قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس

وجوده بغرفتها وأمام عينيها كالكابوسٍ بالنسبة إليها، وجود يوسف لجوارها منحها بعض الطمأنينة وإن كان بداخلها خوفٍ يهزم ثباتها المخادع على ملامحٍ وجهها، سحبت نظراته الغامضة تجاه يوسف، شملته نظراته وهو يبتسم قائلاً بمحبةٍ غريبة بالنسبةٍ لشجن: .
أنت يوسف صح؟..
وزع نظراته بين شجن وبينه باستغرابٍ، فأجابه بفتورٍ:
أيوه أنا، وحضرتك أكيد والد نغم...

تحرك طلعت ببطءٍ تجاه فراش شجن متعمداً أن يحدجها بنظراته المخيفة بين الحين والأخر حتى وهو يرد عليه:
كان عندي فضول أشوف الشاب اللي سرق قلب بنت طلعت زيدان، ومش أي بنت، يعني لو كانا ريم كان الموضوع هيكون مش صادم بالنسبالي لكن نغم شبه مستحيل...
انتصب يوسف بوقفته ليتساءل باهتمامٍ:
ليه؟..

جذب طلعت المقعد المجاور ل شجن ليجلس على مقربةٍ منها، فسعلت بشدةٍ والإرتباك يتقمص دوره بحرافيةٍ على تعابيرها، منحها نظرة عميقة جعلت جسدها يرتجف رعباً، تعمد الصمت لفترةٍ قبل أن يجيب يوسف:
نغم عنيدة وصعب تحب حد الا لو كان يستاهل...

طالت نظراته المسلطة تجاه شجن، وكأنه يتعمد إخافتها، رفع يوسف هاتفه مقابل وجهه، ليجد رسالة منها تخبره بها بأنها بأنتظاره بغرفتها لتريه شيئاً هام، فوضعه ببنطاله وهو يهم بالمغادرة مودعاً شقيقته ببسمةٍ هادئة:
حبيبتي أنا هروح اشوف نغم عايزة أيه وهرجع الشغل عشان صاحب المطعم على اخره مني...
أومأت برأسها بهزات إجبارية، فكاد للمغادرة، فتوقف محله حينما استدار طلعت بجسده تجاهه وهو يتساءل في اهتمامٍ:.

أنت بتشتغل أيه يا يوسف؟..
رد عليه بملامحٍ شبه عادية:
الصبح في النقاشة وبليل في مطعم...
رسمت على وجهه بسمة إعجاب فطرح سؤالٍ أخر فضولي:
أنت متخرج من كلية أيه؟.
أجابه بتلقائية ودون الحاجة لتزين ما سيقول بل يعده وسامٍ يفنخر به:
خرجت من التعليم من زمان، اللي زينا مبيهمشوش التعليم اد ما بيهمه بيدخل أيه وكام عشان يقضي يومه من غير ما يحتاج لحد...

وودعه ببسمة ثقة فيما إختاره، ثم خرج ليتجه لغرفة نغم، استغل طلعت بأن الغرفة صارت تجمعه بها بمفردها، فسلطت نظراته الحادة تجاهها وهو يقول بغموضٍ مخيف:
حمدلله على سلامتك...
لعقت شفتيها بإرتباكٍ قاتل وهي تحاول التحكم في ثباتها، وجوده هنا وبهذا الوقت بالتحديد غير مفهوم بالمرةٍ، باتت تعلم بأن هناك أمراً غامض من زيارته المخيفة فقالت بصوتٍ يتراقص توتراً:
الله يسلمك...

رسمت على شفتيه بسمة مخيفة، فلف وجهه تجاه باب الغرفة ليتأكد بأنهما بمفردهما، ثم تمتم بصوتٍ منخفض سمعته جيداً بعدما إنحنى بمقعده ليكون قريباً منها للغاية:
خلي بالك بعد كدا، المرادي رقبتك إنكسرت الله أعلم المرة الجاية هيحصلك أيه، فخليكي حريصة أكتر من كدا لأن وجودك في قصر طلعت زيدان ملان بالخطر اللي إنتي محبتيش تتفاديه ببعدك عن المكان دا وعن ابنه...

صعقت من تهديده الصريح والمباشر إليها، فجف حلقها المرير وهي تستمع إليه، تسلل لمسمعه خطوات أقدام تقترب من الغرفة فأعتدل بمقعده وهو يشيعها ببسمة شيطانية مخيفة، ولجت نجلاء للداخل، فتعجبت للغاية حينما رآته يجلس جوارها، برقت حدقتيها في ذهولٍ وهي تردد بتعجبٍ:
طلعت!، بتعمل أيه هنا؟..
أبعد نظراته التي تخترقها عن وجهها ليتطلع إلي زوجته وهو يجيبها بهدوءٍ زائف رسم على وجهه:.

هكون بعمل ايه يعني يا حبيبتي، سمعت باللي حصلها وقولت أجي أشوفها مش دا الواجب ولا أيه؟.
عبثت بملامحها بضيقٍ، وكأنها لا تصدق حديثه وخاصة بعد ان إختطفت نظرة سريعة لوجه شجن الشاحب، نهض عن مقعده وهو يغلق أزرار قميصه ليستقيم بوقفته المهيبة وهو يغادر غرفتها بعدما ودعها بنظرة تصاحبها تلك البسمة المخيفة التي إهتز جسدها تاثراً بها، إنسحبت نجلاء خلفه على الفور، فلحقت به وهي تناديه بصوتها الشرس:
طلعت...

وقفت من أمامه وهي ترمقه بنظراتٍ حادة، قطعتها بقول:
عايز أيه من أشجان يا طلعت؟.
الشكوك التي تملأ عينيها تجاهه كانت كفيلة بنسب تهمتها إليه كونه يود أن يختبر ابنه نفس التجربة التي قاسها كلاً منهم، أوضح ببساطةٍ ونظراته المحذرة تخترقها:
هكون عايز منها أيه يعني يا نجلاء، قولتلك جيت أعمل الواجب لما عرفت اللي حصلتها يبقى خلصين...

وتركها محلها حائرة، تتأمله بشكوكٍ تغرقها ببئر من الإحتمالات التي نجح العقل بتدونيها...

طرق على باب غرفتها ثم أرهف السمع لإذنها بالدخولٍ، وحينما تأخرت بمنحه الاذن ولج لغرفتها وهو يبحث بعينيه عنها، رفع صوته المنادي بأسمها:
نغم، نغم...

كالفراشةٍ هي، حملت طرف فستانها الأبيض ثم خرجت من حمام الغرفة لتقف من أمامه، تعلقت عينيه بها فتجمدت عليها وكأنها تهوى رؤياها، شعوراً مربك استحوذ عليه وهو يراها عروس من أمامه، ابتسمت نغم برقة وهي تراقب مكنون نظراته الهائمة بها، استدارت بفستانها بفرحةٍ وهي تهمس بصوتها الخافت:
ها أيه رأيك؟..

ليته طفلاً صغير يتعلم الكلمات فيكون هناك أمل لتعلمه النطق ولكنه بحالة غريبة، يجهل الكلمة المناسبة ليعبر عما ينبع باوصاله تجاهها، شوقه ورغبته بها كانت تدفعه للإفتراب وشهامته توقفه صفعاً برجولته التي تحتمه على البقاء بعيداً لحينما تصبح بمنزله الخاص، بصعوبة بالغة تحررت الكلمات على لسانه وهو يسألها بثباتٍ:
أيه دا؟..
انزوى حاجبيها بضيقٍ من سؤاله الغير منطقي، فقالت بتذمرٍ:
فستان وأبيض هيكون أيه؟!..

اخشونت نبرته وهو يستكمل حديثه بحدةٍ:
يكون زي ما يكون بس مش هتلبسي الفستان دا...
وكاد يوسف بمغادرة الغرفة حتى لا يستسلم لهمسات عشقه النابض بشراسةٍ بين ضربات القلب، عبثت بملامحها فركضت سريعاً لتقف امام باب غرفتها لتمنعه من الخروج وهي تتساءل بغضب:
لأ، ليه يا يوسف!..
تطلع لذراعيها العاري فتطلعت لذاتها بالمرآة وهي تبتسم بمكر متعمدة ان تهز كتفيها بدلال:.

لا الفستان لسه مش كامل متخافش محتشم، أنا بس اللي قولت مالوش داعي اخنق نفسي وأنا بقيسه قدام جوزي...
ضيق عينيه بخبثٍ من دهائها فقال بعنادٍ يغلبها:
محتشم مش محتشم أنا قولت عليه لأ يعني لأ...
ثم دفعها برفق وهو يضيف بإستياء:
وأوعي بقى كدا صاحب المطعم هيطردني...
تمسكت بذراعيه وقد بدى الحزن يتقمص دور البطولة على ملامح وجهها التعيس:
بس أنا عايزة البس الفستان دا يا يوسف...

عاد ليقف من أمامها من جديد وقد تملكه الغضب بكافةٍ السبل، فوضع يديه بجيوب جاكيته وهو يحدجها بنظرة قاتمة طافتها من رأسها لاخمص قدميها ليختمها بقوله الساخر:
أممم مش عايزة غير دا!، هو فعلاً شكله شيك وغالي يعني عحبك فعشان كدا مش مستعدة تلبسي اللي جوزك جبهولك لأنه مش من مستواكِ يمكن يكون أرخص من دا ومش من مقامك تظهري بيه نظريتي صح ولا غلط؟..
وفتح الباب من أمامه وهو يشيعها بنظرةٍ حادة:.

كنت غلطان لما إفتكرت إنك ممكن تتغيري يا نغم...
وتركها وكاد بهبوط الدرج الجانبي، ليستمع لصوتها اللاهث، استدار ليقف من أمامها، فقال بصرامةٍ مبالغ بها:
لسه في حاجة تانية!..
وقفت باكية من أمامه فقالت بدموعٍ تدفقت على وجهها:
أنا مكننش أعرف أنك هتجبلي فستان ولما بعتهولي معرفتش اقولك إني مش هلبس غير دا خوفت تزعل مني...
رفع عينيه تجاهها وقد إستنزفت طاقة تحمله، كور يديه وهو يجز على أسنانه حتى برزت عروق رقبته:.

متستفزنيش يا نغم...
فتحت يدها لتقدم له صورة قديمة، وهي ترمقه بنظرة معاتبة لتضيف قبل أن تحمل فستانها وتغادر:
انا وعدتها أني هلبس فستانها يوم فرحي عشان أحس بوجودها جانبي...

وتركته يتأمل ما بيديه لتسرع بخطاها عائدة لغرفتها، تقوس حاجبيه بذهولٍ حينما وجد صورة سيدة ترتدي نفس الفستان الذي ترتديه نغم ولجوارها كان يقف شابٍ صغير بالعمرٍ يحمل نفس ملامح فريد فعلى ما يبدو بأنه طلعت زيدان، ارتسم الضيق على ملامح يوسف الذي تيقن بأنها ترتدي نفس فستان والدتها الراحلة، صعد خلفها من جديد بخطواتٍ حرجة، مترددة لما فعله، فتح باب الغرفة ليجدها ممددة على الفراش تبكي بقهرٍ على تعمده بجرحها بكلماته المتكررة، إقترب منها بهدوءٍ ثم جلس جوارها ليرفع يديه على ذراعيها، قائلاً بحزنٍ على جرح لا يعلمه سوى من حرم من نعمة الأم والاب:.

أنا إتسرعت بكلامي مكنتش اعرف إنه فستان والدتك...
وبآسفٍ شديد قال وهو يجذبها لأحضانه:
معلشي حقك عليا مقصدتش أجرحك والله أنا إفتكرت إنك آ...
ثم بتر كلماته بتردد من النبش بما حدث، فقال ببسمة لبقة وهو يتأمل الصورة بين يديه:
على فكرة أنتِ شكلها جداً..
رفعت عينيها إليه بأبتسامةٍ جميلة وهي تتطلع للصورة بين يديه ورأسها مستند على صدره الصلب:
أه، عارفة أنا و مراد شكل ماما بالظبط...

رفع حاجبيه بإعتراضٍ على حديثها بمقارنتها:
لا أنتِ أحلى...
ابتسمت وهي تتطلع له بدلالٍ:
قول حاجة معرفهاش...
سألها بلهجته الساخرة:
تكبر دا ولا برضه فهمتك غلط...
فردت فستانها على الفراش بحرصٍ شديد وهي ترمش بكبرياءٍ:
لا فهمتني صح يا جو...

ابتسامة ساحرة تسللت لشفتيه المحاطة بلحية نابتة منحته مظهر رجولي، تبدلت ملامحه للصدمة حينما خطف نظرة سريعة لساعة الحائط، فدفعها بقوةٍ على الفراش وهو يركض تجاه الباب قائلاً بضيقٍ شديد:
صاحب المطعم هينفخني الله يحرقك أنتِ وفستان أمك في يوم واحد...
وهرول سريعاً من أمامها لتتساقط على الفراش بأهمالٍ من فرط ضحكتها على مظهره المضحك...

إنساب الدمع الحارق من حدقتي عينيها، تهديده الصريح لها جعل جسدها ينطوي رعباً من مصيرها البائس بقصره اللعين، نعم مازالت تحتفظ بورقة طلاقها التي تعد تحرر لعلاقتها بمعشوق الطفولة، ولكنها استفاقت من غفلتها الحمقاء فحينما تمسكت به بكل ما أوتيت من قوةٍ تقف كل الظروف عائق من أمامها لتفرق بينهما عن عمداً، حتى هو حينما كان قريب على بعدٍ صغير منها لم تشعر به ولا بمشاعره المرهفة، وحينما أزاحت غيمة قلبها السوداء، طالبت بكامل حقوقها به كونه زوجها ومن الصعب تركه أو التفريط به، حينها ظهر طلعت زيدان يهددها بحياتها، ربما كانت بوقتٍ سابق ترحب بأجنحة الموت ولكنها الآن لا تريده!.

بحاجة لفرصةٍ، بحاجة للإعتذار، للبكاء على صدره وهي تطالبه بأن يغفر لها ذنبها الفادح، ضمت شجن ركبتيها لصدرها لتخرج عن نوبة بكائها الصامت ببكاءٍ يعلو صوته فيخترق قلب من يشاهدها عبر جهاز الحاسوب بألم إخترق قلبه كالسهام المشتعلة بالجمر، يعيد الفيديو المسجل ألف مرة حتى يتمكن من سماع ما قاله أبيه لها حينما إنحنى بجسده عليها، صوته المنخفض من الصعب سماعه؛ ولكن حالتها المخيفة ربطت الخيوط من أمامه حتى وإن لم يصل للحقيقةٍ كاملة ولكن دمعاتها تكفي لأبادة حرب متكاملة كونه أزعجها حتماً بقولٍ أو فعل...

رفع رحيم هاتفه وترقبه لسماع صوت من يطلبه يجعل كالأسد الذي يترقب القضاء على فريسته الضعيفة، أتاه صوت حازم بعد قليل فقال بنبرة تعلو صدى غضبها بالأرجاء:
أنا مش نبهت عليك أن طلعت زيدان ميدخلش اوضة شجن لأي سبب من الأسباب!.
الغلطة عندي بموتة يا حازم وأنت عارف كدا كويس أنت مش احسن من اللي إشتغلوا معايا قبل كدا، لو ابوك نفسه مات متتنقلش من مكانك...

وريني فعل مش كلام أنا اللي يشتغل معايا يكون صاحي وواعي لكل كبيرة وصغيرة أنت فاهم!..
وأغلق هاتفه ليلقيه على الطاولة بعصبيةٍ بالغة، مسد على شعره الطويل بغضبٍ جامح، فألقى حاسوبه أرضاً وهو يهدر بصوتٍ مخيف: .
لسه عايز أيه تاني!..
زفر الهواء الثقيل عن صدره وهو يتوعد له بعينين تشع شرار:
فاكرني عشان بعيد عنها إنها كدا بقت تحت رحمتك، تبقى لسه متعرفش أنت زرعت جوايا أيه...

وإنطفأت زيتونية عينيه لتحتلها هالة مخيفة تكاد تحرق الغرفة من حوله، طافت نظراته الأرجاء فاهتدت لصورتها الباكية على شاشة حاسوبه الملقي أرضاً بإهمالٍ، جلس رحيم جواره ثم قربه إليه ليلامس بأصابعه شاشته، الألم ينبعث بداخله وهو يرى دمعاتها تنهمر بعجزٍ، مرر أصابعه على وجهها وكأنه يزيح ما علق باهدابها، ليتها تعلم كم يعشقها، ليتها تعلم فرحته بتمسكها به وبقائها بقصره على أمل عودته، ليتها تعلم كم سر وهو يتابعها تتطلع للورقة التي تحمل نهاية لعلاقتهم، ليتها تعلم كم يتمنى من أعماق قلبه ان لا توقع إسمها جوار إسمه، هو يشعر بالإرتياح كونها وضعت إسمها ام لأ فهناك سراً خفي متعلق بورقة الطلاق ولكن هل بالفعل لاحظته هي!..

ترددت كثيراً بأن تقترب منها لتسألها عن حالها، لسانها السليط يضع ألف حاجز وحاجز بينهما، لعقت ريم شفتيها بإرتباكٍ وهي تقترب منها، فقربت شريط الدواء منها وهي تقول بتوترٍ:
عرفت من سما إنك عندك صداع، الحبوب دي كويسة بتريحني لما بكون تعبانة...
استندت منة بجذعيها على حافة الفراش، لتستقيم بجلستها وهي تتطلع لها بنظراتٍ مبهمة، سحبت ريم ذراعيها بحرجٍ وهي تمتم بخجل:.

لو خايفة منها ممكن أخد حباية قدامك انا أساساً عندي صداع من المذاكرة وقرف الإمتحانات...
وجدتها تتطلع لها بصمتٍ، فوضعته على الكومود من جوارها وهي تتجه لفراشها قائلة بيأس:
عموماً براحتك، تصبحي على خير...
وتمددت على السرير الصغير ثم داثرت ذاتها جيداً وعينيها تتابعها بحذرٍ، نهضت منة عن الفراش ثم جذبت شريط الدواء لتتناول منه حبة بكوبٍ من المياه لتمدد على فراشها قائلة دون النظر إليها: .

هخاف منك ليه هو أنتِ بتعرفي تأذي نملة!.
ابتسمت ريم بفرحة، فهرعت لتتمدد جوارها على سريرها قائلة بأبتسامة عريضة:
اه والله غلبانة، ومستغربة انتي ليه اخدة مني الموقف دا وأنا ملاك...
ابتسمت منة وهي ترآها تتمدد جوارها فقالت ممازحة إياها:
أنتِ ما صدقتي ولا ايه؟..
قالت ببسمة هادئة تدعي الحزن المصطنع: .
لو مضيقة هقوم انام على سريري واسيبك بقى تعيشي دور العمة اللي شايفه نفسها على مرات أخوها الغلبانة...

منحتها نظرة مشككة وهي تضيف:
أنتِ الغلبانة دي!..
هزت رأسها بتأكيدٍ فتعالت ضحكاتهم معاً بسعادة تفتح طريق المودة فيما بينهما لأول مرة..

تفحصت سارة الملابس من أمامها بصدمةٍ أصابتها فقدان النطق بينما تتابعها سلمى ببسمةٍ خبيثة، ألقت ما بيدها بوجهها وهي تسألها في ذهولٍ:
يخربيتك أيه اللي أنتِ جايباه دا؟!..
أزاحت سلمى قطع الملابس الصغيرة التي أصابت وجهها بحرافيةٍ وهي تردد بخوفٍ مما ستفعله بها:
متقلقيش جايبة من كل نوع اتنين واحد ليا وواحد ليكي، الفرح قرب ولازم نستعد..

اتسعت حدجتيها بدهشةٍ عظيمة، فألتقطت أحداهما وهي تشير لها في انفعالٍ شديد:
أنتِ فاكرة إني ممكن ألبس اللبس دا وأمشي قدام ريان بيه!..
رفعت سلمى شفتيها في سخطٍ وهي تلوح لها بذراعيها:
وأنتِ هتلبسيه قدام حد غريب يا هبلة، دا جوزك يا ماما...
ألقت سارة الحقيبة أرضاً وهي تهدر بها بعصبيةٍ وتحذير:.

اسمعي يا بت أنتِ، تلبسي اللي أنتِ عايزاه إن شالله متلبسيش خالص لكن أنا No يا حلوة، مالكيش دعوة بيا، بلاش قلة أدب ياختي أما هتلبسيله كدا في أول الجواز أمال بعد كدا هتلبسيله أيه ياختي...
وتوجهت لفراشها وهي ترمقها بنظراتٍ حادة، تعالت ضحكات سلمى وهي تتابع ما فعلته لتو فهمست بصوتها الخافت:
مجنونة دي ولا ايه؟!..

هرول للأعلى سريعاً بعدما إستبدل ملابسه بزي المطعم الخاص، أسرع تجاه الطاولة وهو يجذب الورقة ليدون ما يريده الزبون قبل ان يلاحظ المدير تأخره الملحوظ، تجهمت ملامح وجهه بيأس حينما رآها يشير له من خلف زجاج غرفة المكتب، فأشار يوسف لزميله بأن ينوب عنه بينما توجه هو للأعلى ليمنح ذاته الصبر لتحمل ما سيستمع إليه، ولج للداخل بعدما طرق باب المكتب فقال بشكلٍ مباشر:.

يا فندم انا عارف إني اتاخرت بس كان عندي ظروف والله أكيد مش هتأخر بدون ما يكون سبب مهم...
نهض المدير عن مقعد مكتبه وهو يقترب منه ببسمةٍ واسعة للغاية، كانت غامضة بالنسبة ليوسف فهو معتاد على الشجار المتبادل بينهما، إقترب ليقف بمحاذاته وهو يشير له بيديه:
لأ، أنت تأخد راحتك وتيجي بالوقت اللي تحب مهو المكان بقى ملكك خلاص..
تعجب من لهجته الغريبة، وخاصة الجزء الأخير منه، فقال بتذمر:.

لو حضرتك جايبني هنا تتريق عليا عشان تأخيري فأرجع شغلي أحسن...
وكاد بالمغادرة لعمله حتى لا تسوء الامور بينهما كونه رجلٍ لا يقبل الإهانة بكافة السبل، أوقفه المدير وهو يجذب الأوراق من أعلى مكتبه:
إستنى بس، الورق أهو هتريق عليك ليه، المطعم بقى بتاعك بيع وشرا...
تناول الاوراق الممدودة بيديه بحاحب مرفوع، فتنقلت عينيه على محتوى الاوراق بصدمةٍ حقيقة، فتساءل بدهشةٍ:.

إزاي!، أنت بتقول ايه، ومين اللي دفعلك المبلغ دا كله؟..

أشار بيديه تجاه الطاولة المنعزلة بأخر الرواق الطويل، حيث كان يقبع أحداهما على المقعد، إشرأب يوسف بعنقه ليتمكن من رؤية وجهه ولكنه كان يدير ظهره تجاهه، فخرج من مكتب المدير بملامحٍ مشتتة ليتوجه للطاولة المنشودة، مع كل خطوة كان يقترب منها منها كانت الملامح المبهمة تغدو أكثر وضوحاً ليرى طلعت من أمامه، وضع يوسف الملف من أمامه ثم جلس على المقعد المقابل له، ليتأمله بقليل من الصمت إنتهى بسؤاله الثابت:.

ليه؟..
إرتشف طلعت من كوب العصير الطازج من أمامه بهدوءٍ، ليجيبه على ما قيل ببسمةٍ غامضة:
عشان لما تحب تخرج لمكان تخرج من غير إستأذان من حد.
وبهمسٍ مازح قال: .
وأهو مفيش صاحب محل هينفخك ولا هيكلمك...
رسم بسمة جادة على وجهه، فدفع بأصابعيه الملف ليكون أمامه، مضيفاً بكلماتٍ مناسبة:
ميلزمنيش مكان مشترتوش بتعبي وبدراعي...

تعمق بالتطلع إليه، ثم دفع الملف ليستقر من أمامه من جديد وهو يحك طرف انفه ليبدأ بالحديث الجادي:
شوف يا يوسف أنا مبختبرش شهامتك ولا رجولتك لإني لو مكنتش متأكد مليون في المية إنك الراجل اللي أقدر أمنه على بنتي مكنتش إستسلمت إن الجوازة دي تكمل، يمكن كلام نجلاء عنك وصلني جزء من شخصيتك وكلامي معاك وصلني الجزء التاني...

شخصية طلعت زيدان غامضة بالحد الذي استرعى قلق يوسف وتردده وخاصة حينما نهض طلعت بعدما ارتشف محتويات الكوب مرة واحدة ليشير له بأصابعيه قبل مغادرته:
إنت تستحق الفرصة دي يا يوسف...
وترمه بحيرةٍ من أمره ثم قصد الدرج الخارجي للمطعم الضخم ليستقبله سائقه الخاص بفتح باب السيارة الخلفي، فجلس بالخلف ونظراته مسلطة على يوسف الجالس محله بإرتباكٍ...

بالأسفل...
وضع الخادم أكواب العصير الأربعة على الطاولة المستديرة التي تضم سليم، جان، ريان، آدم...
إلتقط آدم الكوب وهو يرتشفه ببطءٍ شديد وأذنيه تستمع لوجهات النظر المختلفة فيما بينهما فقال: .
أنا من رأيي نستنى لما رحيم يرجع مصر وبعدين نعمل الفرح بلاش نتسرع نستنى شهر أو شهرين مش مشكلة يعني...
رد عليه جان بحدة:
يا بني حد قال إننا هنعمل فرح من غيره هو أو مراد، بنقول هنجهز للفرح...

غمز له ريان قائلاً بلومٍ وهو يلكزه بكتفيه:
براحة على الواد يا جان دا تربية أمريكاني أخد أن كل حاجة تجهز في يوم أو يومين ميعرفش إننا هنا بنحتاج شهور عشان ننفذ شروط ومتطلبات العروسة اللي تحسها إنقرضت من الكوكب..
ابتلع آدم ريقه بصعوبةٍ بالغة:
متطلبات أيه لامواخذة...
تعالت ضحكاتهم بمرحٍ فكادوا بشن حفلة ليلية على شرفه فقطعهم سليم لإنقاذه:.

سيبكم بقى من جو الأطفال دا، إحنا فعلاً هنجهز للحفلة وللقصر بهدوء لحد ما يرجعوا بالسلامة..
ثم تطلع لساعته بضجرٍ:
الوقت إتاخر اوي يلا تصبحوا على خير...
وتركهم سليم وتوجه للاعلى فتفرق كلاً منهما لغرفته...

توسطت الشمس كبد السماء لتغدو كالعروس في أبهى طالتها، بغرفةٍ شجن، فتحت عينيها بتعبٍ وهي تحاول تحريك رقبتها من الوضع المؤلم الذي يستحوذ عليها، حاولت بصعوبة ان تستقيم بجلستها دون أن تأذي رقبتها، ففزعت برعباً حينما شعرت بحركةٍ خافتة بالغرفة، جذبت الجهاز المتحكم بالستائر من جوارها لتضغط عليه فعم الضوء المكان بأكمله لترى بوضوحاً من يجلس أمامها على الأريكة المقابلة لفراشها، سحبت أنفاسها ببطءٍ وهي تتذكر تهديده بالأمس، حرر طلعت قدميه الموضوع على الأخرٍ بكبرياءٍ ليقف أمامها بنظراته المخيفة، ابتلعت ريقها بقلقٍ وهي تبتعد عن فراشها ظناً بأنه سيقتلها مثلما أخبرها بالأمس، وكلما إقترب تباعدت هي برجفة تنخر عظامها الهاشة وتحفز غضب الشيطان القابع بنفس رحيم زيدان الذي يراقب ما يحدث بغرفتها بشتى أنواع الغضب، تطلعت للخلف وهي تتراجع، فإرتجفت شفتيها وهي تردد:.

أنا مش خايفة منك ولا من تهديداتك أنا مستعدة أموت الف مرة على إني أبعد عنه، أنا عارفة أنت ليه عايز تموتني وتخلص مني لإني السبب في ظهور فريد الشيطان اللي زرعته جواه، جوا شخصية رحيم زيدان اللي مبقاش ليها وجود بظهوري...
ابتسم طلعت وقد بدت تعابير وجهه مختلفة كلياً عن أمس، فتوقف عن الإقترب منها وهو يقول بهدوءٍ:
بالعكس، أنا مبقتش عايزك تبعدي عنه يا أشجان...

ضيقت عينيها بذهولٍ من كلماته، فاستطرد وبسمته مازالت تتشكل على وجهه:
أنا معنديش مشكلة معاكي عشان أتخلص منك بالعكس أنا محتاجلك أكتر منه، محتاج إنك تخرجي ابني من الدوامة اللي هو عاش فيها، كنت عايزك ترجعيه لنفسه ولحياته اللي هو إتربى عليها، بس كنت خايف...
لعقت شفتيها بتوترٍ منا تستمع إليه فقال دون ان تسأله عما يثير خوفه:.

أكتر حاجة ممكن توجع الواحد لما الإنسانة اللي بيحبها تتخلى عنه لأي سبب من الأسباب، وأنا عشت التجربة دي زمان لما نجلاء إتخالت عني عشان خوفها من أبويا ونفوذه وتهديداته ليها بالموت، خافت على نفسها وهربت ومفكرتش في القلب اللي سابته وراها يعاني ويدفع تمن حبه ليها لحد اللحظة اللي واقف فيها قدامك، والتمن التاني كان فريد اللي عاش عمره كله يعاني...
ثم قال وهو يتطلع لها بصدقٍ:.

لما الإنسان بيتوجع من شخص عادي سهل ينسى ويقوم لكن لو الوجع دا متعلق باللي بيحبه صعب يقوم يا بنتي، وأنت جرحتيه باللي عملتيه عشان كدا كنت بحاول أعرف أخرك أيه عشان لو كنتي حابة تكوني نسخة من نجلاء يكون في الوقت دا قبل ما تعلقيه بيكِ أكتر من كدا...
ثم استكمل كلماته ببسمة إعجاب واضحة على معالمه:.

بس أنتِ طلعتي أقوى مما تخيلت ورغم كل تهديداتي ليكي فضلتي هنا ومش همك اللي ممكن أعمله فيكي وأنتِ عارفة اللي ممكن أعمله...
انسدلت دمعة حارقة من عين شجن فقالت بصوتها الذي يهمس بصعوبةٍ:
كان غصب عني، أنا إتخدعت، كنت فاكرة إن فريد شخص مختلف عن رحيم زيدان، وهم زرعه الحيوان دا في عقلي خلاني أصدقه واساعده وأنا من جوايا مهزوزة ومش عارفة أنا بعمل أيه!.

واتخرطت بنوبة بكاء تصاحبها ندبات من القهر والخسرة وهي تضيف:
كان نفسي يديني فرصة بس هو مسمعنيش، عاقبني ببعده عني...
ثم تطلعت للغرفة بتقزز وهي تضيف بمرارةٍ:
سابني جوا المكان دا، بحس فيه بكل لحظة إنه بيضيق عليا...
وتمسكت برقبتها وهي تهدر بإنكسار:
مبعرفش أتنفس بحس إني مش عايشة، يمكن هو كرهني بعد اللي حصل بس أنا حبيته وإتعلقت بيه أكتر ووجودي هنا هو أخر قشية بتعلق بيها على أمل إني أشوفه وأخليه يسمعني...

من خلف الشاشات، هنالك قلبٍ يئن، هناك روحٍ معذبة وكلمات لم تكتمل بجملة العشق والحنين، هناك أذن ترهف السمع لكلماتٍ من ختمها بختم الشوق والوجدان، هناك دمعة ألم إخترقت حاجز قسوته لتهبط ببطءٍ شديد، وكأنها تخلد هذة اللحظة الغريبة حينما إخترقت دمعة حارقة عالم الشيطان، عالم رحيم زيدان!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة