قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رفرفت أهدابها عدة مرات، حتى فتحت عيونها، لتحملق فيما حولها، مشوشة لا تدرك أين هى.!؟.
حتى تنبهت اخيرا، انها على الفراش، فى غرفة نومهما، والبارحة كانت ليلة عرسها، دعكت عينيها.

لتدرك انها لا تحلم، وانها متيقظة تماما، حتى تأكدت انها الان فى كامل يقظتها، عندما وقعت عيناها على محسن، وهو يغط فى نوم عميق على ذاك المقعد، الذى جلس يقرأ عليه مساءا، كانت ملامحه الان، هادئة، وديعة، وهو يسترخى نائما محتضنا كتابه، المفتوح على صدره، ورأسه تميل يمينا، وشعره
الاشعس مبعثر فى فوضى..
ابتسمت عندما تذكرت حنانه ووداعته معها بالامس..
غادرت الفراش بهدوء، ومشت على أطراف أصابعها.

حتى لا توقظه، تتجه خارج الغرفة، تستكشف تلك الفيلا، التى لم تلحظ اى من معالمها بالامس..
دارت فى انحاءها حتى عثرت على المطبخ، كم تشعر بالجوع، فهى حرفيا، لم تتناول الطعام منذ البارحة
ومعدتها تصدر أصواتا قتالية تشبه، سباب ما، على تركها خاوية كل هذا الوقت..

فتحت الثلاجة، وشرعت فى اعداد الافطار، واندمجت بكل طاقتها، ورائحة الطعام الشهية، تخدر حواسها كليا، حتى انها لم تستشعر ذاك الذى اقترب من الخلف، ليفاجأها باحتضانها، لتصرخ فى رعب حقيقى وهى تمسك بيدها صحن البيض الذى انتهت من اعداده للتو، فيقفز الطعام، ليلتصق بالسقف..
ابتعد عنها، وهو يضحك بشكل هيستيرى، على ملامحها التى اعتلاها، الغضب، و الخجل فى آن واحد..

-هل رأيت نتيجة أفعالك!؟، هتفت بصوت حانق تضغط على أسنانها غيظا، وهى تنظر للطعام الطائر بحسرة..
-لا عليكِ، سأتسلق الحائط لألعقه ان كان هذا يرضيكِ، قالها، ونوبة الضحك لم تفارقه، فاقترب منها وعينيه تلمع ببريق عابث، واستطرد فى هدوء..
أخافها، او، ربما هناك أفطار أشهى بأنتظارى..
كان يقول كلماته الاخيرة، وهو يقترب ليضمها، وإذ فجأة، يسقط الطعام المعلق، على رأسه، وكتفيه..

ليصمت هو، وتضع هى كفها على فمها، مصعوقه
وأخيرا تنفجر ضاحكة، وتهرب مسرعة، من أمامه
ورنات ضحكاتها، تسبقها، وهى تختبئ خوفا من عقابه، الا انه ما لبث، ان ازال الطعام الملتصق به
واسرع خلفها، وابتسامة كبيرة تغطى وجهه..
صرخت عندما ظهر على باب غرفتهما، ووقفت على الفراش تحتمى بعدة وسائد طالتها يديها، انفجر ضاحكا.

وهو يندفع للفراش، وهو يهتف بصوت جهورى: - اذن فهى الحرب، ويجمع عدة وسائد فى طريقه، وبدأت المعركة، وكل منهما يكيل للاخر الضربات، كيفما اتفق، والوسائد تتطاير يميناً ويساراً، وصوت ضحكاته وصراخها، يشق الصمت حولهما، حتى كانت أخر وسائدها، فقذفتها فى يأس، لتصطدم برأسه، و، يتوقف هو..

ترك وسائده من يده، ووقف فى صمت، يحاول استجماع قوته، ليجابه ذاك الالم الذى بدأ يعتصر رأسه، قفزت هى، تصرخ منتشية بأنتصارها...
و هى تضحك فى فرح غامر، حتى تنبهت الى غرابة صمته، الذى ظنت انه مزحة فى البداية، اقتربت، فى خوف، وخاصة عندما بدأ ينهار فجأة، ليسقط على ركبتيه، يحيط رأسه بكلتا يديه، فى الم صامت يهزه هزا، وضعت كفها على كتفه، : - محسن، هل انت بخير..!؟، سألت فى رعب حقيقى..

ولم يجبها، فى ساعتها، بل أشار لأحد الأدراج، ففتحته، لتجد دواءا، فتناولته بسرعة، وقدمته له مع كأس من الماء، رفع رأسه بصعوبة، ليتناوله...
لقد رأته، عدة مرات يتناول، هذا الدواء، فى اكثر من مناسبة جمعتهما، كانت تلاحظه، يتناوله خفية..
ولم تشأ، ان تسأله، شعرت انه امر خاص، وليس من المستحسن ان تتدخل، فقد يشعره ذلك بالحرج..

مضت عدة دقائق، فتحرك، من رقدته التى كان يتقوقع فيها على نفسه، وتمدد على الفراش، وهو مغمض العينين، شاحب الوجه، جلست على طرف الفراش، تراقبه، لا تدرى ما يجب عليها فعله، تشعر بالذنب، يعتصرها، فهى السبب فيما يعانى..
وضعت كفها، بشكل لا أرادى، على كفه الممدودة بجوارها، فتنبه، وأمسك بها، ليجذبها، ليضعها
على جبينه، فتقترب منه مرغمة، لتفعل ما طلب
وتترك كفها، حيث وضعها، على مقدمة رأسه.

التى تشعر بها، تنبض بقوة، عند احد جانبى جبهته
ظلت، على وضعها لا تتحرك، حتى شعرت بتنفسه
ينتظم، وايقنت انه راح فى نوم عميق، فتحركت ببطء، وجذبت عليه الغطاء، ونزلت للمطبخ، لتنظيف الفوضى الذى خلفها ذاك الافطار الكارثة، وتكلم أخيها، يوسف، لقد افتقدته كثيرا، انها الليلة الاولى التى تبيتها بعيدا عنه...

سمعت الرنين على الطرف الاخر، واخيرا، رد يوسف، الذى ما ان سمع صوتها، حتى هتف فى سعادة: - مودة، أوحشتنى كثيرا، جدا...
-حبيبى، هل انت بخير، وكل الامور، تريحك..!
-اه، نعم، انتِ لم ترى حجرتى بعد، انها رائعة وبها كل ما أتمنى، من ألعاب، و دادة نبيلة، تعتنى بى، وبكل طلباتى، لكن اخبرينى، متى تأتين، فأنا افتقدكِ..
-غدا، ابو بعد غد، سنكون عندك، ولن نفترق ثانية ابدا..

- المهم ان تكونِ سعيدة، وكيف هو محسن، هو رجل طيب، أليس كذلك..!؟، و يحبك كثيرا أختى..
-نعم، هو رجل رائع يوسف، وهو يرسل لك كثير السلام..
-حسنا، استمتعا باجازتكما، وانا فى انتظاركما بشوق
-حسنا، حبيبى، اعتنى بنفسك، وسلامى لدادة نبيلة..
-حاضر دودى، أحبك كثيرا..
-وانا ايضا أحبك، وافتقدتك، اعتنى بحالك لأجلى، وداعا...

وأنهت المكالمة، ولا يحتل عقلها، وفكرها، غير صورة محسن، وهو يتألم بذلك الشكل، الذى انفطر له قلبها، فقدت شهيتها للطعام كليا، فصنعت لها فنجانا من الشاى، لتشربه على احدى الشرفات..
لتطالعها الطبيعة الساحرة التى تحيط بالمكان، فاستنشقت، ما استطاعت ان تملأ به رئتيها، من ذاك الهواء النقى، الذى أعاد لها صفاء ذهنها، وبعض من قوتها..

أنهت فنجانها، وقررت المرور على حجرة نومها، لتطمئن على محسن، فتحت باب الغرفة فى بطء شديد حتى لا توقظه، لكن ما ان، اصطدمت عيناها بالفراش، حتى اكتشفت انه فارغ، ففتحت الباب فى عجالة، تنظر حولها، فى قلق، لتصطدم به، وهو خارج من الحمام، يجفف شعره بمنشفته كالعادة..
لتقفز للوراء عدة خطوات فى فزع، بينما يرفع هو المنشفة عن رأسه، ولا يحاول ان تلتقى عيونهما، وكأنه يتجنبها...
-هل انت بخير..!؟، سألت فى قلق..

-نعم، لم يزد عليها، وقالها بلهجة باردة، لامبالية..
هل هو غاضب منها، ام ماذا..!؟، هى لم تكن تقصد، ما حدث كان محض صدفة..
اما هو، فقد شعر برغبة عارمة، فى نسيان ما حدث
لم يكن يتمنى ابدا، ان ترى نقطة ضعفه، لم يكن يتمنى ان ترى، فى بداية حياتهما معا، تداعيات مرضه تسيطر عليه، كان يحتفظ بتلك اللحظات دوما لنفسه، ولم يكن يُطلع عليها اى مخلوق، اى كان..
وهى بالذات، لا يريدها، ان تراه، وهو يعانى..

لم يكن يتمنى هذا ابدا، لكن تأتى الرياح، بما لا تشتهيه السفن، وسيحاول من الان وصاعدا، ان ينحيها جانبا، فى تلك اللحظات، الغير مرغوب فيها، والتى تفرض نفسها، على حياته، بلا استئذان..

-أرتدى ملابسكِ، لنذهب لتناول الغداء بالخارج، أمرها بشكل رسمى، وهو يتناول ملابسه من خزينة الملابس، ويضعها على الفراش، ليشرع فى ارتداءها، لتندفع هى فى خجل، للحمام، وهى تتعجب من ذلك الرجل، ما عادت تدرك، ان كان ذاك الذى تركته فى الغرفة منذ لحظات والذى يمثل محسن ضرغام كما عرفته، وتعرفه، رجل الاعمال.

شديد الصرامة، ام، هو ذاك الرجل، الذى حملها لفراشهما فى حنان، بالامس، ليدثرها، ويطبع قبلة المساء على جبينها..
انها، لم تعد تدرى، فى الاساس، لما هى مهتمة، لإجابة هذا السؤال، فليكن من يكون...
لما تهتم..!؟.

ارتدت احد الفساتين التى وجدتها معلقة بعناية فى خزانة ملابسها، أخرجت احداها، كان زهرى اللون، قمة فى الجمال، والعجيب انها وجدته يناسبها تماما، وكأنه صنع خصيصا لها، مثل كل شئ وجدته، من اجلها لقد استطاع شراء كل احتياجاتها، بذوق راقى، ومقاس اكثر من مناسب، نظرت لصورتها فى المرأة، وألقت لها قبلة، وهى راضية تمام عن زينتها.

خرجت تبحث عنه، فهى لم تجده ينتظرها فى غرفة النوم، لابد وانه مل، من الانتظار، هبطت الدرج
وما ان طلت من علياءها حتى قابلتها زوج من العيون القاتمة التى تفرست فيها بصمت جعل الخجل يتملكها..
ولكنه ظل على صمته، ولم يعلق بكلمة على اناقتها
بل نهض مادا لها يده، ليلتقط كفها، فى احضان كفه
ويصعدا العربة..
لم يتفوه كلاهما بكلمة واحدة، حتى وصلوا لذاك المطعم الفاخر، الذى استنتجت من معاملة موظفيه.

لهما، معرفتهم السابقة بمحسن..
حضر الطعام فى سرعة، كانت جائعة جدا فهى لم تتناول افطارها، فالتهمت ما قدم لها، فى شهية..
وهى فى غاية الاستمتاع..
-هل أعجبك الطعام..!؟، كانت الكلمات الاولى التى تفوه بها، منذ ما حدث صباحا، اخيرا فك أسر لسانه
-أه، نعم، انه شهى، شكرًا..
-كنت جائعة، على ما يبدو..!؟، سأل فى خبث مشيرا لشهيتها المفتوحة..
- صحيح، كنت جائعة جدا، فأحدهما، جعل لافطارى اجنحة، ليطير..

انفجر ضاحكا، وقد تذكر ما حدث فى المطبخ صباحا
وراح ينظر اليها، نظرات نافذة اربكتها، كما انها، لا تعرف لما شعرت بقبضة باردة تعتصر معدتها، وهى تراه يعاود الضحك والمزاح من جديد، بعد ذاك الجو القاتم من الصمت، الذى شملهما منذ معركة الوسائد، شعور غريب، وكانما مع ضحكاته هلت الشمس لتسطع من جديد، من خلف غيوم الصمت والكأبة، لتدفأ قلبها، الذى اصبح يحيرها كثيرا، منذ
أصدمت به، للمرة الاولى، وحتى الان..

كانوا يتناولا، مشروب خفيف، بعد الغداء، وقد شعرت بالنشوة، بعد ان تناولت ذاك الطعام الشهى..
كما فعلت تلك الموسيقى، التى كانت تنساب الان، من حولها، أفاعيلها، فقد بدأت تحرك قدمها طربا
شعر هو بقدمها، التى ترقص منفردة تحت فراش مائدتهما، فابتسم، ولم يعلق، وانصت للموسيقى
مستمتعا هو الاخر، حتى فرغت من كأسها، فمد كفه
ليلتقط كفها، ويغادرا فى هدوء..

مرت الفترة بعد عودتهما، هادئة لا يتخللها، اى حوار من اى نوع، تركها، وذهب لغرفة المكتبة، ليقرأ، لم تكن تدرى، هل هو بخير، ام عاد لصومعة صمته من جديد، جلست تتطلع، الى شاشة التلفاز، فى شرود تام، حتى انها لم تنتبه ان التلفاز منخض الصوت جدا، حتى سمعت موسيقاها المحببة تصدح من مكان ما، تطلعت للتلفاز مرة اخرى، ورفعت صوته، لكن لم يكن هو مصدر الموسيقى التى سمعتها فى المطعم منذ ساعات..

اغلقت التلفاز وتتبعت الصوت، فى فضول، حتى وصلت لغرفة المكتب حيث يعتكف محسن، وحيدا مع كتابه، لم ترد ان تزعجه، فقررت العودة ادراجها..
لكن الباب، فُتح فجأة، ليطل منه محسن، مبتسما
كأنه يتوقع حضورها، مد يده ليلتقط كفها، وقبل ان تدرك ما يحدث، كانت بين ذراعيه يتمايل بها..
أين ذهبت انفاسها، انها لا تستطيع التقاطها من فرط.

الدهشة، كانت دقات قلبها تعلو وتهبط، متأرجحة فى سعادة، كان يقزفها بعيدا، ويعود ليجذبها ثانية لصدره، كان راقص بارع، وهى، كانت كالريشة..
يتلاعب بها، دون ان تدرى وجهتها..
كان يحقق احد احلام يقظتها، فى ان ترقص مع فارسها ذات يوم، على تلك الموسيقى الحالمة..
لكن، هل حقا، يحقق حلمها، ام يشوهه..!؟.
فهو ليس بفارسها، حتى الحلم، اصبح ممسوخ..
لن تستطيع ان تحلمه من جديد، مع فارس أخر..

ايقظها ذلك الخاطر، من نشوة الرقص بين ذراعيه..
لتتشنج خطواتها، وتكاد قدميها تتعثر..
فيدرك ذلك، بسرعة عجيبة، فيقربها من صدره
فى بطء، ويلف ذراعيه حولها، يكاد يحملها، فلا تلامس قدميها الارض، كانت الان، وبفارق الطول بينهما، على تماس تام مع قلبه، تلتصق أذنها بصدره.

فتصلها دقات قلبه القوية، المفعمة بالحياة، فيدب فى أوصالها شعور عجيب، جعلها ترتعش، شعور لم تستطع تفسيره، او حتى تعريفه، فهى منذ طالعتها عينيه القاتمتين، وهى تختبر مشاعر وأحاسيس جديدة
لم تخبرها من قبل، ولم تكن تدرك من الاساس..
بوجودها، مشاعر آسرة، لا تستطيع منها فكاكا..
ولا تستطيع تجاهلها، فهى مؤلمة وموجعة، وفى نفس الوقت، لذيذة ومنعشة، لا تعرف كيف تجتمع الاضداد، لكن هذا ما تشعر به، وهى بالقرب منه.

يشملها حضوره الطاغى، و تتملكها نظرات عينيه..
وتنتفض للمسات يديه..
لا تعرف كم مر من الوقت، وهى تتأرجح برقة ونعومة، بين هاتين الذراعين..
ولا تعرف كيف واتتها الجرأة، لتجد ذراعيها يتشابكان
خلف رقبته..!؟، هالها ما وجدت عليه نفسها، فحاولت التملص بهدوء من أسره، الا انه احكم ذراعيه كالطوق حول خصرها، ليهمس لها: - أهدأى..
فأنا لن، أفكر فى أؤذيكِ...
-لكن، قالتها مشتتة، لا تعرف ما يجب ان تقول، او تفعل..

-أنا لن أرغمك على شئ لا تريديه، فدوما، أفضل المرأة راغبة بين ذراعىّ، مابالك وتلك المرأة زوجتى
أحمرت وجنتاها، ليس خجلاً، من تصريحه الوقح
بل غضباً، و، و، ماذا!؟، سألت نفسها، لما غضبت من اتيانه ذكر نساء أخريات، مروا بحياته..
ماذا يمكن ان نسمى ما يحدث..!؟، عند ذاك الخاطر
لم تحتمل اكثر، لتتخلص ببراعة من حصار ذراعيه، و تندفع، بسرعة الضوء، هاربة من تأثيره عليها..

لتلتجأ لغرفة نومهما، بعيدا عن نظراته ولمساته..
و، ذكرياته البغيضة..

تظاهرت بالنوم، وغطت نفسها، من عنقها حتى اخمص قدميها، ومر الوقت، ولم يأتى للغرفة..
فتوقعت انه غضب لردة فعلها، فظلت، على حالة ترقب لقدومه، حتى تعبت، وكلت أعصابها المشدودة
وغفلت رغما عنها...
كان نوما قلقا مليئا بالاحلام، التى تحمل لها الكثير من افكارها وخواطرها المزعجة، التى تقاومها، طوال النهار، لتأتى رغما عنها، تقلقها ليلا..

رفرفت أهدابها.، وهى تهمهم، فى ضيق، وتتقلب على الفراش، حتى تنبه عقلها، فاستيقظت دفعة واحدة، تتلفت حولها، منزعجة..
حتى سقطت عيناها، على محسن، وهو يجلس جلسة البارحة نفسها، نائم يحتضن كتابه، ممدد القدمين
يضع احدهما على الاخرى، متشابكتان، ورأسه يميل
على كتفه الأيمن، وشعره يتبعثر فى فوضى محببة..
وقسمات وجهه.، تحمل الكثير من الوداعة...

شعرت بجفاف حلقها، فقامت بهدوء، تسكب لنفسها كأس ماء، من الطاولة القريبة منه..

شربت بعضه دفعة واحدة، وعادت ببطء بعد ان عاودت ملءالكأس، لتتركه بجانبها، على الطاولة الملاصقة للفراش، وفى اثناء عودتها، تعثرت فى شئ ما، فاهتز الكأس، لتندفع منه المياه، على وجهها، وصدرها، ولا تكتفى، بل تفقد توازنها، لتسقط مباشرة، فى احضانه، ليستيقظ فزعا، وقد ناله بعض رزاز المياه، جعله يستفيق بالقوة، ويستوعب الامر فى لحظات...
ليبتسم فى عبث، وهو يراها، بهذا الوضع الحميمى
فيحكم ذراعيه حولها..

-هذا ما عنيته تماما، بان تكونِ اكثر من راضية..
-انتظر، قالتها متلجلجة، سأشرح لك، فلقد تعثرت قدمى، و..
-ومرحبا بكِ، حيث يجب ان تكونىِ، هتف فى مرح
كاتما ضحكاته، على ملامح وجهها المشدوهة، كأرنبة وقعت فى الفخ، وتلعثمها الواضح، حتى انها، لم تستطع تجميع جملة مفيدة، تدافع بها عن نفسها..

نظر لملامحها المذعورة، وعلى العكس تماما، تعجب من نظراتها المتقدة التى تحمل تحدى غريب، انها خليط عجيب حقا، مزيج من القوة والضعف..
الخوف والشجاعة، اللين والحزم، زم ما بين حاجبيه
وهو يهمس فى شرود: - قطة برية..
-ماذا..!؟، سألت فى تعجب، ونظراتها لازالت فى أسر محكم من نظراته، فتمتم مكررا فى وعى هذه المرة، : - انتِ، قطة، قطتى ذات المخالب الناعمة
والمواء الصاخب، والنظرات النارية..

-انا لست بقطتك، انا لست بقطة أحد، ولا تنعتنى بذلك مرة أخرى، قالتها فى ضيق..
اثار استغرابه، حتى انه لمح اول ظهور لخيط من الدموع، يظهر على خديها..
فك احكام ذراعيه حولها، ليضم وجهها بكفيه، وهو ينظر مباشرة لعمق عينيها، متسائلا..
-ماذا هناك، أخبرينى..!؟، كان يرى فى ذاك العمق
ألما، ووجعا، يصعب مداراته، او اخفائه..
وبدل من إجابته، شهقت بالبكاء، لتسقط على ركبتيها.

وهى تتسلل بعيدا عن صدره، ليعيدها مرة أخرى..
محتضنا إياها فى حيرة..
ما الذى قاله، يستدعى كل ذاك البكاء الحار..!؟.
لم ينبس بحرف واحد، كان فقط، ينتظرها ان تهدأ..
حتى يعرف سبب دموعها، التى قزفتها كالحمم، من اعماق روحها...
-انه أبى، قالتها تقريبا، وهى مزروعة الرأس بصدره، مما جعله يبعدها قليلا، ليستوضح ما قالت، : - انه أبى رحمه الله، هو من كان يدللنى بقطتى..

وبدأت دموعها الحارة فى الجريان على نهرى خديها من جديد..
انها تشتاق ابيها، شعر بغصة فى قلبه، فهو بغير قصد منه، نكأ جراح فراقه، بقلبها، وأيقظ ذكراه..
التى لم تمت، فى مخيلتها، انها تفتقده، هذا مؤكد..
ضم رأسها مرة أخرى لصدره، وطبع بعض من القبل الحانية على قمة رأسها، وهو يكاد يعتصرها ضماً..
-أنا أسف، همس بصدق، لم أكن..
قاطعته هى هذه المرة، وهى تبتعد بخجل عن صدره.

: - لا عَلَيْك، فقط، لم اسمعها منذ سنوات، وسماعها ايقظ ذكراه، وغيرت الموضوع فورا، حتى لا تغلبها دموعها من جديد، انا الاسفة، فلقد أيقظتك فزعا، والماء يغطيك...
ابتسم ولم يعلق، فقد ادرك بذكاء، رغبتها فى تغيير الموضوع الذى ينبش ذكرياتها الدفينة..
ومد يده، لتضع كفها فى احضان كفه، كما اعتادت.

ليعود بها للفراش مرة أخرى، ويدثرها، ثم، يقول فى وداعة: - سأكون بقربك على الجانب الاخر من الفراش حتى تنامى، هيا..
بالفعل ظل بقربها، حتى راحت فى نوم عميق، لتراه فى أحلامها من جديد، لكن هذه المرة
فارسا، يصارع هواجسها وظنونها، ويقضى عليها
ليعود، ليضمها لصدره منتصرا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة