قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

وخزات حادة إخترقت قلبها وهي تركض من جهة لأخرى، باحثة عن رضيعها بكل مكان، بكائها المتواصل جعلها بحالة مذرية للغاية وهى تجاهد فقدان الوعي بهذا الوقت بالتحديد، ألقت الأكياس التي تحملها عن يديها ثم ركضت على الدرج مسرعةٍ والدموع تتوالى على وجهها بإنكسارٍ، وقفت أمام باب المنزل الذي تقطن به فجابت نظراتها الحائرة الطريق يساراً ويميناً فرددت وهي تبكي بقهرٍ:
ابني!..

جلست أرضاً بجسدها الثقيل وهي تصرخ ببكاءٍ حارق:
ابني، لأ...

انهمر الدمع على وجنتها وهي تراقب الطريق بعينٍ ملتاعة بالأماني فربما يخرج من أحد الطرق ليرتمي بأحضانها ولكن كيف سيفعلها وهو طفلاً صغير لم يتعدى السبعة أشهر، إلتف حولها عدد مهول من المارة، فتجمهر حولها النساء وهن يطرحن أسئلة لا بأس بها عن سبب بكائها، كلماتهن والهمسات الجانبية فيما بينهما إخترقت أذنها؛ ولكنها لم تكن مفهومة لما تحاربه من أفكارٍ تحوم بها كالوحش المفترس، وجميعها تسوقها لمطاف أخير يحوم حول إياد، نهضت صباح بعزمٍ وهي تهم بإيقاف سيارة أجرة فما أن صعدت إليها حتى طرح سؤاله المعتاد:.

على فين يا آنسة؟..
قالت بعينٍ غائرة يشوبها بصيص من الغضب والقوة بآنٍ واحد:
قصور طلعت زيدان...
القصور الخمس زاع سيطها منذ زمانٍ بعيد لدرجة أنها صارت حديث الجميع وربما انتاب بعضهم الفضول لرؤياها، تحرك السائق بالحالٍ لمعرفة مكان القصور المتوقع للجميع من سماع الأقاويل عنها، أما هي فتبلد عينيها هالة مخيفة من الكره لمجرد التفكير بكونه من فعلها...

إنطبقت حدقتيه بذهولٍ وهو يرى من تقف أمامه، أخر مكانٍ توقع أن يرآها به، والسؤال الأهم بالنسبة له هل أصبح زوجها واضيعاً لتلك الدرجة التي تجعله يبيع زوجته ليخلعها بضاعة رخيصة الثمن يتمتع بها كل من دفع مبلغ طائل، غامت عينيه الزيتونية بدهشةٍ عظيمة وهو يقارن ما قاله بما يراه، هل كذب حينما أخبره بوفاتها!..

سماع اسمها الحقيقي من فمٍ شخص غريب جعلها تتأهب بوقفتها وهي تبتلع ريقها الذي جف فور سماعه، لتسأله بصوتٍ مرتجف:
عرفت اسمي الحقيقي إزاي؟..
رفع رأسه بشموخٍ تجاهها وهو يفضل البقاء صامتٍ بغموضٍ يهيأه لمعرفة ما يجرى هنا، أمسكت يديه بقوةٍ وهي تسأله من جديدٍ بلهفة وحزنٍ:
قولي أرجوك عرفت اسمي الحقيقي إزاي وأنا بالنسبة للكل ميتة؟..

أجابته عما يشغل تفكيره بدون أدنى مجهود منه، فرسمت بسمة جانبية على طرف شفتيه، سحب رحيم يديه التي تتمسك بها كأنها وجدت طوق نجاة بعد تلك السنوات التي نست بهما اسمها وكناياتها الحقيقة، وضع كلتا يديه بجيوب بنطاله وهو يتحرك بالغرفة ليشملها بنظرةٍ ساخرة، تتبعته ريحانة وهي تملي بسؤالها الفضولي:
أنت مين؟..
استدار في مقابلتها وهو يجيبها بثباتٍ عجيب يشمل لهجته سخرية وإهانة متعمدة:.

أنا اللي جوزك إدني وعد إن مراتي هتكون بالمكان دا في مقابل إن عرضه وشرفه مات بالمكان اللي عاش عمره كله عشان يكون مخلص له لحد الوقت اللي هو محبوس فيه ورافض يقول عن اسمهم...
إحتدت نظراتها بغضبٍ، فاستدارت لإتجاهٍ بعيد عن مرمى بصره وهي تصيح بعصبيةٍ مقتادة:
مش عايزة أسمع إسمه ولا حاجة عنه، أنا وصلت لهنا بسببه وبسبب شغله الوسخ، كل مرة كان بيوعدني إنه هيسيبه وهيبدأ في شغل نضيف بس كان بيكدب...

هز رأسها بالنفي وهو يجيبها ببسمة غامضة:
الا أخر مرة، بيبرس كان فعلاً ناوي يتوب ويسيب القرف دا لحد ما هما سبقوه بخطوة وحبوا يتخلصوا من العائق اللي بطريقهم، فدبروا الحادثة اللي حصلت والجثة اللي حطوها عشان يصدق إنك موتي فعلاً ودا اللي حصل...
ثم وقف قبالتها وهو يسترسل حديثه بلهجة يدفن بها الوعيد والإنتقام:.

الناس دي مفيش حاجة بتوقفهم، أي نقطة ضعف عند راجل من رجالتهم بيتخلصوا منها، بس الغريب في كل دا إنهم استخسروا فيكي الموت واستغلوكي في حاجة تكسبهم زي ما بيستغلوا كل البنات الموجودة هنا، غلطة صغيرة إرتكبوها بس هتكون سبب في دمارهم وهيوقعوا واحد ورا التاني زي الفيران...
تطلعت له بنظرة الإنكسار يملأها، ليخرج صوتها شبه المسموع:
أنت فكرك إني مش عارفة كل دا!..
أفتر شفتيها عن بسمة ساخرة وهي تضيف بأسى:.

انا عارفة ومتأكدة أن بيبرس ميتخلاش عني أبداً وعارفة إنهم اكيد أقنعوه بموتي بأي طريقة، وعارفة إنه لو عرف باللي حصل هينتقم منهم وهيعمل كل اللي يقدر عليه عشان يخرجني من هنا، انت عارف كام فرصة جاتلي وأنا هنا عشان أكلمه وأقوله الحقيقة!..
باغتها بسؤالٍ مهتم:
ومستغلتيهاش ليه؟..
زف كلامها بدمعة كسرت قناع البرود الذي ترتديه وهي تجيبه:.

الإستسلام اللي انا فيه من خمس سنين للنهاردة سببه واحد إني خلاص فقدت اللي ممكن أحارب عشانه، فقدت الشرف والكرامة، والأهم من كل دا فقدت الحب اللي كان في قلبي ليه...
وبحقد شديد قالت:
أنا كل يوم بيفوت عليا هنا بكرهه، كل ما بفكر مجرد تفكير إنه سبب من الأسباب ورا معاناة كل البنات دي بكرهه أكتر، وكل ما بيدخلي راجل أوضتي وأنا لا حولة ليا ولا قوة بحقد عليه وبتمنى أقتله بدل المرة ألف مرة...

منحها نظرة مشفقة على الحالٍ البائس الذي أصبحت عليه بسبب ما فعله زوجها، الحياة كأس تملأه أنت كما تشاء فان ملئ بالكراهية والشر سيأتي يوماً وسيذقه أقرب أناس إليك، كان عليه إقناعها بمساعدته لمعرفة تفاصيل دقيقة عن هؤلاء الشياطين فقال بعد فترة من الصمتٍ:
وأنا هديكي الفرصة إنك تنتقمي منه ومن اللي كان السبب في اللي حصلك، بأيدك تنقذي كل البنات دي وتمنعي أي بنت تخوض التجربة الصعبة اللي أنتِ عشتيها...

ضيقت عينيها في دهشةٍ فتسائلت بإستغراب:
أنت تقصد أيه؟!.
رد عليها بأتزانٍ يطوف بلهجته الرجولية:
تساعديني أننا ندمر المكان دا وتكون ضربة في مقتل ليهم...
تعمقت بالنظر إليه وهي تحاول أن تلتمس صدق كلامه، تحاول استكشاف طبيعة الشخص الذي يقف أمامها هل هو طبيعي أم مجنون ليتوهم فكرة القضاء عليهما، بدت نظراتها تفشي بما تفكر به فاستقام بوقفته التي منحته مظهر قوي:.

ناقصك معلومة واحدة تضيفيها لتفكيرك، أن اللي قدامك دا مش ظابط مدرب على أعلى مستوى لا اللي قدامك قدر يتحفظ على جوزك في زنزانة بظرف ٢٤ساعة وقادر إنه يخلي مصير الكلاب دول زيه...

صفنت بكلماته قليلاً، بداخلها أملّ عزيز بالا تواجه أي فتاة مصيرها القاسي، شريط حياتها منذ بقائها بهذا المكان المقزز مر على خاطرها، لتتذكر كم عانت حينما تمردت على كل رجلٍ يدخل لتلك الغرفة اللعينة، كنت تظن بأنها قوية صامدة، لن يتغلب أحداً عليها، ولكن الصدمة بالنسبة لها حينما علمت بأن هناك نوعٍ من الرجال السادية يعشقون الفتيات المتمردة وكانت هي النوع المطلوب لهم، فكم خاضت ليالي مأسوية وهي تعافر بأن يتركها رجلٍ منهما وحينما وجدت صراخها وبكائها متعة إليهم باتت كقطعة الجمر التي إنطفأت بعدما حاوطتها عاصفة من الثلج الثقيل!

تذكرت كيف كانت تكره ذكرى زوجها رغم ان أغلب الفتيات يبكون شوقاً للقاء الأهل الا هي فقدرها مختلف بعض الشيء عنهن، تتذكر كم إتيحت لها الفرصة حينما يغفل أي رجل يأتي لرفقتها بجوارها فكانت تتمسك بهاتفه وتكتب رقم بيبرس ثم تقف أصابعها بترددٍ على زر الإتصال فتعاود بحذفه بنظراتٍ مستحقرة لمجرد فكرتها باللجوء إليه ليخرجها من هذا الجحيم، فكيف ستطالبه بالمساعدة وهو السبب بمعانتها وبمعاناة كل تلك الفتيات!

إختمتت ذكرياتها المأساوية بدمعة حارقة تزيح ما عالق مؤخراً بشرودها المؤذي، رفعت أصابعها لتزيل ما علق بأهدابها، ثم تطلعت لرحيم الذي يتابع إنعكاس تعابير وجهها بإهتمامٍ فكان يتحلى بالصمت حتى يترك لها الفرصة بتذكر ماضيها حتى تمده بما يحتاج دون أدنى مجهود، تحركت شفتاها نطقت بما حسمته بعد فترة مطولة فقالت:
وأنا مستعدة أنفذ كل اللي تطلبه مني بس عندي شرط...
بقى ثابتاً وهو يستمع إليها بانصاتٍ ليتسائل بهدوءٍ:.

شرط أيه دا؟.
بوجهٍ قاتم وبنظراتٍ حادة قالت:
لو خرجنا من هنا هتعرفه...

شرطها الغامض لم يفرق معه كثيراً، فمن اولى إهتماماته القضاء على هؤلاء الشياطين مهما كلف الأمر، يعلم بأن الطريق لن ينتهي هنا، بل هي البداية فقط ولكن ما رأه بالخارج منذ قليل جعله يتعهد بفعل المستحيل لتحرير الفتيات، إكتفى رحيم بهز رأسه موافقة على ما قالته، فجذبت مقعد السراحة الصغير ثم وضعته مقابله لتجلس عليه بأسترخاء وهي تستطرد الحديث:.

اللي قدرت أعرفه من عيشتي هنا إن الناس دول مش من المغرب، أصولهم فرنسية، وعندهم قدرة رهيبة بتغير أشكالهم وأوراقهم لأي دولة بيرحوها عشان محدش يشك فيهم، حتى أسمائهم وجواز السفر بيكون بجنسية الدولة اللي هيفضلوا فيها، وفي بنات كتير بتشتغل معاهم بس شغل مختلف عن شغلنا، البنت منهم بتدخل للناس البسيطة على أنها أخت لشاب سعودي أو خليجي بيدور على عروسة حلوة وبتدفعلهم مؤخرها والذي منه وبعد كدا تسافر معاها بفستان الفرح للمكان المطلوب وطبعاً دي وسيلة سفر أمنة ليهم أن معظم البنات بتسافرلهم بفستان الفرح أكيد مش هيكون في شيء ملفت للنظر، والبنات دي بعد كدا بتواجه مصيرها البشع، الحقيقة اللي مكنتش في تواقعاتها لما تلاقي نفسها بدل ما تزف لعريسها بتزف لمكان شبه القبر، الديدان بتنهش في لحمها...

بنفس الهدوء الرزين تساءل:
طيب والبنات دي أيه اللي جابرهم إنهم يستحملوا كل دا ليه مش بيحاولوا يهربوا!..
بدا النفور ظاهراً على وجهها، وهي تستعد لإجابته على هذا الجزء المظلم من حكاية ما تتلاقاه هنا:
أول ما بيوصلوا هنا بيحطوا كاميرا في أوضة كل واحدة فيهم وبيصولولهم فيديوهات كاملة مع أول راجل يدخلهم عشان بعد كدا يهددوهم بيها...
استشاط غضبٍ مما يستمع إليه، فقال بعصبيةٍ:.

طيب والبنات اللي من المغرب إزاي أهلهم محسوش باللي اتعرضوا ليهم وبلغوا!..
ردت عليه بملامحها الباهتة:.

معرفش بس أكيد ليهم وضع مختلف، اللي عرفته دا من خلال كلامي مع بنات لسه جداد من القاهرة واسكندرية وفي منهم اللي من الجزائر وسوريا والامارات وتركيا بنات من حتت مختلفة كل واحدة ليها دخلة غريبة عن التانية، أغلبهم طلاب جامعة ومغتربين سكنت معاهم بنت عادية وبعد فترة اتفاجئوا إنها كانت بتصورهم بالحمام وابتدت تهددهم إنهم لو مسمعوش كلامها هتنزل الفيديوهات اللي معاها، البنت من دول بتسحب أكتر من خمس بنات، هما دول اللي بيكبروا الشبكة والعدد اللي بيدخل هنا انا سمعت انهم ليهم عمولة على كل بنت...

حالة من الغليانٍ انتباته، فكبح بصعوبةٍ سبابٍ لفظياً وجسدياً يمكن ان يلفظ به دون إرادة منه، حتى عروقه برزت بشكلٍ مخيف، ازاحت ريحانة دمعاتها التعيسة وهي تستكمل ما تقول:.

في بنات كتير هنا بتشتغل بمزاجها، من غير ضغط من حد بس الاغلب زيي بالإجبار وعلى فكرة أغلبهم عرب وهما اللي تلاقيهم بيعملوا ليهم ألف حساب عشان كدا بيرتبوا ويدبروا هيخرجوهم إزاي من غير ما حد يشك، بالأخص اللي حصل بالصعيد لما الأهالي بلغوا عن إختفاء بناتهم وابتدوا يوصفوا شكل الست اللي إتكلمت معاهم فالموضوع ابتدى يهدى شوية والحركة بمصر هديت كمان...

تصاعد غضبه حتى وصل لذروته، فإختلجت بشرية بحمرة خطيرة وهو يستدير بجسده كلياً تجاهها حينما وجدها تخفي دمعاتها خلف قناع الثبات المخادع:
أنا وعدتك هخرجك من هنا مش أنتِ بس أنتِ وكل بنت دخلت هنا، وحقكم هرجعه وقدام عيونكم..
رفعت رأسها المكسور وهي تتعمق بالتطلع لعينيه الصلبة المخيفة، فجذب أحد المقاعد ليجلس مقابل لها وهو يسألها بتمعن:.

ودلوقتي عايزك تشرحيلي كل مداخل ومخارج المكان دا، ولو في أماكن سرية تعرفيها!..
أومأت برأسها بهزةٍ بسيطة ثم بدأت بقص الطرق التي تمكنت من التعرف عليها...

بغرفة مراد...
إختتمت كلماتها المنكسرة وهي تضيف بإنكسارٍ:
معرفش هي عملت ليه كدا بس اللي أعرفه إني بقيت أسيرة جوا السجن دا ومفيش خروج منه أبداً..
أمسك بالملاءة جيداً ثم حرك عينيه تجاهها قائلاً برفقٍ:
طيب ليه استسلمتي لتهديدتها وجيتي للنار برجليكي...
قالت والدمع يرفق وجنتها الحمراء:.

جيت عشان خاطري أخواتي البنات، أنا لو نزل ليا صورة على الإنترنت وبالشكل دا عمر ما حد هيبصلهم ومستقبلهم هيتدمر، وكل دا بسببي...
بعينيه النارية ووجهه المشتعل قال:
دول شياطين مفيش في قلوبهم رحمة، من لا يرحم لا يرحم...
ثم استدار برأسه تجاهها وهو يتمسك بغطاء الفراش جيداً ليقول بصرامةٍ:
أنا هرجعك لأهلك ولبيتك ولحد ما دا يحصل عايزك تساعديني...
انهمرت الدموع على وجنتها وهي تجيبه بصوتها المتقطع:.

أنا كنت فقدت الامل قبل ما أشوفك أرجوك ما تخذلنيش...

تألم قلب مراد وهو يرى فتاة مسكينة تتوسل لأبسط حقوقها، يتنزعون منهم عذريتهم وكأنها ملك لهما، وكأنهن تجارة مربحة يتأكدون من صلاحيتها فان كانت طازجة تباح بثمنٍ غالي وإن كان إستخدامها مباح تقل بالسعر، هؤلاء الشياطين المجردة قلوبهم من كلمة الرحمة يروا النساء مجرد جسد بمقاومات أنوثية تثير الغرائز فيجروا قدميهم لمستنقعهم سواء برضاهم ام بالترهيب، ليس هناك عائق يقف بطريقهما، فان كانت الأنثى عنيدة وتقاوم لأخر أنفاسها فهناك من يحبذ هذا النوع بالتحديد فيدفع مبالغ طائلة لقاء ما يريد، يضعون على لائحتهم بكل فخر ما جنسية الفتاة التي تحب ان تقضي ليلتك معها وهل تحبها عذراء أم ماذا؟!..

كيف سولت لهم أنفسهم بفعل هذا بروحٍ خلقها ﷲ لتكن حرة، عزيزة، مصانة لزوجٍ يصون عرضها ويكون حماية لها، صدقاً حينما قال أن الانسان هو أوحش المخلوقات على وجه الارض، فحينما يستباح صراخ الأخرون ويستلذ بمعاناتهم يتشبهون بالشياطين بل أبشع من ذلك...
خلع مراد السلسال المصنوع من الجلد الأسود العريض من حول عنقه ليقدمه لها وهو يباشر بقول:
السلسلة دي متقلعهاش فيها جهاز تتبع وسماعة، هكون على تواصل معاكي...

ثم أشار لها ببطء محاولاً ألا يصدر أي صوت:
متخافيش أنا هدفعلهم اللي هما عايزينه عشان ميدخلوش عليكي حد، عايزك تهدي وتنفذي كل اللي قولتهولك وصدقيني قريب اوي هحقق الوعد اللي وعدته ليكي...

تمسكت بالسلسال ونظرات الرجاء تطوف حدقتيها، رفع الغطاء عن رأسه ثم نهض ليجذب قميصه فأرتداه وهو يبتسم بطريقة تباح بها المطلوب لمن يراقبهما، أخرج من جيب بنطاله مبلغ طائل من المال ثم وضعه على الفراش رغم ما دفعه بالخارج، يريد أن يعطي إنطباع إليهم بثرائه الفاحش حتى حينما يطلب منهم أن تكون له بمفرده لا يثير الشكوك تجاهه...

منحها نظرة أخيرة يطمنها بها، ثم خرج من باب الغرفة وهو يطعن قلبه ألف طعنة ليمضي بطريقه، فالإنتقام يدرس فحينما ينتهي بوضع خطة محكمة حينها سيندفع كالأسد الجريح الذي إستنزف طاقة تحمله على سماع ما يحدث لفتيات بلاده العربية، وقف أمام باب غرفتها يستجمع برودة إنفعالات وجهه بحرافية، ليجد باب الغرفة المجاور له يفتح ليطل رحيم من خلفه، أشار له بهدوء ليخرج كلاً منهم من الرواق الطويل ليعودوا لنفس المكان من جديد، وبالفعل دفع الجوكر مبلغ باهظ من المالٍ ليستطيع أن يجعلها إليه لمدة أسبوع كامل على أمل سرعة التحرك قبل أن تنتهي المدة...

هبطت من سيارةٍ الأجرة بخطواتها السريعة، لتختصر الذي يفصلها عن قصره بركضها المتواصل، قرعت الجرس مرات متتالية حتى فتحت إحدى الخادمات الباب، فأندفعت صباح للداخل وهي تصيح بصوتٍ مرتفع:
إياد...
أسرعت تجاه الدرج وهي تعيد ندائه مرة أخرى بكل طاقة غضب تمتلكها حتى خرج سريعاً من غرفته وهو يرتدي جاكيته الرياضي، وقف أعلى الدرج يتأملها باستغراب، فردد في دهشةٍ:
صباح!..

صعدت الدرج لتكون من أمامه مباشرة، فقالت والدموع تتلألأ بعينيها من خلف وشاح وجهها الأسود:
ابني فين؟..
انكمشت تعبيرات وجهه في صدمةٍ حقيقة، فقال بملامحٍ واجمة:
ابنك فين إزاي!، أنتِ بتهزري؟..
وخزات قلبها الحاد تضغط بقوة جعلتها لم تعظ تحتمل حتى النقاش، فتمسكت بجاكيته وهي تصرخ به ببكاءٍ حارق:
بقوولك ابني فين متعملش الشويتين دول عليا، أنا عارفة أن انت اللي أخدته مني عشان تحرمني منه...

حرر يدها عن صدره وهو ينتصب بوقفته بجدية:
أنا مأخدتش حد يا صباح الولد فين؟!..
صدمة جعلت حلقها يجف من قوتها، فحاولت كثيراً أن تبلل شفتيها الجافة وهي تخفض يدها عنه بعدم تصديق:
يعني ايه!، ابني فين؟..
كادت بالترنح فأوشكت على السقوطٍ عن الدرج، أمسك بها جيداً بخوفٍ وهو يخبرها بهدوء:
إهدي بس واحكيلي أيه اللي حصل...
ذرف الدمع من عينيها وهي تقول بكلماتٍ غير منتظمة:.

انا كنت بشتري شوية حاجات، وبعدين ملقتوش، رجعت ملقتوش وأنا كنت سايباه نايم في الأوضة...
وتعالت شهقات بكائها، فتمسكت بيديه وهي تقول بقهرٍ:
أنا عايزة ابني يا إياد، أبوس ايدك لو أنت اللي أخدته ادهوني وأنا والله مهتكلم ولا هقول لحد إنه ابنك بس متحرمنيش منه...
صفع قلبه بقوةٍ ألمته، فقال بعتابٍ صريح:
أيه اللي بتقوليه دا!، أنا معملتش كدا، صدقيني مأخدتش الولد...
ثم ربت على ذراعيها ليمدها بالدعم:.

اهدي ومتقلقيش أنا هقلب الدنيا عليه ومش هرجع غير بيه...
مفيش داعي تقلبها عشان متهبطتش بس مش كدا ولا أيه يا جان!..

كلمات تحررت على لسان ريان الذي يقف أسفل الدرج أمام باب القصر الداخلي، ولجواره كان يقف جان بصحبةٍ مروان الذي يداعب الصغير الذي تحمله سارة بحرصٍ وفرحة، التقطت عين صباح ابنها الصغير فهرولت للأسفل سريعاً حتى كادت بالسقوط أكثر من مرةٍ فكادت بجذبه منها ولكنها توقفت بخوف حينما وقف ريان أمامها بنظراته الغاضبة، تعجب إياد مما يحدث فهبط خلفها وهو يسأل باستغراب:
هو أيه اللي بيحصل بالظبط؟..

أجابه مروان ببسمة مكر:
بقى عندك واد زي القمر كدا ومخبيه عننا...
استدار ريان تجاهه وهو يصيح بغضب غامض:
مش ابنه فاهم...
وقف أمامه وهو يتطلع له بصمتٍ قطعه بسؤاله:
في أيه يا ريان؟..
لم يجيبه ولكن نقلت نظراته لصباح التي تحاول انتشال صغيرها من بين ذراع سارة وفي كل مرة كان يقف ريان عائق امامها، فاستدارت تجاه اياد وهي تقول بدموع:
خاليه يسيبني أخد ابني يا إياد...

ابتسم جان بخبثٍ لقرب تحقيق المخطط، وخاصة حينما تحررت كلماته قائلاً:
أنت ليه خطفت الولد؟!..
رد عليه ريان بثباتٍ:
ويهمك أمره في ايه؟.
برق بعينيه تجاهه وهو يجيبه بضيقٍ من طريقته الغير معهودة:
يهمني في أيه؟!، دا ابني!..
وصل لمبتغاه ولنقطة مثالية لما يريده، فقطع الخطوة الصغيرة بينهما ليقف أمامه وجهاً لوجه وهو يتساءل بمكرٍ:
أيه اللي يثبت أنه ابنك...

صمت مطبق سيطر على وجهه، بكت صباح بإنكسارٍ بعدما تسلل إليها مفهوم خاطئ من كلمات ريان فاسترسل حديثه وعينيه تتطلع تجاه أخيه بشراسةٍ:
كنت مستاني أيه عشان تأخد الخطوة دي؟!، سواء إنك اتغيرت او لأ فموضوع الولد مش محتاج تفكير ولا تأخير ثانية واحدة، الولد ملوش أسم ليه ولا أسم لعيلته وأنت راضي عن كل دا ومستنى لما تحس إنك تستحق تعترف بيه ولا لأ، هو ذنبه أيه في كل دا؟..

رفعت صباح وجهها تجاهه بصدمةٍ، أما إياد فأجابه بحزنٍ:
كنت هعمل كدا صدقني بس كتت محتاج وقت...
قاطعه بحدةٍ وصرامة:
المسائل دي مفهاش وقت...
ثم أشار تجاه الباب وهو يصدر تعليمات مجهولة:
مروان...
أومأ برأسه بهدوء وهو يفتح الباب ليدلف أحد الحرس بصحبة المحامي لعقد القران حتى يسمح بتسجيل الصغير...

إرتمى بجسده الثقيل على الفراش بعدما قص كلاً منهم المعلومات التي تمكنوا من جمعهم، ولج رحيم للداخل، فجلس على المقعد المقابل له، سكونه العجيب جعل الأخر يشعر بما يدور بداخله من ثورة قاتلة، حتى هو تغلي الدماء بعروقه، زفر ببطءٍ وهو يجاهد للحديث لحالته الغريبة برغبته بأن يظل صامتاً لعمرٍ بأكمله:
متزعلش الكأس المر اللي دوقوا بيه البنات دي هيجي الوقت اللي يشربوه بالعافية زي ما عملوا...

تحرك رأسه الثقيل تجاه أخيه، فقال بصوتٍ منهزم:
دول شياطين يا رحيم مش من السهل إنك تتغلب عليهم، كل خوفي من اللي جاي، سهل جدًا إننا نقضي عليهم هنا لكن شبكتهم الأساسية اللي بتركيا وفرنسا صعب نتقدر نتغلب عليهم خصوصاً إن خبر زي دا هيخليهم يأخدوا حذرهم أكتر من الأول والامور هتكون أصعب من الأول...
ربت بيديه الخشنة على قدميه الممدودة على الفراش من أمامه وهو يقول بلا مبالاة:.

اللي عندهم يعملوه، البطل هو اللي بيحول مسار الأحداث بالنهاية مش الشخصيات...
وتركه وتوجه للخروج وهو يشير له بحدة:
نام وبلاش تفكر كتير باللي جاي، فكر بموتة محترمة تليق بالكلاب دول...
وأغلق باب الغرفة من أمامه ثم فتح حاسوبه ليرد روحه بلقاء عينيها، كأسه الذي بات مدمناً على تذوقه حتى وإن كان بعيد المنال، أما مراد فأغلق عينيه بقوةٍ وهو يحاول حذف المشاهد المؤلمة التي جمعته مع فطيمة من خاطره..

حاولت التقلب لجانبها الأيسر فلم تتمكن، فهناك ألماً قوي يهاجم رقبتها، تخشب جسدها بفزعٍ حينما أوشكت على السقوط عن الفراش فتعلقت بالكومود وهي تفرك رقبتها بألمٍ شديد، ذبح قلبه بألمٍ يفوق طاقة جسده الصلب، فجذب هاتفه سريعاً ليضيف الشريحة التي يخفيها بحرافية حتى إذا كشف أمر مهامه لا ينجح العدو بمعرفة اي شيء عنهم، ثم رفع الهاتف سريعاً إليه لينتظر الرد فاندفع بقول:.

أدخل حالاً خلي نجلاء هانم تروح أوضة شجن وتساعدها فاهم!..
ثم اغلق هاتفه حينما سمع لصوت حازم المؤكد له بسماع تعليماته لينقلها سريعاً لنجلاء التي بدورها أسرعت لغرفة شجن دون ان تعلم منه كيف عرف بأنها بحاجة للمساعدة ففزعها جعلها تخطو سريعاً للغرفة...

خطوات مرتبكة تندفع أمام الحاسوب يساراً ويميناً، عروقه المنتفضة بارزة من حول قبضة يديه التي يضغط عليها بقوةٍ، زيتونية عينيه تراقب الحاسوب بتوترٍ، عادت إنفعالاته لطبيعتها حينما ولجت نجلاء للغرفة سريعاً لتساند شجن ثم عاونتها على الإعتدال بالفراش، تعجبت من وجودها حتى طريقة إقتحامها للغرفة كان يؤشر بمعرفتها لما يحدث معها، فقالت في استغرابٍ:
ماما نجلاء أنتِ لسه صاحية لحد دلوقتي؟!.

عبثت بأصابعها وهي تفرك عينيها قائلة بنومٍ واضح بنبرتها:
لا يا عمري كنت نايمة و حازم اللي صاحاني وقالي إنك محتاجة مساعدة..
تقوست حاجبي شجن في دهشةٍ، فكيف له بمعرفة ما يحدث لها، هل يراقب غرفتها، ولكن مهلاً من المؤكد أن رحيم لن يسمح له بذلك فهو يغار عليها من نسمة الهواء التي تلامس جسدها كيف سيسمح له بمراقبة غرفتها وهي ترتدي ملابس متحررة وبدون حجاب، ما الذي يحدث بالتحديد؟!.

أفاقت من شرودها على صوت نجلاء المرتفع تلك المرة وهي تتسائل بلطفٍ:
هرجع اوضتي مش عايزاني أجبلك حاجة جانبك يا حبيبتي..
رسمت بسمة هادئة وهي تجيبها بأمتنان:
لا يا نوجة تصبحي على خير..
اجابتها وهي تتجه للباب والإبتسامة البشوشة تنير وجهها:
وأنتِ من اهل الخير يا روحي..

أغلقت الباب وغادرت، تاركة من خلفها شجن الهائمة بما يحدث حولها، نهضت عن الفراش ثم وقفت امام الشرفة تتطلع من خلفها على مكان حازم فكان بعيداً للغاية عنها، شردت لوهلة بحديث مراد حينما أخبرها بأن رحيم من أوقف طلعت زيدان عند الحد حينما تمادى بتهديدها، الف خيط يقودها لما يستحوذ على تفكيرها، استدارت للخلف وهي تحدج الغرفة بنظراتٍ غريبة، غامضة، تريد أن تتأكد من الفكرة المجنونة التي هاجمتها لتو، حسمت الأمر لإنهاء تلك الشكوك القاتلة التي تنبعث من القلب بوجوده لجوارها، أو على الأقل يشعر بها، فتحركت لحمام الغرفة ثم عادت بعد قليل لتقف بمنتصفها وعينيها تراقب المكان من حولها باحثة عن غايتها، ابتسامة مكر تسللت على شفتيها بعدما استراعها فكرة حماسية ستأكد لها إن كان يرأها ام مجرد وهم يتخلل رأسها، قربت شجن زجاجة الدواء من عينيها وهي تتأمله بنظراتٍ مطولة، انتهت بنزع غطائه ثم أفرغت محتوياته جميعاً بين يدها، لتلقي نظرة خبيثة إلي كم الحبوب الهائل التي تمتلك وقد بدأ عقلها بترصد الخطوة القادمة التي ستكشف القناع عن رحيم زيدان!، ولكن ترى هل سيقع بالفخ!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة