قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

دخلت الى المركز التجارى الضخم الذى اصر على أصطحابها اليه، مروا على العديد من واجهات المحال.

التى تحمل أغلى وأرقى الأزياء، ولم ينجح الامر، كما يحدث مع معظم النساء، فى ان يثير حماسها ولو قليلا، لم يثير هذا دهشته، فهى ليست كأى من النساء، انها حورية المطر، ظلت على هدوئها الحذر، حتى فقد هو ايضا حماسه، فأصطحبها لأحد الأركان، لتناول بعض القهوة، ربما تغير بعض من ذاك المزاج، الذى يشملها، استأذن، لبضع دقائق..
هزت رأسها فى لامبالاة، وأخذت ترشف قهوتها بهدوء...

عاد بعد فترة، ليجد طاولتهما، يجلس عليها، أخرون، أين ذهبت يا ترى؟!، تراها هربت، لكن لاين!؟، استدار حوله، يبحث عنها فى كل الوجوه
لعلها تقف امام احدى الواجهات، تنتقى ما يعجبها..
لكنه لم يجدها، وأخيرا، تنبه، لهطول الأمطار خارج احد الأبواب، فتوقف، ليندفع خارجاً، غير عابىء، بالإمطار التى بدأت تتسرب لبزته الغالية..
كل ما كان يهمه، هو إيجادها، وقد صدق حدثه..

فها هى هناك، تقف وحيدة، حيث الجميع فى الداخل يتقى المطر، هى هاهنا، تستقبله، لكن ليس كما اعتاد ان يراها، فاتحة له ذراعيها بحبور، وتتقافز.

مثل طفلة مرحة تحت زخاته، بل على العكس، كانت تقف، متسمرة، لا تحرك ساكناً، لقد كانت فى تلك اللحظة تتذكر أباها، فضمت نفسها بذراعيها، تتخيل نفسها بين ذراعيّ اليها الان، يغمرها بعطفه، ويمنحها تفهمه، و، يقيها المطر، ويهبها الامان الذى تفتقده منذ رحل، اقترب منها فى وجل، وهو يراها على هذه الحالة..
تمنى لو يقترب، ليأخذها بين ذراعيه، ويمنحها ذاك الامان الذى شعر بحاجتها اليه، تمنى، لو يطمئنها.

ويبثها بعض من الدفء، لتهدأ روحها الملتاعة ولو قليلا..
همس بأسمها: - مودة..
انتبهت أخيرا، لوجوده، وفتحت عينيها مذعورة..
وهى تراه يقف تحت الأمطار، لا يهتم، بأن تغرقه
ولا ان يتضرر حذاءه الثمين، أو بزته الغالية
مد يده اليها، فنظرت لتلك اليد الممدودة فى رهبة..

لا تعرف ما عليها فعله، كانت تتنازعها رغبتين متناقضتين، الاولى هى الهرب وفورا من امام تلك اليد الممدودة، كالمغناطيس، والثانية هى تقبل تلك اليد والتشبث، بل والرضا بها، كالقدر، ظلت لحظات تنظر ليده، وبداخلها حرب طاحنة، تدور رحاها، بين رغبتيها، وأخيراً، مدت يدها، لتلقى بها فى احضان تلك الكف الممدودة، والتى زفر صاحبها..
براحة واضحة، وهو يتشبث بكفها، ويجذبها اليه فى.

رقة.، ويخرج شئ ما من جيب سترته، ويدخله برشاقة فى بنصرها، ليقترب وهو يهمس..، مبارك..
نظرت مبهورة لذاك الخاتم الماسى، وهو يتألق تحت زخات المطر، فجذب كفها وطبع قبلة رقيقة على باطنه، جعلتها ترتعش، بل تنتفض، ليلاحظ هو ردة فعلها، فيجذبها لتدخل السيارة، والتى كانت قريبة لحسن حظهما..
.

وصل ماء المطر، لعمق ملابسها، وهى تخلعها تنتفض بردا، بعد عودتها، وبرق من جديد، ذاك الخاتم، فى بنصرها، لتقف لحظات، تتطلع اليه كالمشدوهة، ثم تخفض كفها، وتتنهد فى يأس..
وقد تذكرت كيف قبل باطن ذاك الكف، بكل حنان.
ارتعشت، فعزت ذلك لشعورها بالبرد الشديد، الذى بدأ بالتسلل لعظامها، فما فعلته، كان جنونا، وكأنه محاولة انتحار يائسة للبقاء تحت وابل من مطر منهمر بتلك القوة والغزارة، والعجيب، هو مشاركته.

لها ذاك الجنون، كانت تتوقع منه تقريعا، وتوبيخا
عندما وجدها، لكنه تصرف عكس ما توقعت تماما
وكأنها امام شخصية اخرى، تتلبس جسد ذاك المتغطرس المدعو، محسن ضرغام..
أخذت حماما دافئا لعله يطرد ذاك البرد، الذى يتشبث
بعظامها، واعدت مشروب ساخن لها، واطمأنت على اخيها الذى عادت لتجده، تناول ما اعدته له..
من طعام، وغط فى نوم عميق..

تدثرت بالأغطية الثقيلة، وقررت طرد شبحه من ذاكرتها، نظرت لخاتمه الذى لم تعتاده بعد..
انها المرة الاولى التى تتنبه لشكل تلك الماسة التى تزينه
انها تشبه الى حد كبير، قطرة المطر، تنهدت ولم
تعطى للامر التفاتا، لتدثر وهى ترتجف بردا..
وتسقط مجهدة، فى سبات عميق..

-سيد محسن، هل هذا أنت!؟، سأل الصوت المضطرب...

-نعم، يوسف، ماذا هناك..!؟، سأل محسن متعجبا عندما سمع صوت يوسف المتوتر، وهو يحدثه من هاتف اخته، عندما رأى نمرتها تضئ على شاشته، طرد النوم من عينه، انها المرة الاولى التى تطلبه فيها، لكن خاب ظنه، عندما سمع صوت يوسف، والأكثر من خيبة الظن، هو ذاك القلق الذى تسرب اليه، عبر صوت يوسف المتوتر..

-نعم، سيد محسن انه انا، يوسف، رجاءا، تعال فورا، انا، لا اعرف كيفية التصرف، قالها الولد لاهثا، انها مودة، أظن انها محمومة وتهزى..
انتفض محسن من فراشه وقد شرع بالفعل فى خلع ملابسه، وهو يحاول ان يبث الصبى بعض الطمأنينة
على الرغم من قلقه، الذى بلغ ذروته الان..
-حسنا، يوسف، لا تقلق، انا فى الطريق، ومعى طبيبا، كن معها، ولا تتركها..
-حسنا، أجاب الصبى، واغلق الهاتف..

دقات متسارعة على باب شقتهما، جعلت الصبى يطير ركضا بكرسيه المدولب، ليفتح الباب على عجل، ليندفع منه محسن فى لوعة، وخلفه الطبيب..
ويتبعهما الصبى، وعلامات الحزن، تكسو وجهه..
اندفع محسن للحجرة، ليرى للمرة الاولى شعرها الحريرى، يتوج وسادتها، وقد اصابه البلل من شدة الحمى، والعرق الغزير الذى يكلل جبينها..
ألتقط بسرعة، غطاء للرأس كان موضوع على مقعد مجاور
ووضعه على رأسها، قبل ان يأذن للطبيب، بالدخول.

لفحصها..
تنحى جانبا، وشرع الطبيب فى عمله، كان القلق يتأكله، وهو يراها بهذه الحالة، غائبة عن الدنيا، تهزى بهمهمات غير مفهومة، انتهى الطبيب من فحصه، واستدار يحدثه فى هدوء: - لا تقلق ستكون بخير..
-لكنها محمومة، وتهزى..؟!، سأل فى قلق..
ابتسم الطبيب مطمئنا، هذا طبيعى، بسبب البرد الشديد، ستكون بخير، لكن، عليكم الاعتناء بمواعيد الدواء، والتغذية..
هز محسن رأسه موافقا، ورافق الطبيب، مودعا.

وانتبه ليوسف الذى اتخذ جانبا، وهو يكاد يبكى خوفا
ولوعة على أخته الوحيدة، اقترب منه محسن وهو يقول فى لهجة حاول ان يكسوها المرح: - لا تقلق، الطبيب قال انها ستكون بخير، فقط هى نزلة برد..
شديدة وستتحسن وتكون افضل عما قريب..
سأذهب لإحضار الدواء، واعود سريعا..
-شكرًا، همس الصبى فى امتنان..

مسد محسن على رأسه فى حنو، وهو يقول: - كيف تشكرنى، انه واجبى، وانت وأختك مسؤولان منى الان، هى بصفتها زوجتى، وانت بصفتك اخيها الصغير العزيز..
ابتسم الصبى للمرة الاولى، وبرقت عيناه امتنانا..
بينما اندفع محسن، لجلب الدواء..
جلس قبالتها، على طرف فراشها، يتطلع اليها فى شجن، حتى وهى مريضة، بذاك الوجه الشاحب..

يراها جميلة، تطلع اليها، يحفظ ملامحها عن ظهر قلب، ومد يده، يمسد على جبينها، وشعرها، الذى خلب لبه، بلونه الاسود الحالك، كسماء بلا أنجم..
انها عادية الجمال، وقد عرف كثير من الفتيات، يتفوقن على جمالها، لكن، هى بالذات، هى لا غيرها، استطاعت ان تؤثر فيه، بشكل هو شخصياً، يعجز عن وصفه، عندما يراها، او يكون بقربها..

يهتز، ويفقد صوابه، وكأنها تملك بوصلة، لتوجيه انفعالاته، غريبة حالته التى يستشعرها بقربها، وجميلة هى بطريقتها الخاصة، بل انها فائقة الجمال..
بدأت تتململ الان، وتهزى ببضع همهمات، لم تلتقط أذنيه منها، سوى اسمه، نعم، انها تنطق اسمه..
أرهف السمع، فالفضول قاتله، يريد ان يعرف، لأى غرض، تتمتم باسمه، بتلك الطريقة الناعمة..
التى تفقده صوابه، لكنه لم يفلح، لانها صمتت فجأة..

وبدأت فى فتح عيونها ببطء شديد، وهى تستفيق تدريجيا، وما أن رأته، وهو يجلس هكذا على طرف فراشها لا يفصلها عنه بضع سنتيمترات، الا انتفضت
تعدل من ملابسها، وتضع يدها على شعرها، لتكتشف عدم وجود حجابها، فتهتف فى احراج: - ما الذى تفعله هنا..!؟..
لم يجيب الا بابتسامة دافئة، والادهى انها اكتشفت، انها لم تكن ترتدى تلك المنامة، من قام بتغيير ملابسها
-ماذا يحدث هنا..!؟.

فجأة ظهرت على الباب سيدة فى نهاية العقد الخامس من عمرها تقريبا، ممتلئة الجسم قليلا، يبدو على وجهها سمات الطيبة، لتوجه كلامها لمحسن قائلة: - لقد انتهيت سيدى، من اعداد كل ما طلبته..
-شكرًا، يا نبيلة، تعالى، لتتعرفى على زوجتى الجميلة، قالها وهو يحتضن كف مودة فى يده، بشكل طبيعى، جعلها ترتعش لهذه الحميمية..

تقدمت المرأة وهى تقول فى سعادة صادقة: - اهلًا، يا ابنتى، ربنا يسعدكم، نحن فى انتظارك على احر من الجمر، لتنورى منزلك، قريبا باْذن الله..
انفتح قلب مودة لتلك السيدة الطيبة، وشعرت بصدق امنياتها ودعواتها التى تنبع من القلب، فابتسمت فى رضا وهى تقول: - أشكرك كثيراً...
قطع محسن حديثهما، ليعلن وقت الطعام..
-لا املك شهية، لا أريد!؟، اعترضت مودة..
-يجب ان تتناولى بعض الطعام، هذه تعليمات الطبيب.

وقد جعلت السائق يحضر نبيلة، لتعد لك طعاما شهيا
يمنحك القوة، والشفاء العاجل..
ابتسمت مودة فى رقة، وهى تهز رأسها فى خنوع..
منذ متى لم تهنأ بهذا الدلال..!؟، ولم يعاملها احد بذاك الحنان، والاهتمام.!؟، منذ أمد بعيد، هكذا أجابت نفسها...
دخلت نبيلة مرة اخرى بصنية الطعام، لتضعها أمامها.

وتسبقها يد محسن لتتناول الملعقة، ليبدأ فى رفعها مليئة بالطعام لفمها، لتضحك نبيلة، وهى تنسحب من الحجرة قائلة: - انا لن ابقى، فأنا لا أحب ان اكون عزولا...

ضحك محسن بأريحية، بينما اعتلى الخجل، وجنتىّ مودة، والتى مدت يدها لتأخذ الملعقة من يده، متجنبة ان تتلاقى نظراتهما، الا انه ابعد يدها برقة، بيده الاخرى، ومدها ليرفع ذقنها، لتصطدم نظراتها بنظراته، ليتوه فى عمق عينيها للحظات، ثم يستفيق فجأة عندما أبعدت نظراتها، لتقطع ذاك الرابط الخفى الذى كان يربطهما، ليترك الملعقة من يده ببطء داخل طبق الحساء، ويتنحنح فى احراج، واقفا، ليندفع خارج الغرفة، دون ان ينبس بحرف واحد..


قرر محسن المبيت معهما، مما جعل يوسف يهلل فرحا..
بينما هى، لم تستطيب الفكرة، يا آلهى، كيف ستبقى معه تحت سقف واحد، لكن، توقفت وهى تذكر نفسها
بأنها الان زوجته، وكون انه يجمعها سقف واحد، فذاك امر طبيعى، ولن يكون سقف بيتها المرة القادمة.

بل سقف فيلته الفخمة، وبالأصح، سقف حجرة نومه، نومهما، أجفلت عندما تذكرت ذلك، واحتضنت نفسها بيديها، كعادتها دائما، عندما ترغب فى الشعور بالامان، وذكرت نفسها، كما تفعل دوماً..
لا تفكرى كثيرا، فما كان قد كان، دعى الامور تسير كما كتبها الله، فلن تغيرى من القدر شيئا..
اندس محسن بجوار يوسف، تحت أغطية فراش الاخير، الذى كان فى منتهى السعادة، لمشاركة محسن له فراشه..
-تصبح على خير، سيد محسن..

-يمكنك ان تنادينى بمحسن فقط، فأنا الان زوج اختك
ونحن ايضا أصدقاء، أليس كذلك!؟..
-بالطبع، أنا أحبك كثيرا، ووافقت على زواجك من اختى، عندما سألتنى رأيي، عندما تقدمت لطلب يدها
-حقا..!، سأل محسن، وقد نهض مستندا على مرفقه ناظرا ليوسف، هل سألتك عنى..!؟..
-نعم، قالها محيي وقد شعر بذاته، فأنا اخوها الوحيد.

وهى تستشيرنى فى كل أمورها، وانا وافقت، عندما اخبرتنى برغبتك بالزواج بها، فأنا حقا أحبك، كما انك تحبها..
ألجمته كلمة أخيها الاخيرة، لكنه قال فى محاولة لمزاحه: - وكيف عرفت أننى احبها..!؟..
-انا رجل مثلك، وشؤون الرجال، لا يفهما الا الرجال، وانا اعرف انك تحبها، قالها منتفخ الأوداج مما جعل محسن، ينفجر ضاحكا..

سرح محسن فى كلام ذاك الصبى الرائع، وطالت فترة الصمت بينهما، حتى قطعها محسن اخيرا، وهو يقول ليوسف الذى بدأ يغلبه النعاس: - يوسف، هل لى بطلب صغير منك..!؟.
-أه، طبعا، قالها يوسف متثائبا..
-اهتم كثيرا بمودة، وكن دوما بجانبها، قريبا جدا، ستعود للسير من جديد، كن دوما رجلها..
-انت رجلها، ألست زوجها..!؟، سأل الصبى متعجبا..

-نعم، طبعا، قالها محسن فى ثقة، لكن، عدنى بأنك ستكون دوما بجوارها، عندما لا اكون هنا..
عدنى يوسف...
-أعدك، قالها الصبى بثقة الرجال، مستطردا، أعدك بان اكون جانبها دوما، ولا اتركها ابدا، هل انت راضٍ الان!؟.
-نعم، كل الرضا، اجابه بابتسامة شجية..

وتمنى كل منهما، الخير للاخر، وراحا فى سبات عميق، ولم يكن يدرى كل منهما، ان هناك أذان أخرى تسترق السمع، فقد نهضت من فراشها، لجلب كأس من الماء، وفكرت فى التطلع لحجرة اخيها..
لتطمئن ان كل شئ على ما يرام..
هزها ما سمعت، وشعرت بوجع عجيب يتسلل الى اعماق روحها، وجع لا تعرف كنهه، ولا تستطيع ادراك اسبابه، لكنها شعرت به حيّا، قابعا، ها هناك
ولا قدرة لديها، لانتزاعه، او حتى تسكينه..

نظرت بطرف عينيها، عبر باب حجرة اخيها الموارب، لتراهما، فى سباتهما، الفوضوى، فتتسلل ببطء، لتقترب من فراشهما، الذى بالكاد يسعهما
وها هو قلبها، يشعر بغصة تستبد به، وهى ترى محسن يأخذ يوسف بين ذراعيه، وملامح الراحة والسعادة التى تجلت على ملامح اخيها الهانئة، لا يكفى لوصفها الف كتاب، وكتاب..
خرجت من الغرفة، على أطراف أصابعها..
وهى تشعر الان، والآن فقط، بكامل الرضا، لزواجها من محسن ضرغام..



.

انتهى حفل الزفاف، كان كحلم رائع، كطيف، انتهى فى لحظات، هكذا شعرت، وهى بجواره فى سيارته، وعلى الرغم من انها، لم تكن على طبيعتها
وكانت معظم الوقت، مشدودة ومتوترة، الا انها لا تستطيع ان تنكر، انه كان حفلا أسطوريا بمعنى الكلمة.

فهى فى اروع أحلامها، لم تكن تتوقع حفل زفاف بتلك الفخامة والروعة، وان ترتدى ثوب زفاف، بمثل ذَاك الجمال والرقى، لقد شعرت فى بعض اللحظات التى أطلقت فيها العنان لمشاعرها، بأنها أحدى أميرات الأساطير القديمة، وها هى تحقق حلمها بالزواج من الفارس الذى انتظرته طويلا، لكن ما ان يقع ناظرها على فارسها، حتى تستفيق على حقيقة تواجدها بجواره، هى زوجة تحت الطلب..
زوجة مؤقتة، طرف فى صفقة، يحصل كل منهما.

بمقتضاها على ما يحتاجه...
تنبهت انه يرمقها بنظرات جانبية، فأعتدلت فى جلستها قليلا، بعد ان حاولت الاسترخاء لدقائق، وهى تشرد فى خواطرها، وتنبهت انهما على طريق شبه خال، فأجابها وقد ادرك فيما تفكر: - أختطفك..
فهل تمانعين..!؟، قالها بابتسامة مرحة، ارتسمت على شفتيه وهو ينظر لها، ثم يعاود النظر مرة اخرى للطريق..
-تعنى اننا لن نعود للفيلا الليلة..!؟، قالتها مشدوهة.

-نعم، ولمدة ثلاثة ايام، ستكونين فيها لى وحدى، نطق كلماته الاخيرة بلهجة تحمل شوق لا يمكنها ان تخطئه، فارتعشت بشكل لا أرادى، لاحظ ارتعاشاتها ولكنه لم يعلق، فقط لاحظت ابتسامة خبيثة ترتسم على جانب فمه القاسى..
-ولكن، يوسف، انا لم اطمئن عليه، و..

قاطعها وهو يقول فى هدوء مطمئن: - لا تقلقى ابدا، أخوك العزيز، يتمتع بكل وسائل الراحة، له حجرة خاصة بالطابق الاول، نظرا لظروفه، ويعتنى به كل من بالمنزل، واولهم طبعا، دادة نبيلة، وانتِ بنفسكِ لمستى مدى حنانها، وعطفها، غداً باْذن الله، يمكنكِ محادثته والاطمئنان عليه، هل انت مرتاحة الان!؟.

هزت رأسها ايجابا، دون ان تنطق بكلمة واحدة، فهو لديه اجابة منطقية وشافية لكل سؤال، بدأ الصداع يشتد، ويغزورأسها، فقد كان يوما، مرهق لأعصابها منذ بدايته، فهى لم تنل قسط وافر من النوم الليلة الماضية، فقد أخذت تتقلب على فراشها، الليل بطوله، وكأنه فراش من اشواك، لا يغفو لها جفن، تتنازعها كل الظنون والشكوك، وتملأ رأسها، ثم ما تلا ذلك، من اعداد وتجهيز، فى غرفة الفندق التى حجزها لها خصيصا..

لتجهز فيها نفسها، وتضع زينتها وترتدى فستانها..
بمساعدة متخصصين عَلى درجة عالية من المهارة، حتى انها لم تتعرف على نفسها، عندما تطلعت للمرأة
أخيرا لتتساءل، من تلك الحورية الرائعة، التى اصبحتها..!؟، ولم تكن مخطئة، فنظرات محسن لها
عندما طلت عليه، كانت تحمل الكثير، وتقول الكثير، فعينيه، كانت تشع ببريق عجيب، تراه للمرة الاولى، ساطعا من تلك الحدقتين الفحميتين
لقد تشبث بيدها، ولم يفلتها طوال الحفل..

لقد ألقت التحية على المئات، الليل بطوله..
ممن يحتلوا مكانة مرموقة، فى عالم الاعمال، وتربطهم صلة عمل او صداقة، بمحسن، وتذكرت
تلك الفتاة الباهرة الحسن، التى تقدمت فى غنج، تتمايل برشاقة، مقتربة منهما، لالقاء التحية، والمباركة، كالجميع، الا انها ليست كالجميع بالطبع
فلقد اقتربت من محسن فى حميمية، محاولة تقبيله
الا انه، استطاع بمهارة، ان يردعها، مادا يده بطولها بينهما، لتتلقى كفه فى برود، وقسمات وجهها.

تحمل الكثير من الوعيد، حتى انها، لم تلقى التحية عليها، هى العروس، واندفعت بغضب، مغادرة
الحفل، اما هو، فكان رائق البال، لم يهتز لحظة..
وكأن ما حدث، لا يعنيه، بل انه نظر اليها، ليبتسم فى فرحة، ويعاود التمسك بكفها من جديد..
وتسألت، من هذة يا ترى!؟، فهى تشعر بغيرة شديدة.

لزواجه من غيرها، لما لم يتزوجها، اذا كان بالفعل يحتاج زوجة، لفترة مؤقتة، وكانت ستكون عن جد، اكثر من مرحبة..!؟، لتكتشف ان هذه الفاتنة، كانت
حبيبته الماضية، والتى كان فى سبيله للزواج بها، لكن لم يتم زفافهما، ولا تعرف الأسباب..
أخرجها من خواطرها، عندما هتف فى حماسة: - حمد لله على السلامة، ها قد وصلنا..
نظرت حولها، لتجد بوابة صغيرة، فُتحت اوتوماتيكيا.

لتدخل السيارة، وتتوقف بعد لحظات امام باب لفيلا صغيرة الحجم، مكونة من طابقين، لكنها لم تلاحظ ما حولها، نظرا للظلام المحيط بها، لم تحرك ساكناً.

عندما توقفت العربة، ولم تترجل من السيارة، الا عندما اتجه اليها، يفتح بابها، ليمد لها يده، ليساعدها فى الخروج من السيارة، بحملها الذى تنوء به، فستان زفافها، والذى كانت ترفل تحت سمك طبقاته، لا تستطيع الحركة، وضعت بالفعل احدى قدميها خارج السيارة، وما ان همت، بأخراج الاخرى حتى وجدت نفسها، مندفعة خارج السيارة بقوة جذب ذراعيه، كادت ان تسقط، فقد تيبست قدماها.

من طول فترة الجلوس بالعربة دون حركة، وربما تيبَّست وباتت ترتعش الان، من رهبتها، فى حضوره الطاغى، الذى يشملها الان..

هى حرفيا بين ذراعيه، محمولة، لا تعرف كيف، لكنه الان يصعد بها الدرج، ويفتح الباب ببساطة، انفاسها تتلاحق، ودقات قلبها، تشبه الطبول، وحلقها كصحراء خاصمها المطر منذ سنوات، تشعر انها فى سبيلها، لفقدان وعيها، فجأة وجدت نفسها، فى غرفتهما، تقدم لينزلها ببطء، لتلامس قدماها الارض اخيرا، وتحاول هى التقاط انفاسها بشئ من الصعوبة مقاومة ذاك الدوار الذى بدأ يغلف وعيها..
-ما رأيك فى غرفتكِ..!؟، سأل بلهجة مرحة..

-انها رائعة، أجابت بصدق، فهى بالفعل رائعة، تشبه الحلم، بستائرها المخملية، وأضواؤها
الخافتة، والبساط الحريرى، على ارضيتها..
وذاك الفراش ذو الحجم الملكى، والأغطية الذهبية الوثيرة، والوسائد بكافة الاحجام، تتوزع على الفراش، وعلى الأركان، التى تحتلها عدة مقاعد..
مريحة الشكل، ذات ذراعين وظهر عال، تشبه عرش الملوك...

أشار لباب جانبى، قائلا: - هناك الحمام، يمكنكِ الذهاب الان، لأخذ حمام، وتبديل ملابسكِ، ستجدي
كل ما تحتاجينه بالداخل، وانا سأنتظر هنا، حتى يحين دورى، أطاعت فى صمت متجهة، للحمام، تتصرف بشكل آلى، وما ان وصلت لبابه، حتى مازحها، هاتفاً: - لو احتجتى لاى مساعدة، سأكون سعيد جدا، بتقديمها..
انفجر ضاحكا، عندما اندفعت هاربة تحتمى بالحمام..

وقد علت حمرة الخجل خديها، وزاد وجيب قلبها، الذى لم يهدأ، منذ ظهر ذاك الرجل القابع خلف هذا الباب، فى حياتها..

تبا لكل صفقات العالم، كانت تعتقد انها تستطيع ان تمنح نفسها، له دون حب، لكنها ايقنت الان، ان الامر لا يعد مستحيلا فقط، بل هو من رابع المستحيلات، ستخلع عنها فستان زفافها، وستخرج لتبلغه، بأنها لن تمضى فى تلك الصفقة، ولتذهب كل وعود الدنيا للجحيم، اما اخيها، والذى طلت صورته امام عينيها، فستقوم بالمستحيل لعلاجه، لكن ليس بالزواج من ذاك الرجل، لا، وألف، لا، خلعت فستانها.

ونزلت تحت رزاز الماء الدافئ، الذى أنعش مقاومتها
وخف من شدة الصداع الذى كان قد بدأ يتملكها..
نظرت حولها، لتبحث عن ما ترتديه، فوجدت قميص
نوم طويل من المخمل الأبيض، بالغ الرقة، وبجواره معلق على المشجب الاخر، مئزر من نفس
المخمل واللون، زفرت براحة، عند رؤيتها لذاك المئزر، فهى لا تتخيل، مجرد تخيل، ان تخرج له..

بذاك القميص، البالغ الفتنة، وخاصة وهى فى سبيلها لإنهاء صفقتهما، جمعت شعرها الليلى، فى ربطة خلف رأسها على شكل كعكة، ومسحت ما تبقى من زينة وجهها، لتظهر ملامحها الحقيقية، بوضوح، وتشتد عزيمتها، لتمضى فى ما قررته الان، وقد استعادت مودة الحقيقة، بعيدا عن كل هذا الزيف، الذى كان يشملها..
خرجت فى بطء شديد، يكاد قلبها يعلن استسلامه، من شدة دقاته، التى كانت تدق على اضلعها، فيتردد صداها، فى اذنيها..

تعلقت عينيه فورا، بتلك الحورية التى ظهرت لتوها..
ولم يستطع ان يحيد نظرات عينيه بعيدا عنها، وقف فى مواجهتها، وهى يكتنفها صمت مريب
-انه دورى على ما أظن، اندفع للحمام، وهو يشير لتلفاز، كان يقلب فى قنواته، و ابريق من عصير
منعش كان يتناوله، اشربى بعض من ذاك العصير انه منعش، اقترح وهو يغلق باب الحمام خلفه..

ليس لها رغبة فى تناول اى شئ، فمعدتها وكأن احد ما قد ألقى فيها، عدة جوالات من الإسمنت، كانت تشعر بها، خاوية، ومتخمة فى نفس الوقت، تركت محول التلفاز جانبا، بعد ان أغلقته، وأخذت تفكر، كيف تخرج نفسها من تلك الورطة التى ألقت بنفسها فيها...

كانت مستغرقة فى افكارها، لدرجة انها لم تستشعر خروجه من الحمام منتعشا، يرتدى منامته، ويفرك رأسه المبلل، بمنشفته، التى ألقى بها بعيدا على طرف احد المقاعد، كان يشبه احد الاطفال المشاغبين، بشعره المشعث ذاك، مما جعل معدتها تنقبض بغير سبب معروف، توجه لطاولة الزينة، يتعطرويمشط شعره المموج الحالك السواد..

ويستدير ليواجهها، لتشعر بقشعريرة تجتاحها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها، وهو يتقدم فى بطء، ناحيتها، تاهت كل حروفها، وظل صوتها حبيس لا يستطيع الخروج، لتخبره بما انتوته اخيرا، وأخفضت نظراتها، وهو يتقدم اليها، حتى اصبح لا يفصله عنها الا عدة سنتيمترات، فوضع كفه تحت ذقنها، ليرفع رأسها، ويقابل نظراتها المضطربة بجنون..
-أخيرا، رأيت ملامح وجهك المحببة، بعد ان غطتها تلك المساحيق لتخفيها عنى طوال الحفل...

لم تستطع التفوه بحرف واحد، بينما هو استطرد وهو يأسر وجهها بين كفيه، لكن على الرغم من ذلك لم تستطع تلك المساحيق ان تخفى شحوب روحك، التى أفتقدها، كان الان ينظر فى عمق عينيها، التى بدأت تترقرق فيهما الدموع، فاقترب من جبينها، يلثمه برقة، ليعود مرة اخرى، لحديث عينيها الذى يجذبه كالمغناطيس، قرب رأسها، من صدره، لتكون الان
بين ذراعيه، يربت على رأسها بحنان بالغ..

وهو يهمس بمسامعها، : - لا تخافى منى، فأنا لست الغول ذو العين الحمراء، والمخالب ال..
قاطعته اخيرا، وهى تقول فى ذعر: - لا تكمل أرجوك وصفك التفصيلى يفزعنى، فأنا أرتعب وبشدة..
انفجر ضاحكا، وهزتها ضحكاته، التى وصلتها عبر صدره الذى تتوسده الان..
-هذا رائع، هتف مازحا، فقد عرفت الان كيف أدفعك للاحتماء بين ذراعىّ...
ابعدها عنه، ليتطلع اليها من جديد...

-هيا، تعالى، أخذ بكفها وبيده الاخرى يدفع الغطاء بعيدا، ليدخلها الفراش، ويعيد الغطاء عليها من جديد، وينحنى ليقبل جبينها، وهو يهمس: - انت شديدة الشحوب، يبدو انكِ لم تستعيدى كامل صحتك، نامى، وانا هنا بجوارك اقرأ قليلا، أشار لأحد المقاعد الوثيرة، والتى تجاورها طاولة يعتليها أحد المصابيح، وبعض الكتب..
ابتعد وابتسامة رقيقة تعلو شفتيه، لتتطلع اليه لحظات
حيث يجلس، وتغمض عينيها، لتغرق فى نوم عميق.

وقد نسيت كل ما اتخذته من قرارت بشأن صفقتهما المزعومة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة