قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد الفصل الرابع والعشرون والأخير

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد الفصل الرابع والعشرون والأخير

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد الفصل الرابع والعشرون والأخير

على المائدة المطولة التي تحتل منتصف قاعة قصر طلعت زيدان، كان يجلس سليم على المقعد الأساسي ولجواره فارس الذي يدس هاتفه أسفل الطاولة ليراسل حبيبته بحذرٍ من أن يمسك به سليم، اما بمقابله فكان يجلس مروان الذي يتناول طعام الفطور وعينيه متعلقة بمذكراته فاليوم هو الاخير له بالإختبارات الجامعية..
بسمة واسعة ارتسمت على وجهه وهو يرسل لها بشوقٍ
«أنتِ فين؟، »..

اتاه صوتها من خلفه وهي تجيبه باستغرابٍ:
وراك!.
استدار فارس للخلف ليجدها تقف خلفه وهي تشير له بالهاتف بدهشةٍ، زاغت عينيه بارتباكٍ تجاه القابع لجواره فوجده يتمسك بيديه ليلتقط منه الهاتف الذي يخفيه قائلاً بغضب:
مش قولنا نتكن شوية لحد ما الامتحانات تخلص والامور تعدي على خير علشان أخلص منك ومنها واتنيل اجوزكم!.
سحب يديه الخاضعة لقبضةٍ يديه القوية وهو يوضح له بابتسامةٍ تكبت غيظٍ عظيم:.

وإحنا قولنا حاجة يابو نسب بصبح عليها..
وضع سليم الهاتف لجواره وهو يجيبه ببرودٍ:
لا متصبحش..
أشار بأصبعيه وكأنه طالب يستأذن من مدرسه الغليظ:
طيب أوصلها الجامعة طيب..
أتاه الرد الجاف مباشرة:
لأ...
جز على أسنانه بقوةٍ وهو يردد بصوتٍ خافت:
آه لو مكنش رحيم عمل الاتفاقيات والهدنة دي كنت قتلتك وخلصت..
ترك السكين من يديه وهو يطالعه بنظراتٍ مخيفة:
بتقول حاجة يا فارس..

نهض عن مقعده وهو يجذب طبق الجبن البعيد عن متناول يد سليم ليسكب منه على طبقه قائلاً ببسمة لطيفة لا تناسبه:
بقولك مش بتأكل جبنة ليه؟!.
ابتسم بخبث وهو يشير برأسه بعدم اقتناع:
أه بحسب..
ثم قال:
أنت مش عندك شغل؟.
كظم غيظه وهو ينهض ليجذب مفاتيح سيارته وهاتفه:
ايوه عندي، هستأذن أنا بقى..

أشار له بيديه فمنحها نظرة مطولة وهي تتابع حوارهما بضحكاتٍ مكبوتة، غادر على الفور وهو يتوعد اليها بعقابٍ يناسبها، استدار سليم برأسه ليتأمل مروان الذي لا يشعر بأحداً جواره، يعيد القراءة أكثر من مرةٍ وكأنه سيدلف لإختبارات لأول مرة، ابتسم سليم وهو يراقبه خلسة، فالعشق يفعل أكثر من ذلك، بل ما يفعله أمراً هين، رغبته بأن يجتاز تلك العقبة لأجلها ما هو الا دليل لها كونه الشخص المناسب الذي يستحقها...

ساعات طويلة إستغرقتها نوماً وكأنها لم تحظو به منذ أعوامٍ، فتحت عينيها بتكاسلٍ حينما استمعت لصوتٍ بكاء الصغيرة، استقامت بجلستها ومازالت تفرك عينيها بأصابعها في محاولةٍ لاستعادة وعيها، فُتح الباب من أمامها فتفجأت حنين بالمربيةٍ تدلف للداخل سريعاً وبيدها جهاز الإرسال الصغير الذي أعطى لها إشارة بإستيقاظ الصغيرة، عبثت بعينيها وهي تتطلع للأريكةٍ التي قضت الليل عليها، فتشتت عقلها ما بين تذكر ما حدث بالليلة الماضية وبين الواقع الصريح بعدم وجوده بالجناحٍ مما يجعلها بحالةٍ من الإرتباك بأن ما قضته بالأمس هو مجرد حلم عابر طاف بها شفقة على حالها المذري، شددت بيدها على شعرها المفرود من خلفها فتقدمت من المربية وهي تسألها بصوتٍ يجاهد للصمود بعدم البكاء:.

مراد فين؟!.
منحتها نظرة متعجبة وهي تجيبها بإحترامٍ:
معرفش يا هانم بس اللي اعرفه انه مسافر من فترة.
تطلعت لها بصدمةٍ وهي تشير لها بإنفعالٍ:
لا رجع، مراد رجع ده مش حلم..

وتركتها تمصمص شفتيها شفقة عليها ثم التقطت اسدالها الموضوع على المقعد لترتديه على عجلة من أمرها ثم هبطت للأسفل بخطواتٍ شبه متعسرة فكادت بالسقوط على درج القصر العملاق أكثر من مرةٍ، تسرع بخطاها وكأنه سيغادر مثل المعتاد وتحاول بكل قوتها أن توقفه، ارتاب سليم لأمرها حينما وجدها تركض متسرعة دون أن ترى أمامها، دموعها جعلته يشك بما يحدث معها، وقف من أمامها وهو يسألها باسترابةٍ:
في أيه يا حنين!.

كلماتها حائرة، تائهة كحالها:
مراد كان فوق ومعرفش راح فين، أنت شوفته؟!.
زوى حاجبيه وهو يتساءل بدهشةٍ:
هو مراد رجع!..
آمالها تتبخر رويداً رويداً حتى صارت كالريشةٍ التي أطاح الهواء بها وهي بلى حول ولا قوة، هل باتت هزيلة بدونه لدرجةٍ أنها صارت تتخيل وجوده لجوارها، دموعها شقت الطريق على وجهها بنيرانٍ الهبته فجعلته دموياً للغاية، إقتربت منها ريم بعدما هبطت لتو لتنضم لمائدة الافطار، فسألتها بقلقٍ:.

حنين أنتِ كويسة؟
ابعدت يدها عن كتفيها وهي تحاول التماسك فرددت بصوتٍ منخفض يصاحبه بسمة ساخرة:
لا مراد كان هنا، أنا مش بتخيل..
ترك مروان مذكراته واستدار مقابلها قائلاً بحزنٍ على حالها:
إن شاء الله يرجع بالسلامة..
صرخت بانكسارٍ وقد رج صوتها أركان القصر بأكمله:
لأ، مراد رجع أنا مش مجنونة..
أراد سليم تهدئتها فقال بثباتٍ:
اهدي يا حنين، مراد لو رجع كنا هنعرف..

لم تعد قدميها بمتينة لتحملها، فأحتضنتها الأرض بين جسدها، بكت وهي تردد بعدم تصديق:
لا، مستحيل..
كادت بأن تفقد آمالها بعودته فأتاها صوته المنادي بقلقٍ:
حنين!..

استدروا جميعاً تجاه باب مكتب رحيم زيدان بعدما فتح من الداخل على مصراعيه، ليطل هو من خلفه ولجواره مراد الذي خرج بفزعٍ حينما استمع لصراخها، أسرع تجاهها، فجذب يدها ليجبرها على النهوض فابتسمت رغم الدموع التي تعاكس ما تشعر به ثم ارتمت بأحضانه تهمس بضعفٍ:
كنت واثقة اني مكنتش بحلم..

جسده يحاوطه طاقة ألم لا يطيقها حينما يرأها هكذا، تجاهل من حوله فأصبح لا يرى سوى دمعاتها التي تخترق صدره القاسي فتصيب بسهامها القلب، تعجب كلاً منهما حينما خرجوا من غرفة المكتب فسألهم سليم باستغرابٍ:
انتوا رجعتوا امته؟.
أجابه رحيم بصوته الرخيم:
رجعنا وانتوا بتعدوا النجوم ومحستوش بمين دخل وخرج من القصر..
اقتربت ريم منهما قائلة بابتسامةٍ رقيقة:
حمدلله على السلامة...
قبل رحيم وجنتها، ليربت على كتفيها:.

الله يسلمك يا حبيبتي..
حمل مراد، حنين لغرفة المكتب ليتفحص أمرها باهتمامٍ، أما بالخارج استأذن سليم بصجبة ريم للخروج فاليوم ستذهب في زيارة شقيقتها. وضع يديه بجيب جاكيته قائلاً بغموضٍ:
محدش هيتحرك بره البيت النهاردة، هنكون باستقبال طلعت زيدان...
وتركهم وتوجه خلف أخبه بخطواتٍ ثقيلة، ليجده يجلس على أحد المقاعد وهي بداخل أحضانه تتشبث به كالطفل الصغير، أبعدها مراد عنه حينما قالت بدموعٍ:.

كنت خايفة أكون بحلم ومتكنش رجعت لسه..
ربت على جسدها الصغير بداخله، هامساً بعشقٍ:
أنا جانبك ومش هسيبك..
رفعت عينيها الباكية اليه لتخبره بحسرةٍ:
كنت على طول بتقولي كده وسبتني يا مراد..
ثم أزاحت الدموع العالقة بعينيها لتخبره بصوتٍ متقطع للغاية:
أنت مش فاهم انك بقيت كل دنيتي، أنا ماليش أم وحتى بابا اللي المفروض يحتويني طلع بيستغلني..
وانسدلت دمعة خائنة من عينيها وهي تتمسك بيديه قائلة بانكسارٍ:.

أنا ماليش غيرك أنت..
إجتاز الألم قلبه، فابتسم بوجعٍ وهو يعدل كلماتها:
لا وفي مرين..
هزت رأسها بعنفٍ لتخبره بقهرٍ:
كنت فاكرة إنها هتغنيني عنك، بس وجودها مكنش فارقلي بشيء بالعكس كنت بحس بالذنب اني مش قادرة أكون أم ليها...
أزاح دمعاتها بأصابعه وهو يقربها لصدره، أرتخت برأسها قرب نبضات قلبه المتطرفة فتمرمغت بحنانه المشتاق، فهمس بحبٍ تجهل كناياته:
أنا جانبك ومقدرش أكون غير جانبك لأن ده مكاني الطبيعي..

ثم أجبرها على الابتعاد قائلاً وهو يتطلع لعينيها مباشرة:
حنين، في حاجات كتير لازم تعرفيها ووضعك ده صدقيني مش مشجعني، أنا عايزك ترجعي زي ما أنتي علشان أقدر أكلمك في السبب اللي خلاني بعيد عنك وآآ.
مراد...
تعمد أن يناديه بحدةٍ ليستجمع على اهتمامه، وما أن تطلع تجاهه حتى قال رحيم بعنايةٍ:
حنين لسه تعبانة ومحتاجة ترتاح، الفترة اللي هنسافرها طويلة تقدر تتكلم فيها عن كل حاجة أنت حابب تتكلم فيها..

كانت كلمات مشددة للغاية، بأن حالتها الصحية لا تستدعي ما يود مراد البوح بها ليخلص ذاته من ألم تأنيب الضمير الذي يختبره، طرقات خافتة على باب مكتبه أسترعت نظراته المهتمة حينما رأى شجن خاصتة تقف من أمامه، تمنحه نظرات عشقٍ ولهفة وهي تخبره على استحياءٍ:
بابا طلعت وصل..
ابتسم رحيم وهو يمنحها نظرة مهتمة جابت فستانها الأزرق بإعجابٍ شديد، فأشار بيديه تجاه اخيه قائلاً:
يلا أبوك وصل..
ضيق مراد عينيه بذهولٍ:.

أبوك!.
أكد عليه بكلماته الشبه ساخرة:
أيوه أبوك أمال أبو مين الجيران...
حمل جنين بين يديه وهو يتبعه هامساً بصدمةٍ:
واضح أن في حاجات كتير تمت من ورا دهري ولازم أعرفها...

بالخارج..

سيارة تليها الأخرى حتى أستقرت أحداهما أمام مدخل القصر الداخلي، هبط طلعت زيدان وهو يستند على ذراع جان واليد الأخرى الممدودة بالمساعدةٍ من ريان، كاد بأن يختل توازنه حينما على بنظراته ليتطلع للقصر الشامخ من أمامه فتفاجئ بيد قوية تسانده من الجهة اليمنى وما لبث أن يختل توازنه من الجهة الأخرى ليجد سند ليس بأقل قوة من الأخر، أخفض نظراته ليتطلع لجواره بأهتمامٍ تحول لصدمةٍ ودهشةٍ حينما وجد مراد لجواره يسانده بقوةٍ، والجهة الاخرى رأى أخر من توقع وجوده رحيم زيدان خطى معهم للداخل وعلامات الدهشة تستكين بين ملامح وجهه المشدوه، كأنه لا يشعر بقدميه التي تتبعهم، صعد معهم بالمصعد حتى وصل لغرفته، فأسنده رحيم لفراشه لخاص بينما داثره مراد بهدوءٍ، تابعهما طلعت بنظراتٍ مطولة انتهت بدموعٍ لا حصى لها، فقال بصوتٍ مهتز:.

في فترة من الفترات، علمني أبويا أن الاحترام اللي لازم تستنيه من ابنك مرتبط بمدى درجة خوفه منك، بمعنى انك لو وطيت ليه هيركبك وده بيبدأ من هزاره معاك ونهايته عدم خوفه منك وده مش في صالحك، ممكن أكون كنت بفكر في كلامه كتير وكنت بقارن خوفي منه في أني مستعد أشوفه في عيون ولادي..
وتنهد بألم وهو يستكمل بإرهاقٍ شديد وكلاً منهم يتابعه بعينيه بصمتٍ:.

غصب عني لقيت نفسي نسخة اتطبعت منه، لقيت نفسي بسلك نفس طريقه، لحد ما عرفت الحقيقة اللي خابتها عني نجلاء، يمكن اكون اتصدمت في تربيتها لفريد وكنت حابب اخليه أقوى من شخصيته الضعيفة المهزوزة بس من جوايا كنت عايزه يفضل كده وميتغيرش، كنت عايزه يحتفظ بالطيبة اللي جواه بس للأسف الزمن اللي احنا فيه بيعصر اللي زيه، كان لازم أقسى عليه علشان يتغير للأحسن..
ربت رحيم بيديه على صدره وهو يخبره بابتسامةٍ هادئة:.

ارتاح وبكره هنتكلم..
ابتسم وهو يربت بيديه على ذراعيه ليغلق عينيه براحةٍ نعم بها بوجود أبنائه لجواره، خرجوا سوياً وعلى وجه مراد ابتسامة أتمها بقوله:
أممم أيه اللي حصل في غيابي غيرك كده..
خطى لجواره بخطاه الثابت قائلاً بابتسامةٍ هادئة:
ابتديت اتقبل حياتي زي ما هي مفروضة عليا مش أكتر...
قابله بابتسامةٍ عذباء ليخرج ما يحتفظ به بجيب جاكيته قائلاً بمكر:
هنبدأ الرحلة دي أمته؟!.

وضع يديه بجيوب جاكيته الاسود قائلاً بابتسامة هادئة:
بعد كذه مشوار هنعمله الأول..
ضيق عينيه بعدم فهم فقال الاخير:
مش حابب تشوف فطيمة..
منحه بسمة هادئة فجذب التذاكر منه قائلاً بحماسٍ:
هخدك زيارة ليها وبعد كده نظبط امورنا هنا وكالعادة ندبس سليم ونخلع..

تعالت ضحكاته بعدم تصديق على ما أصبح عليه شقيقه، فشاركه الاخير ابتسامة مشرقة ليقف كلاً منهم بمنتصف السور الذي يتوسط مملكة زيدان، وكأن باتحادهم قوة لا يستهان بها، وربما تحدي للقادم الذي سيشق الغبار له باتحاد كلاً منهما...

انتظروا الجزء الخامس من سلسلة الجوكر والاسطورة بعنوان متى سيهتدي الوصال؟

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة