قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس

الروح تسري لمنعطفٍ كبير، تختطف الشوق بين أحضانها لتزفه لقلبٍ يعشق هوسها، الدموع تصاحبها ذرة على جناح مرسال الغرام، لتنتقل لعين العاشق المتيم بها، سرت دمعة على وجنته لتكسر حاجز الصمود الغريب الذي يختبره منذ أن إشتد عوده، عينيه تلازمها كلما تحركت من أمامه على الشاشةٍ الموضوعة من أمامه، أصابعه تلامسها بحنانٍ وكأنها مرآة موصودة على ملامح وجهها الرقيق، همسات خافتة خرجت من جوفه:.

ياريت تقدري تحسي بحبك اللي جوا قلبي يا شجن...

وأغلق عينيه بقوةٍ يجابه ألآمه بعزمٍ وكبرياء، يود لو أن يختطفها ليدفنها بين أذراعه، يود لو أن يترنح رأسها على صدره فتستمع لخفقات قلبه بعشقها الجنوني، ليتها تعلم كم قسى على كل من يحيط بها الا هي لم يتمكن من ذلك، ليتها تعلم بكل ما أخفاه بعزةٍ وثبات وخلف قناعه يعاني ألف مرة ويصرخ بآهات العشق الملعون، ليت أصابعها تطيب جرح قلبه على الجرمٍ الفاضح الذي إرتكبته بحقه وبحق رجولته، شيئاً بداخله يود القصاص وشيئاً أخر يوقفه بشراسةٍ ليعاتبه بقسوةٍ على تفكيره بعقاب لها...

حركةٍ خافتة من حوله جعلته يترك معاناة القلب العاشق ليعود أدراجاً لواقعه، أغلق رحيم حاسوبه، وهو يستدير بترقب لما تلتقطه آذنيه، تحرك ببطءٍ وبحذرٍ شديد تجاه أدراج خزانته الصغيرة المجاورة للفراش، ليجذب سلاحه ثم تسلل ليقف خلف باب الغرفة بترقب لخطوته القادمة، وفي لمح البصر كان يفتح باب غرفته ليقف أمام الشخص المتطفل الذي إخترق باب منزله ليدلف لغرفة نومه، إنزوت تعابير وجهه في ذهولٍ، فردد بعدم تصديق:.

مراد!..

سُلطت نظراته على السلاح الذي يقابله، فأخفضه بيديه وهو يهم بالدخول للغرفة، قائلاً بسخريةٍ:
بص قدامك قبل ما تضرب النار على أي حد والسلام...

وضع رحيم السلاح على الطاولة القريبة منه، وهو يدنو منه بدهشةٍ وتعجب، لا يصدق بأنه يراه أمامه بعد ساعات قليلة من ظهوره بشريط الفيديو المسجل، وبعيداً عن كل ذلك فقد أخبره بموعد سفره باليوم الذي يلي زفاف يوسف، خلع مراد جاكيته ثم حرر أزرار قميصه الأبيض وعينيه الثاقبة تخترق أخيه، فعلى ما يبدو بأن الأمر هام وجادي للغاية، جذب المقعد وقربه ليجلس عليه وهو يطرح سؤاله المفترض:.

أيه اللي جابك بالطريقة دي والوقت دا!..
أخرج جرعة الهواء الساخن عن صدره بضيقٍ وهو يتحدث بجدية لا تحتمل نقاشات مفوضة:
متقلقش محدش أخد باله من دخولي أنا أمنت نفسي كويس، أما اللي خلاني أسافر بالوقت دا فكان لازم أعمل كدا عشان أحذرك...
إنزوى حاجبيه بإستغرابٍ فسأله في ذهولٍ:
تحذرني من أيه؟..

رد عليه سريعاً وكأن هناك قنبلة مؤقتة على وشك الإنفجار، فبعدما علم بما علمه وعقله يكاد يتوقف عن العمل من فرط التخيلات الذي وضعها كأفتراضات للقادم:
الطريق اللي هتدخل فيه دا مش سهل يا رحيم، مش هيجيب رجلك لوحدك لا هيجيب اللي وراك وأظن انت فاهم كلامي كويس...
ضيق زيتونية عينيه وهو يرمقه بنظرةٍ متفحصة، وكأنه يستكشف بها ملامح وجهه لأول مرة ليختمها بكلماته الساخرة:.

وأيه اللي جد أنت عارف من الأول إننا داخلينا على مهمة صعبة، أيه خوفت على نفسك!..
ابتسامة ساخرة تحمل غموض مرصع بالخوفٍ القاتل أفترت بها شفتيه وهو يجيبه بصوته الصارم:
أنت أكتر حد عارف إني مبخافش...
أشار له بيديه بإستهزاءٍ:
مهو واضح قدامي أهو مش محتاج تفسير...

خرج صوته المتعصب بشراسةٍ غير معهودة عن الجوكر المتحكم بإنفعالاته بصورةٍ غير طبيعية:
يا رحيم إفهم دول شياطين متلونة في كل دولة بأشكال **** من ست ساعات جالي إتصال من رئيس مباحث قنا ومن هنا كشفلي طرف الخيط، الناس دي مش بتخطف البنات وبترغمهم على تجارة الدعارة زي ما أنت فاكر الناس دي بتشتريهم بمزاجها وبرضا الأب ومش بس كدا دول بيحتفلوا لما بيتم إختيار بناتهم للسفر...

انتصب رحيم بجلسته ليفرد ظهره بثباتٍ وهو يستمع لهذا الجزء الخطير، انتبهت حواسه لما يقال وخاصة حينما أسترسل مراد حديثه:.

الناس دي بتستهدف جزء كبير من الصعيد، ليهم أكتر من عين بكل مكان، بيرصدولهم ظروف المعيشة عند أي أب عنده بنت جميلة ومن هنا يبدوا الشغل أن في عريس من بلاد بره متريش وعايز بنت عذراء وطبعاً الفلوس اللي الأب بيأخدها بتغنيه عن الأسئلة الكتيرة وبيفكر إنه بيستر بنته وبيأخد اللي يعيشه هو وبناته وهو بنفسه اللي بيجهز أوراق بنته وبيودعها للمطار مع الست اللي بتتدعي إنها أخته وإنها اللي نزلت تنقيله عروسة بنت حلال، وبعد سفرها مباشرة بينقطع أخبارها عن عيلتها وطبعاً في منهم اللي بيسكت ومبيحطش إفتراضات وفي اللي قدم بلاغات لشرطة قنا اللي بلغ عددها بس لحد الآن ١٧بلاغ...

صعق رحيم مما إستمع إليه، لم يكن بمعلومه هذا الجزء المستجد عن مهامه الخطير وخاصة ببلده، تخيله للموقف وضعية تلك الفتاة التي تباع كونها زوجة لتجد ذاتها بهذا المستنقع الدنيء كفيل بشل أفكاره، إستطرد مراد كلماته القاسية بقص ما إكتشفه في أخر ساعات قبل قراره الجنوني بالسفر المفاجئ لخوفه الشديد على ما يقدم أخيه بإقترافه وهو بمفرده:.

قولتلك دول شياطين والموضوع مش واقف عند بيبرس وبس الموضوع متفرع على كذا دولة وكل دولة وليها دخلتها، اللي عرفته كمان إن أغلب البنات بيجبوهم عن طريق الإبتزاز، بيستهدفوا سكن الطلاب أو الشقق اللي للإيجار وبتسكن معاهم واحدة تباعهم وتبتدي تصور البنات اللي معاهم بدون ما حد يأخد باله، وطبعاً أغلب اللي بينقوهم بيكون من الدول العربية لأن دي البلاد الوحيدة اللي بيخافوا على شرفهم وعشان لما يبتزهم بالفيدوهات اللي معاها هيضطروا يخضعوا ليهم وللي وراها...

تخبط رأسه بالتفكير من فرط الصدمات التي تلاقها، شعوره بالنفور ورغبته بالقصاص منهمت إزداد أضعافاً مضاعفة، وقف مراد قبالته وهو يشير له بثباتٍ:
للأسف ظنونك كانت صح مش بيبرس بس اللي متورط عمران كمان له دخل، بس اللي بيساعد ال****دول من الداخلية حد مبهم لسه منعرفش عنه أي حاجة...
إنشغل عقله بالتفكير، فأستدار ليكون مقابله، فقال بشراسةٍ بالغة:
مش هنسيبهم لا هما ولا اللي وراهم...

أجابه بهدوءٍ وكلمات مختارة بحرصٍ:
فكر كويس يا رحيم أنت هتفتح علينا أبواب جهنم الحمرا، دول عصابة دولية متفرعة على كذا دولة، يعني يوم ما تحب تضربهم في الدولة اللي إحنا فيها هيكونوا سابقينا ألف خطوة ومش هتعرف الضربة هتجيلك من أي إتجاه...
صرخ بها بعصبيةٍ بالغة:
مراد أنت خايف!..
أجابه بغضبٍ شديد:
قولتلك أنا مبخافش، بس من حقي أخاف على اللي في رقبتي يا رحيم ...

حرك لسانه أسفل شفتيه في محاولة بالسيطرة على إندفاع كلماته الحادة، فتساءل بغضبٍ:
يعني حنين اللي مخليك خايف بالشكل دا...
رسمت بسمة خافتة على وجهه وهو يجيبه بملامح واجمة:
حنين فرد واحد من عيلتي اللي أنا خايف عليهم يا رحيم...
وأضاف بنظراته الشرسة:
وجودي هنا وبالطريقة دي أكبر دليل على إني مش خايف من حد، أنا جيت هنا عشانك أنت ومستعد أجازف بحياتي عشانك بس تضمنلي الأمان لعيلة زيدان، هااا تقدر؟..

زفر بضيقٍ شديد وهو يستدير للشرفة، فمرر يديه بعصبيةٍ على خصلات شعره وهو يهدر:
يعني أيه هنسيب الكلاب دول يكملوا اللي بيعملوه عادي كدا!..
وبعينين تحتلاها هالة حمراء اللون، تحملاقان بالفراغ بثباتٍ مخيف أضاف: .
لو غيرنا خاف وإحنا كمان خوفنا أمال مين اللي هينقذ البنات دي؟!..

ببطءٍ شديد تحرك ليقف جواره أمام شرفة المنزل الذي يطل على قمم جبال تُوبقال (بالأمازيغية: توݣ اکال هو أعلى قمة في سلسلة جبال الأطلس ويقع في المغرب. هو أعلى قمة جبلية في المغرب وشمال أفريقيا وسابع أعلى قمة في أفريقيا بعلو يبلغ 4167 م. ينتمي جبل تبقال إلى سلسلة جبال الأطلس الكبير التي يقع بجزئها الغربي. يوجد في إقليم الحوز على بعد 82 كم جنوب مدينة مراكش، ويقع داخل متنزه تبقال الوطني الذي تبلغ مساحته 380 كم². )...

نظرات مختفة ألقاها مراد للخارج، محتفظاً بالصمت لقليل من الوقت، وضع يديه بجيب بنطاله وهو يقول وعينيه تبدع في نقل المشهد الرائع لقمة الجبال:
مخفناش قبل كدا عشان نخاف دلوقتي...
نقل رحيم نظراته عليه باستغرابٍ من كلامه الغامض، فتطلع له هو الأخر ليخبره بعزمٍ:
أنا معاك وفي دهرك لأن دا مكاني الطبيعي...
ابتسم رحيم بثقة يتأكد بها من إختياره، فباغته بسؤالٍ ساخر بعدما تطلع للشرفة بشموخٍ من جديد:.

حد عرف بسفرك دا!.
هز رأسه بالنفي وقد أفتر على شفتيه بسمة انتشاء وهو يخبره:
سليم بس قولتله عشان يتصرف في ترتيبات جواز يوسف...
ابتسم وهو يهز رأسه بعدم تصديق:
كنت واثق إن غيابك الغريب دا وراه كارثة...
رفع حاجبيه بسخطٍ:
دلوقتي بقيت كارثة مكنت فخور بالدماغ اللي أمنتلك طريقة تطمن بيها على حبيبة القلب، مش دي الدماغ الألماظ اللي كانت السبب في إنك تتابع معانا الأحداث أول بأول؟!..

استدار بجسده في إتجاهه وهو يسأله بتذكر:
أيوا الدماغ الألماظ اللي سلطت الكاميرا على السرير والتراس بس وباقي الأوضة أسود...
إبتسم وهو يقول بخبث:
يعني أوريك الخزنة وتغير الهدوم وأنت لسه بالميري!، مش هوصلك لمرحلة انت لسه موصلتهاش...
ضيق زيتونية عينيه بنظرات تحمل إنذارات تحذير بهجومٍ شرس قد يفتك بأحداً من بينهما فقال بتحذير:
عادي جداً إننا نخلص على بعض قبل ما حد يوصلنا وأهو تبقى مهمة فريدة من نوعها...

ووضع يديه على كتفيه وهو يغمز له بمكرٍ:
مش كدا ولا لأ يا شريك...
منحه نظرة حادة وهو يبعد ذراعيه عن كتفيه ويفرد يديه بتكاسل صاحبه لهجة نوم:
أفوقلك بس..
ثم أشار له بذراعيه:
يلا لم اللاب بتاعك وأشياءك وأرحل من هنا عشان أمدد شوية...
تعمق بالنظر إليه وهو يردف بغضبٍ:
مفيش غير السرير بتاعي دا وحط تحت بتاعي خطين، يعني لو حابب تنام جانبي مفيش مشكلة...

تطلع مراد للفراش بنظرةٍ متفحصة، ليتذكر ما مضى من مهامه الأخير، ابتسم رغماً عنه وهو يتجه للجهة المعاكسة للفراش بإستسلامٍ تام، بسمة صغيرة تسللت لثغر رحيم فتمدد لجواره على الفراش واضعاً كلتا يديه أسفل رقبته، حملق بسقف الغرفة لساعاتٍ مطولة وهو يحاول إيجاد طريقاً أخر غير الذي يهاجمه، فقال بصوته المنخفض:
مراد...
اجابه من يدير ظهره للجانب الأخر وعينيه مازالت مستيقظة رغم الإنهاك البدني الذي عاناه:.

أمممم...
قال بتثاقل إلتمسه أخيه:
تفتكر هنلاقي سكة ندخل بيها المكان دا غير الطريقة القذرة دي؟..
أتاه صوته الساخر:
يعني مكان زي دا هندخله بأي شكل من وجهة نظرك!..
أغلق عينيه بغضبٍ وهو يجز على أسنانه بعصبيةٍ مفرطة:
أنا مش متخيل إني ممكن أنجبر أعمل كدا...
بدا الحزن بمعالم وجه الجوكر وهو يرد عليه بيأس:.

ولا أنا كنت متخيل إني هكسر بوعدي لحنين بس صدقني عصرت دماغي مفيش داخلة للمكان دا غير كدا ياما هيشكوا فينا وش...
أشار له بتقزز:
استريح وبعدين نتكلم...

أومأ له برأسه وهو يجاهد بالا يخترق الألم قلبه لما هو قادم لإقترافه، وعوده المقطوعة تجاه زوجته يحتمه على الإبتعاد وواجبه الوطني يحتمه على فعل كل ما هو مباح ليتمكن من رصد خطوات عدوه بإمعانٍ، أما رحيم فتقلب بالفراش للإتجاه المعاكس، ليجذب حاسوبه وهو يتفقد شاشته ليجدها جالسة على فراشها بصمت يقتلها، عينيها تشكو ضرام القلب وفراق الحبيب ولسانها معقود عن قص المباح، سلط تجاه الحاسوب أمام عينيه وهو يقسم بداخله على معاقبتها حينما يعود بأن يحقق ما إنتظره ليكون حباً منها ولكنه لم يعد ليحتمل هذا البعد التشويقي فقد إختتم قراره بأن تصير ملكه قلبٍ وقالباً...

طوف ضي الشمس الذهبي قاعة القصر الذي فتحت أبوابه لتستقبل خيوط الشمس بهو القاعة، فتنسدل خيوطها على المائدة الطويلة، التي جمعت كل أفراد عائلة زيدان وعلى رأس المائدة كان يجلس طلعت زيدان ومن أمامه على نهاية الطاولة الضخمة جلست نجلاء ومن بينهما كان يجلس الشباب صفٍ متتالي ولأمامهم الفتيات اللاتي إنضممن بدعوة عاجلة من طلعت، يساره جلست شجن بعدما أشار لها بالجلوس لجواره فكان أمراً صادم للبعض وخاصة نجلاء التي تحيرت بأمره، وضع أمامهم أنواع من الجبن الفخم وبعض المعلبات والفواكه والمشروبات المنعشة ورغم إزدحام المائدة بما لذ وطاب اللي أن الأيدي لم تمسسها فكانوا يترقبون بإهتمامٍ لما سيقوله طلعت بهذا الجمع، وبالفعل بدأ بالكلام المتردد في البوح عن أخطاء الماضي المدفون فقال:.

أنا عارف ان أي تصرف ليا هيكون غريب بالنسبة لواحد معروف عنه كل سوء، بس اللي أنا عايزكم تعرفوه إني فعلاً إتغيرت ومش حابب إني أشوف الكره بعيونكم من نحيتي بالعكس أنا حابب ازرع الحب اللي مقدرش أبويا يزرعوا جوايا أنا وأخواتي ويمكن دا السبب اللي خلاكم تبعدوا عن بعض طول المدة دي...
ثم ابتلع ريقه الجاف بارتشافه بعض القطرات من عصير البرتقال من أمامه وهو يستكمل حديثه الهام:.

أنا عارف إنكم مش فاهمين السبب اللي خلاني أتخفى عن العيون وأكمل في مسرحية الموت لمدة أطول، وأنا جمعكم النهاردة عشان أرد على السؤال دا وعشان كمان أني حابب إنكم تكونوا جانبي كدا على طول يعني...
ثم استرسل حديثه وعينيه تتطلع لعين نجلاء:.

كنت مستعد أفضل ميت مقابل إني بشوفكم بتتجمعوا لأول مرة، كنت عايزكم تعرفوا إن رحيم زيدان اللي أغلبكم كان معارض وجوده هو السبب في جمعتكم دي، كنت عايزكم تتأكدوا إنه ابني ومن صلبي ومش زي ما كنتوا مفكرين، كنت عايزكم تشوفوا بنفسكم لما العداوة اللي بين مراد و رحيم اتفتت عملوا أيه...

وقال كلماته الأخيرة وهو يشير على الطاولة التي ترمز لتجمعهم الشبه مستحيل، ثم استطرد ببسمة لطيفة:
وصل بيهم الحال إنهم بيهددوني عشان بعض ودا اللي فرحني وطمني إن اللي حصل زمان مستحيل هيرجع والزمن عمره ما هينعاد...

إبتسامات مشرقة زارت الوجوه المتابعة إليه، فأشار لهم طلعت بتناول الطعام لشعوره بأنه لم يعد بقادر على الحديث فيما مضى، تنقلت نظراته على الجميع بسعادة وشهية مفتوحة وهو يرآهم يتناولون الطعام بهمساتٍ جانبية تخترق مسمعه، وخاصة مروان و فارس، جان و ريان، آدم و يوسف الذي إنضم بدعوة طلعت زيدان الذي علل كونه فرد من العائلة، ابتسم براحةٍ وهو يرى ذاته يحقق الذي حرم منه لأعوام عهد بهما الثبات والصرامة على مائدة الطعام التي جمعته بأبيه من قبل، حانت منه نظرة جانبية تجاه شجن و حنين فوجد كلاً منهن شاردة الذهن، أحداهن تعبث بطبق طعامها والأخرى تتطلع للفراغ بصمتٍ، أخفض صوته قليلاً وهو يهمس لشجن:.

مبتأكليش ليه يا حبيبتي؟..
عادت من سرحانها المؤقت لتتجه عينها تجاه الصوت الذكوري الذي إقتحم شرودها، فقالت ببسمة فاترة:
ماليش نفس، بعد أذن حضرتك ممكن أطلع أرتاح...
لم يحبذ الضغط عليها بمثل تلك الحالة التي تمر بها، فقال ببسمةٍ هادئة:
ممكن طبعاً، اللي حباه أعمليه...

إبتسمت له في إمتنانٍ ثم توجهت للدرج بحرصٍ شديد وهي تهم بالتحرك للأعلى، فأسرعت نغم و سما بمعاونتها بالصعود، إمتثلت لمساعدتهن بسعادة وهي تشعر بألف يد تمتد لها حينما تكون في عون المساعدة، صعدت معهن للأعلى فأستغل طلعت مقعدها الفارغ لينقل بجلسته عليه ليكون جوار حنين التي تعبث بطعامها بشرود وعدم تركيز بما يدور حولها، فقال في ذهولٍ وهو يتأمل الحالة المذرية للطبق:
أيه دا!..

نقلت نظراتها تجاهه وهي تقول بملل لا يخلو من لهجاتها المرحة:
زهق ويأس وملل...
ابتسم طلعت وهو يقول:
يا خبر كل دا طب ليه؟.
رفعت صوتها بعنفٍ بالغ أصاب من حولها بالذعرٍ فانتباهم الفضول لمعرفة ما الذي يجري بينهما، فقالت بضيقٍ:.

كل الأحاسيس الغريبة دي من ابنك يا حاج، الزهق لإني زهقت من العيشة معاه، اليأس فأنا بالفعل يأست إنه يتغير أو من نفسي اللي صدقت إنه في يوم هيتغير، أما بقا الملل فأنا مليت وأنا بدور عليه كل يوم والتاني وهو زي فص الملح اللي داب في شربة مية...
تعالت الضحكات فيما بينهما وخاصة نجلاء التي تعالت ضحكتها بصوتٍ سمع طربه بداخل قلب طلعت زيدان فاخفض نظراته عنها بصعوبة وهو يتطلع لحنين ليبرر تصرفات ابنه قائلاً:.

أنتِ مش متجوزة واحد واقف في كشك يا حنين دا ظابط شرطة ودا شغله يعني المفروض تكوني اتعودت...
ردت عليه بضيقٍ:
أتعود على أيه يا حاج طلعت؟.
ثم استدارت تجاه نجلاء وهي تشير لها بتحذير:
مش معارض إختفاء ابنه كل يوم والتاني خدي بالك ليلعب بديله هو التاني ونقعد أنا وأنتي نغني ظلموه...
جحظت عين طلعت بصدمة:
ديل ايه بالسن دا يا بنتي!..
اسبلت بعينيها بشكٍ:
السن دا أبو كدا، خدي بالك يا نوجة...

أجابتها ونظراتها مسلطة عليه:
متقلقيش يا قلبي عيوني عليكم كلكم...
منحها طلعت نظرة صافية بعشق مازال ينبض بداخله ليشير لها بخبثٍ فنهضت عن الطاولة وغادرت للخارج ليلحق بها على الفور ليجلس معها بالخارج بمفردهما، إقتحم صوت سليم المعركة النابعة بينهما حينما قال ببسمته الهادئة:
متقلقيش يا حنين، مراد مش بيلعب بديله ولا حاجة هو سافر إمبارح لرحيم لأن في حاجات جدت بمهمتهم وهو إضطر يسافر من غير ما يقول لحد...

نطحته بعناد:
مهو قالك أهو؟..
رد عليها ببسمة ماكرة:
قالي عشان يدبسني في باقي ترتيبات فرح يوسف مهو طول عمره بتاع مصلحته..
إنزعجت فقالت بضيق:
متتكلمش على جوزي كدا وقدام ابنه بنزعل والله...
تعالت ضحكاته على كلماتها فتدخل آدم بالحديث حينما قال:
خلاص يا حنين حقك علينا أنت وابنك المهم دلوقتي متأخديش مسألة إختفائه بالخيانة وما بعد ذلك فسري بأي منطق بعيد عن الحدود الحمرا دي...

ابتسم جان وهو يهمس بصوتٍ منخفض للشباب بمشاكسة صريحة:
هو في أحسن من الحدود الحمرا ما تسيبوا الراجل يفك عن نفسه هتقفوله في الزور...
ريان بصدمةٍ:
الله يخربيتك هتسمعك ودي ما هتصدق وأبقى قابل بقى لما يرجعلك...
يوسف ببسمةٍ واسعة:
بقولكم ايه يا جدعان أنا مش عايز سفرهم يأثر على فرحي أنا مصدقت أبوس أيدكم...
ربت سليم على كتفيه ببسمة هادئة:
متقلقش...
بادله البسمة وهو يجيبه بثقة: .

طول ما أنت اللي فيها مش قلقان خالص...
فارس بغضب:
طيب مش الأولى تجوزنا إحنا الأول ولا أيه يابو نسب...
ضيق نظراته عبثٍ وهو يجيبه بمكرٍ:
لسه مقررتش...
إنحنى مروان عليهم وهو يحاول التلصص عليهما فقال بخبث وهو يرفع صوته عن عمدٍ:
الله الحكاية فيها نسوان!..
إنعكست مفعول كلماته السامة على الجهة المعاكسة للطاولة حينما انطلق صوت الفتيات الغاضب وهن يتسألن بصوتٍ واحد:
نعم!..

كيل جان لكمة بوجه مروان ثم دفعه على الأقدام لينال حظه الأوفر من اللكمات الموفقة...

وقفت أمام شرفة غرفتها بعدما حررت حجابها، لتغلق عينيها بقوةٍ وهي تستجمع ذكريات الطفولة السابقة، لا تعلم لماذا انتباها شعور اشتياق تذكرها بالوقت الحالي، فمن المحتمل لكونها تختبر فترة قست مشاعره بها أطنان، طافها ضي الماضي بترحابٍ لترى ذكراه الطيبة المحببة لقلبها...
##..

تبخترت بفستانها الوردي وهي تلهو بالشارع المقابل لمنزلها، تسمع لتكبيرات العيد الأضحى بفرحةٍ، عينيها تراقب الشارع بلهفة لقائه، فكما إعتادت أن يكون أول من يعايدها كل عامٍ، طل من أمام عينيها بجلبابه الأبيض بعدما إنتهى من صلاة العيد، وجهه الأبيض كان يزداد ضياءٍ برؤياها، إقترب منها فريد بابتسامة نابعة من القلب وهو يلقي نظرة متفحصة عليها فقال بإعجابٍ:
فستانك جميل...
تباهت بدلال وهي تقول بطفولية:.

ماما اللي جبتهولي...
ثم فردت يدها تجاهه وهي تخبره بتذمر:
إتاخرت وأنا عايزة عيديتي...
ابتسم وهو يخرج لها المال من جيبه الصغير ليشير لها ببسمةٍ هادئة:
أحلى عيدية بالدنيا لأجمل شجن...
زفرت بنفاذ صبر وهي تعيد عليه تعليماته التي تعدت المرة المليون:
أشجان ، أشجان...
توجه لمدخل المنزل وهو يهمس بخبثٍ جعلها تشيط غضباً وهي تلحق به:
شجن وهفضل أناديلك كدا...

لحقت به بخطواتٍ سريعة فكادت بإختراق الصيبة المتجمهرون بتزحام للإحتفال بالعيد، التوى قدميها رغماً عنها وهي تحاول تفادي طلقات سلاح الأطفال الصغير فأصطدم جسدها بأحداهم مما دفعه لتحول موقفه للعدائي، فدفعها بشراسةٍ وهو ينوي ضربها لما فعلته، ارتعبت من نظراته الغريبة فرفعت صوتها ببكاءٍ لمن أوشك على الوصول لسطح المنزل حيث يقطن، خرج صوتها المرتعش:
فريد...

هبط الدرج مسرعاً حينما تسلل لمسمعه صراخها ليجدها ملاقاة أرضاً وأحداهما على وشك ضربها، غلت الدماء بعروقه، فاندفع تجاهه وهو يركله بقدميه بغضبٍ في محاولات مستميتة لإلحاق الأذى به، بكي الصبي وهو يهرول بعيداً عن فريد، فوقف على قدميه ثم عاونها على الوقوف وهو يزيل الغبار عن فستانها المتسخ قليلاً، ليمسك بيدها بقوةٍ وهو يصعد لجوارها للأعلى وهي تتابعه ببسمة تشفي لما فعله بالصبي الذي كاد بضربها...

عادت لعتبة الواقع مهداة ببسمةٍ على شفنيها وحزن يغمر أعماقها فيجعلها أسيرته...

صعدت الدرج للأعلى بإنهاكٍ شديد، فوقفت تستند على درابزين الدرج لتستريح قليلاً، ثم ابتلعت ريقها لتخطو تجاه غرفتها بقلقٍ من أن يكون الصغير قد استيقظ، فتحت صباح باب غرفتها المتهالك وهي تردد في أسف:
معلش يا حبيبي كان لازم انزل أجيبلك لبن بدل اللي خلص ومتأخ...

بترت كلماتها بذعرٍ حينما وجدت السرير الصغير فارغ، تنقلت عينيها تلقائياً للبحث أرضاً ظناً من أنه سقط ولكنها لم تجده بالغرفة بأكملها، وخز قلبها وهي تصرخ بصدمة وقدميها تركض هنا وهناك للبحث:
ابني!..

المساء هو الأنسب لسهراتٍ هكذا، وبالفعل كان المترقب ليخطوا معاً أولى خطوة بمهامهم المخيفة، وقف رحيم أمام المرآة المطولة ليلقي على نفسه نظرة أخيرة بعدما حرص كل الحرص بأن تبدو طالته كرجال الغرب، القميص المفتوح لمنتصف صدره الصلب وتسريحة شعره المبعثرة على زيتونية عينيه، وبنطاله الضيق حتى الساعة كانت مختلفة تماماً عن الماركات المفضلة إليه، استدار تجاه مراد الذي أنهى إرتداء حذائه الرياضي الغير معهود بأرتدائه مع بنطال من اللون البني وتيشرت داكن اللون يرفع كمه بمنتصف ذراعيه القوي ليبدو بطالة أغرب مما يشبهه، غادروا معاً ليصلوا بعد مدة ليست بقليلة للمكان المقصود بمراكش، وبالأخص ساحة جامع الفنا (وهو فضاء شعبي للفرجة والترفيه للسكان المحليين والسياح في مدينة مراكش بالمغرب.

وبناء على ذلك تعتبر هذه الساحة القلب النابض لمدينة مراكش حيث كانت وما زالت نقطة التقاء بين المدينة والقصبة المخزنية والملاح، ومحجا للزوار من كل أنحاء العالم للاستمتاع بمشاهدة عروض مشوقة لمروضي الأفاعي ورواة الأحاجي والقصص، والموسيقيين إلى غير ذلك من مظاهر الفرجة الشعبية التي تختزل تراثا غنيا وفريدا كان من وراء إدراج هذه الساحة في قائمة التراث اللامادي الإنساني التي أعلنتها منظمة اليونيسكو عام 2001)...

مشوا بإتزانٍ جوار بعضهم فمن المتوقع بمثل تلك الأماكن إختيار الرجال للمناسب لدخولها وخاصة لو كانوا من بلاد الغرب، فيبدأ سحبهما بطريقة فضولية لدخول هذا المكان المطروح كلماته من أمامهم، وبالفعل إقترب من رحيم أحداهما فبدأ بالحديث مستخدماً اللغة الإنجليزية ظناً بأنه سائح أمريكي فقال:
أهلاً بك بالمغرب، هل هذة هي زيارتك الأولى؟.
تطلع مراد لرحيم بنظرةٍ غامضة تفهمها على الفور ليجيبه بثباتٍ:.

نعم زيارتنا الأولى ولكنها مملة بعض الشيء لذا نفكر بالعودة...
أبدا هذا الرجل الغريب فضوله فقال:
يا للعار أتشعرون بالملل و الحسين موجود!..
تدخل مراد بالحديث وهو يغمز له بخبثٍ:
أعتقد بأنك فهمت ما يدور برأس صديقي يا رجل...

بسمة خبيثة لاحت على وجهه فغمز له بمكرٍ وهو يشير له بيديه ليتبعهم بحذرٍ، وبالفعل إتبعه مراد ولحق بهما رحيم الذي يحاول جاهداً أن لا يكسر فكيه بيديه، فتماسك بصعوبةٍ وهو يتابعه، دخل زقاق ضيقة للغاية ليدخل أكثر من مكانٍ حتى رفع باب ثقيل أسفل الأرض ليشير لهم بهبوط الدرج، فلحق بهم ليستدير يساراً ويميناً وما أن تأكد أغلق الباب ليهبط من خلفهم، بنهاية الدرج ساحة كبيرة أسفل الأرض تغزو بها النساء كل شبراً بها وكأنهن حبات أرز لا حصى لها، تركهما الحسين محلهم يتأملون العالم الداخلي بأسفل الأرض ثم إقترب من أحد النساء القابعات على الاريكة المسطحة واضعة قدماً فوق الأخرى، أحمر الشفاة الذي تضعه صارخ بكل ما تحمله معنى الكلمة، السجائر بيدها وباليد الأخرى كأس المحرمات، تتابع ما يحدث من أمام عينيها بتمعنٍ وترقب، إنحنى ليهمس بتفاخر لها عن الشابين الذي أتى بهما لهنا، حانت منها نظرة متفحصة إليهم فأشارت له بيدها بأعحابٍ ثم سمحت له بأن يقربهم منها، فمنحهم أذن الإقتراب، تقزز رحيم من الاجواء بدا وكأنه على وشك الملاحظة للجميع، فسبقه مراد بخطوة لينوب عنه بمكالمةٍ تلك المرآة، وقف من أمامها فأشارت بيدها لعاملها بأن يشرح لهما قواعد الغرف اللعينة كونها تتحدث اللغة المغربية، فأشار لهم بيديه:.

أي فتاة تريد سيدي؟..
ضيق مراد عينيه وهو يقول بتعجبٍ:
لم أفهم مقصدك!.
قال أخر موضوحاً:
أقصد أي جنسية تفضل وكم ساعة تود البقاء هنا والأهم من ذلك هل تودها عذراء أم ماذا؟..

قالها بضحكة رقيعة أوضحت لهما كناية هذا الرجل الغير متكامل، خاصة نظراته تجاههما كونه من معاشرة النساء بمكان مثل ذلك طفح عليه فاصبح يضع الحمرة مثلهن، كور رحيم يديه بغضبٍ مفرط وقد بدت عروق جبينه بالتقلص بشكلٍ ملحوظ مما جعله يتساءل بإستغرابٍ:
ما به صديقك!..
استدار مراد تجاهه وهو يشير له بنظرة رجاء ثم عاد ليبتسم وهو يجيبه بمكرٍ:
لا يحب العذارى فأختار له فتاة حسناء فحسب أما انا فلا أمانع...

علت ضحكاته المقيتة مرة أخرى وهو يشير له:
زد من مالك وسأحضر لك ما تريد..

أخرج الدولارات من جيب بنطاله ليضعها بين يديه، فأبتهج وهو يرى قدر المال الوفير فأشار بعينيه لرجلين مشابهين لأمثاله، ليرشد كلاً منهم للغرف، تطلع مراد بنظراته الأخيرة تجاه رحيم فعلم مقصده بأختياره لفتاة كهذا فمن المؤكد بأنه سيجد فتاة مرغمة على فعل ما يجبرونها على فعله لذا من المؤكد بأنها ستساعده أما رحيم فمهامه اصعب وهو التعامل مع فتاة إعتادت على الرزيلة ومن الصعب معرفة ما يود كشفه عن هذا المكان الحقير...

******************.

الضوء الأحمر يعبأ الغرفة بأكملها، الرؤيا كانت مشوشة ببدأ الأمر إلى ان فتح الرجل الذي يلحق به الضوء ليغمز له بعينيه على الفراش بضحكة مقززة، فخرج وأغلق الباب من خلفه، دقائق مبسطة استعاد بهما مراد ثباته ليتمكن من مجابهة الأمر العسير الذي سيتعرض له، رفع عينيه عن الأرض ليسلطهما على الفراش ليهتز كيانه حينما رأى فتاة مقيدة يدها على أساور السرير الحديدي، وكلتا قدميها بطرفه، وجهها ممتلأ بالكدمات المخفية خلف طبقة مبالغة بها من المكيب، دموعها تنهمر دون توقف وهي تحاول جاهدة إخفاء جسدها من خلف ما ترتديه إجبارياً، إندفع مراد تجاهها وهو يحرر فمها فقالت بدموع وصوت متقطع:.

أرجوك لا تلمسني، أنا لست فتاة من هذا النوع، أرجوك دعني وشأني...
بكائها طعن قلبه فزاده قوة بمشاركة أخيه لتبديد هذا البلاء عن تلك الفتيات، ظنت بأنه لم يفهم ما قالته فقالت باللغة المغربية:
عافاك خليني انا مادرت والوا عمرني ما درت شي حاجة خايبة في شي حد عافاك (أرجوك سبني أنا معملتش حاجة في حد، )...
حرر مراد قيود يدها قدميها، ثم إقترب ليزيح ما يقيد رسغها فبكت وهي تقول بصوتها المتقطع:
إبتعد عني...

رأى معالم وجه ريم مرسومة على ملامح وجهها، فردد بصوتٍ منخفض حتى لا يستمع إليه أحد:
متخافيش أنا عندي أخت تقريباً في سنك...
إنكمشت تعابيرها بإستغرابٍ فسألتها بدهشةٍ:
أنت عربي؟..
راقب النافذة الزجاجية الصغيرة فلمح الكاميرا الموضوعة بركن الغرفة، ثقبت نظراته بغضب من دناءة هؤلاء، فأقترب منها ليزيح أخر رباط يدها مستغل قربه منها ليهمس بصوتٍ منخفض للغاية:.

أنا أقدر أخرجك من هنا، خلي بالك في كاميرات بالأوضة عايزك تتعملي عادي وأنا اوعدك إني مش هأذيكي!..
رفعت عينيها تجاه الشرفة لتجد كاميرا صغيرة للغاية على النافذة، صعقت وهي تحاول إخفاء جسدها فخشى مراد أن تضيع خطته هباءاً لذا وبدون اي تردد خلع قميصه ثم جذب الملاءة ليضعها فوقهما ليخدعوهم، ارتعبت حينما وجدته يتمدد جوارها فتباعدت عنه بدموعٍ، حرك جسده ليبدو إليهم بما يظنوه ثم قال وهو يتطلع لها:.

أنا ظابط مصري وجيت هنا عشانك وعشان كل البنات اللي وصلوا هنا بالغصب...
استراح قلبها فقالت بدموع القهر:
مش كلهم هنا بالغصب...
سألها بهدوء:
أنتِ أسمك أيه؟.
قالت بتردد:
فطيمة...
سألها مجدداً:
جنسيتك أيه؟..
أجابته:
مغربية...
قال وهو يستقيم بانحناءة جسده:
والناس دول جنسيتهم أيه؟..
ردت عليه ببكاءٍ:
مالهمش جنسية...
أومأ برأسه بتفهم ثم قال:
طيب جيتي هنا إزاي...

إنسدل الدمع من عينيها وهي تحاول البوح بما يعيق صدرها ويؤلم قلبها...
*******************.

بالغرفة التي تبعد عنهما قليلاً، ولج رحيم للداخل ويديه تدعس أنفه بتقزز لرائحة البرفنيوم الكريه الذي يخترق أنفه الذي لا يعشق سوى رائحة أنثاه الوحيدة، يتأكد من أعماق قلبه بأنه لن يتمكن من خيانتها حتى وإن فشلت كل مخططاتهم يكفيه شرف تحويل هذا المكان المقيت لجمر متأجج، باحت عينيه المكان بنظراتٍ محتقنة لتسقط على فتاة تجلس على المقعد المقابل للسراحة، ترتدي مئزر أحمر اللون، حمد الله بأنها تدير ظهرها اليه والا كان ليتقيء محله، كالبضاعة الرخيصة هي تحركت عن محلها ببطءٍ عند سماع صفير الباب الذي أعلن عن قدوم ضيف بغيض لتلك الليلة، نهضت عن مقعدها وهي تخلع مئزرها لتتمدد عارية على الفراش وكأنه أمراً إعتيادي بالنسبة إليها، المقاومة والصراخ والعويل والإنتحار كل تلك الطرق باتت متهالكة بالنسبة لها، ترجت وتوسلت من قبل وحينما وجدت ذاتها امام أمراً محتوم قبلت واستسلمت له فباتت تتعامل بآليةٍ تامة، إلتقط رحيم مئزرها ليقذفه بوجهها وهو يوليها ظهره ليأمرها بلهجةٍ مستحقرة:.

إلبسي...
إلتقط المئزر وهي تتطلع له بإستغرابٍ، فنهضت عن فراشها لتقف من أمامه وهي تتساءل في دهشةٍ:
يعني أيه؟.
صوتها جعله يرفع عينيه المبتعدة عنها ليصعق وهو يدقق بملامح وجهها ليردد بصدمةٍ:
ريحانة!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة