قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

ابتسامته الماكرة كانت مصدر قلق للجوكر الذي ينازع الألم العصيب الذي يهاجم أنحاء جسده، فبدون أي شيء يشعر بالبردٍ القارس، فما كان ينقصه إطفاء النيران التي تمنحه القليل من الدفء، اقترب منه رحيم ليطرق بأصابعه على الكومود المجاور إليه قائلاً وهو يتفحص عينيه المغلقة:
مفيش نوم ورانا شغل كتير..
فتح مراد عينيه وهو يقاوم ألم جسده فقال بضيقٍ بدى بصوته المهتز:
أنا جسمي كله بيوجعني ومش قادر أقف..

وبالرغم من الوجع الذي اصابه بمقتل الا أنه بدى قوياً، صلباً، متحجر القلب، عليه ذلك ليتمكن من سحبه من هذا المستنقع المميت، فقال بصوتٍ ثابت بحرافيةٍ جعلته يظن بأنه لم يتأثر بما قال:
أوكي، نام بالبرد..

وتركه وجلس على المقعدٍ القريب منه، ثم استند بقدميه على الطاولة بعدما جذب ما تحمله من عدد الجرائد والمجلات ليتصفحهما بإهمال، أغلق مراد عينيه مجدداً في عدة محاولات بائسة للنومٍ، حك جلده بعنفٍ وقد بدأت حالته بالتدهورٍ للسوء، فتارة يحك أنفه وتارة أخرى يحك يديه، راقبه رحيم بخلسةٍ ونيرانه تشتعل جمراً، ولكن مهما كلف الأمر لن يتنازل عن خطته القاسية الموضوعة التي ستمكنه من عودة أخيه لعهده السابق حتى وإن كانت قاسية، إكتسحت البرودة جسده فحتى الغطاء فشل بمده الحرارة اللازمة، حانت منه التفاته جانبية لرحيم، فأشار له الأخر تجاه الأشجار من أمامه، جز على أسنانه بغضبٍ، فنهض عن الفراش وهو يتجه بخطواتٍ هزيلة تجاه الفأس الموضوع بالكوخٍ، ثم خرج ليتبعه رحيم بابتسامةٍ يزينها الأمل، وقف أمام أحد الأشجار وهو يجفف عرقه، فرفع الفأس للأعلى ثم هوى به على قاعدة أحدى الاشجار، مرة تلو الأخرى ويديه ترتعش بقوةٍ، شعر منذ أول ضربة بأنه سيسقط أرضاً، حركته كانت غير متزنة وبالرغم من ذلك كان يحاول الصمود على الأقل ليحارب وجع جسده الذي يطالب بجرعة جديدة من السموم، ضربة هزيلة تلو الأخرى لم تجدي نفعاً أمام هذة الشجرة الصلبة وخاصة أمام قواه الضعيفة، استسلم وهو يلقي بالفأس أرضاً ليجلس أمامها بيأسٍ وقد ضعفت قواه، إقترب منه رحيم ليجلس من جواره، حك جسده بألمٍ فقال بصعوبة في الحديث:.

اللي بتعمله مش هيجي معايا بفايدة..
ابتسم رحيم وهو يتأمل ظلام الليل القابع من حوله بالغابات التي اكتسبت مظهر مخيف للأبدان، ليجيبه بغموضٍ:
أنت اخترت تحارب لوحدك من البداية بس دلوقتي أنا معاك ومش هتعرف تكون لوحدك تاني..
أغلق عينيه بألمٍ وهو يجاهد للسيطرة على انفعالاته قائلاً:
الحظ مبيحلفش الانسان مرتين يا رحيم وأنا فلت من الموت والضعف اكتر من مرة، والمرادي خلاص إتمكن مني..

ابتسم وقد تحلى بصمتٍ مخيف، فدس يديه بجيب جاكيته ليخرج هاتفه، ففتحه ليتطلع لشاشته قليلاً ثم قربه ممن يجلس على مسافةٍ قريبة منه، ضوء الهاتف بالمكانٍ المظلم لفت انتباهه، حمله منه وهو يتطلع لشاشته بذهولٍ ولمعة قد اتصلت بالقلب الذي تحركت مشاعره فور رؤية تلك الصغيرة التي علم منذ اول نظرة بأنها تخصه هو، بالطبع لا يعلم بعد بولادة حنين فلم يسنح له الوقت وما تعرضله بالحديث عما مضى، مرر أصابعه على معالم وجهها الصغير وقد أحتضن الهاتف الحامل لصورتها أحد دمعاته، اسند رحيم رأسه من خلفه وقال بوجعٍ وعينيه تتطلع للفراغ من امامه:.

زي النسمة، من أول ما عنيا اتعلقت بيها وأنا حاسس انها بنتي أنا مش بنتك، ويمكن وقتها ابتديت اصدق أنك مش مجرد شريك وعدو ذكي وبس أنت علاقة دم مينفعش تتحط بمسمى تاني..
ابتسم ساخراً وهو يزيح دمعته الخائنة، فأخرج رحيم السلسال من جيبه ليضعه بيديه الاخرى قائلاً بحزنٍ:
مقدرتش ألبسهولها وأنت موجود، لما هنرجع أنت بنفسك اللي هتلفه على رقبتها..
قال ساخراً:
أنت مصدق حلمك ده!.
جذب الفأس وهو يلقيه إليه قائلاً بثباتٍ:.

مفيش حلم برسمه من غير ما يكون عندي ثقة إنه هيتحقق بفضل الله..
وزع نظراته بينه وبين الفأس والصورة الموضوعة أمامه، فعليه نسيان ما يطالبه به جسده بالعمل الجاد الذي لا يترك له خيار التفكير بشيئاً أخر، لذا حمل الفأس ونهض ليستكمل ما يفعله..

شعر بالضجرٍ من أجواء القصر المستقرة على غير عادتها، فصعد لغرفته بابتسامةٍ تشع بالمكرٍ عله يخرج ما بحنجرته من كلماتٍ مشاكسة بترت في أواخر الأيام التي قضاها بمعاونة سليم بتجهيزاتٍ الزفاف، فتح فارس باب غرفة مروان ثم اشرأب بعنقه ليتأمل الغرفة عن كثبٍ، جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقة حينما وجده يجلس على الفراش وسط عدد كبير من الكتب والمراجعات، وعلى ما يبدو بأنه ليس بحالةٍ جيدة على الإطلاق، دفع الباب بقوةٍ أعلنت عن هذا الدخيل الذي يقتحم خصوصية لم يحبذ أن يرأه أحداً بها، حدجه بنظرةٍ نارية وهو يوجه كلماته اليه:.

في حد يدخل كده على حد؟.
أجابه وعينيه مسلطة على الفراش من خلفه:
اللي يشوفك وأنت زعلان كده يقول ده أنا قفشتك مع واحده!.
ثم التقط أحد الكتب ليشير له باستهزاءٍ:
هو العلام حلو وكل حاجة بس محدش قال أن في نجاح مع تراكم المناهج والسنوات، يعني يرضيك طالب مجتهد بيذاكر اول بأول يتساوى مع اللي بيحاول يلم المنهج قبل الامتحانات ب٢٤ساعة!.

رفع مروان حاجبيه بضيقٍ شديد وقد تأكد الآن من المغزى الصحيح خلف زيارته الغير متوقعة، فجذب الكتاب منه ثم ألقاه على الفراش قائلاً بسخرية:
والله ألمه في ٢٤ساعة، أغرق جوه السطور ده شيء ميخصكش لما تلاقيني بندهلك تنقذني أبقى اقترح وقتها..
تعالت ضحكات فارس فقال وهو يغمز له بخبثٍ:
يعيني على الحب لما تحتله شرارة الطاقات الايجابية لدخول الامتحانات!.
زفر بمللٍ وهو يتساءل مباشرة:
أنت عايز أيه يا فارس؟.

القى بالكتب من حوله ليقف من أمامه وهو يخبره بحماسٍ عجيب:
نخرج نغير جو...
منحه نظرة ساخطة، ثم جلس على الفراش مجدداً ليجذب أحد الكتب ثم استكمل ما يفعله وقد أتاه الرد المناسب بعد انتظار مؤقت:
منة عندك خدها وأخرج في أي مكان لكن أنا No..
التوت شفتاه ببسمة رضا فبدى كمن تناسى وجود شخص هام لجواره ليتذكره بعد عناء، رفع أصابعه أمام وجهه وهو يشير له بمشاكسةٍ:
نصاية وراجعلك تكون خلصت الفوضى اللي عاملها دي..

وتركه وأسرع لغرفتها بنوايا شيطانية، استغلال لانشغال سليم بحالة حنين فكان يلازمهما بالمشفى طوال الوقت الذي قد يكون قد قدم له على طاولة من ذهبٍ..

كان يجلس على العشب الأخضر الذي يكسو الحديقة بأكملها، شارد الذهن، كالضائع وسط الطرقات المنجرفة، مال برأسه يساراً ليستند على جسد الشجرة القريبة منه بشرودٍ جعله هائم لا يتسنح له سماع من تقترب منه وتناديه مرة بعد الأخرى، جلست سما على مقربةٍ منه ثم استندت بظهرها على نفس ذات الشجرة، فرفعت عينيها تجاه ما يتأمله قائلة بفضولٍ:
بتفكر في أيه؟!..

ابتسم حينما وجدها لجواره فعاد ليتأمل السماء من جديد قائلاً بفتورٍ:
في الدنيا اللي الانسان بيقدر يشكلها زي ما هو عايز..
بدى الأمر محير بعض الشيء فتساءلت بعدم فهم:
مش فاهمه تقصد أيه؟.
تنهد وهو يستقيم بجلسته ليكون مقابلها، فمنحها نظرة عميقة أذابت قلبها الذي يخفق سراً بداخل صدرها، ثم قال:.

أقصد إننا من فترة كنا حاجة ودلوقتي حاجة تانية خالص، يعني أنا مثلاً كنت عايش عمري كاه في أميركا ومكنتش شاغل نفسي بحاجة غير نفسي أيوه كنت أعرف أسماء شباب العيلة والقليل عنهم بس عمري ما كنت أتوقع ان في علاقة هتربطني بيهم في يوم من الأيام، يمكن علاقتنا دلوقتي مش مثالية بس على الاقل بنشوف بعض في الطالعة والنازلة والأحداث المهمة نعرفها، يعني مش شرط أننا نعرف كل كبيرة وصغيرة خاصة ببعض بس يكفي اننا على علم بالأساسيات زي اللي هيتجوز واللي هيبقى عنده بيبي وهكذا...

ابتسمت سما محاولة إخفاء معالم الدهشة التي سكنت تعابير وجهها حينما استمعت لزوجها الغربي الذي بدأ تفكيره بالتغير تدريجياً، تلون وجهها بحمرةٍ الخجل حينما أمسك يدها ليستكمل حديثه بنبرةٍ عاشقة:
والأهم إنك أنتِ اللي بقيتي من نصيبي مش حد من اللي كنت بكتب اسمائهم في قايمة اللي يصلح للزواج في كتاب مزنوق في عروس غربية تتسم بصفات شرقية على ملامح اوربية...

إنفجرت ضاحكة وهي تضربه بخفةٍ على يديه المحتضنة ليدها، كفت عن الضحك فجأة حينما وجدته يقترب منها وهو يقول بمكرٍ يتلاعب بحدقتيه:
بما إنك ضحكتي فأنا حابب أننا نكون لبعض بشكل جادي...
إحتل الغضب حدقتيها وكأن كان هناك شبحاً أخر يضحك منذ قليل، استندت بجذعيها على الخضرة ثم نهضت لترفع صوتها بعصبيةٍ بالغة:.

قول كده بقا، وأنا اللي فاكرة انك اتغيرت وبقيت انسان محترم وكويس، بس أتاري ديل الكلب عمره ما هيتعدل لا أسمع أنت ابن عمتي لا اكتر ولا أقل القسيمة دي يا حبيبي تأزأز بيها لب، طول ما مفيش فستان أبيض وهيصة وزفة أنسى يا سيد أميركا، جو توتو يصاحب سوسو وتجيب الواد قبل الجواز ده تنساه يا بابا أنت هنا في مصر، على أرض الحضارة، على أرض الوطن يعني تحترم نفسك وتقف معدول...

وكأنه اصيب بصاعقة من السماء فنتج عنها شلل نصفي، شعر آدم بأن جسده لا يستجيب لإشارات عقله بالوقوف، فبصعوبةٍ بالغة نهض ليقف من أمامها وهو يردد بصدمةٍ:
أمال لو كنت بتحرش بيكِ كنت عملتي أيه، ده أنتِ مرأتي وفرحنا كمان كام شهر!.
وضعت يدها بمنتصف خصرها قائلة بسخريةٍ:
ده لو حصل يا حبيبي من دلوقتي وبتحاول تضحك عليا أمال بعد كده هتعمل أيه؟!.
وحملت طرف فستانها الأزرق وهي تهم بالدلوف للداخل مرددة باستياءٍ:.

قال اتجوزه قال، أنا غلطانه اني عملت بأصلي ونزلت اشوفه قاعد كده ليه، وديني لأرد على أخوه يأدبه شوية...
تابعها وهي تصعد الدرج لتختفي عن أنظاره بأبتسامةٍ رسمت على محياه، ليردد وهو يهز رأسه بيأس:
مجنونة..

بالأعلى...

ولج للداخل دون أن يتطرق باب غرفتها، مستغلاً ابتعاد سليم عن القصر بالفتراتٍ الأخيرة ليكون لجوار حنين والفتيات، فولج للداخل وهو يبحث عنها بعينيه المشاكسة، إحتلت حدقتيه طاقة منعشة حينما وجدها جالسة على مكتبها الصغير المتوسط لغرفتها، توزع نظراتها المتوترة بين عدد من الأوراق، ولجوارها عدد من أكواب القهوة الفارغة والإجهاد الشديد بادي على عينيها، ألقت الكتاب عن يدها وهي تلف أصابعها حول مقدمة رأسها بألمٍ فشعرت بأصابعٍ سحرية تعاونها بفك ألم رأسها، استرخت على مقعدها وهي تشعر بالصداعٍ يغادرها رويداً رويداً، لوهلةٍ ظنت بأن نجلاء هي من خلفها، لحرصها الدائم على راحتها هي والفتيات بأكملهم، ولكن مهلاً فهي بالخارجٍ لإجراء جراحة طلعت زيدان جحظت منة عينيها بذعرٍ وعقلها يطرح نتائج الإفتراضات بمن تسلل لغرفتها، تجبر ذاتها على عدم التفكير به وتكذب حدسها وخاصة لما ترتديه، استدارت ببطءٍ فيكفي أن رأت عينيها خاتم الخطبة الذي يرتديه فعادت لتتطلع لأمامها من جديد، لتعد بداخلها واحد إتنان وحينما لفظت بالثالث كانت قد ركضت بكل شجاعة تجاه الستار الأسود الموضوع أمام شباك غرفتها، فأختبأت من خلفه وهي تصرخ به بغضبٍ:.

أنت دخلت هنا إزاي من غير ما تخبط!.
رفع حاجبيه بسخطٍ:
ده بدل ما تشكريني اني خففتلك الصداع!.
تطلعت لذاتها لتتأكد بأن لا شيء يظهر منها ثم قالت بحدةٍ:
أنت مجنون صح، سليم زمانه على رجوع..
اقترب منها وهو يردد بخبث:
ما يرجع هو أنا عملت أيه؟، واحد وداخل يطمن على مراته ويشوفها مالها مختفية فين!.
جزت على أسنانها بغيظٍ:
لا والله فيك الخير..
ثم قالت بعد تفكير:
طيب أيه رأيك تخرج لحد ما أغير هدومي..

ابتسم وهو يجيبها ببسمةٍ مشاكسة:
ليه ما البيجامة اللي أنتِ لابساها حلوة..
تملكها الضيق حينما بدت لهجته ساخرة لحداً ما فخرجت من خلف الستار متناسية هدفه الماكر، فوقفت أمامه باندفاعٍ:
وأنت مركز في لبسي ليه ان شاء الله..
اقترب منها قائلاً بهمسٍ بطيء كان تأثيره قوي عليها، فجعلها كالأسيرة:
مش بس لبسك أنا مركز في كل حاجة تخصك أنتِ..
وجدت ذاتها تبتسم رغماً عنها، فرفع يديه يحتضن بها وجهها قائلاً بعشقٍ:.

بقيتي تغيبي عني الفترات الاخيرة وكل ما بكلمك بتقوليلي الامتحان، أنا كنت بفكر أحرمك من التعليم لو هيخليكي بعيدة عني..
لفحت أنفاسه وجهها، فأغلقت عينيها باستحياءٍ ثم قالت بتوترٍ من قربه منها:
أنت عارف إن الفترة الاخيرة كان واقع مني حاجات كتيرة بالمادة...
رد عليها وعينيه تتعمق بالتطلع اليها:
وأنا قولتلك قبل كده اني موجود ومستعد أساعدك..
ابتسمت بصوت أنعشه ثم قالت بتلقائية:.

لا المساعدة دي مش هتمشي معايا لاني مش هركز لا أنت ولا أنا هنركز في اللي هتقوله..
وضع يدها على وجهها برفقٍ ليستكمل تودده اليها بكلماته المنخفضة:
عندك حق مستحيل هركز في حاجة غيرك..
أغلقت عينيها بابتسامة صغيرة حينما احتضنها، يعلم جيداً بأنها تحب سماع دقات قلبه لذا يحتضنها كلما سنحت له الفرصة، يحتضنها ليزيد من جرعة تحمله على الأيام العجاف..

بالخارج..
بحثت عنه كثيراً وحينما لم تجده، خمنت بأنه من المحتمل بأنه بغرفةٍ شقيقتها، صعدت للأعلى وما أن فتحت باب الغرفة حتى صعقت حينما وجدته يحتضنها، دفعته منة للخلف بصدمةٍ وارتباك، ولجت للداخل وفمها يكاد يصل للأرض فتحرك فكيها ناطقاً بصدمةٍ:
بقى أنا جاية أشتكيلك وقاحة أخوك ألقيك أوقح منه!.
ابتلعت ريقها الجاف قائلة بصعوبةٍ:
لا يا سما انتي فهمتي غلط..
استدارت وهي تشير اليها بانفعالٍ:.

أنتِ تخرسي خالص أنا كلامي مع البشمهندس جوزك..
ربع يديه حول جانبيه بمللٍ، فقال بسخريةٍ:
اديكي رديتي على نفسك جوزها!، يعني تخرجي منها أنتي..
رفعت حاجبها بمكرٍ:
بقى كده، طيب يا فارس وربي لاكلم سليم وأحكيله اللي حصل..
ارتشف من زجاجةٍ المياه الموضوعة لجواره ببرودٍ جعلها تكظم غيظها بصعوبةٍ وهي تتوعد له بكل شر..

إنتهى ولأول مرة من المذاكرة حتى وإن كان عدد بسيط من الصفحاتٍ، ولكن ما فعله يعد إنجاز، بينما يتلاقى كل نصف ساعة عدد من الرسائلٍ المشجعة منها، فكانت يارا تحثه على المضي قدماً فهي تريده النجاح تلك المرة، تريده ان يصنع كيان لذاته، أغلق مروان الكتاب من امامه ثم خرج للشرفةٍ لعل الهواء البارد ينعشه قليلاً، غامت عينيه الحدائق الواسعة لقصورٍ عائلة زيدان، بعدما حاوطتهما هالة من الترابطٍ خاصة بعد ازاحة الفواصل التي صنعت بينهما من قبل بالحجرة، سلطت نظراته على قصره ليجد أخيه يجلس بحديقته على الطاولة وعلى يديه يحمل صغيره ويحاول بشتى الطرق ان يجعله يرتشف من الحليب الذي يملأ البيبرون، رأى كيف تحاوطه جو الأسرة الذي افتقده هو طوال حياته، غمر قلبه سعادة كبيرة فمن المنصف أن ينعم أشقائه بما حرموا به بالماضيٍ، أفاق من شروده على اشارة إياد له بعدما لاحظ وقوفه بالأعلى فلوح له بذراعيه لينضم إليه، هز رأسه بخفةٍ ثم هبط ليتجه اليه، جذب أحد المقاعد المحيطة للطاولة المستديرة ثم جلس لجواره فقال اياد مبتسماً:.

أيه يا عم محتاج عزومة علشان تيجي تشوفنا!.
أجابه بابتسامةٍ بشوشة:
هحتاج آذن في بيتي!.
ثم قال موضحاً:
الحكاية وما فيها اني بمتحن وبحاول اذاكر حاجة علشان ربنا ينفخ في صورتي وانجح وست يارا ترضى عني..
وقف وهو يهدهد ابنه بين يديه بضجرٍ، فحاول ان يناوله البيبرون ولكنه كان يرفض بشدةٍ فأجابه قائلاً:
عيشنا وشوفناك بتذكر علشان تتجوز!.
ركز بنظراته على ما يفعله لاسكات الصغير فقال باستغرابٍ:
هي صباح فين؟.

لوى فمه بتهكم وهو يجيبه:
راحت تشوف حنين بالمستشفى مع البنات وسابتلي الاستاذ على أساس اننا هنسلك مع بعض ومنبها عليا الف مرة أني مسبوش مع حد من الخدم..
تعالت ضحكات مروان الرجولية فقال مقترحاً:
طيب ما تشوف البامبرز يمكن هو اللي مضايقه.
تطلع اليه ثم عاد ليتطلع لجان الصغير قائلاً بخوف:
نعم! انت متخيل اني أغيرله الحفاض!

ضيق عينيه بسخطٍ على هذا الأب الغير مسؤال بالمرةٍ، فألتقط منه الصغير ثم ولج لاحد الحمامات ليبدل له ما يرتديه، ليلاحظ الاخر استرخاء الصغير واستكانته بين يد شقيقه، فقال وهو يتابع اغلاقه للحفاض:
أنت متأكد إنك متجوزتش قبل كده!.
حمل الصغير وهو يرمقه بنظرةٍ حادة:
هتجوز فين بلا حسرة..

وخرج ليجلس محله من جديد وهو يقدم البيبرون للصغير الذي استجاب لندائه فبدأ بتناولٍ طعامه براحةٍ وإياد يتابع ما يحدث بابتسامةٍ هادئة فقال مروان بغموض وعينيه تتابع الصغير:
الطفل بيبقى محتاج دايماً لأبوه زي ما بيحتاج لأمه، ولو حس في مرة ان ابوه مش حاطه في دماغه قلبه هينكسر وهيحس انه وحيد حتى في وجود الأم او العيلة..
ثم رفع رأسه ليقابل نظرات شك أخيه ليؤكد له ظنونه حينما قال بغضب:.

زي أبوك كده بالظبط عمره ما فكر يوم يسأل علينا حتى واحنا صغرين مكنش بيهمه مين تعب ومين مبيذكرش كل اللي كان بيهمه انه يعيش حياته بعيد عننا، كان ومازال رامي كل حاجة على ريان، وعايش يتسرمح مع بنات من سن عياله، يمكن لو كان جانبنا مكنتش انت بقيت في يوم مدمن وانا اعيد الجامعة اكتر من مرة علشان مش لاقي اللي يشد عليا ولا كان ريان اتحمل كل الاعباء دي ومسؤليتنا لوحده..

استمع اليه بحرصٍ وقد أصابته كلماته بوجعٍ قد تخمل منذ فترة فتساءل باستغرابٍ:
أيه اللي جد!.
ابتسم في سخريةٍ:
مفيش جديد غير اننا مضطرين نتقبله زي مهو لانه في النهاية ابونا..
وقدم له الصغير بحرصٍ وهو يداعب وجنته ثم قال بنعاسٍ:
يلا تصبح على خير انت وجان المز، أنا كده فصلت..
ابتسم إياد وهو يجيبه بحبٍ:
وأنت من أهله يا حبيبي..
وغادر مروان متجهاً لغرفته..

توقفت سيارة سليم بالخارج، فهبطت ريم، صباح و سلمى و سارة بعدما قمنا بزيارةٍ حنين، ودعت كلاً منهن الأخرى، حتى سليم صف سيارته بالخلف ليتفاجأ برسالةٍ على هاتفه من سما جعلته يقرأ محتوياتها بصدمةٍ!.

كان وقت الشروق قد أذن بالسيطرة على ضباب الليل الكحيل، ومازال مراد يحاول قطع جزع الشجرة، العرق يتصبب على جبينه كقنطار المياه المتلاحق، ولجواره رحيم يحمسه على المضي قدماً، كانت اولى خطوات العلاج الذي اختاره له رحيم على الرغم من انه ليس طبيب ولكنه يعلم جيداً النقاط الايجابية خلف ما يفعله وبالأخص طبيعة عمل مراد التي جعلته شخصاً مختلف، فقد حرص على أن تتلاقى فطيمة العلاج الجسدي والنفسي بصحبةٍ عدد من الاطباءٍ بالجزء الخلفي من الكوخ وهو بذاته الذي توالى معالجة حالة مراد، ترك الفأس عن يديه ثم جلس ليرتاح قليلاً بعد مجهود هزيل يفعله بصعوبةٍ فبالطبع ان كان سليم معافي لتمكن من اسقاطها منذ وقتٍ طويل، انحنى رحيم على احد الاشجار ليشير له بخبث:.

كنت بفكر استبدل مهمة سليم بشجن، على الاقل تقدر تصور حنين وتبعت الصور!.
رفع وجهه بغضب مقابله، فاشار بعينيه تجاه ما تبقى بجزع الشجرة قائلاً بمكرٍ:
ولا أنت مش حابب تشوفها، عموماً القرار بايدك..

كانت مساوامة صريحة منه، فأنه ان تمكن من اسقاط الشجرة الصخمة سيجعله يرى معشوقته الذي يئن القلب ألمٍ لفراقها، وعذابٍ اشتياقاً لرؤياها ولكن هل سيتمكن من محاربة وجع جسده الذي يرتجف ببرودة وصارخاً لجرعته الزائدة من السموم؟!.
هل سيتمكن الجوكر من الصمود؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة