا بحدة:.

-عايزة تتخانقى آخر الليل، يبقى تتخانقى في أوضتنا، إحنا مبقيناش صغيرين على تصرفات الأطفال دى.
ليفتح الباب ويجذبها معه إلى الداخل قبل أن يغلق الباب بقوة، فتح مراد باب حجرته وخرج من الحجرة يقترب من حجرة والديه وكل ذرة في كيانه ترتعش بعد أن إستمع لبعض من شجار والديه، يدرك خوفا في أعماقه وقلقا من الآت.

قال مجد بصوت شابه بعض الألم:
-أظن بعد اللى شوفته وسمعته، تقدر تبص في عين أي حد في الشارع وتقوله ولاد محمود الصعيدى مش ممكن يغلطوا أو يغضبوا ربنا ياشيخ سالم.
ترك الشيخ سالم تلك الأوراق من يده قائلا بحزن:
-صحيح، إن بعض الظن إثم.
ثم نظر إلى مجد الذي أطرق برأسه حزنا، قائلا بندم:
-أنا آسف ياإبنى بس اللى بلغنى كان بالنسبة لى ثقة، ومكنش ممكن أشكك في كلامه.
رفع مجد وجهه إليه قائلا:
-مرتضى، مش كدة؟

صمت الشيخ سالم ليقول حسن بغضب:
-اللى إنت متعرفوش بقى ياحاج إن إبنك مرتضى قاطع طريق خطيبتى في الرايحة والجاية، وإنى النهاردة إتصدتله ويمكن عشان كدة وصلك الموضوع بالطريقة دى.
ردد الشيخ سالم بحزن:
-لاحول ولا قوة الا بالله، لا حول ولا قوة الا بالله.
قال مجد بهدوء:.

-بص ياشيخ سالم، أنا عارف إن مرتضى يبقى إبنك بس لو إتجاوز حدوده مرة تانية فأنا آسف، هضطر أتعامل معاه وطريقتى هتكون قاسية أوى مع اللى يتعرض لأهل بيتى.
قال الشيخ سالم بحزن وهو ينهض ببطئ:
-حقك ياإبنى، حقك، عن إذنك.
نهض مجد يتبعه إلى الخارج ليتوقف الشيخ سالم ويلتفت إلى مجد قائلا:.

-مجد، أنا عارف ياإبنى إنك مريت بكتير، وربنا يكون في عونك، وعارف إن ولاد الحاج محمود الصعيدى فعلا ولاد أصول، والأصول بتقول إن هاجر مينفعش تقعد في البيت وهي مش مرات أخوك، فياريت تكتبوا كتب الكتاب علطول، عشان نقطع أي لسان يمسكم بسوء.
رمق مجد حسن الذي أشاح بوجهه ليعود مجد بناظريه لسالم قائلا:
-معاك حق ياشيخنا، احنا هنكتب الكتاب علطول كمان شهرين بعد الامتحانات بإذن الله.
قال الشيخ سالم:.

- عَجِّل ياإبنى، عَجِّل.
أومأ مجد برأسه بينما غادر الشيخ سالم، ليغلق مجد الباب خلفه ويتجه إلى حسن الذي قال بحدة:
-كتب كتاب إيه...
أشار إليه مجد بالهدوء، فأخفض حسن نبراته ولكنها خرجت حادة رغما عنه وهو يقول:
-كتب كتاب إيه اللى هتعجل بيه ده يامجد؟
قال مجد بنفاذ صبر:
-هعمل إيه يعنى ياحسن؟ما انت شايف احنا كنا في إيه، إضطريت أقول كدة.
قال حسن بحنق:
-كله بسبب اللى حصل بينك وبين زوزا...

صمت وهو يرى الألم الذي إرتسم على وجه أخيه ليسرع بالإقتراب منه قائلا بندم:
-أنا آسف، آسف يامجد، أنا عارف إنك ملكش ذنب في اللى حصل.
نظر مجد إلى عيون أخيه قائلا بمرارة:
-بالعكس ياحسن، الذنب فعلا ذنبى ولو يرجع الزمن صدقنى كانت حاجات كتير هتتغير، بس مع الأسف الزمن مبيرجعش، وأنا تعبت، تعبت ياحسن ونفسى أرتاح.
ضمه حسن قائلا بحنان:
-بكرة ترتاح ياأخويا، أصبر بس وصدقنى مع الأيام هترتاح.

أغمض مجد عينيه يرغب براحة يدرك أنه لن ينالها إلا إذا كفر عن ذنوبه، جميعا.

نفضت سماح يدها من يده قائلة بعصبية:
-سيب إيدى ياحسام، وجعتنى.
نظر إليها قائلا بحدة:
-وانتى موجعتنيش بكلامك برة ده، يعنى ايه حياتنا بقت مملة؟ويعنى إيه مبقتيش قادرة تتحملى، قصدك إيه؟ها؟اوعى تكونى بتفكرى تنفصلى عني، اوعى تكونى عايزة تسيبينى؟عشان ده مش ممكن يحصل أبدا.
إتسعت عيناها بصدمة قائلة:
-أنفصل إيه، وأسيبك ليه، إيه الكلام الغريب اللى انت بتقوله ده؟أنا بس مخنوقة وقلت أفضفض معاك يمكن أرتاح.

رمقها حسام بحدة قائلا:
-مخنوقة من إيه بس ياسماح؟إنتى عايشة حياة الكل بيحسدك عليها، عايزة إيه تانى؟
قالت سماح بمرارة:.

-عايزة أحس إنى عايشة، آه صحيح عايشة عيشة الكل بيحسدنى عليها، عشان شايفينها من برة، معاشوش اللى انا عايشاه، معايا زوج بيحبنى آه، بس غيرته بتخنقنى، حابسنى جوة البيت، زي الراجل اللى حبس عصفورته في قفص من دهب لغاية ما إتخنقت وماتت، مانعنى أعرف صاحباتى أو حتى جيرانى، حتى إنى أمارس هواياتى اللى بحبها ده شئ مرفوض، لو شفتنى خارجة أشم نفسى في البلكونة شوية بتعكنن علية، ولو سمعتنى بغنى أو فرحانة من غيرك بتضايق وكأن مشاركتك لأي حاجة بعملها هي الحاجة الوحيدة اللى ممكن تسمحلى بيها، قلت مش مشكلة أشاركك معايا مشاعرى واهتماماتى، لقيتك رافض تشاركنى غير مشاعرك واهتماماتك إنت، فضلت أتنازل وأتنازل لحد ما بقى محور حياتى انت وبس، انت وكل حاجة تخصك، إتعودت ومبقتش تفرق معايا، كل شوية أقول لنفسى إصبرى معلش، بيحبك وبيغير عليكى، رغم إحساسى بإنك بتبعد عني حبة بحبة، وانى بالنسبة لك بقيت شئ مسلم بيه، حاجة ملكك وبس، بقيت بتسرح وأنا جنبك، ومبقتش تهتم بية زي الأول وأنا أقول معلش شغله الجديد آخده، بكرة يستقر ويرجع حسام اللى حبتيه، بس لا انت بتستقر ولا بترجع.

قال حسام بعصبية:
-ايه ده كله؟ده انتى شايلة في قلبك بقالك كتير بقى، بس اشمعنى جاية النهاردة تقولى الكلام ده، ايه اللى فجر الثورة دى، شفتى ماجى النهاردة ولا كلمتيها؟
قالت سماح بحنق:
-مش عشان قلت كلمتين في قلبى يبقى لازم حد يكون السبب، وماجى اللى انت حاططها في دماغك دى ومانعنى عنها إنسانة محترمة جدا على فكرة، أنا مش عارفة ليه بتكرهها بالشكل ده؟
قال حسام بغضب:.

-مش عارفة ليه؟مش ماجى دى كانت أخت حبيب القلب ولا نسيتى؟
إتسعت عينا سماح في صدمة قائلة:
-ياااه، إنت لسة فاكر؟
لتعقد حاجبيها في غضب مستطردة:
-وبعدين فيها إيه لما أقولك إن عادل كان أول حب في حياتى وكان حب من طرف واحد، يعنى لا هو عمره عرف ولا حس بية.
قال حسام بسخرية:
-لولا عمل حادثة ومات كنتى هتعرفيه وتبقوا مع بعض، ولا إيه؟
قالت سماح في غضب امتزج بالمرارة:.

-الظاهر إنى لما حكيتلك عن عادل، كانت غلطة كبيرة منى، كنت فاكراك أعقل من كدةومش هتغير من واحد ميت، لكن طلعت غلطانة.
أمسكها من ذراعيها بقسوة يقول:
-لو مكنتش عاقل فعلا كنت...
قاطعته قائلة بمرارة:
-كنت إيه ياحسام؟كنت طلقتنى؟
قال بغضب:
-أيوة كنت طلقتك ياسماح، بس أنا أهو أدامك، مطلقتكيش وانتى لسة على ذمتى.
قالت سماح بغضب:
-غلطة في إيدك ياريت تصلحها ياحسام، طلقنى ياحسام.

صرخت في ألم حين هوى بصفعة على وجهها، لتنظر إليه بصدمة، وبعيون غشيتها الدموع واضعة يدها على وجنتها، ليقبض على يده بقوة وفي عيونه ظهر الندم على الفور، اقترب منها فابتعدت عنه بخوف، لينظر إلى هذا الخوف بعينيها بعيون آسفة قبل أن يلتفت مغادرا الحجرة بسرعة، ليتوقف متجمدا وعيون مراد تطالعه بنظرة أَن لها قلبه، امتزج فيها الصدمة بالحزن، إلى جانب خيبة الأمل، كاد أن يقول شيئا ولكنه لم يستطع أن يجد نبرات صوته، ليغادر المنزل بأكمله بخطوات مسرعة، بينما تابعه مراد بحزن، قبل أن يدلف إلى داخل حجرة والدته التي انهمرت دموعها بصمت وما إن رأته أمامها حتى ادركت أنه كان شاهدا على ماحدث لها، لتفتح ذراعيها له على مصراعيهما، أسرع إليها مراد يحتضنها بقوة مغمضا عينيه يشاركها دموعها، لتربت على ظهره، تردد في نفسها، أن كل شئ سيكون بخير، وفي قلبها توقن بأن لا شئ سيكون بخير، فمنذ تلك اللحظة، لا شئ أبدا سيعود كما كان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة