قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

جرت قدميها جرا، حتى وصلت لفراش اخيها وتأكدت انه بخير، يغط فى نوم عميق..
فأنسحبت بهدوء، لتعود لحجرتها، او بالأدق
حجرة أبويها، والتى اصبحت غرفتها، بعد
وفاتهما، اصبحت تجد عزاءها فى احضان فراشهما
الذى يحمل انفاسهما، وصورهما على الحوائط..
تشعرها بوجودهما، عن قرب...
أمسكت باطار احد الصور الموضوعة بجوار فراشها
لتتطّلع اليها، للحظات بجمود، ثم تنفجر باكية..
بشهيق، متقطع، يدمى القلب، انها تفتقدهما بشدة.

تفقتقد أمانها، وهى بين أحضانهما، وشعورها بالسند والدعم، انها تشعر، انها وحيدة فى مواجهة هذا العالم، بلا ظهر او سند، يدعم جبهتها..
يا الله، ماذا هى فاعلة الان، فى ذاك العرض المخزى، الذى عرضه عليها ذاك المتغطرس، اتبيع.

روحها فى مقابل بضع آلاف من الجنيهات!؟، وشفاء أخيها..!؟، تسألت، ألا يتوقف على تلك الجنيهات التى تستهين بها...!؟، الم يقل الطبيب ان لديه فرصة كبيرة للشفاء، وانها مسألة وقت، بعد الجراحة ليستعيد مرة أخرى قدرته على السير من جديد..

ماذا هى فاعلة، سألت من جديد، وهى تنظر لصورة أبويها، ربما تجد إشارة ما تلهمها، الإجابة المستعصية، لكن بلا جدوى، فقد ظلت صورة أبويها على حالها، من الجمود، وعقلها المسكين، يكاد ينفجر من تزاحم الافكار والخواطر...

يا الله ساعدنى، هكذا هتفت، والدموع تترقرق من جديد فى مقلتيها، وهى تحتضن صورة أبويها، وتروح فى سبات عميق، تخلله الكثير والكثير من الأحلام التى، كان يطل منها وجه واحد، يساومها على حريتها، وحدث واحد، هو عودة أخيها للسير من جديد..
ولكن، هل يمكن ان يتحقق الحدث الذى تتمناه، دون ان ترى الوجه المتغطرس مجدداً...!؟..
.

مر اليومان السابقان، بهدوء حذّر، هى لم تذهب لعملها كالمعتاد ويبدو انه أعطى التعليمات لصديقه
منير رئيسها، فلم يتصل او يسأل احد عن سر غيابها
والذى طال لليوم الثالث على التوالى، اما هو، فلم تسمع عنه، او منه، أية أخبار، وكم حمدت ربها على ذلك، فهى تريد ان تنقطع نهائيا عن ذاك العمل.

لا تريد ان ترى وجهه، كانت تؤهل نفسها لرفض عرضه السخيف، بل انها وطدت نفسها، انها لم تسمع منه اى عروض، وان ذلك، ما كان الا هذيان
نتيجة أرهاقها، ليس أكثر..
لكن، دوما تأتى الرياح بما لا تشتهيه السفن..
سمعت دق على الباب، فجفلت، وتركت ما تعده من طعام، لتفتح فى حذّر، فتطالعها البزة الفاخرة المقيتة
خاصته، انه هو، حاولت ان تغلق الباب، وهى تقول فى استهزاء: - طلبك غير متوفر هنا، ابحث فى مكان أخر، وشكراً..

الا انه وضع قدمه، ليمنع اغلاقها للباب، فتدفعه بقوة جسدها، لتغلقه، وهو يبتسم فى سخرية، وهى تجز على أسنانها، هاتفة: - ارفع قدمك لو سمحت...
-لكنه يستمر فى ابتسامته المقيتة تلك مستمتعا، وهى تكاد تنفجر غيظاً، الا ان صوتاً واحداً، هو من فُض تلك المعركة لصالحه، صوت يوسف، هاتفاً من الداخل
-من على الباب يا دودى...!؟..
فضعفت مقاومتها فجأة مما أتاح له الدخول بكل سلاسة.

وفجأة اصبح فى منتصف الردهة، يضع ما يحمل على الطاولة التى تتوسطها، ليعود ويقترب منها، وهو يقول، فى نبرة منخفضة، كى لا يسمعه يوسف و الذى سمع صرير كرسيه المدولب يقترب: - كيف حالك اليوم يا، دودى؟!، وتتسع ابتسامته، وتزداد بريقاً، عندما يرى نظراتها تشتعل غضباً، حاولت مداراته، على قدر استطاعتها، عندما ظهر يوسف، وهو يهتف فى فرحة حقيقية، : - سيد محسن، مرحبا بك..

-كيف حالك اليوم يوسف، لقد أتيت للاطمئنان عليك..
وأحضرت لك بعض الأغراض التى قد تساعدك على قضاء الوقت، عندما تكون وحيدا..
اقترب يوسف من الأغراض الموضوعة على الطاولة فى شغف، وبدأ يفضها من أغلفتها القيمة، فيشهق
فى فرحة طاغية، وهو يهتف: - هل هذا لى..!؟.
وهو يحمل ذاك الحاسوب اللوحى بين يديه..
همت ان ترفض تلك الهدية المبالغ فيها والتى لن تستطيع رد ثمنها، لكن فرحة أخيها، لجمتها...

-مودة لن تستطيع رد ثمنه لك..!؟، سأل أخيها مندفعا
وكأنه علم ما يجول بخاطرها..
-لا داعى لذلك، انه هدية، بمناسبة شفاءك، وبقرب
إجراءك عمليتك الجراحية، الم تخبرك أختك بذلك.!؟.
اللعنة عليه، الف مرة، لقد ورطها كليا الان، كيف ستشرح الامر لأخيها، كيف تخبره، ان ثمن تلك العملية الجراحية، هو بيع نفسها لذاك المتغطرس، لعدة شهور، تكون فيها جارية له، تأتمر بأمره، وتكون طوع بنانه، اه، لو تستطيع الان ان تقتله..

لكن لا، ألن يموت بمفرده فى النهاية..!؟، لما تتحمل تبعات جريمة ما، محكوم على صاحبها بالموت من الاساس!؟، نفضت عن ذهنها ذاك الخاطر الشرير، انها لم تفكر بمثل تلك الكراهية من قبل، ولا تعرف لما انقبض صدرها، لمجرد ان تستيقظ يوما..
لتجد الحياة تخلو من وجوده فيها، انه لازال شابا..
كم هى قاسية الحياة...!

كفى، هتف عقلها، سيقودك ذلك الرجل للجنون، حتما، فأنت فى لحظات، تنقلبي من ناقمة عليه حد الرغبة فى قتله، الى متعاطفة معه، حد الشفقة...
أفيقى، هتف عقلها فى حنق...
-أنا لم أوافق بعد يا يوسف، على مقترح السيد محسن، هناك بعض المحاذير، قالتها وهى تنظر نظرة جانبية لذاك الوقح...
-ايه محاذير مودة...! هتف اخيها فى حنق، انها فرصتى لأعود للسير من جديد، لن أسامحك لو رفضتى، أرجوك، أقبلى، من أجلى...

شعرت بالوهن، أمام توسلات أخيها، وودت لو تنهض الان، لتخلع زوج من العيون الساخرة التى
تطل منهما، العبثية، وتتفرس فيها فى تلك اللحظة
ألهمنى الصبر يا آلهى، تكاد تصرخ بها، وهى محاطة بذاك الضغط النفسى الرهيب، ما بين توسلات
أخيها الذى لا يع، ولا يفهم ما يدور، وبين ذاك المتغطرس، الذى يبتنزها بشكل غير مباشر..
وهنا، نهض محسن فى تثاقل، وكأنما أنجز المهمة التى جاء من أجلها، ليعلن عن رحيله، مودعاً يوسف.

الذى آثر الصمت، اعلانا عن خيبة امله فى أخته التى ترفض الفرصة المتاحة لعلاجه، لترافقه للباب، دون ان تتفوه بكلمة، اما هو، فقد وصل للباب..
دون ان يلتفت خلفه، حتى اذا ما وصل خارجه، استدار مقتربا وهو يهمس: - وداعاً، يا دودى..
وابتعد ترتسم على وجهه ابتسامة رضا عن نفسه..
اما هى، فقد أغلقت الباب بكل ما أوتيت من قوة
وهى تلهث من فرض غضبها...
أستدارت، لتقابل نظرات اخيها اللائمة..

وقد استدار بكرسيه مندفعا لحجرته، ليغلق الباب خلفه
بعاصفة مدوية..
انه يوم صفق الأبواب، هتفت ساخرة...
ظلت تحاول السيطرة على أعصابها، حتى أنهت
اعداد العشاء، فدخلت لحجرة أخيها، لتجده على حاله، حتى انه، لم يمس، ذاك الحاسب الذى أهداه
له محسن، وذاك لا يحمل الا دلالة العصيان التام
هل عليها ان تخبره!؟..

أقتربت فى هدوء من أخيها، لتجلس القرفصاء امام كرسيه حتى تستطيع مقابلة عينيه، لكنه، كان يرفض اى تواصل معها، وهم بإدارة الكرسى فى اتجاه اخر، الا انها، منعته، وهى تقول: - اريد ان أبلغك امر هام، وعليك انت تعطينى رأيك فيه بكل صراحة..
تنبه يوسف لكلام أخته الذى يحمل نبرة جدية، لا تستعملها عادة فى حديثها معه، فأنصت فى هدوء.

وهى تقول محاولة إخراج كلماتها بثبات: - لقد، لقد تقدم السيد محسن ضرغام، لطلب يدى للزواج..
فما رأيك..!؟..
-حقا..!؟، هتف يوسف مندهشاً، انه خبر رائع
-خبر رائع..!؟، هتفت باستنكار..
-أكيد، طبعا، أجاب ببساطة، انه رجل محترم
وطيب، وغنى ايضا، كما انه يحبك...
-يحبنى..!؟، رددت فى بلاهة، فاغرة فاها..
-نعم يحبك، هذا واضح، أجاب يوسف بنبرة العالم ببواطن الامور، انا رجل، وأستطيع ان أؤكد لك ذلك.

كادت تنفجر ضاحكة، نعم يحبها، فله الحق فى قول ذلك، فهو لا يعلم أى شئ عن تلك الصفقة، ولا تنوى أخباره بالطبع، فهو، اولا واخيرا، لا يزال طفلا..
-وما رأيك..!؟، سألت فى مرح..
-أقبلى بالطبع، فأنا أحبه حقا..
صدمتها كلماته الاخيرة، فصمتت ولم تعقب، انه يحبه، ام يفتقد وجود رجل ما يلعب دور الاب، الذى يفتقده، كما تفتقده هى فى تلك اللحظات..!؟..

لم تتطرق للموضوع مرة أخرى، وهى تضع الطعام لأخيها، الذى رضى عنها اخيرا، وبدأ فى تناوله، وألتهى فى حاسوبه الجديد، أما هى، فقد اشتعل فكرها، بالكثير من الخواطر، التى ستقض مضجعها، لكثير من ليالى قادمة..
.

استيقظ من نومه، يشعر بصداع شديد، فمد يده ليتناول دواءه، ابتلع تلك العقاقير، وعاد ليضع رأسه على وسادته من جديد، لعله يذهب فى النوم، مرة أخرى، وتنقضى تلك النوبة السخيفة من الصداع، والذى اصبح يداهمه بكثافة، فى الآونة الاخيرة..
أغلق عينيه، فتمثلت صورتها فجأة، فى مخيلته..
وهى، تكاد تشتعل غضباً، عندما كان فى منزلها..
منذ يومين، فأبتسم رغما عنه، ورغما عن ألام رأسه.

لا يعرف، ما ذاك الشعور الذى يسيطر عليه فى حضورها، رغبة جامحة، فى استفزازها، ومشاكستها، ورؤية تلك الحمم، التى تتطاير من عينيها، تلك العيون التى تحمل من الرقة واللين، بقدرما تحمله من العناد والصلابة، لاحظ ذلك كثيرا
أثناء مخاطبتها لأخيها، وأثناء مخاطبتها له، النقيض
تماما، فيما تحمله من مشاعر، لكليهما...
فهل يوم ما، سيرى مشاعر الرقة واللين فى نظراتها الرائعة تلك، لأجله..

تناول هاتفه الجوال، وبدأ يخط بضع كلمات فى رسالة نصية لها، وضغط زر إرسال، فى تردد..
استيقظت على صوت من هاتفها، ينبأها بصول رسالة
ما، فتحتها فى تكاسل، وسرعان ما انتفضت عندما وعت ما تقرأه، لم أتلقى ردّك بعد، وأنا لا املك الكثير من الوقت كما تعلمين..
-لماذا، أنا!؟..، كتبت وهى ترتجف، وتشعر انها تقترب من الوقوع فى فخه، بكل بلاهة..

كان ذاك تساؤلها فى رسالتها، ولم تتلقى ردا، فقذفت الهاتف، بجوارها فى يأس، لكن سرعان ما ضج رنينه، لتجفل، وتطالعها نمرة غريبة، لا تعرف صاحبها، فتتناوله بحذر، وكأنه سينفجركلغم فى ايه لحظة، وحدسها يخبرها انه هو، وقد صدق، عندما أجابت بصوت مرتعش: - مرحبا..
-مرحبا، يا دودى، قالها مازحا، على عكسها تماما..
فلقد زفرت فى حنق وهى ترد فى توسل: - أرجوك، لا تبدأ، ودعنا ننهى الامر الان..

تجاهل كلماتها الاخيرة، وهو يقول: - ما ردّك النهائى
-لماذا أنا..!؟، سألت من جديد، سؤالها الذى لم تتلقى الرد عليه فى رسالتها، واستطردت فى حماس
لديك الكثير من المعجبات، والتى تتمنى اى من هن، الاقتران بك..
-يبدو انك تحريتى عنى جيدا..!؟، سأل مازحا، من جديد..

-لم أكن بحاجة لأية تحريات صدقنى، فشهرتك بالغة السيط فى هذا المضمار، لا يمكن أخفاءها، و، كانت دوما، الموضوع الرئيسى لنميمة الكثيرين، لذلك أسألك من جديد..
لماذا أنا..!؟..
-أعتبريها أمنيتى الاخيرة...
صدمتها كلماته، فعم الصمت، حتى قطعه مسترسلا
-الا تكون الأمنية الاخيرة، واجبة النفاذ..!؟.
-أنت تبتز مشاعرى، هتفت فى نفاذ صبر، واليأس يغلف كلماتها، ويضعف قدرتها، فى إثناءه عن رغبته...

-بل قولى، استميل مشاعرك، فأنا اكره الابتزاز..
خاصة فى المشاعر..
انه بارع جدااا، فى اللعب بالالفاظ، و لىّ الكلمات
-حسنا، قالت وقد جف حلقها، وخرج صوتها، وكأنه أَت من جوف بئر سحيقة، أنا موافقة، لتحقيق
رغبتك الاخيرة، سيد محسن ضرغام..
كسى الصمت، كليهما، حتى قطعه فى هدوء، و
لم ينطق الا بكلمة واحدة: - حسنا..
وأغلق الخط..
.

استعدى، جاءها صوته عبر الهاتف، فى حماس عكسها تماما، فمنذ أعطت له موافقتها، وهى تشعر ان روحها غادرتها، وان حياتها لم يعد لها معنى..
تشعر بالخواء الشديد، وكأنها تسير بغير هدى، فى طريق لا تعرف له نهاية، معصوبة العينين، تتنازعها الهواجس والظنون...
-لما يا سيد محسن..!؟، سألت بلامبالاة..
-اولا، لا أظن من الطبيعى مناداتى بسيد، فأنا سأصبح زوجك خلال ساعات، قاطعته صارخة، تقول ساعات...!؟.

استطرد، بالطبع، فسنكتب كتابنا الليلة، الم أبلغك انى أريدك فى أسرع وقت، ثانيا، أليس من الطبيعى شراء احتياجات العروس، وانت لست عروس عادية
انت عروس محسن ضرغام، بجانب ذلك ففستان العرس، لابد ان يكون مناسب لك، ومن اختيارك..
أليس كذلك؟..
صمت تام، هو كل ما تلقاه، على الجانب الاخر، كل ما استطاع الوصول لأسماعه، على قدر ما أرهف السمع، هو صوت نحيبها المكتوم، والذى تحاول مداراته، على قدر استطاعتها..

-هل انتِ بخير..!؟، سأل بقلق، اثار تعجبها، فهى تحاول مدارة حزنها، كيف استطاع قراءة صوتها..
والتوصل لمعرفة، انها ليست بخير، ليست بخير على الإطلاق..
لم تجب على سؤاله، فاستطرد، سأمر عَلَيْكِ خلال ساعة، فهل يناسبك ذلك!؟..
-نعم، كلمة واحدة، أجابت بها، ولم يكن عندها القدرة على قول المزيد..
-جيد، إلى اللقاء بعد ساعة..
أغلقت هاتفها، وتطلعت للفراغ، دموعها لا تطاوعها.

فيبدو انها جفت، بعد يومين كاملين من الهطول اللاأرادى، كلما تذكرت، انها اعطته كلمتها، فهى الان خطيبته بشكل رسمى، وستكون زوجته خلال ايام
انتفض جسدها كله دفعة واحدة، عندما تذكرت تلك الحقيقة، كيف تكون زوجة، لشخص لم تلتقيه الا عدة مرات، ولم تكن كلها، مقابلات سارة، بجانب ذلك.

هو مريض، كما أكد، فكيف لها التعامل معه، وما هى طبيعة مرضه ذاك، والذى حكم عليه بالموت فى مثل تلك السن الصغيرة، اكتشفت انها لا تعلم عنه اى شئ، لكن، ما اراحها قليلا، ان زواجها منه سيتيح لها علاج اخيها، اكبر أمنية لها فى حياتها، ستتحقق اخيرا، وهذا هو المهم، بل، انه الأهم..
الأهم من اى شئ، واى شخص، واى مشاعر..

كل ما يخصها، ستضعه رهن الإعتقال، حتى اشعار أخر، ستضع دقات قلبها، واحلام شبابها، وكل أمانيها، فى صندوق محكم، وتلقى به فى اعماق روحها...
نفضت عنها، خواطرها، وذهب مسرعة، لتستعد لقدومه..
انتهت من اعداد نفسها، وما ان انتهت من وضع اخر دبوس فى حجابها، حتى رِن هاتفها، انه هو بالتأكيد.

أطمئنت على أخيها، وأبلغته بأنها لن تتأخر، كان يمكنها أن ترغب فى مجئ أخيها معهما، لكنها قررت التحجج ببقاءه بمفرده لتعود مسرعة، فهى لا رغبة لها
فى الذهاب معه الى اى مكان، معه، هى كريشة فى مهب ريح عاصفة، لا قدرة لها على تحديد وجهتها..
ركبت عربته فى صمت، دون حتى ان تلقى السلام
نظر غير عابىء، وسأل فى هدوء: - كيف حال يوسف!؟.
-بخير، أجابت باقتضاب..
-هل أعجبه الحاسوب..!؟..
-أه، كثيراً، شكراً لك...

كل ردودها، جافة، لا تزيد عن بضع كلمات، ولا توليه اهتماما، نظراتها مركزة على الطريق أمامها، كان يختلس بعض النظرات الجانبية اليها من حين لاخر، يرى غضبها المكتوم، ولمعان الدمع فى عينيها، ونظراتها التى تشيحها عنه، حتى لا تتلاقى بعينيه، يعلم انه يضغط على أعصابها كثيرا
ولكن، انه يريدها، يريدها حقا بجواره، فى اقرب فرصة ممكنة، الوقت ليس فى صالحه، ليهادنها..

ويعطيها وقتها لتتقبل الامر، وتعتاد وجوده فى حياتها، ليته يملك الوقت، ما كان بخل به عليها..
وصلوا لوجهتهم، توقفت السيارة، ليتضاعف وجيب قلبها، ليصم اذنيها، تماما، حتى انها لم تسمع نداءه
الذى تكرر عدة مرات، لتترجل من العربة، واخيرا أطاعت بشكل آلى، لا تعرف كيف وصلت لمكتب المأذون، وما الذى قيل، وهى تجلس كالمشدوهة..

كل ما وعته، هو وجود السيد منير رئيسها فى العمل، الذى ابتسم لها فى تعاطف، ولم تستطع الرد عليه بابتسامة مماثلة، فقد كانت كل ملامحها جامدة، كتمثال بلا روح، لم تستفيق الا على سؤال المأذون..
هل توافق على الزواج بذاك الرجل الجالس، فى المقعد المقابل لها، والذى يبتسم الان، مشجعا، كانت فى شبه غيبوبة، وكان كل ما يجرى او يحدث حولها، لا يمت لها بأية صلة، لذا تاهت فى صمتها.

ولم تجيب، حتى سمعت صوت من بعيد، يوقظها..
-مودة، أجيبى، هل انت موافقة.!؟..
-نعم، انا موافقة، أجابت فى سرعة، جعلت الجميع
يضحك فى حبور، اما هى فكانت تعلم، انها أسرعت فى الإجابة بهذا الشكل المضحك، حتى لا يمكنها التراجع والتفكير فى الامر، ولو لثانية واحدة...
انتفضت عندما سمعت المأذون يقول فى صوت جهورى، مبارك، لتعلو أصوات كل من كان بالغرفة من شهود، بدعوات الرفاء والبنين...

وتمد يدها لتسلم على أناس لا تعرفهم، فيما عدا، منير، الذى هنأها بحبور، واحتضن صديقه، بقوة
معلنا فرحته، بشكل لا يوصف، صديقه، الذى كان يحدق فيها الان، وكأنها اول امرأة يقع نظره عليها..
اختطف كفها، ولوح مودعا للجميع، وهى تلهث خلفه، هابطة الدرج، حتى سيارته..

فتح لها الباب، فدخلت فى ثبات لا يعكس تماما، ما يعتمل بداخلها من مشاعر، انها لازالت فى طور عدم التصديق، هل حقا هى الان، زوجة ذاك الذى يجلس بجوارها، يقود سيارته، الى وجهة لا تعلمها، ويختلس النظرات اليها من حين لاخر..!؟..
-والآن جاء دور احتياجات العروس، قالها فى نبرة تحمل سعادة حقيقية، جعلتها تلتفت اليه، وتقول بصوت شعرت للوهلة الاولى بانه ليس لها: - أرجوك.

انا متعبة، هل يمكن ان نؤجل تلك الامور..!؟، كما انى تركت يوسف وحيدا، لفترة طويلة..
فعلى ان اعود من اجله...
-حسنا، لك ذلك، لكن غدا، سأمر عليك، لننجز ما
لم ننجزه اليوم، يا مودتى، قال كلمته الاخيرة فى لهجة مرحة، جعلتها تجفل، وتشتعل خجلا، أضاء وجهها بحمرة محببة، جعلته يراها، كما لم يرها من قبل، دافئة، ناعمة، مخملية، بريئة، وفى حاجة
للحماية، والامان...
صرف نظره عنها، وتيبست يده على مقود السيارة..

محاولا ضبط انفعالاته، وكبح جماح رغبته، فى الامساك بكفها، حتى لا تنقلب تلك الملامح الطفولية
الخجلى، لمشاعر ذعر ورهبة، عليه ان يكون حذرا
فيما يقدم عليه، فهى اصبحت زوجته، لكنها ليست مستعدة بعد، لتحمل تبعات تلك المهمة، فهى لم تعتاد بعد، مثل تلك الحقيقة، انها أصبحت زوجة، محسن ضرغام، وَيَا لها من حقيقة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة