قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

إعتدلت سماح في جلستها وهي تضع هاتفها على أذنها قائلة بلهفة:
-حبييى يامجد، أخبارك إيه، وصلت بالسلامة؟
أشار لها زوجها حسام بالصمت حانقا، واضعا سبابة يده على فمه بينما يشير بيده الأخرى إلى التلفاز الذي يشاهد عليه مباراة اليوم والتي يتابعها منذ برهة ومستغرق فيها بالكامل، لتشير إليه بيدها بدورها مهدئة وهي تنهض من جواره وتتجه بهاتفها إلى حجرتها تستمع لصوت أخيها مجد وهو يقول:.

-الحمد لله وصلت وبكلمك من الشقة كمان.
ولجت إلى الغرفة تغلق بابها خلفها وهي تبتسم قائلة:
-الحمد لله، طمنتنى، قوللى أخبار حسن إيه؟
تنهد قائلا:
-جيت ملقتوش، وتليفونه كمان مقفول.
قالت سماح بحنق:
-حسن هيفضل حسن، ومش هيتغير، ربنا يهديه بقى، متنساش تقوله يامجد إنى زعلانة منه عشان مبيسألش علية.
إبتسم مجد قائلا:.

-حقك علية أنا ياستى، بس إنتى عارفة حسن، ولسة قايلاها، مش هيتغير، طول النهار مابين الجامعة والنادى وصحابه، مقضيها بالطول والعرض ولا على باله حد، ده تلاقيه حتى نسي إنى جاي النهاردة، عموما، أنا جيتله أهو وهظبطه، متقلقيش.
إتسعت إبتسامة سماح قائلة:
-ربنا يخليك لينا يامجد، وميحرمناش منك، خد بالك منه.
قال مجد بإبتسامة ظهرت في صوته:
-في عيونى ياموحة.
قالت سماح في حنان:.

-تسلملى عيونك ياقلب موحة، قوللى أخبار زوزا إي...
قطعت كلامها وهي تشهق واضعة يدها على فمها تدرك أنها تُذَكَّره بغباءها بمأساته، ليؤكد مجد ظنها القاتم بصمته بدوره، تدرك أنه ربما الآن يغمض عيناه ألما ويتذكرها، يتذكر صاحبة ذلك الإسم، ويتذكر تلك الأيام التي كانت تنير فيها حياته، لتقول بهمسة مرتجفة:
-مجد...
قال مجد بنبرات صوت تخللها الحزن:
-معاكى ياسماح.

أغمضت عينيها بألم تدرك مشاعره الحزينة، فمن مِن المحيطين بمجد قد يشعر به أكثر منها؟فلطالما أعدت نفسها كأم ثانية له ولأخواتها جميعا رغم أن فارق السن بينهم ليس كبيرا إلى هذا الحد، إنهم فقط بضع سنوات، ولكنها تحملت مسئوليتهم باكرا بعد وفاة والدتها بأزمة قلبية ثانية بعد تلك تلك الأزمة الأولى والتي تعرضت لها إثر معرفتها بأن والد سماح قد تزوج بالخارج وأنه لن يعود مجددا، فتركت سماح دراستها الجامعية لتراعيهم، وهي تدرك أنها ليست فقط أختهم الكبيرة، بل هي الأم والأب أيضا، قالت بصوت تهدج ألما:.

-أنا آسفة ياحبيبى، سؤال وخرج منى من التعود مش أكتر.
قال مجد بصوت حاول جعله ثابتا قدر الإمكان وهو يلاحظ نبرات أخته الحزينة من أجله ومحاولا إنهاء المكالمة دون ان تشعر بهذا الألم الذي مزق خافقه:
-ولا يهمك ياحبيبتى، أنا لازم أتعود على فكرة إنها مبقتش موجودة في حياتى، المهم، أنا هروح بقى عشان عايز ألحق أظبط الشقة اللى تحتنا وأفرشها.
قالت سماح بتساؤل:
-هم جايين خلاص الشقة بكرة؟
قال مؤكدا:.

-أيوة، جايين بكرة، متنسيش تسلميلى على مراد وحسام.
قالت سماح:
-حاضر.
ثم إستطردت بنبرات حزينة:
-كان نفسى أبقى معاك دلوقتى، وأظبط كل حاجة بنفسى، بس إنت عارف.
إبتسم مجد بحنان قائلا:
-متشيليش نفسك فوق طاقتها ياسماح، ياما شيلتينا وإتحملتى همومنا، جه الوقت اللى تعيشى فيه لنفسك ولجوزك وإبنك ياحبيبتى، وبعدين إحنا عارفين حسام وتحكماته ومقدرين، متقلقيش علينا، إحنا كبرنا ونقدر نشيل هم نفسنا بنفسنا.

قالت سماح بصوت تخنقه العبرات:
-ربنا يحميكم يارب.
قال مجد بحنان:
-ويخليكى لينا، خدى بالك من نفسك ياموحة، وابقى طمنينى عليكى، أنا مش هعرف أنزل القاهرة قبل...
قاطعته قائلة برقة:
-عارفة يامجد عارفة، ربنا يعينك.
كاد مجد أن ينهى المكالمة حين قالت سماح بتردد:
-مجد!
عقد مجد حاجبيه وهو يشعر بترددها ليقول بإستفهام:
-خير ياسماح!
قالت سماح:
-حسام مش وحش، هو بس...

صمتت لا تدرى كيف تصف زوجها وتعنته في بعض الأحيان، بل في كثير من الأحيان، رفضه القاطع لخروجها للعمل على سبيل المثال أو إيصال طفلها للمدرسة، بل إنه يرفض أن تتواصل مع صديقة طفولتها ماجى، لمجرد أنها لا تروق له..
فإكتفت سماح مرغمة بإتصالات هاتفية مسترقة وزيارات ماجى لها، عندما تأتى من الأسكندرية في إجازة مع زوجها يوسف والتي بالطبع لا يعلم عنها شيئا، أفاقت من أفكارها على صوت مجد الذي قال بهدوء:.

-عارف ياسماح، حسام بيحبك وبيخاف ويغير عليكى، كلنا عارفين ياحبيبتى، ومتفهمين وضعه.
غشيت عيونها الدموع قائلة:
-طيب متنساش تسلملى على حسن وتقوله يكلمنى.
قال لها:
-وإنتى كمان سلميلى على سمر وطمنيها انى وصلت اسكندرية، بكلمها بس مع الأسف تليفونها مغلق.
قالت سماح وهي تحاول أن تتمالك نفسها:.

-هتلاقيها جوة أوضة العمليات دلوقتى، متنساش يامجد تاخد بالك من أخت الدكتور هادى، هو رضى إن هاجر تسكن معاكم في نفس العمارة بس عشان واثق فيكم وفي إنكم هتاخدوا بالكم منها.
قال مجد بثقة:
-متقلقيش، أخته هاجر هتكون زيكم تمام، وهاخد بالى منها زيك وزي سمر، أنا مش ممكن أنسى جميل الدكتور هادى ووقفته جنبى في محنتى.
قالت سماح بتأكيد:
-فعلا إنسان نبيل، ربنا يحققله أحلامه.
لتقول في نفسها بحنق:.

-ويلين قلب أختك وترضى عنه، الراجل واضح أوى إنه بيحبها بس هي ولا في دماغها أساسا.
أفاقت على صوت مجد وهو يقول:
-يارب، لا إله إلا الله.
قالت سماح:
-محمد رسول الله.

ثم أغلقت الهاتف وضمته إلى صدرها، لتخرج منها تنهيدة حارة عبرت عن شوقها العميق لأخيها منذ الآن، لقد سافر إلى الإسكندرية كما نصحه الطبيب النفسي هادى ليبتعد عن جو القاهرة المشحون بالذكريات المريرة، وذهب يعيش مع أخيهم حسن في شقتهما الرابضة في تلك البناية التي يمتلكونها بالإسكندرية، بعد أن كانوا قد تركوها جميعا ليعيشوا بجوار سماح في القاهرة عندما تزوجت وإنتقلت إلى القاهرة مع حسام زوجها، حيث كانت هناك شقة فارغة في نفس البناية التي يقطنون بها فكانت أكثر من مناسبة لكي لا يفترقون عن بعضهم البعض، نقلت سمر دراستها إلى كلية الطب بجامعة القاهرة ثم تخرجت وعملت بتلك المستشفى الخاصة والتي يمتلكها أستاذها في الجامعة الذي توسم فيها التفوق والمهارة والذكاء والإخلاص في العمل، فإستقرت سمر بدورها وراقت لها القاهرة كثيرا فلم تفكر في العودة إلى الأسكندرية مجددا، بينما عاد أخاهم حسن إلى الأسكندرية للدراسة في جامعتها بعدما مر بتجربة عاطفية سيئة هنا.

أما مجد فتزوج بفتاة تقطن بجوارهم، بعد قصة حب رائعة وإنتقل للسكن معها في المبنى المقابل لهم بعد سفر أختها لبلدتهم الصغيرة، وكانت الحياة جميلة ومستقرة حقا لهم جميعا، فكانت سماح إلى جوار أخواتها وكأنها بينهم تماما، تراهم يوميا وتطمئن عليهم فيما عدا حسن الذي تراه في الإجازات فقط، حتى كانت تلك الحادثة المشئومة، والتي قضت كلية على هذا الذي تُعِدَّهُ دعامتها في تلك الحياة-أخاها مجد-هذا الذي جعلته تلك الحادثة ظلا لرجل، ليس بميت ولا هو على قيد الحياة.

ولكنها تأمل في سفره الآن أن يعود الأمل لنبضاته والرغبة مجددا في تلك الحياة التي إفتقدها مع رحيل (زوزا)-زوجته-وصديقتها الرقيقة الجميلة التي تفتقدها بشدة، نزلت من عيونها دمعة مع تدفق الذكريات، لتترك الهاتف جانبا وهي تمد يدها تمسح دمعتها برقة قبل أن تتنهد مجددا وتخرج من الغرفة، تتجه إلى حيث زوجها، حسام.

جلست سماح بجوار حسام، تبدو حقا وكأنها تشاهد معه المباراة على التلفاز ولكنها كانت شاردة في عالم آخر، عالم ملئ بذكرياتها التي حاولت أن تواريها في أعماق النسيان ولكنها تدفقت الآن و لا تدرى سببا لتدفقها...

إنتفضت على صوت حسام وهو يلعن الحكم لإعطاءه خطأ على لاعب الفريق الذي ينتمى إليه زوجها ويكاد يكون متعصبا له، لتنظر إليه وهو يطالع التلفاز بإنتباه شديد وتحفز، ترجوه بعينيها وقلبها أن ينظر إليها مرة واحدة كالماضى، يرنوا إليها بنظرة عشق تسعد قلب أضناه الزمن وأنهكته الوحدة.

عقدت حاجبيها تتساءل عن فتور علاقتهما سويا بعد أن كان عشقهما بالماضى ملتهبا، حتى أنها لم تفكر للحظة وهي تتزوجه وتتبعه إلى القاهرة، في مكان لا تعرف فيه أحد على الاطلاق، تخاطر بالإبتعاد عن أخواتها من أجله ولولا حظها الحسن الذي سهل إنتقال أخواتها معها لظلت بعيدة عنهم، مجددا من أجله، وتراهم في المناسبات فقط.

وقد كان هو متيما بها بدوره، لا يفارقها أبدا، يغمرها بكلمات العشق وهمساته، حتى في أصعب لحظاتهم وحين كانا يتشاجران بقوة، كانت تبكى فيقوم بإحتضانها على الفور معتذرا عن تفوهه بكلمات لا يعنيها حقا فيزول غضبها منه وكأنه لم يكن وتنسى حزنها من أفعاله، وتعنته معها في كل شئ فقط بين أحضانه، لتعود حياتها معه وردية كما كانت، ولكنه في الآونة الأخيرة لم يعد حقا كما كان.

لقد بات لا مباليا بها، عصبيا، منشغلا عنها بعمله الجديد وحتى عندما يكون بالمنزل، يصبح محور إهتمامه التلفاز وبرامج الرياضة المتنوعة على قنواته، أو هاتفه الذي يضع عيونه على شاشته طوال الوقت، حتى باتت تشعر أنه كزوجة ثانية لها، تغار من هاتفه وبشدة..
رجعت بذاكرتها قليلا إلى الوراء...

لقد تزوجته في سن الواحدة و العشرون، وعاشت معه قصة حب تتذكرها بأدق تفاصيلها حتى تزوجا وأنجبا مراد، وحتى بعد إنجابها لطفلها لم تنضب مشاعرهما كما كانت تسمع عن المتزوجون الذين تفتر مشاعرهم بعد الإنجاب، بل ظلا عاشقان رغم كل المشاكل التي كانت تحدث بينهما، فكلمة طيبة منه كانت تمحى كل أحزان قلبها، نعم هي طيبة القلب وربما ساذجة في علاقتها بحسام كما تدعوها ماجى، ولكن يكفيها أنها بتلك الطيبة كانت تعيش بسعادة مع زوجها، حتى بضعة اعوام مضت، حين قرر زوجها أن يترك وظيفته ويفتتح عمله الحر، ومن وقتها تباعد عنها رويدا رويدا، تحاول هي بكل جهدها أن تقترب منه فيقابل كل محاولاتها برد فعل سلبي إحتارت في تفسيره، وها هي على مشارف الثانية والثلاثون، ربما تبدو أصغر من سنها وربما هي حقا مازالت صغيرة السن ولكنها تشعر من داخلها بأنها إمرأة عجوز، إكتفت من الحياة حتى ملتها، كم كانت لديها من الآمال الكثير، آمال كادت أن تغتيل بقسوة على يد حسام معللا رفضه الدائم لتحقيق آمالها بأنه يحبها ويغار عليها بجنون، لترضخ هي وتتنازل عن أحلامها واحدا تلو الآخر حتى...

إنتفضت مجددا على لعنات زوجها لحارس المرمى التابع لناديه والذي لم يستطع صد هدف من الفريق المنافس، لتدرك أن تلك الليلة لن تمر مرور الكرام فزوجها يظل عابسا حين يخسر ناديه وحين تواسيه ينفجر فيها متهما إياها بالتحيز لفريقها، و أنها تشجع الفريق المنافس، وهو الفريق الفائز بالطبع، لذا لابد وأنها لا تشعر به وبما يعانيه، وكأن الكرة هي حياته، وليست هواية أو رياضة تحتمل الفوز والخسارة، تبا، كم باتت تكره حتى الرياضة.

أفاقت من أفكارها مجددا على صوت مراد الذي خرج من غرفته متجها إليها، يحمل في يده كتاب القصة الإنجليزية المقررة عليه في المدرسة قائلا وهو يشير إلى قطعة في الكتاب:
-ماما من فضلك مش فاهم الباراجراف ده كله، كلماته صعبة وتقيلة والمستر مشرحهاش.
كادت أن تقول شيئا، ولكن صوت حسام قاطعها قائلا بحنق:.

-قومى ياسماح مع إبنك الله يباركلك وروحوا الأوضة بتاعته ذاكروا، وسيبونى أركز مع الماتش، أنا مش عارف هلاقيها منكم ولا من الحكم ولا من اللاعيبة ولا من الحارس الحمار ده.
نهضت سماح بسرعة مشيرة لمراد أن يسبقها على الحجرة فذهب على الفور، لتميل سماح على حسام قائلة بصوت هامس يشوبه الحنق:
-ياريت تهذب ألفاظك شوية أدام الولد ياحسام.

ثم تركته وإتجهت إلى الغرفة يتابعها بعيون حانقة قبل أن يعود بعينيه إلى المباراة حين علا هتاف الجماهير معلنا عن هدف التعادل، ليصفق حسام بقوة متناسيا غضبه من تقريعها له، مؤقتا.

تراجعت سمر في مقعدها تستند إليه بظهرها وتغمض عيناها بإرتياح، فلقد كانت مجددا وداخل غرفة العمليات، تنقذ حياة.

لقد كان اليوم رجلا كاد أن يفقد حياته في حادث سيارة، ولكنه نجا بفضل الله، ليصارع الحياة مجددا معها في غرفة العمليات ويكاد ان توافيه المنية أكثر من مرة ولكن إرادة الله وفضله مع إصرارها وبراعتها أبوا أن يدعوه يرحل لينجو مجددا من الموت على يدها فتشكر الله لتسخيره إياها في إنقاذ حياة إنسان، دائما هي هكذا منذ أن إتخذت الطب مهنة، وعملت بتلك المستشفى.

تشعر أنها في صراع دائم بين الحياة والموت، غالبا وبفضل الله ماتفوز ولكن عندما تخسر، تفقد جزء من روحها مع تلك الخسارة لتشعر بأنها ربما تكون صغيرة السن ولكن بداخلها تقبع عجوز في السبعين على وشك الموت، لا تشعر مجددا بالحياة سوى هناك، في غرفة العمليات.
أفاقت من أفكارها على صوت طرقات على الباب لتفتح عيونها وتعتدل طالبة من الطارق الدخول، ليطل هادى برأسه مبتسما بهدوء قائلا:
-فاضية شوية؟

إبتسمت بهدوء وهي تومئ برأسها وتشير إليه بالإقتراب، ليدلف إلى الغرفة ثم يغلق الباب خلفه ويتقدم بإتجاهها يلاحظ ملامحها الحزينة دائما والتي أصبحت جزءا منها، جذبته تلك الملامح الحزينة إليها منذ اليوم الأول لعملها في تلك المستشفى، ذلك الحزن الذي لاتدرى عنه شيئا ولا تلاحظه في تلك الإبتسامة التي تعلو ثغرها ولكن لا تصل أبدا إلى عينيها التي يقبع فيهما هذا الحزن، والذي تمنى مع إزدياد مشاعره تجاهها ان يسبر أغواره ويمحيه من تكوينها لتشرق عينيها الجميلتين بالسعادة والحياة..

شعرت سمر بالإرتباك من تأمله الصامت لها، ينتابها إضطراب لا تشعر به سوى في حضوره تتعجب في نفسها عن ذلك الإضطراب الذي يعتريها حين يطالعها بنظراته المتأملة ولكنها دائما ما تنفض تساؤلاتها وتخبر نفسها أنها طبيعتها التي تخشى الرجال.

بل وتحمل لهم بعض الشعور بالإزدراء أحيانا ولكنها تستثنى منهم أخواتها وهذا الرجل الذي يقف أمامها والذي رغما عنها تكن له الإحترام وبعض الود خاصة بعد موقفه الأخير معها ومساندة اخاها بكل كيانه، وربما لولاه لتطورت الأمور إلى إنتحار ثان يقضى على حياة أخاها بالكامل...
توقفت عن التفكير وهي تتمالك نفسها قائلة:
-خير يادكتور هادى؟

أفاق من شروده في ملامحها وهو يعدل نظارته الطبية بحرج قائلا بإرتباك وهو يتقدم بإتجاه المكتب:
-إحمم، الحقيقة أنا كنت جاي أستشيرك في مسألة كدة، يعنى، تقدر تقولى عليها خاصة.
عقدت حاجبيها وهي تنظر إليه يجلس أمامها ويطالعها بترقب، تتعجب من رغبته لتدخلها في أموره الشخصية ولكنها نحت تعجبها جانبا وهي تقول بجدية:
-خير يادكتور؟إتفضل، أنا سامعاك.

شعر بالإرتباك أكثر من جديتها في الحديث، ليسعل بخفة يجلى حلقه واضعا يده على فمه، ثم ناظرا إليها وهو يقول:
-إنتى عارفة إن فرح الدكتور محمود والممرضة حنان بكرة والحقيقة كنت حابب أجيبلهم هدية، وأنا مليش في موضوع الهدايا ده إطلاقا واللى كانت بتساعدنى فيه أختى هاجر وللأسف وزي ما إنتى عارفة أختى، يعنى، سافرت إسكندرية النهاردة عشان دراستها وكدة، فلو وقتك يسمح يعنى، لو ممكن...

وصمت يشعر بالإضطراب لتقول سمر بهدوء:
-عايزنى أجيبلك أنا الهدية، مش كدة؟تمام مفيش مشكلة، هخلص الشيفت بتاعى وأخرج أختارهالك علطول.
عدل هادى من وضع نظارته الطبية مجددا يشعر بالإضطراب وهو يقول:
-هو يعنى، لو أمكن، ممكن نروح مع بعض، يعنى ممكن أختارها معاكى؟

شعرت بالإضطراب على الفور لإقتراحه ذلك، وطلبه الخروج معها لإختيار الهدية، لا تدرى سببا لخوفها، سوى خشيتها التعرف عليه أكثر، فلم تقترب أبدا من رجل جيدا لتتعرف عليه، كانت تصد جميع محاولاتهم للتعرف إليها، ولكن هذا الطبيب هادى يتسلل إلى حياتها رغما عنها، تارة من خلال عملها معه في المستشفى ورؤيتها الدائمة له، يحيطها بإهتمامه رغم أنها لم تلق بالا بالسابق، لأنها أدركت أن هذه طبيعته المحبة للإهتمام بالجميع وخاصة أن تلك المستشفى خاصة بعمه وهو المسئول عنها كلية بتفويض منه، وتارة كطبيب نفسي؟فمنذ حادثة أخاها مجد وهي تشعر به يتسلل إلى حياتها أكثر، يصل لخباياها التي تواريها عن الجميع، يتسلل إلى نفسها التي حرصت على إبعادها عن كل ما يحمل لقب مذكر.

تخشاه حقا، فكلما نظر إليها كما ينظر إليها الآن شعرت بتلك النفس التي تمتلكها عارية أمامه تماما، يصل لكل أسرارها بيسر، ودون جهد يذكر.
ورغم شعورها ذلك إلا أنها وجدت نفسها عاجزة عن رفض طلبه للذهاب معها، فبم ستفسر له سبب رفضها؟
طمأنت نفسها القلقة بأن الموضوع لا يستأهل كل هذا القلق، وأنها ستخرج معه تحضر الهدية بهدوء وعملية ثم يفترقان، هكذا إذا...
لا إرتباط، لا تقارب، لا شئ مطلقا.

لتهز رأسها موافقة على إقتراحه بهدوء، لتشعر بالندم على الفور وهي ترى أساريره التي إنفرجت وعيونه التي لمعت خلف نظاراته، وهو ينهض قائلا:
-متشكر أوى يادكتورة، هستناكى بإذن الله بعد المستشفى في العربية، سلام.
قالت بصوت خافت مضطرب:
-سلام.
إتجه إلى خارج الغرفة بخطوات واسعة مغلقا باب الغرفة، لتزفر سمر بقوة ثم تتراجع في مقعدها تستند مجددا إلى ظهره وتغمض عيناها قائلة بهمس:.

-شكلك غلطى ياسمر، بس فات الأوان ومش هتقدرى تتراجعى في كلمتك اللى إديتيهاله، وشكل ظنك كان في محله، فحاولى ياسمر، حاولى تقفلى الباب اللى مصر هو يفتحه، حتى لو قفلتيه بالجرح، هيكون جرح بسيط ويقدر يلم بسرعة، لكن لو فضلتى فاتحة الباب ده، هينتهى بجرح خطير وملوش علاج، وآخرته، آخرته هتكون، الموت.
لتفتح عينيها تظهر فيهما نظرة تصميم رافضة لتلك النهاية، ومصرة على تغييرها، كلية.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة