قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس عشر

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس عشر

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس عشر

ذراعيه القوية كانت سند له من السقوط أرضاً، رفع طلعت زيدان عينيه ليرى من الذي عاونه فتخشب محله بذهولٍ حينما وجده يقف أمامه بثباتٍ عجيب، الصمت يلعب دوره بجدارة وكلاً منهما يرمق الأخر بنظرة مطولة ما بين الحيرة والغموض، ترقب طلعت بأهتمامٍ ما سيقوله، فتحرك فكيه ناطقاً:
اعتقد أن مكانك مش المفروض يكون هنا في وقت زي ده وخصوصاً لو فرح بنتك!..

شعر بأنه يضمر اليه شيئاً ما ولكنه تماسك للغاية فقال بلهجةٍ لم تعبر عن الكثير بما يضمره:
وجودي مش هيفرق كتير...
حدجه رحيم بنظرةٍ جافة، فلم يرمش له جفن ليتحرك بهدوءٍ تجاه خزانته، تطلع لما تحتويها من ثياب فاخرة وبذلات من تصاميم عالمية، اختار أحداهما ثم وضعها على الفراش ليغادر الغرفة وهو يقول دون التطلع اليه:
اجهز وأنا بأنتظارك بره مفيش وقت...

تأمل طلعت الفراغ من أمامه ببسمةٍ صغيرة رسمت على شفتيه وهو يرى جانب مشرق من شخص رحيم القاسي حتى وان كان بصيص أمل خافت، تحرك ببطءٍ شديد تجاه الفراش ليلتقط البذلة بهدوءٍ تام ليشرع في ارتدائها وتصفيف خصيلات شعره الأبيض بعناية حتى ازداد وقاراً وهيبة تستحق ان تتناسب مع سلطته المصون..

بالخارج...
صوت حذائه المسموع كان مهيب لمن يترقبه بحرصٍ وخشية من أن يشعر به، قطع رحيم الطرقة ذهاباً وعودة وهو ينتظر ابيه من ان ينتهي من تبديل ثيابه ويخرج ليكون لجواره بتسليم الفتيات، التطلع اليه بسكونه وثباته الاحترافي تعلم بأن هناك عقل مغيب عن المنطقية الباحتة لمعرفة ما يجول بداخله، وما هي الا دقائق معدودة حتى خرج طلعت زيدان بعدما تألق ببذلته الانيقة فأقترب منه ليشير له بهدوء:
من هنا..

ابتسم طلعت وهو يلحق به كالضيف الغريب الذي لا يعلم أركان المنزل ولا الى أي وجهة يسلك، يكفيه أنه يستمع لصوته يناشده وينتظره بالخارج ليكون لجواره بتسليم كل عروس لزوجها، يكفيه انه كان لجواره حينما أوشك على التساقط أرضاً بعدما تمكن منه المرض ليجعل جسده هزيل للغاية، تفكيره جعله كالمسلوب يتحرك خلفه دون وعي، يتتبع خطاه وعقله شارد، انتهت به خطاه أمام غرفة الفتيات ليرى ابنته ريم تقف من أمامه بفستانها الأبيض الذي جعل منها عروس!، الفتاة الصغيرة التي اعتاد رؤية البراءة بعينيها هي الآن عروس في كامل انوثتها وتقف بانتظاره، ليضع يديها بيد من أختارت، تنحى رحيم جانباً وهو يشير بعينيه له بالإقتراب فأقترب طلعت وقبل جبينها قائلاً بصوت اكتساه الحنان ولاول مرة يشعر من حوله بحزنه النابع بلهجته:.

الف مبروك يا حبيبتي...
ابتسمت نجلاء بسعادةٍ حينما وجدته يبارك لابنته، فقد كان ينتابها التوتر من الحالةٍ التي أصبح عليها بالفترة الاخيرة، فضمت يدها على يديه الموضوعة على كتفي ريم قائلة من صمام قلبها:
ربنا يهنيكي ويسعد قلبك يا بنتي..

سعادتها لا توصف بذاك الوقت، فكانت على الدوام تشعر بفقدان الأب والشقيق والأم وهي الآن تعوض عن الحرمان الذي اختبرته لسنواتٍ، وضعت ريم يدها بيد ابيها ودموعها قد انسابت على وجهها بفرحةٍ، فأقترب بها من رحيم الذي يتابع ما يحدث باتزانٍ، ضيق زيتونية عينيه بدهشةٍ حينما سلمه أبيه يد ابنته قائلاً بابتسامةٍ:
محدش هيسلمها لعريسها غيرك يا فريد ..

رغم حالة الذهول والتخبط التي شعرت بها نجلاء من تصرف زوجها ولكنها كانت سعيدة للغاية على عكس رحيم الذي رفع حاجبيه بسخطٍ:
فريد!، غريبة..
لم يخسر بسمته بعد فقال بنفس النبرة الدافئة التي تتبع صوته:
مش هجبرك تكون بشخصية وباسم مش حابه...
سُلطت نظراته الثاقبة عليه لدقائق متتالية، فألتقط يد شقيقته ليضعها بيديه المنحية على صدره ثم استدار برأسه تجاه ابيه قائلاً بلهجة فاترة:
ناديني زي ما تحب أنا اخدت عليه...

منحه السعادة بكلماته التصريحية، فظل يتأملها بابتسامة عريضة، ليفق على يد نجلاء التي جعلته يسترد ثباته ويهبط للأسفل بصحبتها...

الشوق كفتيل النار المقتاد بالصدرٍ، فكلما تمرد القلب بلهيبٍ الرغبة إلى من دق إليه الفؤاد بترانيمه الخاصة كان يمنحه الصبر وقوة التحمل حتى تصير زوجة له في العلنٍ، ربما كانت زوجة له منذ الوهلة التي أغتنمت عينيه من رحيق عشقها؛ ولكنه تمهل لحين يصير هذا الزواج مكتمل الأركان، وها هي محبوبة طفولته تزف له بالأبيض الملائكي بخطاها الرقيقة ونظراتها الخجلة التي تسلب رداء قلبه فتتركه بالسقيع البارد، ها هي تقطع المسافة التي تقلصت بقربها منه لتقف من امامه، تتراقبه بتمني بأن يتمسك بيدها ليكمل باقي الطريق المحدد، ويا لحظه فمن يقدمها له رحيم زيدان بذاته، بسمته الرجولية أنعشت قلبها وخاصة حينما غمز له بتذكر وعده حينما أخبرها من قبل بأن شقيقها من سيضع يدها بيديه، دق قلبها بعنفٍ حينما احتضنها بقوةٍ أمام الاعين المراقبة لهما، احتضنها وقد حملها جسده ليطوف بها بفرحة كبيرة، زار الشبح المختطف لبسمة ظاهرية على شفتي رحيم زيدان وهو يتأمل فرحة سليم بعروسه، تلقائياً انتقلت عدسته لمعشوقته التي تجلس على الطاولة البعيدة عن مرمى البصر، بفستانها الجذاب الذي اختاره لها بعناية ليليق بما ينوي فعله في هذة الليلة المختارة..

حملت طرف فستانها ولحقت به لتجلس لجواره على المنصة فهمست ريم على استحياءٍ:
أيه اللي عملته ده!، أحرجتني قدام المعازيم..
انحنى ليقترب منها بمكرٍ، فتصنع كونه يوضح لها ما حدث فقال:
فين الاحراج في مباركة زوج لزوجته!.
اشتعل وجهها بحمرة الخجل، فقالت بغيظٍ من محاولته الناجحة لرؤيتها خجلة على الدوام:
يعني مكنش في مباركة تانية غير الحضن ده!.
غمز لها بعينيه قائلاً بمشاكسة:
في مباركات تانية اكيد بس مش هنا..

اخفضت نظراتها عنه وهي تبتلع ريقها بارتباكٍ يكاد يقتلها عن الحد الطبيعي لاى فتاة، فريم تخاف من نسمة الهواء فكيف ستتمكن من السيطرة على انفعالاتها في القادم...

أليس هناك رأفة بقلبٍ سقط ضريعٍ منذ ان تناغمت نظرات العين بعيناكٍ المبصرتان!.
أليس هناك رأفة بقلبٍ أصبح يخفق لأجلك أنتِ؟!.
أيا ساكنة الفؤاد ألم يحين الوقت لإخماد نيران الشوق والحنين إليكِ!..

الاعين تتحدث والقلم يدون من سطور العشق ما فاض عن حاجته منذ سنوات وسنوات ومازالت ترتجف من امامه حينما تتقابل عينيها بنظراته!، ، مازالت تشعر بالإرتباك فور رؤيته، رغم ان القلب اعتاد على قربه ومعاشرته الطيبة، وقف من أمامها يتأملها بثباتٍ وهو يكبح رغبته بأن لا يخطفها من امام الاعين ويصعد بها لغرفتهما فقال بغضبٍ بدى بعروقه المنتصبة:
مكنش ينفع نخف الميكب ده شوية وبعدين الفستان مفتوح!..

انكمشت ملامح سلمى بضيقٍ لتجيبه بانفعالٍ:
مفتوح فين يا جان ده انت اللي مختاره بعد ٩٩فستان، وبعدين ميكب ايه اللي تقيل انا حاطه حاجة خفيفة جداً!..
جز على اسنانه بضيقٍ وهو يتأمل الأعين من حوله خشية من أن يتأملها أحداً سواه فقال بصوت مخنوق:
مهو المصيبة انه من اختياري..
ثم منحها نظرة شاملة ليهتف بغيظٍ:
بس متوقعتش انه هيكون كده...

وجذبها بالقوة لأحد الاشجار ليخلع جاكيته الأبيض ثم أجبرها على ارتدائه فصرخت به بشراسةٍ:
أيه اللي بتعمله ده أنت مجنون، هتضيع شكل الفستان..
منحها نظرة صارمة وهو يضيف بحدةٍ:
ما يبوظ شكله ولا يولع، الجاكت ميتقلعش غير لما نطلع اوضتنا سامعة؟..
اجابته بتحدٍ:
لا مش هحضر بيه الحفلة ده جنان..
وكادت بخلعها فأمسك بذراعيها ثم قيدهما خلف خصرها ليقربها منه قائلاً بعصبيةٍ:
مش هعيد كلامي تاني يا سلمى مفهوم؟.

تناست ما كانت تود قوله وفعله، يليتها كفت عن تحديه والا لما قربها اليه فأصبحت كالبلهاء التي تحاول فهم ما يود قوله رغم بزوخ المعاني، فوقفت من أمامه تتطلع له بصمتٍ وطاعة لما قاله رغم اعتراضها الشديد، ابتسم جان وهو يرى بأن الصمت تأييداً لقراره الرجولي الحازم، فأشار للحارس الذي عاد بعد دقائق يبحث عنه بجاكيت بذلة أنيق من اللون الأسود، ربما أبدل اطلالته في أخر دقائق من مخططه ولكنه كان بحاجة لأخفاء ذراعيها والا كان سيقتل من فرط غيرته عليها، هكذا هو الرجل الشرقي الذي يرى زوجته جوهرة ثمبنة ليست مباحة لمن يرغب في التطلع لمفانتها وقتما شاء، جلست لجواره على المنصة وعقلها شارد به، ربما كانت تتصنع تذمرها منه ولكنها سعيدة بغيرته عليها، بل وتفاجأت بإشارة حنين لها وبإعجابها الشديد بفستانها الذي ازداد جمالاً بدمج جاكيت زوجها به، فقد لفتت الانظار منذ ان خطت قدماها الحفل فكانت اطلالة جديدة على الاطلاق وفي نفس ذات الوقت محتشمة للغاية...

اشتياق العينين برؤياه كان الطاغي عليها، خرجت تبحث عن لقائه بكل لهفةٍ واشتياق، رأته يقف امامها بكامل هيبته، يترقب وصولها مثلما نتنظر هي لقائه، وقف من أمامها وبسمته الوسيمة ترسم على ثغره بحرافيةٍ، وقف يتأملها بفستانها الذي جعل منها ملكة هذا الحفل، أمسك بيدها ثم قربها اليه ليطبع قبلة على جبينها قائلاً بإعجاب:
القمر نزل على الأرض ولا انا اللي طلعت السحاب!.
رددت بصوتٍ خافت وهي تتطلع له:.

كلامك ده اللي بيطلعني السما عشان كده بتشوفني القمر..

ابتسم ريان وقربها اليه ليخطو جوارها حتى صعدت لمكانها المحدد على المنصة فجلست لجواره، تسلل لمسمعها صفيراً خافت فاستدارت لتجد مروان يغمز لها بالا تتحدث بما ينوي فعله هو وفارس، ضيقت عينيها باستغرابٍ من طريقته الغامضة ولكنها بدأت تستوعب ما يود قوله حينما اخرج من جيب سترته عدد من الصواريخ التي تستعمل بالأفراح والمناسبات، فكبتت ضحكاتها حينما القي باحداهم جوار ريان الذي فزع حينما انطلق الصوت المزعج، فكاد بأن يترك محله ليقتلع عنقه ولكنه توقف حينما اشار له آدم بأنه سيتوالى أمر المعتوهين بنفسه...

على الطاولة المستديرة القريبة من المسبح، قذفه على المقعد ليحذره بغضبٍ صريح:
أقعد بقى وأتكن خالي الليلة دي تخلص على خير...
لوى مروان فمه بتهكمٍ ليجيبه بانفعالٍ:
مش هسكت غير لما اقلبهم الحفلة، عشان يبقوا يتجوزوا من غيري اوي...
تعالت ضحكات إياد فقال ساخراً:
طب قول خطوية أنت طموحاتك عالية أوي...
تدخل يامن بالحديث قائلاً بجدية:.

كل ده بايدكيا مروان، ذاكر وعدي سنة رابعة اللي عدتها اربع مرات دي وبعدين فكر في الجواز، تفتكر هتبقى حلوة في حقك لما يقولوا عروستك متخرجة وانت لسه في الجامعة!.
اخفض نظراته بتقكيرٍ عميق، ثم جذب العصير الموضوع أمامه ليرتشفه وهو يردد باقتناعٍ:
هذاكر وربنا يسهلها...
ابتسم آدم قائلاً بمكرٍ:
أهو ده الكلام ولا بلاش...
رمقهم فارس باستهزاءٍ فنهض عن الطاولة قائلاً بنظرات خبيثة تحوم حول سليم:.

خليكم انتوا في معاهدة السلام بتاعتكم انا ورايا واجب مع ابو نسب ولازم اقوم بيه..
أمسك آدم يديه قائلاً ببسمة بسيطة:
أفتكر أني قولتلك بلاش..
ثم أفسح له الطريق ليمر من امامه لتنفيذ أحدى مخططاته...

جابت عينيها الحديقة بنظراتٍ حزينة تجوب المساحات الخضراء من حولها تارة وهاتفها تارة اخرى، أرسلت له العديد من الرسائل على الواتساب وجميع التطبيقات التي تمتلكها عله يجيبها على أي منها، لم تتمكن من مشاركة السعادة مع العائلة فقلبها وعقلها مشغول بمعشوقها المتغيب الجوكر الغامض، الذي يظهر ويختفي وقتما يشاء، زفرت بملل وهي تترقب وصوله، فأرسلت بإشارة بساعتها اليه عله يجيبها كالمعتاد ولكن تلك المرة دون اي جدوى...

الابتسامة كانت تزين وجهها وهي تتابع العروس تتحرك بخفة بين يد زوجها، ترقبت شجن وجوهن باهتمامٍ، فكانت تتنقل بين وجه ريم و سلمى و سارة بلهفةٍ فترى الابتسامة والخجل حليفة كلاّ منهن فتبتسم بخجل هي الاخرى، رغم تضاعف الآلآم بداخل قلبها لعلها لم تختبر هذة الأحاسيس من قبل ولكنها كانت تطمح في خوض تلك التجربة مثلها مثل باقي الفتيات، تقلص صدرها جعلها تود بالابتعاد قليلاً عن تلك الاجواء المربكة، فأستأذنت من نغم و يوسف اخيها ثم خطت بالهواء الطلق تفصح عما يعتليه صدرها من مشاعر موترة ما بين بداية حياتها معه وما بين شخصه المخالط بمحبوب طفولتها، كمم فمها احداهما فحاولت أن تبعده عنها وقد استرق الخوف جسدها بالكامل، فلم تتمكن حتى من مواجهته، بقوته الكامنة يجبرها على التراجع للخلف متخذاً طريق الحديقة الخلفية، حاولت شجن ابعاد يديه عن فمها او اليد الأخرى عن جسدها ولكنها لم تستطيع، وفجاة تركها فأستدارت سريعاً للخلف لتجده يقف أمامها بصلابته المعتادة، يحدجها بنظراته الثاقبة التي قد تخفيها احياناً ان لم يتحدث ويخبرها بعشقه لها فيطمئن قلبها قليلاً، بلعت ريقها بتوترٍ وهي تخبره بارتباك:.

خضتني...
منحها نظرة دافئة ليجيبها بثباتٍ:
المتوقع انك تعرفي أن مستحيل حد يجرأ يلمسك غيري..

تطلعت للزهور لجوارها كمحاولة للتهرب منه ومن هالته المخيفة التي تصنع بوجوده، فأمسك بيدها ليجذبها للغرفة الصغيرة التي تطل على الحديقة بالطابق الأرضي، ولجت معه للداخل لتقف مشدوهة من جمال ما رأت، فكان إسمها على الحائط من امامها مزين بحلوى غزل البنات التي تعشقها، الشموع تملأ الغرفة من حولها، حتى الفراش كان مزين بالورد الأبيض المبهج، انتهت عينيها من اكتشاف كل التفاصيل الموضوعة بعناية بالغرفة، وفجاة تعلقت بمن يقف أمامها، ابتسمت له شجن بسعادة، وتأملت ما يفعله فأخرج من الخزانة صندوق متوسط الحجم باللون الأسود ثم وضعه على الفراش ليشير لها بيديه قائلاً بوجومٍ:.

ايه رأيك تشوفي جبتلك أيه؟.
حملت فستانها الثقيل ثم اقتربت من الصندوق بفضولٍ عجيب، جلست على الفراش ثم اخذت تحل الخيط الاسود الرقيق الموضوع حوله، جلس مقابلها ليضع يديه الخشنة على يدها الناعمة قائلاً وزيتونية عينيه تفترس عينيها:
خليني اساعدك..

رجفة لطيفة اصابت يدها فاشارت له بهدوءٍ، حل وثاق العلبة بحركة سريعة لترى من أمامها علبة قطيفة مغلفة باحكام، امسكتها وقد أنجم وجهها عن الحزن، نعم تعلم أن العلبة من المؤكد بأنها ستحمل هدية ثمينة ربما طوق او أسورة أو خاتم من الالماظ كالمعتاد لهداياه الثمينة، فتحتها لتجذب نظراتها الى ما رأته وقد بدأت الدموع بالتجمع بعينيها حينما رأته يتذكر كل شاردة وواردة قد اخبرته به فقد اخبرته حينما كانت طفلة صغيرة بأنها تود ارتداء (الغوايش) البسيطة، نعم كان حلم ثمين لفتاة اختبرت الحياة الاعتيادية فمثلها ككثير من الفتيات تطمحن بالقليل وبالاشياء العادية ولكنها من الحبيب شيئاً ثمين، ولجوارهم وجدت الكثير من الشوكولا الباهظة وسلسال فضى بسيط يحمل شكل القلب الرقيق وحينما فتحته رأت صورة لها بجدائلها الصغيرة وصورة له حينما لم يتعدى عمره الخامسة عشر عاماً، ابتسمت بسعادة عجيبة، وقالت دون النظر اليه:.

انا طلبت كل ده لسه فاكره ازاي!..
قال وعينيه تتأمل فرحتها براحةٍ وقبول:
قولتلك عمري ما نسيت حاجة تخصك..
تركت ما بيدها ثم حاولت بارتداء السلسال، نهض عن محله وجلس من خلفها ليغلق قفل السلسال، تعالى صوت أنفاسها بانفعالٍ فبحثت عنه عينيها، التطلع لها من هذا القرب الخطر لم يكن بالفكرة الصائبة، همساته بحبها قد اوقع قلبها في شباكه، مرر يديه على وجهها بحنانٍ وهو يردد بحبٍ:.

أنا مش عايز أشوفك غير سعيدة يا شجن، انا لما بشوفك حزينة بحس اني في خنجر في قلبي وأنا مش قادر أعملك حاجة...
ابتسمت وهي تجيبه بهمسٍ خافت: .
مين قالك اني زعلانه، بالعكس انا فرحانه اني قدرت اتغلب على نفسي اللي مش شايفك غير رحيم زيدان، فرحانه اني لقيت حبيبي فريد في وسط الصراعات اللي بيخوضها، فرحانه لأني قدرت اثبت حبي لباباك اللي كان فاكر اني هوجعك وهكون سبب كسرك من تاني..

سعادة العالم باكمله زرعت بقلبه لسماعه كلماتها الجريئة لاول مرة، كاد بالاقتراب منها ليجعلها تشعر بما يخفيه قلبه من عشقٍ عظيم ولكن سرعان ما التقت عينيه حركة خافتة بجوار الحديقة رغم تحذيراته للحرس بالا يقترب أحداً من هنا، نهض رحيم واقترب من زجاج الغرفة بنظراتٍ غامضة وكأنه يعلم هوية من بالخارج، فخلع جاكيته ليضعه على أحد المقاعد ثم قال:
شوية وراجع..

خطوات محسوبة إتخذها بعناية، نظراته الشيطانية كافيلة باسقاط الأوراق عن الأشجار، آذنيه تعمل بحرافية لتلتقط اي حركة قريبة منه وفي لمح البصر كانت حركته السريعة تعكس رد الفعل لهذا الاحمق الذي يلحق به ليقضي عليه، إنتشل رحيم السكين من يديه ببراعة ثم عكس اتجاه يديه عن جسده ليجعله يذبح ذاته بنفسه، ليهمس بأذني القتيل قبل ان يسقط ارضاً:
لا تقلق قريباً سأرسل لك رئيسك ومن معه للجحيم...

وتركه ملقي ارضاً غارقاً بدمائه، يدين بالفضل لرسالة مراد التي تحمل شفرات غامضة ولكنها تحذيرية لرحيم بأنه سيواجه الخطر اينما كان وخاصة بعد خطواته الجريئة، نعم كان يعلم بما سيواجهه لذا نبه رحيم اولاً ولكنه لم يكشف له الكثير بل ما أراده ان يعلمه، كور رحيم يديه بغضب مخيف بعدما استنتج خطة مراد الانتحارية، فحينما تعرض رحيم للهجوم ببيته فهذا يعني بأن الجوكر المزعوم بدء الحرب دونه، وكأنه يود ان يجازف بذاته حتى لا يتأذى كلاً منهما فيكفي واحد منهما يقتل بعدما يقضي على هؤلاء الشياطين، علم الان ما فعله وسر الرسالة والسلسال الصغير، فصرخ بانفعال شرس:.

مراد!.

قميصه الابيض ملطخ بالدماءٍ، السكين موضوع بيديه يقطر الدماء كالقنطرٍ، ولجواره جثة هامدة غارقة بالدماء التي تثير جنونها، ارتجف جسدها بهزة عنيفة، وقد بدات قدميها بالانسياب، تراجعت للخلف ويدها تكبت شقهاتها بخوفٍ وانفعال من ان يراها أمامه، شعر باحداً من خلفه فاستدار ليجدها تتطلع له بفزعٍ، كان بموقف لا يحسد عليه، فألقى السكين من يديه وهو يقترب منها قائلاً بهدوء تحلى به لاجلها:
شجن آآ..

قاطعته بصراخها الجنوني قائلة بصراخ وبكاء هيستري:
ابعد عني متقربش مني..
وتراجعت بذعرٍ للخلف وعينيها تتطلع ليديه التي تغطي الدماء اغلبها وبين الرجل الملقي ارضاً، تعثرت قدماها فسقطت ارضاً فاسرع اليها لتصبح يدها ملوثة بالدماء فانتابها حالة من الفزع والجنون لتدفعه بعيداً عنها وهي تصرخ باعلى صوت امتلكته يوماً ما:.

أنت ازاي كدااااا؟!، قتلت واحد وبتلمسني وكأنك معملتش حاجة، أنا كل ما بحاول اقرب منك بخاف أكتر من الاول، انت شخص مخيف وانا مش عايزة اقرب منك ولا أدخل العالم ده!.

تطلع لها بحزنٍ فهو يعلم ما قد يصيب حالتها النفسية بذاك الوقت، يعانده القدر فكلما اقترب منها انش لفظه بقوة الف خطوة، ارتجف جسدها وقد بدأت نوبة الصراع بابتلعها من جديد، سقطت بين ذراعيه فاقدة للوعي فجن جنونه وهو يحركها يميناً ويساراً صارخاً بفزعٍ:
شجن!.

حملها للفراش ثم هرع لجناحه ليحضر لها الحقن المهدئة ليحقنها سريعاً ثم جلس اسفل الفراش يعتصر رأسه بيديه القوية علها يهدأ ذاته ليتمكن من التفكير بأمر مراد المخيف!..

رمق ساعته بنظرات ثاقبة فلطالما شكل الوقت حافز مدعم له، وقف بمنتصف الصخر الموضوع بالمكان المظلم بجسده الممشوق ليرفع صوته بثباتٍ:
فطيمة، أنتِ فين؟..
خرج من خلفه عدد من الرجال ليحيط به من كل جانب، فلم يرمش له جفن بل وقف محله باتزانٍ وهو يبتسم بسخرية ليرفع صوته بثقة عحيبة:
كفايا لعب رخيص يا عمران وياريت نتواجه راجل لراجل ده لو عرق الرجولة متقطعش عندك!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة