قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث والعشرون

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث والعشرون

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث والعشرون

لوعة العشق يصاحبها آنين خافت، يطالب القلب بمزيدٍ من الآلآم، يعاتبه حينما يحتضنه خفقة من السعادةٍ في حين أن المعشوق غائب عن العاشق، يتملكه بحصارٍ من التعاسةٍ والعذاب عله يناجيه فيستمع للفؤاد المنادي بحسرةٍ الفراق والتمني باللقاءٍ مجدداً، حينها تحاصره هالة الذكريات شفقة منها فتمنحه بعض اللقطات التي حملت أسمى المعاني لعله يحظى بأيامٍ إضافية للبقاء على قيد الحياة، كالزهرة هي إقتلعت جذورها بفراقه عنها، تساقطت بتلات أوراقها أولاً ثم ذبلت وأصبحت عودتها لما سبق بعهدها أمراً محال، مازالت بمخضعها ترفض تصديق ما رأته منذ قليل، ترفض تصديق سماع صوته الذي يناديها مراراً وتكراراً، ترفض تصديق يديه التي تحرك وجهها بخوفٍ ولهفة...

تشعر برأسها تتكئ على صدره القاسي بعدما نزع قلبه من جسده ليبقى بعيداً عنها كل تلك الفترة، حملها مراد للأريكة القريبة منه، فوزع نظراته بالمكانٍ ليجد زجاجة من المياه موضوعة على الكوماد، أسرع بخطاه ليلتقطها فوقعت عينيه على ملاكه الصغير التي تحتل فراش جناحه، بسمة صغيرة زينت وجهه المعتم ود لو تمكن من حملها بين ذراعيه ليضمها اليه ولكن كان عليه التحرك، عاد سريعاً إليها، ففتح الزجاجة لينثر بعض من قطرات المياه على وجهها، رمشت بعينيها عدة مرات حتى تمكنت من فتحهما وإن كان على مهلٍ، التقت عيناها اللامعة بالدمع بعينيه المتلهفة للإطمئنان عليها، وجدها تطالعه بنظراتٍ صلبة لا ترمش لها جفن، يعلم ما الذي ارتكبه ولكنه غلب على أمره، قرب يديه من وجهها فوجدها مازالت تنظر للفراغ، حثها بندائه علها تنتبه اليه:.

حنين، أنا جانبك يا حبيبتي...
بسمة ساخرة رسمت على شفتيها، فقالت بصوتها الخافت:
لحد أمته؟.
ضيق عينيه بعدم فهم، فأسترسلت حديثها بدموعٍ:
هتفضل جانبي لحد أمته وهتسبني برضه أمته ويا ترى فترة الغياب المرادي هتكون أد أيه؟، شهر ولا سنة ولا العمر كله؟.
إخترقت قلبه بسهامها النافذة، فتلامست أصابعه وجهها برقةٍ لتزيح دمعاتها المنسدلة، قائلاً بتحدٍ لكلماتها المؤلمة:
لحد ما الموت يرحب بيا، وقتها مش هقدر أكون جانبك..

رمشت بعينها عدة مرات، ثم استقامت بجلستها، فقالت بهدوءٍ مخيف:
وأنا المفروض أخمن بغيابك إذا كنت عايش ولا لأ؟!.
وبنظرة عاتبته أشارت له بيدها قائلة:
أنت عارف أنا اتوجعت أد أيه أنت اتخليت عني في أكتر وقت أنا أحتاجتلك تكون فيه جانبي...

يعلم جيداً المعركة المصيرية التي عليه أن يخوضها، ترك مقعده الذي يقابلها ثم جلس لجوارها، الصمت أطبق عليه لدقائق لا يعلم بها كيف سيقص عليها ما تعرض له، كسر حاجزه حينما أمسك بيدها ليقربها اليه ثم قال بعد تردد ملحوظ ونظراته على الفراش البعيد عنه بمسافة:
أنا لو عملت كده فعشان كنت خايف إني أتعلق بيها واختار اكون جانبها في الوقت اللي حد تاني محتاجالي ولانه واجبي مكنتش هتقدر أتخلى عنه...

ثم عاد ليتطلع لها من جديد ليمنحها بسمة تعيسة:
يمكن أكون اختارت أني أبعد بس صدقيني الرجوع مكنش من اختياري..
وازاح دمعاتها بيديه وهو يهمس بسخريةٍ:
أنتِ أخدتي تشوفيني وأنا واقف على رجلي وعندي عزيمة أحارب الدنيا كلها فمكنش ينفع تشوفيني بالحالة اللي كنت فيها...

صدمت حينما استمعت لكلماته الأخيرة، كلمات كانت كافيلة بنقل صورة صغيرة غما تلقاه من ألمٍ، تتبعت الدمعات دمعات أخرى ثم شهقات خافتة، احتواها بين أحضانه بقوةٍ شفت جوارحه، ملأت فراغات قلبه بالاشتياق لها، لم يعد يريد أي شيء أخر سواها، الشوق القاتل جعل كل شيئاً حوله مجهول، فأصبح عالمهما الخاص ملجأهم الوحيد لكلاً منهما...

بخطاه الثابت شق الدرج صعوداً لجناحه الخاص، رغم جمود ملامحه ولكن قلبه الملتاع يتمرد اشتياقاً لرؤية شجن قلبه، ولج لجناحه وزيتونية عينيه تبحث عنها، وجد غايته بمقعد قريب من الشرفة، إقترب منها بهدوءٍ حتى لا يوقظها، وجدها غافلة على المقعدٍ بإسدالها وبين يدها تحتضن مصحفها الشريف، انحنى بقامته ليصبح مقابلها، ونظراته تنساب من على معالم وجهها لتتفحص حجم بطنها الذي لم ينمو بعد، أزاح رحيم إبرة الحجاب برفقٍ ليتحرر عنها فتنساب خصلات شعرها بخفةٍ، حملها بين ذراعيه ثم وضعها على الفراش ليداثرها بالغطاء جيداً، رائحته إخترقت حواسها لتوقظها عمداً، شعرت به لجوارها فتمسكت بيديه التي ترفع الغطاء على جسدها بحنانٍ، اشرأبت بعنقها لتجده لجوارها فهمست بفرحةٍ:.

فريد!.
وجهها البريء يجعل قلبها يقرع دفوف الطبول وكأنه يعلن عن معركة مصيرية، نطقها لحروف اسمه جعل جسده يهتز بأحاسيس مربكة، أحمر وجهها خجلاً حينما وجدت يدها تتمسك بيديه فكادت بسحبها وهي تتساءل بارتباكٍ:
أنت رجعت؟!.
أمسك بيدها بقوةٍ وجلس لجوارها قائلاً بصوته الرجولي الذي زادها حياءٍ:
قولتلك لما هتحتاجيني هتلاقيني جانبك..

أخفضت نظراتها عنه على استحياءٍ، إزداد حينما مرر يديه على جنينها الصغير، متسائلاً بأهتمامٍ:
تابعتي مع دكتور؟.
هزت رأسها نافية فمنحها نظرة صارمة جعلتها تبرر ببعض الخوف فربما ستلبسه الآن شخصية رحيم زيدان:
إنشغلت بحنين ونسيت نفسي...
أعاد تلك الخصلة المتمردة خلف أذنيها وهو يردد بخبثٍ:
هنشوف الموضوع ده بعدين..
ثم همس بمكرٍ وعينيه تتطلع اليها بمشاكسةٍ:
عندي كلام كتير حابب أقولهولك ولازم تسمعيه كويس..

ضيقت عينيها بعدم فهم:
كلام ايه ده؟.
أغلق الضوء وقربها اليه مردداً بخبث:
هتعرفي...

جابت الغرفة ذهاباً وإياباً، فتارة تكور يدها وتلكم أي شيء يقابلها وتارة أخرى تجز على أسنانها بغيظٍ، تابعت منة حالتها بفرحةٍ وشماتة، فبعدما اعدت لها الحفر وتعمقت في فحرها أصبحت هي مثواها، استرقت السمع اليها فسمعتها تردد بغيظٍ:
أنا ببلغه اللي بيحصل من ورا دهره يقوم يدبسني أنا في الجوازة دي!.
ردت عليها منة بسخرية:.

هو جوزك واحد من الشارع ده جوزك يا ماما وكاتبين كتب الكتاب يعني كده كده كنتوا هتتجوزوا!.
استدارت اليها سما وهي تحدجها بنظراتٍ قاتلة، لتجيبها بغضبٍ:
أنتي بالذات تخرسي خالص، خليكي مدورها مع سي فارس بتاعك وأنا اللي أشيل الليلة..
ابتسمت وهي تهز كتفيها بدلالٍ:
وماله فارس طب ده بيحبني وبيخاف عليا..
توسطت يدها خصرها لترد عليها ساخرة:
شوف ازاي، مش ده اللي لسه قفشاه في اوضتك بيقدملك حضن تشجيعي للمذكرة؟.

أغلقت الحاسوب من امامها بضيقٍ ثم نهضت لتقف من امامها عل ردها يخرسها:
جوزي يا ماما يحضني براحته!.
عضت شفتيها بغيظٍ، لتسألها بحدةٍ:
أنتِ مالكيش اهل يسألوا عليكي يا بت انتي...
ربتت بيدها على كتفيها بشفقةٍ:
ركزي انتي مع نفسك يا سوما لحسن أنا حاسة أن سيد أميركا هيفلسع منك الواد أخد على التحرر طول عمره ولما جيه مصر قالوله كله بالحلال ولما كتب عليكي لقى حيطة سد..
رفعت شفتيها بسخطٍ:.

أيه كتب عليكي دي، اشتراني يعني!.
جلست على مقعدها مجدداً باستسلامٍ من محاولة اقناعها بأن الزوج يختلف كثيراً عن الارتباط الغير رسمي أو ارتباط التعارف، فهمست بحزن:
الله يكون في عونه منك...

التقط قميصه ثم ارتدائه مستغلاً غفلتها، فأتجه لفراشه ليتأمل ملاكه الصغير عن قربٍ، لمعة السعادة افترشت عينيه، فحملها بارتباكٍ بين يديه، فكان يحاول جاهداً أن يتعامل بحرصٍ شديد معها، يشعر وكأنه يحمل ورقة رقيقة، او قطعة نفيسة من البلور الزجاجي إن لم يكن حريصاً سينكسر بين يديه، طبع قبلة صغيرة على وجهها وهو يردد بابتسامةٍ واسعة:
مرين مراد زيدان!.

حركت الصغيرة يدها بحركاتٍ عفوية فاستكمل كلماته بابتسامةٍ عذباء:
تعرفي إني اختارت إسمك من لما عرفت خبر حمل حنين ؟.
وداعب أنفها الصغير بمرحٍ:
دي تحسبلي على فكرة..
ودث بيديه بجيب بنطاله باحثاً عن القلادة ولكنه تذكر بأنه وضعها بجاكيته فحملها وتسلل بخفةٍ ليسحبه ببطءٍ من جوار حنين التي غطت بنومٍ لم تزقه منذ عدة اساببع، ثم أخرج السلسال ليضعه حول رقبة الصغيرة بفرحةٍ..

سطعت شمس يوماً جديد، بعدما تمكنت من تضميد بعض جروح الأحبة، تلقى مراد رسالة على هاتفه المحمول، فهبط للأسفل على الفور قاصداً مكتب رحيم زيدان، فتح الباب ثم وقف من أمامه ليصيح بعصبيةٍ:
مش مكفيك أيام الممرطة دي كلها كمان طالبني من ٧الصبح، خير..
بسمة ماكرة ارتمست على وجه الاسطورة الذي حرر درج مكتبه ليتمسك بيديه بهديته الغامضة ثم رفعها بوجهه قائلاً بمكر:.

أمور العيلة بقت تمام، أنا بقول نفكر في نفسنا شوية..
تأمل ما يحمله بين يديه بعنايةٍ، فوجد أربعة تذاكر طيران، فأبتسم هو الأخر بخبثٍ ليلتقطها منه متسائلاً بحيرةٍ:
كام يوم؟.
غمز بزيتونية عينيه المشاكسة:
شهر، شهر العسل اللي مش عارفين نعيشه في وسط الصراعات دي..
ارتسم على وجه كلاً منهما ابتسامة مخيفة، وكأن كل منهما منح الآذن للأخر بفترةٍ استرخاء بعيداً عن أجواء مملكة زيدان...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة