قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع عشر

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع عشر

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع عشر

حينما يحوم حولك الشر لتخضع له بكامل قواك وإختيارك، وأنت بداخلك رغبة للمقاومة فتبحث عما بداخلك لتستخدمه درعاً للمحاربة، لعلك تحتمي من الضرباتٍ المسلطة عليك، ربما تجد الملجأ بمكانٍ مقرب إليك أو شخصٍ يكون درعك القوي، فربما أن ضعفت أمام النزوات المفروضة أمامك يجعلك تفق فربما ان خسرت ذاتك فبفضل هذا الشخص يكن بقلبك قليل من الشفقةٍ والرحمة حتى وإن أصبحت شخصٍ أخر لا تعلم عنه الكثير ولكن ستكن على ثقة بأن هناك من يحتفظ بداخلك بمكانه الخاص، وهكذا كانت ريحانة بالنسبةٍ إليه، كانت عالم بداخل عالمه القذر الممتلئ بالشياطينٍ اللعينة التي تدفعه بكل قوة امتلكتها لفعل ما هو محرم، ولكنه فقد هذا العالم حينما علم بأمرٍ وفاتها، تدمر كلياً وأصبح كاللقيط، ضاع وضاعت أماله وسط دوامات الشر المميت، توقف قلبه الذي يميز الخير عن الشر ليصبح جسد دون أي حياة، وها هي تقف أمامه من جديدٍ، ربما يتوهم رؤياها لاشتياقه لها ولكنها تتحرك وتقترب لتستقر مقابله، ابتلع بيبرس ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة وهو يحاول التماسك حتى لا يفقد عقله الذي غاب عنه، سحب نظراته تجاه رحيم ليطعنه بالكلماتٍ المتعصبة:.

ناوي على أيه؟، متفكرش بإني هتخدع باللي بتعمله ده...
بسمة ساخرة رُسمت على شفتيه ومازالت عينيه تراقب ما يحدث، أتاه الرد من خلفه حينما قالت بصوتها الذي كف عن سماعه لسنواتٍ:
ياريتها كانت خدعة، بس على قد ما هي حقيقة وبتوجع على قد ما أنا فرحانة إنك هتعيش وتختبر الوجع اللي أنت دوقته لناس كتيرة أوي..

بصعوبةٍ بالغة نقل نظراته الثقيلة تجاهها وهو يود أن يكون حلمٍ مزعج، ترقرقت دموع الحسرة بعينيه وهو يرى ريحانة العشق والهوس تقف من أمامه، وما زاد وجع القلب أضعافٍ حينما ألقت على مسمعه بابتسامة ساخرة:
متخافش الناس اللي بتشتغل معاهم واجبوا معايا أوي لإني من طرفك فكانوا بيدخلولي أكتر من راجل في اليوم ومنهم رحيم زيدان اللي دفع أكتر علشان كده أنا واقفة قدامك...

ليت جسده ينشطر لتنتزع منه الحياة، ليته بات أصمٍ حتى لا يستمع ما قالته لتو، مجرد التخيل أمراً قاسي فكيف سيحتمل تقبل حقيقة الأمر، بصعوبةٍ بالغة تحرك صوبها وهو يردد بلسانٍ ثقيل يحاول به كف عقله عن العمل فقال بتشتتٍ:
كل ده خيال مش حقيقة أنتِ مالكيش وجود، أنا نفسي دافنك بأيدي دي لعبة من رحيم زيدان علشان أخضعله وأديله المعلومات اللي هو عايزها..
هنا تخلى عن مقعده ليقترب منه قائلاً ببسمةٍ سخرية:.

أنت بتحاول تتجاهل اللي حواليك لأنه أصعب عقاب ليك، أنا مخططتش أني لما أسافر وأتنكر للمهمة دي أني لما هدخل لاوضة بنت من إياهم تكون مراتك!..
ابيضت عروقه من فرط غيرته وغضبه فصاح كالطورٍ الهائج:
كدب مش حقيقة...
تحركت لتقف من أمامه وهي تصيح بصوتها المنكسر:
ياريت كان كل حاجة كدب، ياريت وجودك في حياتي كان كدب، ياريت اللي عرفته عنك كان كدب، ياريت كرهي ليك كان كدب، ياريت ريحانة كانت كدبة...

واستكمل رحيم على ما قالته حينما وقف أمامه:
أعتقد فترة زي اللي قضتها مع ناس زي دي اديتك فكرة عن اللي بيكون ليه عزيز وببشتغل معاهم، بس اللي انا مش قادر استوعبه استسلامك وتصديقك انها فعلاً ماتت، يعني مجاش في دماغك يوم هما بيعملوا أيه علشان يضمنوا انك تفضل في الطريق الشمال اللي أنت ماشي فيه...

سُلطت نظراته عليها والدموع تنير حدقتيه، لا يرغب في تصديق ما استمع اليه لتو، عصر قبضته بقوةٍ والغضب قد بدى واضحاً على معالمه، فاقترب منها وهو يحاول لمس وجهها، تراجعت للخلف بتقزز وهي تشير له بكرهٍ شديد:
خليك على ثقة ان الحب اللي كان في قلبي ليك كله اتقلب لكره، كل يوم قضته بالمكان ده كنت بكرهك أكتر وبدعي عليك أنك تتذل وتتهان زيي...
أجابها بصوتٍ مذبوح:.

صدقيني مكنتش أعرف إنك عايشة ولا أعرف باللي الكلاب دول عملوه..
تعالت ضحكاتها لترد عليه باستهزاء:
ولو عرفت كان هيفرق كتير معاك!.
كاد بأن يجيبها ولكن يد رحيم كانت الأسرع اليه، فانتشله ليقربه من لهيب عينيه ليجز على اسنانه قائلاً:.

كل ده ميفرقش معايا، أنت هتقول اللي تعرفه عن الكلاب دول وحالا، أنت هتنكلم باللي تعرفه ده لو عايز تفضل واقف على رجليك، معنديش استعداد أخسر مراد علشان كلب زيك عامل شريف وصاين سر ناس متسحقش غير الشنق...
نقل نظراته عنها ليتطلع اليه، فرفع يديه يحل ذراعيه الصلبة قائلاً بنظراتٍ ذات مغزى:
وتفتكر بعد اللي عرفته ده هفضل وافي ليهم!.
تركه رحيم ثم انتصب بوقفته قائلاً دون أن يتطلع له:
قول اللي تعرفه وأنجز...

خطف نظرة سريعة لمن تتحاشى التطلع له كرهاً في رؤياه ثم قال:
الناس دي مش سهلة يا رحيم، صدقني قبل ما هتفكر تقرب منهم هتكون رماد أنت واللي يخصك..
رفع قدميه على المقعد القريب منه ثم انحنى ليكون مقابله قائلاً بصوته المخيف:
وأنا مش أي حد..
ابتلع ريقه بتوترٍ ثم قال:.

مالهمش مكان محدد، بس الاكيد انهم مستحيل يرجعوا المغرب تاني بعد ما اتكشفوا هناك، اللي أقدر اقولهولك أنهم بيتقابلوا متنكرين في كندا ونيوريوك وأنا هديك أماكنهم بس ده لو مكنوش أتغيروا...
أشار بيديه لحارسه الخاص، فأقترب حازم منه ليدون ما قاله بالنص، أما رحيم فأخرج رقم أحداً بدين له بخدمةٍ وقد حان الوقت ليردها اليه، فقال بغموض:
محتاج مساعدتك...

ثم أغلق الهاتف سريعاً، فوجد ريحانة من خلفه تترقبه بأهتمامٍ ثم قالت بتوترٍ ملحوظ:
لسه فاكر وعدي؟.
تلقائياً نقل نظراته لبيبرس الذي يملي كل ما يعرفه لحازم، ثم أخرج سلاحه من جيب جاكيته ليقدمه لها قائلاً بثباتٍ:
فاكر...

دموعها الحارقة تكاد تحرق وجنتها من شدةٍ خوفها، قربت شجن كوب من العصيرٍ منها قائلة بهدوءٍ:
علشان خاطري بلاش تعملي في نفسك كده، هو أكيد في مهمة تبع شغله ومحبش يقلقك...
ابتسامة ألم تشكلت على طرف شفتيها وهي تجيبها بقهرٍ:
يمكن، بس أنا من جوايا حاسة أني مش هشوف مراد تاني يا أشجان ..
أجابتها بانفعالٍ:
أيه الكلام العبيط ده، استهدي بالله ومتخليش هرموناتك تأثر عليكِ...
شردت لدقائق مطولة ثم أجابتها بتأثرٍ:.

كنت بخاف كل يوم وأنا قايمة من النوم إني ملقهوش جانبي، كنت بستناه كل مرة وجوايا خوف انه ميرجعش، عقلي طول مهو غايب مبيطلش يرسمله الف موتة قدامي، لكن المرادي مش هقدر أستحمل اي احتمالات يا شجن ...
احتضنتها ودموعها انهمرت لسماعٍ كلماتها المؤثرة، فقالت من بين دموعها: .
هيرجع بإذن الله..
خرج صوتها المتعب:
يارب...
..

على متن أحد الطائرات المتحركة من مطار المغرب لكندا، كان يجلس على أحد مقاعدها متنكراً بحرافيةٍ بزيٍ يخفي ملامحه الشرقية ليشبه السائح المتنقل من دولة لأخرى للتنزهة، كان يجلس وعقله شارد بها، بداخله وجع يزيده بفتاتٍ الملح القاسية فيؤلمه جرحه أضعافٍ؛ ولكنه أقسم على المحاربة لأخر أنفاسه، يعلم بأن بكل خطوة خطاها ستكون سبباً لعدواة قادمة فيما بعد، فبقتله لعمران ستنشأ علاقة عداوة بينه وبين مروان و ريان وبتخطيطه الآن بقتل والد حنين سيجعل بقلبها وابل من الالمٍ لا منجى منه، بتر ذاك الجزء المتعلق بعاطفته فلا عاطفة بعمله هذا، ركز في هدفه وخطته التي ستعد ملحمة لا شك فيها حينما يقتل الوزير الخائن ستعد اعلان حرب لا شك فيها ومن المؤكد بأنه سيتعرض لمهاجمات لا حصى لها ولكنه على أتم الاستعداد ليقاتل بشرفٍ وذمة حتى أخر أنفاسه..

انتهى من البوح بكل تفصيلة ستمكنهم من القبض على هؤلاء وخاصة باعترافه الصريح بتورط الوزير و عمران وبعض من الشخصيات الهامة داخل مصر وخارجها، سجل حازم اعترفاته كاملة بما تعد خطيرة للغاية للمساس بمقاعد هامة بداخل الحكومات الدولية، وما أن انتهى بيبرس حتى أنكس رأسه للأسفل في ألمٍ صريح مزق أضلاعه بعد معرفته بما حدث بزوجته وعرضه، شعر بحركتها الهزيلة وهي تقترب منه، فرفع عينيه ليجدها تقف من أمامه وتسلط سلاحها عليه، لم تنتابه الدهشة فهو يستحق أكثر من ذلك وخاصة بعد ان كان سبب في عذابها الكارثي، أشار رحيم لحازم بعينيه فأقترب منه ليدفعه بقوةٍ أرضاً ثم قيد يديه جيداً ليأمر الحرس بعد ذلك بالصعود للسيارات، ثم قال وقد ابتعد عنهما قليلاً:.

قرار المسامحة على أخطائك بأيدها وحتى لو سابتك عايش فأدعي ربنا إني أقدر أوصل للناس دي في أسرع وقت والا هتكون نهايتك مؤكدة على ايدهم..
وتركه وغادر على الفور ليظل طريح الأرض بعينين مسلطة عليها، إرتجفت يدها بخوفٍ وهي تحركها على زناد السلاح، فابتسم وهو يخبرها بألمٍ:
أنا أستحق متتردديش..
قوست شفتياها باستحقارٍ، وهي تصرخ بكل ما كبت بداخلها يوماً:.

أنت انسان قذر وللأسف معرفتش الحقيقة دي غير متأخر، كرهتك وكرهت كل يوم حلو قضيته معاك، أنا مسمعتش من حد حقيقتك أنا عيشتها بكل وساختها، شوفت بعيني شغلك اللي كنت بتخبيه عني، عيشت ضعف البنات دي وهي مجبورة أنها تفضي كل يوم مع راجل شكل، دعيت عليك بأنك تتذل وتنكسر زي ما كنت بتذل كل يوم، أنت فعلاً متستحقش الحياة...
انساب الدمع المنحجر بعينيه ليقول دون التطلع لها:.

مكنتش أعرف إنك عايشة، أنا انتهيت في اللحظة اللي رجعت فيها ولقيت البيت كله متفحم، صدقيني انا بقيت في اللحظة دي أسوء من الأول...
ابتسمت بسخريةٍ:
أنت أسوء من البداية، بس كنت بتحاول تقنعني انك هتبعد عن الطريق ده وأنت في الغويط، بس أتطمن الناس الأصيلة اللي انت شغال معاهم استخسروني في الموت فقالوا يستفعوا بيا وبجسمي..
صرخ بها بعذابٍ:
كفايا بقى كفايا...
أجابته بلهجته الساخرة:.

أيه عندك دمك وراجل أوي هتتعذب على عرضك وأنت السبب في هتك عروض كل البنات دي!..
والقت بالسلاح اسفل قدميه، ثم حلت وثاق يديه قائلة بكره:
اللي زيك أحقر من اني ألوث ايدي بيه، لو شايف انك تستحق الحياة بعد اللي عرفته عيش وأنت على يقين ان ريحانة أبعد عن مخيلاتط كلها، ولو حابب تموت فصدقني مش هحوشك لانك ميت في نظري في اليوم اللي دخلت فيه البيت ده..

وقدمت له السلاح ثم غادرت وهي تزيح دمعاتها دون أن تتطلع له، لتستمع بعدها صوت الطلقات النارية فابتسمت بفرحٍ دون ان تستدير للخلف، انهت طريق الغابات حتى وصلت للرصيف لتجده يقف أمام سيارته بانتظارها، ضيقت عينيها بذهولٍ:
أنت..
ابتسم حازم وهو يفتح باب السيارة الخلفي قائلاً بثباتٍ:
في خدمة معاليكِ يا هانم، وإن كان الخدمة دي مش بأمر رحيم باشا بس هتطمن عليكي أكتر لما أروحك بنفسي..

شعاع الأمل يقذف بها تجاه هذا الرجل الألي، تحركت تجاهه بارتباكٍ وهي تبتسم في توترٍ ملحوظ فصعدت حتى استقرت بالخلف، ليتحرك بها على الفور وعينيه تخطف نظرات مترددة لها بالمرآة..

تسللت أشعة الشمس من ستار غرفته لتستهدفها، قوست حاجبيها بانزعاجٍ وهي تخفي رأسها خلف الوسادة التي طرحها جان أرضاً قائلاً بابتسامة جميلة:
كفايا نوم بقى...
ابتسمت وهي تفرد ذراعيها في دلال ثم قالت بعبث:
شكلنا كده داخلين على أيام عنب..
ثم استقامت بجلستها لتلوح له في انزعاجٍ:
حبيبي أنا مبصحاش غير الظهر ياريت تفهم النقطة دي..

جذبها لأحضانه ثم حملها وهو يراقب استرخائها بين ذراعيه، فكانت تستند على صدره وكأنه وسادة مريحة، فتح باب الحمام بمكرٍ ليتركها مرة واحدة:
أنتِ تؤمري وتتشرطي يا روحي..
شهقت بعدم تصديق حينما حاوطتها المياه من جميع الاتجاهات، فاصبحت تبصر جيداً لترى ذاتها بمسبح الحمام الخاص فاشارت له بغضبٍ:
أيه اللي أنت عملته ده، في عريس يوم صبحيته يعمل كده في عروسته!.
جلس على حافته وهو يمدد قدميه بغرورٍ:.

لو بالكسل ده يبقى في يا روحي ولو ملبستبش في عشر دقايق علشان ننزل نفطر توقعي اي تصرف مجنون مني..
وتركها وخرج من أمامها ثم فتح الباب ليطل من جديد قائلاً:
عشر دقايق وهقتحم المكان ها؟.
ابتسمت في خجلٍ وهي تتذكر ليلة الأمس، فرفعت قدميها بدلالٍ وهي تستلقي على سطح المياه..

استغلت كونه مازال غافلاً ثم ولجت لحمام الغرفة لتنتعش قليلاً، ثم خرجت بعدما انتهت فتسللت بخفةٍ حتى لا يشعر بها، تخشبت محلها بخجلٍ لا مثيل له حينما رأته يجلس على الأريكة المقابلة لحمامٍ الغرفة، لعقت سارة شفتيها بتوترٍ مما ترتديه، فابتسم ريان بخبثٍ وهو يتأملها بنظراتٍ حادة انتهت بلهجته الصارمة:
مش تحضريلي حمامي الأول يا هانم ولا بتستغفليني وبتدخلي انتي الاول...

استقامت بوقفتها، فوضعت يدها بمنتصف خصرها وهي تجيبه بضيقٍ:
والله معرفش أندخول الحمام بالدور وبالأذن سيادتك..
تعالت ضحكاته فقال وهو ينهض عن الأريكة ليجذب ملابسه الموضوعة على الفراش: .
عفونا عنك بس متكررهاش تاني..
ومر من جوارها ليخطف قبلة صغيرة على جبينها قائلاً بهمسٍ ماكر:
حلو القميص ده..

ثم أسرع بالدخول للحمام قبل أن يرى غصبها القاتل، ابتسمت بخجل على مشاكسته الصريحة اليها ثم جلست أمام السراحة تمشط شعرها باستحياءٍ من نظراته الجريئة اليها وقبلته الصباحية..

فتح عينيه بتعبٍ شديد وهو لا يرى الا الظلام حليف تلك العينين التي اعتادت عليه، وجده يجلس لجواره، يتمسك بيديه والقلق جلي على تعابير وجهه، فتساءل في اهتمامٍ:
أنت كويس يا عمي؟.
بلل شفتيه الجافة بلعابه وهو يجيبه بصوت يكاد يكون مسموع:
أنت هنا من أمته يا سليم؟.
أجابه في حنوٍ:
من لما الدكاترة كانوا عند حضرتك...
ثم قال في عتابٍ:
ليه خبيت علينا تعبك يا عمي..
رد عليه طلعت بعدما سعل بقوةٍ كادت بشق صدره:.

مش عايز حد يعرف يا سليم، عايز الكل يعرف عن طلعت زيدان ان مفيش حد قدر يهزمه حتى لو الحقيقة كانت انتصار السرطان...
تمسك بيديه وقد اختلجته عاصفة من المشاعرٍ الغريبة:
متقولش كده يا عمي هتقوم وهتقف على رجليك من أول وجديد..
ابتسم في ألم وهو يتابع حديث ابن اخيه الذي بحمل معاني التفاؤل التي لطالما كانت منقرضة من قاموسه فقال بوهنٍ:
أنت سبت عروستك وقضيت ليلتك هنا!.
ارتسمت بسمة ساخرة على وجهه فقال ممازحاً:.

صدقت أن في حد باصصلي في الجوازة دي!.
تعالت ضحكاته المصاحبة لسعلٍ حاد، فقال محاولاً التماسك: .
طول عمرك حنين وبتفكر في غيرك يا سليم..
وبحزنٍ شديد قال:
طالع لأبوك الله يرحمه، كنت بتمنى أكون في ربع طيبته وحبه لغيره بس الشيطان كان متغلب مني مشوفتش الا السلطة والقسوة اللي تخليني أحكم وأتحكم من غير ما حد يقفلي وبدل ما اعلم ابني ان ده غلط خليته نسخة مني بس الحمد لله انه فاق قبل فوات الاوان...

ظل متماسكاً بيديه فقال ببسمته المشرقة:
اللي فات عمره ما كان حساب نتحاسب عليه يا عمي، اللي جاي هو الاهم وهو اللي نقدر نغيره ونتحكم فيه..
ربط باصابعه على يديه المتمسكة به قائلاً بتأييد:
صح...
ثم قال بلهجةٍ حازمة:
أنا بقيت كويس، يلا روح لعروستك وحطها في عنيك من جوه والا مش هيحصلك طيب..
تعالت ضحكات سليم على النصائح التي يتبعها تهديدٍ صريح فقال بمزح:.

انت تؤمر يا حمايا، أنت والعروسة وأخوات العروسة جوا نن العين..
أتاه صوت عابس من خلفه:
وأم العروسة فين من الحسبة دي؟.
استدار برأسه ليجد نجلاء تقف من خلفه، حاملة أكواب من العصير البرتقال الطازج، تناول منها الصينية ليضعها على الطاولةٍ قائلاً ببسمة هادئة:
أنتِ فوق الراس..
كبت طلعت سعاله ثم قال بغضب مصطنع: .
لا لحد هنا ومتشكرين، يلا قوم من هنا وروح لعروستك وسيبني انا كمان القط رزقي..

نهض عن المقعد وهو يشير بيديه بخوفٍ مصطنع:
على الله حكايتك يا عمي...
وغادر على الفور بعدما تسبب في صنع البهجة على الوشوش غادر لعروسه الحزين التي تترقبه بلهفةٍ وإنكسار من تركه لها في ليلة كهذة، تركها تعيد حساباتها بأي ذنبٍ اقترفته ليتركها طوال الليل تعاني من حدة التفكير الذي القى بها لعدة مطافات مؤلمة!.

عندما تسرب لمسمعه موت عمران بتلك الطريقة الشنيعة، ترك مصر وغادر سريعاً لكندا ليكون له العون من اللعناء الذين قدم لهم الولاء طوال فترات عمله الدنيء، جاب الغرفة ذهاباً وإياباً وجسده يرتجف من القادمٍ، فهو يعلم جيداً ما يستطيع الجوكر فعله، فتح باب غرفته ليتأكد أكثر من مرةٍ، من أن الحرس تطوف بغرفة نومه كالأسود التي تستعيد لأي فريسة قد تهاجم بأي وقت، فقال بلهجةٍ تشجعية لمجهودهم المبذول وليحثهم على ابداء أفضل ما لديهم:.

عايزكم مصحصحين اي حد يقرب من الفيلا إقتلوه فوراً..
أومأ الحارس برأسه وهو يبلغ تعليماته لحرس البوابة عبر الجهاز اللاسلكي..

على بعداً من بوابة القصر، وقف يتأمل الحرس المتوغل بمساحات الفيلا الشاسعة ببسمةٍ ساخرة، يقال ان الظالم يخشى حتى من نسمة الهواء فيظنها قاتلة أما الصالح فيخطو بصدرٍ رحب وهو يعلم بأن احداً لن يمسه بالسوء الذي لم يرتكبه لأحداً، اخرج مراد سلاحه من خلف ظهره ليربط به كاتم الصوت ببراعةٍ، ثم تسلل ليدلف للداخل دون إن يشعر به أحداً، قاتل كل من طالته يديه حتى بات الوصول لغرفة الوزير المزعوم سهل للغاية، طرق على باب غرفته فاستمع صوته قائلاً:.

ادخل..
ابتسم ساخراً ودفع الطاولة المتحركة الذي كان الخادم على وشك دفعها للداخل، فوجده يقف امام الشرفة وهو يتفحص بذعرٍ الحرس الذي بات لاوجود لهما، فاستمع للصوت القادم من خلفه:
عايزها سادة ولا زيادة...
استدار بجسدٍ مرتجف للخلف ليجد الجوكر أمام عينيه، بطالته المقبضة وكأنه زفاف موته، قامته المنتصبة وسلاحه المتمسك به، رفع مراد فنجان من القهوة لفمه، فتذوقه بأعجابٍ:.

لا حلو، ابقى فكرني أسأل الخادم عن نوع البن..
ثم وضعه من يديه ليقترب منه، فوقف أمامه وهو يقابله ببسمةٍ ساخرة:
حارس ورا حارس علشان يقدمولك حماية من موت مكتوب عليك!.
وسلط سلاحه مقابل عينيه فارتجف خوفاً وهو يشير له:
بلاش يا مراد، مش هتكسب حاجة بموتي، بالعكس أنت كده هتعادي الناس دي وهتدخل معاهم في عداوة مفيش خروج منها..
أجابه بصلابةٍ ونظرة لا خوف يقبع بداخلها:.

متقلقش أنا مش هرجع مصر الا وهما محصلينك أنت وعمران..
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة وهو يبحث عن حجة يستميل عاطفته فقال:
طيب وحنين لما هتعرف انك قتلت ابوها صدقني مش هتسامحك..
رمقه بنظرةٍ مقبضة وهو يسأله باستحقارٍ:
حنين!، هو انت لسه فاكر أنها الشماعه بتاعتك!، أنا كنت طول الوقت مستغرب أزاي أنت كوزير مش قادر تحمي بنتك!.

وليه اختارتني انا اللي احميها اتاريك كنت خايف من الشوشرة وان العيون تتسلط عليك ويعرفوا ثروة سيادة الوزيز جاية منين!، أنت مكنتش خايف على بنتك الوحيدة أنت كنت خايف على مصايبك السودة اللي بتعملها من تحت الطربيزة..
وسلط سلاحه في مقابله قائلاً بعنفٍ:.

استغليت صداقتي بمصطفى علشان تحقق هدفك المريض، تفضل في الخفا بحجة حماية حنين، تتخلص من ولاد اخوك اللي هيسلطوا النور على شغلك الوسخ، متقلقش حنين لو عرفت حقيقتك هتشكرني على اللي هعمله فيك..
انحنى بقدميه ارضاً وهو يتصنع حزنه الشديد فقال بدموع زائفة:
ابوس ايدك يا مراد سيبني اعيش أنا خلاص ندمت على اللي عملته ومش همشي في الطريق ده تاني صدقني..

استدار وهو يتأمل شرفته ليلتقط انفاسه بتثاقل وتلذذ بسماع من لا يرحم يطلب المغفرة، استغل الوزير كونه يتطلع للخارج ويوليه ظهره فاسترسل حديثه وهو يفتح درج خزانته ويخرج سلاحه الصغير قائلاً بخداعٍ:
انا لازم اعترف على نفسي وعلى الكلاب دول وأتأسفلك أنت وحنين..

ووقف على قدميه سريعاً ليسلط سلاحه على من يوليه ظهره وعلى صوت الطلق الناري المكان، ليغرق الدماء الأرضية ومن ثم تبعه جثمان سيادة الوزير الذي حظى بالرفاهية على حساب فتيات ابرياء، سقط ارضاً ضريعاً والصدمة ساكنة في حدقتيه ظنه بأنه بموقف قوة ولكن لم يرى دهاء الجوكر الذي يحسب خطواته بأنصات، أخرج مراد سلاحه المصون من خلف جاكيته، ليضعه خلف ظهره ثم بقى واقفاً أمام الشرفة كما هو، قتله باصابة موفقة دون أن يتطلع للخلف فآذنيه كافيلة بحساب خطاه وصوته كان منارة هدفه، بقى يتأمل المساحات الخضراء من حوله لدقائقٍ ثم استدار ليلقي نظرة بطيئة على جثمانه ليبصق عليه قائلاً بغضب:.

كلب، خاين...
وتركه وغادر من محله ليستعد لاكبر حرب سيخوضها ليحرر فطيمة، وليحرر ذاته المقيدة..

ولج لداخل جناحه، فبحث عنها بأهتمامٍ فوجدها غافلة على الأريكةٍ بفستان زفافها الأبيض والدموع مجلدة بعينيها المغلقة، انحنى على قدميه ليضع يديه على يدها بصدمةٍ:
ريم!.
فتحت عينيها بتثاقل ثم استفاقت فأستندت بجذعها على حافة الأريكة لتجلس باستقامةٍ، وعينيها تتحاشى التطلع اليه، جلس لجوارها وهو يسألها بدهشةٍ:
أنتِ نمتي هنا؟.

تجنبت التحدث اليه وقد خانتها دمعاتها، فقال بحزنٍ على عقله الاحمق الذي لم يفكر بها طوال الساعات الماضية:
أنا أسف يا حبيبتي جالي تليفون مهم ونزلت وانشغلت خالص معرفش ازاي!.
التفت تجاهه وهي تكرر كلامه بألمٍ:
انشغلت!، أنت عارف أنا طول الليل بفكر في أيه؟!، أنت عارف يعني ايه عريس يسيب عروسته يوم الفرح وبفستانها، أنت عارف أنا كنت بفكر ازاي وبحاول أوصل لأيه..

دمعاتها نغست خنجر بقلبه، فأزاحها بيديه سريعاً وهو يتمنى الا تبكي في حياتها قط فتقتله بالبطيء، قربها اليه ثم احتضنها عنوة قائلاً بندمٍ: .
عندك حق أنا فعلاً غلطان مكنش ينفع امشي كده بس أنا عارف أن قلبك كبير وهتسامحيني...
دفعته بعيداً عنها قائلة بقسوةٍ:
مستحيل..
ابتسم وهو يقترب منها بنظرة ماكرة:
لا هتسامحي. علشان بتحبيني...
وبتوتر قال:
وبعدين ده صديق ليا كان مريض ومالوش غيري يرضيكِ اسيبه يموت!.

تطلعت له بنظرة لين، فقالت بارتباك:
تعبان ماله..
صمت قليلاً يفكر بالامر ثم قال:
تعبان يا ريم واتصل بيا وأنتِ عارفاني مش بتخلى عن حد..
هدأ قلبها العاصف، فقربها اليه وهو يقول بخبث:
لسه زعلانه؟.
ازاحت دموعها وهي تشير له بلا، فازاح فستانها الفاصل بينه وبينها قائلاً بضجر:
كويس، بس أنا فكرت هرجع القيكي لابسة حاجة كده من اللي عليها العين مش لسه بفستان مساحات الاراضي الزراعية ده..
رمقته بنظرةٍ غاضبة فقال:.

ريم هما مخيطين ليكي مراوح طويلة في بعض ولا ايه، اصل الفستان محتاج اربعة معاكي يشلوه..
ثم حك مقدمة رأسه بمشاكسةٍ:
هو المفترض لإني اللي طاوعتك واشتريته فأساعدك تتخلصي منه..
علمت ما يود فعله بكلامه الخبيث فتراجعت للخلف وهي تشير له بتحذيرٍ:
سليم، لأ...
ابتسم بمكرٍ وهو يجيبها:
كله لأ لأ كده أما هيبقى آه وموافقة أمته؟.

كفت عن الحديث حينما قاطعها هو ليخطفها لعالم خاص، استوقفها على بابه عدة مرات خشية عليها من ان يقتص فرحتها ولكن اليوم لا تراجع ولا مزيد من غلق الابواب بل فُتحت بترحابٍ لها، لعشقها الخاص..

بقسم الشرطة..
وبالأخص بمكتب رحيم زيدان.
راقب العقد الموضوع من أمامه وورقة مراد بتركيزٍ، ليدفعهما بغضب وهو يردد بضيقٍ:
أكيد في مغزى من الطوق والرسالة دي، عقلي هيقف من التفكير...
وفجأة ولج الشرطي ليعلمه بقدوم الضيف المميز لقسم الشرطة فسمح له بالدخولٍ، ولج للداخل بقامته وطالته الخاطفة ليقف من أمام مكتب رحيم زيدان قائلاً ببسمة صغيرة: .
كنت متأكد إنك هتحتاجلي في يوم!

نهض رحيم وهو يقدم يديه اليه ليتبادل السلام قائلاً بغموضٍ:
والوقت ده جيه يا عدي..
ثم قال وهو يشير له:
اتفضل اقعد..
جلس المقدم عدي الجارحي على المقعد المقابل له فأنضم اليه رحيم ليجلس مقابله متسائلاً بلهفةٍ:
ها طمني عملت أيه؟.
أجابه عدي بنظرةٍ غامضة:
للأسف الاخبار اللي عندي مش في صالح مراد!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة