قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

رواية صراع الشياطين (الجوكر والأسطورة ج4) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

صوتها المتعب المنادي بحروفٍ اسمه، نظراتها المنكسرة التي تطالعه بها، دقت أبواب قلبه بكل ما أوتيت من قوةٍ، ليسقط بابه حطامٍ، المخدر مازال يسيطر على جسدها بتمكنٍ، فتجاهد بالا تفقد الوعي، تجبر عينيها الثقيلة على التطلع له علها تكشف إن كانت تتوهم أم لا، إنسابت دمعاتها ببطءٍ شديد على وجنتها وهي تحاول ترك عينيها مفتوحتين؛ ولكنها تنغلق من تلقاء ذاتها، تخشى بأن تكون ترسم صورته من أمامها إشتياقٍ لرؤياه، عادت لتهمس من جديدٍ بصوتٍ حروفه مهزوزة:.

رحيم...

نادلته مرتين بأسماءه المطلقة على شخصه الغامض، ترقبت أن يتحدث فتستمع لصوته، أو حتى يرمش له جفن فتعلم بكونه لجوارها، لم تكن تمتلك الوقت الكافي لتعلم إن كان وجوده حقيقاً أم مجرد وهمٍ خلقته لشوقها إليه، فأغلقت عينيها إستسلاماً لنومٍ عميق تاركة دمعاتها تتدفق على وجنتها بألمٍ، قرب أصابعه من وجهها ليزيح دمعاتها بنظراته الثاقبة، ثم عاد ليحتضن يدها بلائحة يديه، ومد يديه الأخرى أسفل رأسها ليسندها عليه بخبرة التعامل مع الإصابات المستهدفة للرأس، قربها ببطءٍ منه، فتأمل ملامحها بتمعن قربه الشديد منها، أسندها على كتفيه وهو يحتضنها برفقٍ حتى لا يؤلمها، أخترقت رائحتها الممزوجة بالمخدر برائحة البرفنيوم الخاص به، لتنتقل نثراتها لكلاً منهما، صمته المطبق يتحكم بقسماتٍ وجهه القاتم، لا أحداً يعلم ما الذي يشعر به، الغضب أم الحزن، فوجهه كالثلج العتيق لا ينصهر على الفورٍ، أغلق زيتونية عينيه بتأثر بها، بوجودها، بتثاقل أنفاسها التي تلفح رقبته، تأثراً بدقاتٍ قلبها القريب من مسمعه، شفتيها التي تهمس بكلماتٍ غير مسموعة إليه فقرب أذنيه منها ليجدها تنطق بوهنٍ شديد:.

ف، ر، ي، د، فريد...

فتح عينيه ليجدها تحاول بصعوبةٍ فتح عينيها؛ ولكنها لا تتمكن من ذلك، بكائها يتلخص بالدموعٍ المنسابة، إقترب بوجهها منها، ليطبع قبلة ملتاعة بمشاعره على وجنتها، ثم وضعها بحرصٍ شديد على الوسادة، ليستقيم بوقفته بشموخٍ غريب، وكأنه يحاول تذكار نفسه بعهده بتنفيذ مخططه تجاهها، ليعلم أي شخص تريده، توجه للمغادرة بعد قرار مصيري بالا يترك لها ما يعلمها بوجوده، ولكن دمعاتها وبكائها الصمت فتك بقلبه، اللعنة على هذا القلب الذي يقسو على عالم بأكمله ويجثو أمامها، عاد همسها بأسمه يخترق آذنيه، صوته يرتفع وكأنها تريد بقائه، رفع نظراته عنها ليتطلع لباقة الورد من جواره، فجذب أحداهن ليقربها من صدره حتى تلفحها لائحة البرفنيوم الخاصة به، ثم فتح أصابع يدها المطبقة على بعضها ليضعها بين أصابعها، ليتوجه سريعاً للمغادرة قبل أن تؤثر به مشاعره فتجبره على البقاء، رفع يديه على باب الغرفة فأذا بصوتها يصل لمسمعه رغم فقدانها للوعي:.

فريد...
أغلق عينيه بقوةٍ وبصوته المنخفض قال:
أتمنى يكون لسه ليه مكان جوايا يا شجن..
ثم حرر مقبض الباب تاركاً قلبه المعلق من خلفه، ليمضي بطريقه قدماً...

إنعقد حاجبيه باستهزاءٍ لما يستمع إليه، فأفتر شفتيه عن بسمةٍ ماكرة ختمها بنبرته الواثقة:
عارف يا فندم من غير ما حضرتك تقول ومستعد...
وأغلق الجوكر هاتفه ثم وضعه بجيب جاكيته الأسود، ليستكمل طريق الرواق الطويل بإبتسامة ماكرة وهو يهمس بسخريةٍ:
قال اللي معرفهوش!..

شعر مراد بحركةٍ خافتة تتبعه، برزت عينيه بصورةٍ مخيفة وإحتدت قبضته وفي لمح البصر كان يسدد لكمته تجاه من يلحق به، أفتر عن وجهه بسمة نصر وهو يرى وجه رحيم ينزف حينما أصابته لكمته القوية، فحرر يديه عن وضعية القتال، مشيراً له بسخطٍ:
قولتلك ألف مرة تنبهني إنك ورايا لإني غشيم...
أزاح الدماء العالقة أسفل فمه بهدوءٍ، ليقف من أمامه بثباتٍ، متسائلاً بجدية:
كنت بتكلم مين؟..

أجابه ببسمة ساخرة وهو يستقيم بوقفته مقابله:
اللوا بيعرفني إن المهمة دي متنفعش من غيري وإني لازم أسافر في اقرب وقت...
وضع يديه بجيوب جاكيته بإتزانٍ وهو يشير إليه بهدوءٍ:
خلص إلتزماتك الأول وبعدين حصلني أنا مش هاخد اي خطوة من غيرك، يكفي إني أراقب الوضع وأشوف سكة ندخلهم بيها...
تجمدت تعابير وجه مراد وهو يرد على حديثه ساخراً:
دخلة ايه!، دي شبكة دعارة دولية يعني أنت عارف الدخلة ليها هتكون عاملة إزاي؟..

هز رأسه بإيماءة خفيفة، فأضاف على كلماتهٍ بحبورٍ شديد:
اتمنى تكون في دخلة ليهم تانية بعيد عن اللي في دماغك..
ثم تحرك خطوتان تجاه الدرج الجانبي، فأوقفه مراد قائلاً بغموضٍ يتبع لهجته الرجولية:
ليه بتتهرب منها يا رحيم؟..
هبط أول درجاته وإستدار في مقابله لترسم بسمةٍ مؤلمة على جانبي شفتيه، وهو يرفع عينيه تجاهه:.

أنا عمري ما كنت ضعيف في أي علاقة زي علاقتي بشجن، كنت مستعد اديها بدل الفرصة عشرة يا مراد بس اللي هي عملته صعب أي راجل يغفره...
طافت عينيه هالة من الشفقةٍ تجاهه، فحاول بقدرٍ الإمكان أن يبدل مسار الحوار فيما بينهما، فقال بثباتٍ إنفعالي:
طيب فهمني رايح فين؟، لسه على طيارتك ساعتين...
أجابه بنظرةٍ مخيفة وهو يكمل طريقه للأسفل، وبصوتٍ صداه مخيف:
مشوار مهم ولازم أعمله...

إنعكاس الشر القابع بعينيه جعل مراد يتبعه على الفورٍ، فعلى ما يبدو بأن هناك أمراً كارثي على مقربة بأن يحدث وخاصة بعد تعمقه بنظراتٍ أخيه المخيفة، صعد لجواره بالسيارة، فأفتر وجه رحيم عن بسمة خبيثة وهو يستدير له بوجهها متسائلاً بمكرٍ:
هو أنا باين عليا أوي كدا إني رايح في شر؟..

حدجه بنظرة مغتاظة ثم تطلع أمامه بصمتٍ، فحرك مقود السيارة ليتحرك بها بقيادته السريعة بعض الشيء، مزق مراد صفحات الصمت السائدة فيما بينهما حينما قال بجديةٍ:
عرفت مين اللي إتبرع ل شجن بالدم...
قال وعينيه تراقب الطريق بحرصٍ:
حازم بلغني...
ثم استدار إليه ليمنحه نظرة فخر وهو يضيف بثباتٍ:
مش مصدق إننا نجحنا في المهمة الشبه مستحيلة دي...
إبتسم بسخطٍ وهو يعبث بقدحته ليشير له بتعجرفٍ:.

مفيش مهمة خسرانة قدامنا يا شريك...
تسللت البسمة لثغره هو الأخر وقد عاد لمخيلاته تذكار غريب بعلاقة العداوة فيما بينهما، فتساءل بذهولٍ عن ماذا سيكون نهاية هذا العداء المخيف لشخصين يفقه كلاً منهما الأخر، حتى حركات الجسد القتالية يتنبأ الأخر بها قبل أن يرفع يديه!..

فلو كانت هناك علاقة صداقة قوية من المحال أن تكون أقوى من علاقة العداء بين الجوكر والأسطورة، ورغم ذلك كان مستمتع للغاية بالعداء الخطير مع شخص يحمل نفس مبادئ النزاهة تجاه عدوه، فكلاً منهم يعلم بأنه من المستحيل أن يضربه الأخر من الخلف او حتى يشن مؤامرات لقتله بإستخدام رجاله، كلاً منهم لديه قوانين تجابه الأخر وتناطحه رأسٍ برأسٍ، فلما لا يشكلوا حلفٍ قوي وكلاّ منهما يكمل الأخر بمهارته الخاصة؟!.

أخرجه صوته ذو اللهجة الخشنة من بئر شروده بعداوته وبصداقته الغريبة، حينما قال بذهولٍ وعينيه تتابع الطريق:
مشوارك دا بالقصر؟..
تحولت ملامح رحيم للعبث وهو يزيد من سرعةٍ سيارته بشكلٍ جعل مراد يخمن مع من سيكون لقائه، فإستند على مقعد السيارة بإهمال وهو يردد بعدم تصديق:
لأ، متقوليش!..

منحه نظرة مؤكدة عما جاب خاطره، فاوقف سيارته بالخارج ليترك الحرس يصفوها كما يشاء، ثم توجه سريعاً للقصر ومن ثم سلك المخبئ السري ل طلعت زيدان، لحق به مراد ومازالت التخمنيات لسبب غضبه الغير متوقع تجاه ابيه ترواده، فأنسب خيار كان يخص شجن!..
بخطاه الثقيلة، الواثقة إجتاز الطريق ليقف من أمام أبيه، تخلى عن مقعده الوثير ثم وقف مقابله مردداً بدهشةٍ:
رحيم!..

خرجت الكلمات ثابتة من فمه، وكأنه لا يود سماع صوته بل يريد قول ما أتى لأجله فقال بوضوحٍ:
عايز أيه مني تاني؟، عايز توصلني لأيه بالظبط...
وفرد ذراعيه بحدةٍ وهو يضيف ساخراً:
حولتني لشخص أنا معرفهوش وإتقبلت دا وجاي دلوقتي تحولني لشيطان ممكن يقتل أبوه شخصياً لو إتطلب الأمر...
كان إعترافٍ خبيث وصريح لطلعت زيدان، جعله يتأمله بصدمةٍ وهو يحاول ان يستوعب ما يقال، فتساءل بإستغرابٍ:
أيه اللي بتقوله دا...

أجابه بصوتٍ كالرعد وعينيه تجابه بقوةٍ:
اللي هيحصل لو فكرت مجرد تفكير بأنك تبص لحاجة تخصني...
أفتر عن وجهه بسمة ساخرة، فرد عليه بوجهاً متجهم:
واللي يخصك دا لو هيدمر اللي كل اللي عملته معاك ههده...
على إنذاره بخطراً هادم، فخرج عن سيطرته قائلاً بلهجة أكثر صرامة:
مطلعش أسوء ما فيا، شجن هي القلب اللي مخليني وقف قدامك وبكلمك، النفس اللي بتنفسه...
ثم رفع إصبعيه مقابل وجهه ليشير له بتحذيرٍ صريح:.

عشانها ممكن أرتكب اي ذنب حتى لو هقتلك شخصياً...
إرتعبت نظرات طلعت من تهديده إليه، بداخله غيمة سوداء إستحوذت على عينيه لتريه سواد ما زرعه بداخل قلب ابنه، شعر بالمهانة وهو يشهد تهديده الصريح إليه بالقتلٍ، تشاحن الأجواء فيما بينهما جعلت الجوكر يتدخل لفض النزاع القابع فيما بينهم، فوقف أمام رحيم واضعاً يديه على صدره ليدفعه للخلف برفقٍ، قائلاً بشفرته الخاصة:
طيارتك هتفوتك...

كانت رسالة واضحة لرحيم بالمضي قدماً فمن خلفه قادراً على تنفيذ كلماته بالبقاء على معشوقته بآمانٍ، لذا وبدون أن يضيف أي كلمة سحب نظراته القاتلة، المسلطة تجاه طلعت زيدان وخرج من المكانٍ، تاركاً الأمر إليه، تابعه بعينيه حتى خرج من أمامه فقال بتأثرٍ:
مش قادر أصدق إن ابني بيهددني!..

اشتعلت نظرات الجوكر الذي يوليه ظهره، ليستدير مقابله بحركةٍ سريعة، وعينيه لا تنذر نظراتها المتفحصة لملامح وجه أبيه بالخير، بدأ مرتبكاً للغاية وهو يحرر جرفاته بعدم تصديق، فتمتم بخفوتٍ:
بيهددني بالقتل عشان البنت دي!..
وبكرهٍ وحقد دافين قال بعزمٍ لما ينوي فعله:
طيب يوريني هيحميها مني إزاي أنا همحيها من على وش الوجود وهنشوف مين اللي هيقف قدامي!.
حرر عقدة لسانه ليجيبه بصوته المتزن بلباقةٍ:.

هو مش هيكون موجود عشان يحميها، بس انا موجود..
رفع عينيه المصعوقة ليتطلع إليه بصدمةٍ، اشتدت عين الجوكر بلهيبها المحرق فأستطرد كلماته الثابتة كالخنجر الذي يعلم مكان الإصابة بالتحديدٍ:
أنا اللي هقف في وشك، يمكن السواد اللي زرعته في قلب رحيم كان تأثيره القوي عليك أنت فمش دا اللي تخاف منه...
ثم إقترب ليقف مقابله، هامساً بفحيحٍ مخيف:.

خاف من اللي عاش لوحدي وعمل نفسه بنفسه، مكنش باقي على حد ولا عليك أنت شخصياً لما حبيت تكسره عشان يكون تحت جناحتك، عافر وكمل ووصل للي عايزه بدون مساعدتك...
ابتلع ريقه بصعوبةٍ بالغة فأي ألماً سيلاقاه أصعب من تهديد أبناءه إليه، فقال بصوته المتقطع:
أنت بتهددني أنت كمان يا مراد!.
أجابه بنظراتٍ مفترسة وكلمات واثقة تخرج بلا تفكير:.

أنا كنت معاك وفي دهرك لما كنت حاسس إنك راجع ندمان على اللي عملته، لكن باللي بتعمله دا أثبتلي إنك مستحيل هتتغير...
وتركه وكاد بالمغادرة، فصرخ به طلعت بجنونٍ، وكأنه فقد صوابه:
أنتوا فاكرين إن أنتوا اللي عشتوا قصص حب بس، انا كمان حبيت في يوم من الأيامٍ بس كان جوايا إحترام لأبويا اللي رباني، مقدرتش اقف في وشه ونفذت اللي هو عايزه وإتجوزت وعشت حياتي...
شبح بسمة مخيفة زارت شفتيه، فاستدار ليكون مقابل عينيه:.

دا مش إحترام دا اللي بيسموه الخوف واللي للأسف برضه مش موجود عند رحيم ولا عندي عشان كدا لازم تعدل المقارنة والموازنة بينا وبينك...
وبلهجةٍ خشنة رجولية اضاف:
إحنا مفيش حاجة نخاف منها، واللي هتسمعه دلوقتي اللي هيحصل، أشجان مش هتفكر تأذيها ولو بكلمة، و يوسف و نغم ترتيبات جوازهم هتكون مسؤوليتي ووريني هتمعني إزاي؟..
حاول إستعطافه تجاهه، فقال بحزنٍ:
حتى إختيار الشخص المناسب لبنتي مش من حقي!..

رد عليه بنظرة متفحصة لرسمه دور الاب الحنون الغير لائق عليه بالمرةٍ:
من حقك بس لو أنت موجود فعلياً مش مجرد صورة وعليها شرطة سودة...
وصعد الدرج الجانبي الموصول للاعلى، فإقترب طلعت منه، رافعاً صوته بعصبيةٍ بالغة:
البنت دي هتدمره ليه مش قادرين تفهموا!..
زفر بمللٍ من تكرار حديثه، فاستدار بجسده قائلاً ببسمة هادئة:
ماما نجلاء دمرتك بس لما سابتك مش لما كانت معاك...

أخفض عينيه عنه، وقد مسته كلماته المختصرة، دفعه للتفكير بالأمر بمنظورٍ أخر، إسترسل مراد حديثه حينما قال:
عارف أيه اللي يوجع بالموضوع؟.
استحوذت كلماته على إهتمامه المطلوب، فقال وهو يغادر القاعة نهائياً:
إنك عشت التجربة دي قبل ورغم كدا مازالت مصمم تكون نسخة الوالد اللي دمر حب ابنه...
وتركه مراد غارقاً بصفعاتٍ كلماته المؤلمة، لعلها تفيقه وتجعله يستعيد وعيه المفقود...

بالمشفى...
حركت رأسها تلقائياً بعدما بدأت بإستعادة وعيها المفقود، فتأوهت ألماً حينما لامس رأسها الملفوف بالوسادةٍ، شعرت حنين بحركتها الخافتة فوضع القرآن الكريم على الكومود الأبيض من جوارها ثم هرعت لتقف جوارها، تمسكت بيدها متسائلة بلهفةٍ:
شجن سامعاني؟..
أومأت برأسها ببطءٍ فأدمعت عين حنين بفرحةٍ وخاصة حينما فتحت عينيها بشكلٍ واضح، فخرج صوتها الهزيل وهي تتذكر رائحته التي إحتضنت جسدها المسجي:.

رحيم...
ثم رفعت رأسها، محاولة النهوض فصرخت بها نجلاء التي أنهت صلاتها لتو، قائلة بخوفٍ:
إستريحى يا حبيبتي عشان جرحك لسه طري...
تساقطت الدموع على وجهها تباعاً وهي تعافر للنهوض:
رحيم كان هنا؟..
اجابتها حنين بحزنٍ على حالها:
لا محدش شافه، إهدي انتِ بس عشان الحالة اللي أنتِ فيها...
بكت بألمٍ وهي تحاول الجلوس فلامست الزهرة أصابعها، لتتفاجئ بها، قربتها إليها وقد تسربت رائحته إليها، فأشارت لحنين بفرحةٍ:.

رحيم كان هنا انا لازم أشوفه..
وهمت بالوقوف على قدميها ولكن سرعان ما سقطت مغشي عليها من أثر الجراحة، ولج الطبيب مسرعاً ليتفحص نبضها ومن ثم الجرح فوجد الأمور تسري على ما يرام، فطلب منهم ان يخرجوا حتى تستريح قليلاً، وبالفعل جلست كلاً منهن بالخارج، انهت الرواق الطويل لتبحث عنهم فما ان إقتربت منهم حتى مدت يدها بالقهوة تجاههم قائلة:
جبتلك قهوة معايا يا ماما نجلاء..

رفعت عينيها لتجد نغم من أمامها فأبتسمت بسعادةٍ وهي تستمع لكلماتها المطمنة لقلبها بقبولها، جلست جوارهما، فقدمت لحنين كوب من البرتقال، وهي تخبرها برقةٍ:
أشربي دا عشان البيبي..
تناولته منها ببسمة إمتنان:
ميرسي يا قلبي...
وبدأت بإرتشافه على مهلٍ فقد غلبها تعب الإنتظار بالمشفى حتى نجلاء لاحظت ذلك، بحث سليم عنهما حتى وجدهم فدنا منهم متسائلاً بإهتمامٍ:
ها يا جماعة مفيش جديد؟.
ردت عليه نجلاء بلهجة حزينة:.

فاقت يا ابني ورجعت أغمي عليها تاني...
أشار لها بتفهمٍ، ثم باغت بقول:
هتفوق وهتبقى كويسة إن شاء الله...
رددت ببسمة هادئة وهي تتطلع له بحنان:
إن شاءالله يا حبيبي...
أتاهم صوت جان من خلفهم وهو يضع الأوراق في جيبٍ جاكيته ويخطو جوار ريان:
خلصنا الحسابات وكله تمام...
إبتسم لهما في حبورٍٍ:
كويس...
ثم رفع حاجبيه بدهشةٍ وهو يبحث بعينيه خلفهما:
أمال آدم فين؟..
رد عليه ريان بتوضيحٍ:
جاله تليفون ومشي على طول...

أشار لهما قائلاً بثباتٍ:
إرجعوا أنتوا القصر وأنا هفضل هنا معاهم...
أومأ ريان برأسه بخفةٍ، ثم كاد كلاً منهم بالإنصراف، فتحرك فك نجلاء ناطقة:
روحي معاهم يا حنين لازم ترتاحي شوية عشان كدا غلط يا بنتي...
كادت بالإعتراضٍ، فشددت على كلماتها بحنوٍ:
إسمعي الكلام عشان اللي في بطنك...
هزت رأسها بإستسلامٍ، ثم لحقت بهم للسيارة...

استند بجذعه على جسد السيارة بتعبٍ يستحوذ على تعابيرٍ وجهه الواهن، تفحص ساعته بتفحصٍ وهو يتطلع لوشوش الطلاب من أمامه ليحاول أن يجدها من بينهما، لوحت له سما بيدها من بعيداً وهي تدنو منه ببسمتها المشرقة وهي تشير له بإعجابٍ:
في معادك بالظبط...
رسم بسمة باهتة على وجهه، فتساءل بإستغرابٍ:
كنتِ عايزاني ليه؟.
أشارت له بعينيها بضيقٍ تجاه باب السيارة، ففتحه بتذمرٍ وهو يتمتم:
أه، اسف، إتفضلي...

صعدت للمقعد المجاور له، فجلست بتفاخرٍ، هاجمه دوراً حاد فعلى ما يبدو بأنه يشعر بهبوطٍ حاد جراء تبرعه بالدماء دون أن يتناول طعام الإفطار، وضع يديه على جبينه يحاول التحكم بدواره العنيف، فقاد السيارة بصمتٍ، استدارت سما بجسدها مقابله، لتحدجه بنظرةٍ ماكرة:
كنت عايز تعرف أن طلبتك تجيلي ليه وتقف قدام عربيتك تستناني؟..
حاول بقدرٍ الإمكان السيطرة على عينيه التي تجاهد دوراه الحاد، فقال ليشتت إنتباهها عنه:.

ليه؟.
أجابته ببسمةٍ واسعة:
بصراحة بسيوني كفة كان واقف ببتنجان النهاردة قدام الكلية، فقولت اوريله الشاب الروش اللي إتجوزته ياكش يبطل يعاكسني ويخزى...

ترقبت رد فعل لما قالته منذ قليل؛ ولكنها وجدته صامت وكأنه لم يستمع لشيئاً، تطلعت له بقلقٍ حينما رأته يحرر جرفاته عن رقبته بأنفاسٍ ثفيلة للغاية وقد بدى العرق يتصبب على جبينه كالشلال، أوقف سيارته بمكانٍ مسالم ثم استند بجسده على مقعد القيادة بإستسلامٍ، إنقبض قلبها بفزعٍ، فتمسكت بذراعيه وهي تسأله بقلقٍ:
آدم أنت كويس؟..

أغلق عينيه بقوةٍ وهو يحاول محاربة الإغماء، ولكنه تمكن منه بإنتصارٍ، ليعلو صراخ سما بخوفٍ وقلبٍ ملتاع:
آدم!..

علمت من الخدم بأنه بطابق المسبح الأعلى فتوجهت إليه بإستخدام المصعد، فخرجت منه وهي تبحث عنه بمكان المسبح الكبير، لتجده يسترخي بالمياه، عينيه مغلقة بإنتشاء عجيب، وكأنه هناك علاقة طيبة تجمعه بالمياه التي تحمل عينيه لون أمواجها الهادئة حينما تسيطر عليه غيمة الحب وحينما يجرفه الموج فيصبح أشد خطورة، قد يبتلع كل ما يقابله، تأملته حنين بنظرة مطولة، فكادت بأن تخيفه ولكنها تفاجأت به يقول دون أن يفتح عينيه:.

كنت هطلب من حازم يرجعك عشان ترتاحي شوية...
جلست على المقعد المطول المجاور لسطح مياه المسبح، قائلة ببعضٍ الإرهاق:
جيت مع ريان و جان..
فتح عينيه الزرقاء، ليستدير بجسده مقابلها، فقال وقدميه تتحرك بحريةٍ بالمياه:
شجن عاملة أيه دلوقتي؟.
ردت عليه بحزنٍ بادي بلهجتها:
مصممة ان رحيم كان بالمستشفى، حاولنا نهديها بس معرفناش...
تشكلت بسمة ساحرة على شفتيه وهو يجيب على كلماتها الحائرة:
إحساسها في محله...

ضيقت عينيها بعدم تصديق، فاستطرد ما قيل:
رحيم كان عندها بالمستشفى من ساعة...
ردت عليه بعصبيةٍ تتبعت لهجتها الحادة: .
هو بيعاقب نفسه قبل ما يعاقبها، دا حتى مهموش اللي حصلها...
تمدد بجسده على سطح المياه وهو يقول بتحذيرٍ قد تناسته:
حنين مش قولنا كل واحد حر في حياته، وأحنا ملناش نتدخل بينهم...

صمتت بإقتناعٍ، ثم فردت جسدها على الأريكة الشبيهة بالمقعدٍ عل جلستها تكون مريحة لجنينها، شردت للدقائق خرجت بها بدهشةٍ إختفائه من المسبح، فنهضت تبحث عنه بالمياه بصدمةٍ وهي تناديه بتوترٍ:
مراد، مراد...
وخز قلبها، فاقتربت من أول درجات المسبح، فكادت بالهبوط وهي تصيح بإسمه بخوفٍ، صعد فوق سطح المياه حينما رأى قدميها الموضوعة على الدرج، فقال بإتزانٍ وهو يلتقط أنفاسه بإنتظامٍ:
لحقت أوحشك؟.

رمقته بنظرةٍ نارية، فجذبت المنشفة الموضوعة على حافة الدرج المعدني لتقذفها بوجهه، تفادها ببراعةٍ وهو يصعد للأعلى، فحملها بين ذراعيه وهو يتفقد عينيها القلقة، فقال ببسمة خبيثة وهو يتجه بها لغرفة تبديل الملابس المجاورة لمسبح المياه:
العصبية مش حلوة عشانك...
صرخت به بشراسة وهي تدفعه بعيداً عنها: .
نزلني...
رفع حاجبيه ساخراً، فقال بخبث:
ولو منزلتكيش هتعملي أيه!..

رمقته بنظرة محتقنة بالغضب، فابتسم وهو يضعها برفقٍ على الاريكة المقابلة للخزانة الضخمة، ثم جلس من خلفها ليقربها إليه، محتضناً بيديه جنينها، استند برقبته على كتفيها وهو يتطلع للمرآة المقابلة إليهم، ليهمس ببسمة فتاكة:
البيبي بيكبر...
وأشار على بطنها، فتأملتها ببسمة خجلة بعدما صارت بارزة بعض الشيء، مرر يديه عليها وهو يقول بشوقٍ كبير:
ياريت الأيام تعدي بسرعة عشان اشيلها بين ايدي...

التفت إليه بغضبٓ، لتكون مقابله:
أنت ليه مصمم إنها بنت، دا أنت مصدق نفسك أوي وشوية وهتختارها الأسم كمان..
غمز لها بعينيه المشاكسة:
ومين قالك إني مخترتهوش...
سألته بعدم تصديق:
مش معقول بجد...
ثم قالت بفضولٍ فشلت بإخفائه:
والأسم دا يطلع أيه؟.
إبتسم وهو يستند بجبهته على جبهتها قائلاً بعشقٍ:
مرين، أول حرفين من إسمي وأخر حرفين من إسمك...

أفتر وجهها عن بسمة إستحياء لعشقه الذي يجعلها تخجل منه، نظرات المكر المزروعة بين حدقتيه جعلتها تعلم بما يخطط بفعله، فقالت بتذمر:
مش يلا نرجع الجناح عشان تغير هدومك وتروح المستشفى لماما نجلاء...
سد عليها حجتها قائلاً بخبث:
سليم هناك وأنا ساعتين تلاته وهكون هناك...

ارتبكت للغاية، فحاولت الإبتعاد عنه لتضمن بأن الهواء ينعشها بالقدر الكافي، كاد بإحتضانها ليعلو طرق باب الغرفة الصغيرة بقوةٍ كادت بإسقاطه ليصاحبه صوت يارا المتعصب لتجاهله لمكالماتها فقالت بحدةٍ:
إطلع يا مراد انا عارفة إنك جواااا، مش همشي غير لما تسمعني وتعرف أنا عايزة أقول أيه؟.
أغلق عينيه بغضبٍ مميت، فتتعالت ضحكات حنين وهي تبتعد عنه بابتسامة منتصرة، فرددت بصوتٍ منخفض:
أفتحلها وشوفها مالها؟.

ضيق عينيه بعصبيةٍ بالغة، فجذب قميصه ليرتديه بعدما جفف قطرات المياه عن جسده، فتح الباب بإندفاعٍ وهو يصرخ بمن تترقب خروجه: .
نعمين أنتِ كمان!، عايزة ايه؟
ابتلعت يارا ريقها بارتباكٍ، وقد زال قناع القوة عنها فقالت بصوتٍ منخفض للغاية: .
أنا كنت عايزة أتجوز...
رفع حاجبيه ساخراً وهو يقول بإستهزاء:
أه وياترى بقى العريس عليكي ولا عليا؟!

تحجرت الكلمات على شفتيها، فأشارت بإصابعيها على الأسفل، لتتجه نظراته لما تشير إليه فوجد مروان يتطلع له بنظراتٍ غامضة...

كعادته كل شهر، يضع أكياس الطعام والمال أمام باب غرفتها، وبالفعل إنحنى إياد ليضع الأكياس أمام بابها، ثم انتصب بوقفته ليتجه للهبوط قبل أن تشعر به، فتوقف محله بصدمةٍ حينما استمع لصوتها القادم من خلفه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة