قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والعشرون

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والعشرون

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والعشرون

جحظت عينيه من فرط الصدمة حينما قرأ بوضوحٍ:
خليك أنت مشغول برة البيت ركز جواه يمكن تشوف الحيوانات اللي بيحاولوا يتحرشوا بأخواتك البنات..
أغلق سليم هاتفه في دهشةٍ وهو يستعد للدخول، إجتاز الدرج ليصل أولاً لغرفة شقيقاته ليجد الجميع مجتمعون وعلى ما يبدو ثمة أمور لا يعلمها، كانت تتحدث بغضبٍ مبالغ به فحينما رأته يقترب منهم قالت بصوتٍ مرتفع:
أهو أخويا العزيز وصل، وصل اللي هيربيكم يا بلد..

أجابها آدم ساخراً:
أنتي ليه محسساني اننا واقفين في قسم بوليس..
علق فارس هو الأخر قائلاً:
دي عايشة الدور بزيادة أوي..
ثم تطلع تجاه ما تشير إليه فتحجرت نظراته وهو يردد في صدمةٍ حقيقية:
أيه ده، ده سليم أهو فعلاً..
وقف قبالتهم وهو يوزع نظراته بين الجهة التي تقف بها سما وآدم وبين فارس و منة فقال بريبةٍ:
في أيه؟.

أشارت سما بيدها بفرحة الطفل الصغير الذي يشب حرب مع طفل أخر وحينما اختلت الأمور لصالحه أتت أمه لتمده بالعون:
شوفتوا قولتكم جيه..
زفر بغضب:
بقالك ساعة بتقولي جيه ما تنجزي وتقولي في أيه، وبعدين أيه الرسالة اللي بعتهالي دي تحرش ايه وحيوانات مين؟!
تمدد الغضب بين حدقتي عين فارس فقال في ضيقٍ:
تقصدنا أحنا بالحيوانات!.
كبتت منة ضحكاتها بصعوبةٍ وهي تشير له بصوتٍ منخفض:
متأڤورش وأدخل في المهم...

لانت ملامح وجهه قليلاً، ثم عاد ليتساءل بمزاحٍ:
طيب ما تهدى كده يا مان وتقولي في أيه؟!.
قال في حدةٍ صريحة:
مهو ده اللي عايز أعرفه في أيه وأيه اللي مصحيكم لوش الصبح؟!.

انهدمت قواه التي استمرت تقاوم لأكثر من ساعاتٍ متتالية، انحنى مراد بجسده قليلاً وهو يزيح عرقه النابض على جبينه، عينيه الزرقاء تركزت بنظراتها القوية تجاه الفأس الملقي أرضاً، فحمله ليعود بتسديدٍ ضرباته تجاه الشجرة التي استجابت أمام ارادته وعزيمته حتى لو كان بدنه ضعيف، اقتلع جذورها فسقطت محدثة جلبة عظيمة، ليستقر هو جوارها أرضاً وهو يحاول مقاومة آلم جسده العصيب، شعر بيدٍ صلبة موضوعة على كتفيه، فرفع رأسه ليجد رحيم في قبالته وهو يمد يديه له ببعض الحبات من الأدوية المسكنة قوية المفعول، منحه نظرة مطولة درس بها ما يتلفظ به الأخر، فألتقط منه الدواء ليتناوله باستسلامٍ، ابتسم الأخر وهو يلتقط منه زجاجة المياه ليخرج هاتفه من جيب جاكيته ثم قدمه اليه، التقطه منه بأصابعٍ مرتجفة وإرتباك يزلزل كيانه، فحينما اعتراه التشتت نقل نظراته تجاهه ليجده خير المرشد حينما جلس بإنحناءة على قدميه ليكون مقابله قائلاً بهدوءٍ:.

متأخدش خطوة أنت مش مستعد ليها، خليك متأكد إن القرار اللي هتأخده وأنت ضعيف ومش مستعدله هتندم عليه، في قرارات مينفعش تتأخد غير والإنسان في عز قوته..

وتركه وغادر بعدما أنار بصيرته تجاه أمراً هام كان غافلاً عنه، لذا استبعد تماماً فكرة الاتصال بها، ففتح الهاتف ليجد فيديو مسجل لها وهي ترقد على الفراش بوجهاً يشوبه الحزن والإنكسار، تناديه بكل ذرة إمتلكتها بوجدانها يوماً، عينيها وأه من عينيها تقص ألف وجع خاضته من دونه، لم يحتمل مراد التطلع لها لوقتٍ طويل فأغلق هاتفه وهو يردد بوجعٍ:
وحشتيني..

بعد ما قدمته سما من معلوماتٍ قد تتسبب في مقتلهم جميعاً برهن فارس ما حدث بكلماتٍ موجزة:
هي فاهمه غلط يا سليم، ده أنا كنت بجبر بخاطر منة أنت عارف الامتحانات والحالة النفسية وكده..
ولكمها برفقٍ قائلاً في ضيقٍ:
ما تتكلمي.
أخفضت نظراتها للأسفل بتجاهل صريح لمساعدة قد تفتك بها هي الأخرى، ردد آدم بغضبٍ وهو يوجه كلماته لها:
يخربيت دماغك تودي القبر، بتتبلي علينا!.

جذبه سليم من تلباب قميصه ثم جذب أخيه بنفس الطريقة المشرفة، ليتجه بهما للخارج قائلاً دون النظر للخلف:
خليكم انتوا هنا..
اومأت كلاً منهن برأسها فأغلق الباب من خلفه ليقف قبالتهم وهو بحدجهم بنظراتٍ قوية ختمها بقول:
بقى أنا بقوم بواجبي على أكمل وجه علشان أسد في غياب مراد ورحيم وأنتوا بتستغفلوا غيابي وعايشين دور قيس وروميو على اخواتي!.
رفع آدم أصبعيه بصدمة:.

روميو مع مين هي أختك دي يسد قدامها حد، وعهد الله أنا كل يوم بخاف منها أكتر، طب دي مش سامحالي حتى أمسك أيدها تقوم تساويني بروميو لا بلاش تظلم الراجل..
رفع ياقة قميصه وهو يتصنع بأنه يظبط ما تلفه سابقاً ليلكمه بقوة حول رقبته قائلاً بغيظٍ:
ده الموجود ان كان عاجبك..
رفع فارس حاجبيه في سخطٍ، فألقى كلماته الخبيثة على مرمى السمع:
اللي يسمعك وأنت بتتكلم يقول عليك كنت محترم اوي لحد ما لبست البدلة السودة..

استدار سليم تجاهه بعدما قرر ترك آدم الذي يعد ملاك تجاه هذا الشيطان الشرس، فأبتسم بمكرٍ وهو يجيبه:
أوكي يا فارس أعمل ما بدالك بس برضو مش هجوزهالك الوقتي، هسيبك كده لحد ما تموت وأرتاح منك..
وتركه وكاد بهبوط الدرج فاستدار تجاههم قائلاً بخبث:
أعمل حسابك يا آدم فرحك الاسبوع اللي جاي..

وتخفى من أمامهما لتتعالى ضحكات آدم على ما أصاب أخيه من صدمات متتالية لا علاج لها سوى الضرب المبرح عله يشعر بأن الحياة ما زالت تدب من حوله.

ما رأته بعينيها جعلها كالقطة الصغيرة التي اعتادت أن تتبع أمها لأي مكان تذهب إليه، وحينما تشعر الأم بأي خطر تخطفها بين فمها وتهرول بها بعيداً ولكن تلك المرة لم تجد من يعينها أو يعاونها على النجاة، فباتت بمفردها تصد الهجمات الشرسة التي تعرضت لها على يد هؤلاء الذئاب البشرية المجردة قلوبهما من قاموس الرحمة، ارتجف جسد فطيمة بلا توقف وكأن هناك من يذكرها بما قضته بالأيام الأخيرة، باتت حالتها أكثر سوءاً مما جعل الاطباء المعالجون يعرضوا حالتها على رحيم مع تقديم اقتراحات بضرورة ارسالها لمشفى خاص بعلاج الأمراض العقلية والنفسية، على الفور أمر رحيم بإرسال طائرة خاصة لنقلها لمشفى أمن بالقاهرة، على عكس مراد الذي عاد ليستكمل طريقة علاجه المختارة معه، فكلما وجده يتألم ويكاد أن يصرخ من شدة مطالبة جسده بالمزيد من السموم كان يبتكر طريقة ما ليجعل عقله منشغلاً بعيداً، لف حول معصمه الرباط الخاص بالملاكمة وهو يشير لمن يتابعه بنظراتٍ غاضبة على من لا يؤخر وقت لا يستغل به حالته فقال رحيم مبتسماً بمكرٍ:.

أيه رأيك نحيي الأمجاد السابقة!.

على غير عادة منه تلقى ضربة أصابت عينيه بلكمةٍ جعلت أنفه ينزف بشدةٍ، أشار له رحيم بالنهوضٍ مجدداً فمازالت المعركة باقية بعد، نهض على أقدامه وهو يحاول مراراً صد هجماته القاسية تجاه جسده، بالماضي كانت قواهم متساوية فلم يكن من السهل أن يتغلب أي منهما على الأخر أم الآن فجسده الهزيل يعيق تحركاته، تحمل على ذاته وهو ينهض من جديد فأتاه صوت رحيم الساخر:
اقف على رجليك..

نهض وهو يئن من شدة الآلآم المفرطة التي تهاجم جسده الهزيل، فحاول بكل قوة امتلكها تسديد أي ضربة لوجهه ولكن يديه كانت تهتز وكأنه فاقد الوعي لأثر الخمور، ربما في وقت سابق كان يصمد لساعاتٍ طويلة ولكنه الآن لم يحتمل سوى بضعة دقائق...

ألقى بجسده على الفراش والبرودة تنخر عظامه بقسوةٍ، الهاتف من أمامه ينير بصورةٍ ابنته تارة وبصورة معشوقة القلب والروح مرة أخرى، يغلق عينيه بعجزٍ ورغبة منه على الإحتمال، ساعات فأيام تتوالى وحاله يزداد سوءاً حتى أصبح بداخله عزيمة أقوى بالمحاربةٍ، أسبوعاً كاملاً قضاه بممارسةٍ الرياضة العنيفة وأسبوعاً أخر قضاه بقطع أغصان الشجر العملاق، تارة يتراوح فترة بترها ما بين يومين ويوم حتى أصبحت فتراتها ساعات معدودة...

بفأسه القوي منحها ضربة الخلاص لتستقر بجسدها الثقيل أرضاً، ابتسامة مشرقة تشق الطريق على وجه الجوكر الذي استعاد جزء كبير من صحته المهدورة، ومن خلفه وعلى مسافة قريبة منه، وقف بشرفة الكوخ يراقبه بنظراتٍ يترقصها الفرح حينما شعر بأن خططته قد جنت ثمارها، فوضع كوب القهوة من يديه ثم هبط ليقترب منه مشيراً له بابتسامة ماكرة:
أيه رأيك نتدرب..

وقف في مقابله وهو يحاول التقاط انفاسه بانتظامٍ بعد مجهوده المفرط في قطع الشجرة المغروسة بالارضٍ بقوةٍ، رفع رحيم يديه مستهدفاً وجهه فمنعه بلائحة يديه من الوصول إليه، ثم انحنى بساقه ليجعله طريح الأرض، ثم لف يديه حول عنقه وهو يهمس له بغضبٍ:
متحاولش تستغل الحالة اللي كنت فيها تاني لانك هتندم..
ابتسم رحيم بعدم تصديق، ثم قال بمكرٍ:
أهلاً برجوعك يا شريك..

دفعه بعيداً عنه وهو يستقيم بوقفته، فتركه وتحرك تجاه ساق الشجرة الذي يفترش الأرض، فجلس فوقه وهو يتأمل الفراغ من حوله، جلس لجواره وهو يتفحص وجه الصلب فباغته بسؤالٍ يحمل الدهشة بين طياته:
شايفك مش مبسوط انك رجعت أحسن من الأول!.
اجابه بنبرةٍ حزينة:
وهفرح ليه وأنا برجوعي هيكون في ألف سؤال كله لوم وعتاب؟!.

علم ما يقصده بكلماته، فكيف سيحتمل الإجابة على زوجته حينما تسأله أين كان حينما احتاجت لوجوده لجوارها في وقت هكذا، التزم الصمت قليلاً ثم قال بهدوءٍ:
العتاب أفضل ألف مرة من الفراق والوحدة يا مراد، حنين أكيد هتفهم ده..
هز رأسه بهدوءٍ، فأخرج رحيم من جيب جاكيته السلسال الصغير ليقدمه اليه قائلاً ببسمةٍ خبيثة: .
ولازم تكون جاهز لمقابلتها هي كمان ولا أيه؟.

التقط منه السلسال حينما شعر بأنه يستحق ان يحمله الآن، ابتسامة صغيرة مرسومة على طرفي شفتيه وهو يتأمله عن ظهر قلب، يود لو أغلق عينيه ثم يفتحهما ليجد ذاته أمامها...

بالحديقة..
كانت تطلع لشجن وهي تقص عليها بعض المواقف الطريفة لتجبرها على التفاعل معها، ولكنها فشلت في الانسجام معها، وكأن وجهها تطبع على قالب الحزن المميت، ترأه بكل ثانية يقترب منها وحينما تبحث عنه لا ترأه، صعدت حنين لغرفتها بخطواتٍ متعثرة، فألقت بنظراتها الخاطفة تجاه ابنتها التي عادت منذ أيام قليلة من الحضانة، كانت تظن بأنها ستمنحها سعادتها المفقودة ولكن مازال قلبها يملأه الظلام..

اقتربت من فراشها وهي تمرر يدها على رأسها الصغيرة، فقالت بدموعٍ شقت طريق وجهها:
عارفة اني مقصرة معاكي بس قلبي مش قادر يحس بيكي وهو موجوع علشانه..

وعادت لفراشها ودموعها تشاركها كالرفيقة التي تزيح عنها، يدها التقطت صورته الموضوعه على الكومود وقربتها من قلبها لتحتصنها بقوةٍ، عينيها مغلقة برغبة اللقاء وكأنه فانوس سحري يطالبها برغباتها، عينيها اعتاد الدمع على زيارتها، الحزن أصبح لا يليق سوى بها، وعلى غير عادة كانت تجلس بعيداً عن فراشها الذي باتت حبيسته، الضوء الخافت أنار لها ظل ضخم لشخصٍ يقف من خلفها، ابتلعت حنين ريقها بتوترٍ وهي تحارب أفكارها المخطئة منذ عودتها للقصر وبالأخص للجناح، فأغلقت عينيها الهزيلة بقوة وهي تردد بأنفاسٍ خافتة:.

مش صحيح، أنت مش موجود..
حنين!.

صوته الرجولي حطم سقف الخيال الذي ينسجه عقلها، يا ليتها كانت تتوهم، هو من يقف خلفها، نهضت عن مقعدها بخطواتٍ متعسرة فجسدها مازال ضعيف لكونها ترفض الأدوية والمسكنات، رأته بوضوحٍ يقف من أمامها بوقفته المنتصبة الشامخة، دمعاتها انسدلت بقهرٍ وهي تقترب منه، كادت بالسقوط أكثر من مرة حتى وقفت قبالته، أمامه بالتحديد لا يفصلهما خيال ولا واقع ولكن عليها اجتياز ما يعتريها من غضبٍ مهلك تجاه رحيلها وتركه لها تعاني!..

نظرات مطولة وحديث ثائر، فجرته برفع قبضة يدها بقوةٍ وهي تضرب صدره بكلتا يديها، مرة تلو الأخرى وهي تسأله بدمعات تقص معاناة مؤلمة:
ليه عملت فيا كده ليه؟.
حاول تقيد حركاتها، ولكنها كانت تدفعه بعيداً، جسدها الهزيل اجتازه طاقة غريبة لم تمتلكها يوماً فصبت ما بها من كل لحظة اشتاقت لرؤياه، تحكم بجسدها جيداً وهو يردد بصوتٍ جعل جسدها يستكين:
هسمعك وهعتذر ألف مرة بس إهدي..

وقربها اليه وهو يضم رأسها اليه قائلاً بألمٍ:
وحشتيني..
تمسكت به بأصابعها المرتجفة وهي تبكي بقهرٍ جعله يضمها برفقٍ اليه حتى شعر بسكون حركتها فابعدها عنه وهو يناديها بخوفٍ:
حنين!.
فقدت الوعي بين يديه وتركت قلبه يلتاع قليلاً عليها مثلما اختبرت اسوء ما يشعر به العاشق الذي يئن للقاء بيد القدر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة