قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

رفع كفيه ليتصافح كلاً منهما بحرارةٍ، ثم جلس بدر على المقعد المقابل له، ليشير للنادل الذي أتى سريعاً، فقال:
إتنين قهوة سادة يا برنس.
أشار له بابتسامةٍ واسعة، ثم غادر ليحضر ما طلبه، وحينما التفت برأسه تجاه ابن عمه وجده يحدجه بنظراتٍ كالسهام، فرفع حاجبيه متسائلاً في دهشة:
أيه؟!
أجابه عبد الرحمن بتعصبٍ شديد:
متخيل أني في الساعتين اللي كنت بستنى حضرتك فيهم دول مطلبتش عشرين كوبية قهوة!

مرر يديه على طول رقبته وهو يشير له:
حقك عليا بقا ما أنت عارف لو مفتكرتش عيد ميلادها هيحصلي أيه؟
جذب عبد الرحمن حقيبته الجلد السوداء ثم أخرج منها عدد من الملفاتٍ:
طيب نخلينا بقا بالمهم عشان عايز أرجع البيت قبل معاد أدوية أمي.

هز رأسه بخفةٍ، فطرح عبد الرحمن من أمامه عدد من الملفاتٍ، ليتابع بجديةٍ تامة شرح تفاصيل العقود التي أتمها مع التجار خارج مصر، بأمرٍ من فهد، تابع بدر مراجعة الملفات بإعجابٍ شديد من السعر الذي تمكن من الإتفاق عليه مع الشركات المستوردة، فأغلق الحقيبة وهو يدفعها تجاهه قائلاً:
ويبقى كده كل شيء تمام، بلغ عمي بقا.
سأله بدر باهتمامٍ:
ليه أنت مش ناوي تيجي الصعيد بالإجازة دي كمان ولا أيه؟

أجابه عبد الرحمن بنبرةٍ سكنها الحزن:
لا للأسف المرادي مش هقدر، لأن والدتي تعبانه شوية.
صمت بدر مطولاً قبل أن يطرح عليه ذاك الإقتراح الغير محبب:
طيب ما تجبها معاك السرايا وأهي بالمرة تغير جو.
بإبتسامة متكلفة قال:
وتفتكر هيتقبلوها، أو عمي هيتقبلها بعد اللي عملته؟

تنشطت ذكريات بدر سريعاً، ليتذكر ما طرح أمامه عدة مرات من حديث عائلته الذي غاص بالماضي ليذكره بما فعلته مروج زوجة عمه الراحلة ب راوية، مازال يتذكر كيف يبغضها الجميع؛ ولكن ما يحدث معها الآن هو حالة تزلزل المشاعر لها، فبالطبع عليهم التخلي عن الماضي، أخشونت نبرته وهو يشدد على يديه:
متقلقش سيب الموضوع ده عليا، والدتك محتاجة لمساعدة وأنت مش هتقدر تسد في كل ده، أنا هكلم عمي.

منحه عبد الرحمن ابتسامة صغيرة بحبس آلمه بداخلها، ثم قال:
مفيش داعي تتعب نفسك يا بدر، أنا مدي ألف عذر لعمي، اللي عملته أمي صعب حد ينساه بسهولة.
قال بتصميمٍ:
وحالتها حالياً متستهلش مننا غير السماح على اللي عملته قبل كده.
أومأ برأسه بألمٍ، ثم نهض ليشير له بهدوءٍ:
طيب أنا لازم أرجع البيت، أنت عارف مواعيد دوا الحاجة.
بتفهمٍ وحب قال:
هتصل بيك نتفق ونتقابل عشان آسر نازل القاهرة بكره بليل.
أشار له بيديه:.

هستنى مكالمتك، سلام.
أشار له بابتسامةٍ صغيرة:
في رعاية الله.

ثم جلس بدر يرتشف قهوته، فلفح وجهه نسمة هواء عليلة دفعته عن قصدٍ لتذكر حينما يعبث الهواء بخصلات شعرها الأصفر، ابتسامتها التي تلاحقه أينما ذهب، عبث بملامحه فهو لا يود إسترجاع أي ذكرى متعلقة بها، فوضع كوب القهوة الغير مكتمل بتقززٍ وكأن رائحتها هي من تدفعه لتذكرها، ثم نهض ليجذب المال من جيب بنطاله الرمادي، ليغادر سريعاً قبل أن تتمكن منه أكثر من ذلك!

بشقة الفتيات.
انتهت حور من قضاء فريضتها ثم جلست لتتابع دراستها بالردهة المقابلة لباب الشقة، شعرت بحركةٍ خافتة بالخارج فما كان منها الا الإقتراب لتقف بالقرب منه، حررت روجينا المفتاح ببطءٍ شديد ثم ولجت للداخل لتغلقه سريعاً، والتقطت أنفاسها براحةٍ وسعادة، واستدارت لترفع يدها على صدرها وهي تردد بهلعٍ:
حور، فزعتيني!
بنظراتٍ حادة، سألتها:
كنتِ فين كل ده يا روجينا، أنتي عارفة الساعة كام دلوقتي؟

جلست على الأريكةٍ ثم خلعت حذائها بضيقٍ شديد مما تسمعه من محاضرات لازعة من ابنة عمها التي واصلت بنصائحها:
عارفة لو حد من ولاد عمك لمحك وأنتي راجعة وش الصبح كده هيعمل فيكي أيه!
ألقت الحذاء أرضاً وهي تجيبها بضيقٍ:
كنت سهرانه مع تقى والوقت أخدنا.
لوت شفتيها بتهكمٍ:
تقى تاني يا روجينا مش حذرتك من البنت دي أنا!، أنتي عارفة بيتكلموا عنها إزاي!
خلعت حجابها وهي تصيح بإنفعالٍ:.

يوووه معتش ورانا غير السيرة اللي مش بتتقفل دي!
وقفت حور مقابلها لتجيبها بشراسةٍ وتحد لمواصلة الحديث:
أيوه معتش ورانا الا هو، أصلك مش شايفة نفسك بقيتي أيه من ساعة ما صحبتي البت دي، غيرتك ١٨٠درجة وكأنك بقيتي واحدة تانية أنا معرفهاش.
اندفعت لغرفتها وهي تردد بضيقٍ شديد:
متشكرة لنصايحك.
إتبعتها حور وهي تستكمل بتعصبٍ شديد:
هنصحك وهفضل أنصحك دائماً متنسيش أنك بنت عمي وليا الحق بده!

جلست على الفراش وهي تفرك وجهها بغيظٍ، تخلت عنه وهي تحاول أن تتحدث بلطفٍ:
طيب يا حور هنتكلم بكره لأني بجد تعبانه ومحتاجة أرتاح ممكن!
جذبت حور المقعد القريب منها ثم جلست مقابلها وهي تشير لها بهدوءٍ:
هطلع بس هقولك حاجة واحدة.
اضطرت الإنصياع لها حتى تغادر من أمامها، فقالت الأخيرة بهدوءٍ:.

إختيار الصديق اللي بنصاحبه يا روجينا هو شيء أساسي زي إختيار شريك الحياة بالظبط، لأنه للأسفل تصرفاته وأخلاقه بتنعكس علينا، في صديقة بتشجعك أنك يكون ليكِ كيان وتحققي طموحاتك وبتشدك لو لقيتك بتقربي من الغلط.
وبابتسامة منحت وجهها إشراقة، أضافت:
بتقربك خطوة من ربنا وبتراقب تصرفاتك عشان لما تغلطي تلحقك، هي شايفاكي حد من أهلها ومتقبلش بأي سوء يمسك، دي بتبقى الصحبة الخير اللي بتشدك بطريق كله صلاح.

وبملامحٍ ممتعضة، قالت:
وفي صحبة كلها شر، زي تقى بتاعتك دي، بتشجعك وبتوسوسلك زي الشيطان، الحجاب شكله وحش، لا لبسك مهرول، تعالي نروح الحتة الفلانية وغيره كتير أوي، إنعكاس شخصيتها السييء مع الوقت هينعكس عليكي غصب عنك وده فعلاً اللي ابتدى يحصل معاكي من أول ما بدأتي تصاحبيها، راجعي نفسك يا روجينا.
وتركتها وغادرت الغرفة بأكملها، عل كلماتها تفيقها مما هي به!

بالطابق العلوي.
كان يجلس يحيى، على المكتب الصغير المقابل لفراشه، يراجع على الحاسوب بعض الحسابات الخاصة لبعض التجار، وفي تلك اللحظة إندفعت ماسة للداخل كالتيار لتقف لجوار مقعده ثم تمسكت بيديه وهي تشير له بخوفٍ:
يحيى.
أمسك بيدها المرتجفة ثم نهض، فتخبأت من خلفه لتتشبث بملابسه، ففهم ما يحدث حينما ولجت إلهام لتردد في يأس:
بحاول أنيمها مش قادرة.
أشار لها بابتسامةٍ هادئة:
روحي إنتي، وسبيها.

أومأت برأسها بحبورٍ:
تحت أمرك يا بشمهندس.
وبالفعل أغلقت باب الغرفة وغادرت على الفورٍ، فجذب يحيى يدها المتشبثة بالتيشرت الخاص به، ثم أخرجها لتقف من أمامه تتدلى شفتيها السفلية بحزنٍ، ابتسم وهو يتأملها ثم جلس على حافة الفراش ليجذبها لجواره متسائلاً بضيقٍ مصطنع:
مش ماسة قالت أنها مش هتضايق المربية بتاعتها أبداً!
حدجته بنظرة حادة من عينيها الزرقاء قبل أن تخبره بتلعثمٍ:.

و يحيى قال لماسة أنها لو خدت الدوا هتنام معاه مش هتنام مع إلهام الوحشة!
ضحك حتى كُشف عن أسنانه، وهو يردد:
في دي عندك حق، الإتفاق إتفاق.
ثم نهض ليغلق الضوء النابع من مكتبه، ليعود إليها سريعاً، أشار لها بالتمدد فتمددت ليطرح الغطاء على جسدها، ثم استلقى لجوارها ليجذبها لأحضانه، فقالت ماسة بتذمرٍ:
مش هتحكي لماسة حدوتة.
ردد بعد ضحكة عالية:
بعد المجهود ده بالشغل ولسه هحكي حواديت، ماشي يا ستي.

وقال وقد هامت عينيه بالماضي:
كان في بنت جميلة، عيونها بتشبه لون موج البحر، وشعرها اسود وطويل.
قاطعته بطفوليةٍ:
زي ماسة كده.
تعالت ضحكاته على ذكائها بتميز عن من يقص، فقربها لصدره، ثم قال:
أه يا ستي زي ماسة كده، وقعت في حب شاب كان بيعشق التراب اللي بتمشي عليه بس مكنش يقدر يقولها ده ولا يعترف بيه.
تساءلت بتلقائية:
ليه؟
بشرودٍ قاسي بماضيه قال:.

لأنه ببساطة كان عارف إنها مش ليه، من طفولتهم وهما بيقولوا إنها لإبن عمه الكبير، فمكنش يقدر يتكلم ولا يقول إنه بيحبها.
وبعدين.
ابتسم وهو يقص هذا الشطر بالتحديد:
كان منتظر إنها تعترفله بحبه ومحصلش رغم إن عيونها كلها مليانة مشاعر وحب تجاهه، وبعد كده إتفاجأ بيها بتعترف بحبه قدام الناس كلها، وبعد كده اتجوزوا وعاشوا أجمل أيام حياتهم وبالرغم من كده كان حريص إنها تكمل تعليمها لإنها كانت صغيرة بالسن..

وبألمٍ شديد اتبع لهجته قال:
بس مكنش يعرف إن بعد كده هيحصل اللي هيكون السبب في آآ..
أمسك بحيى بذاته وهو يستكمل ذاك الشطر المؤلم، تناسى تماماً مع من يقص ومن تستمع، فرفع إصبعيه ليزيح تلك الدمعة العالقة بأهدابه سريعاً، ثم تطلع لها فحمد الله كثيراً حينما وجدها غفت على ذراعيه، داثرها يحيى جيداً ثم طبع قبلة صغيرة على وجنتها بحنانٍ، لينجرف خلف طوفان ذكرياته الموجعة.

تخفى ضوء القمر الخافت خشية من ضوء الشمس، الذي غدى ليكسو العالم بضيائه، فتبقى ساعات النهار الأولى هي أنقى نسمات الهواء التي تتنقل بين المساكن، لذا يحب أن يكون منفرداً بذاته بتلك اللحظة، يتجول بين الحشائش والأراضي الزراعية بفرسه الأسود، يعتليه بمهارةٍ وحرافية، تنقل آسر بين الأراضي الزراعية براحةٍ تستحوذ عليه حينما يتمشى بالخيال في وسط ذاك الجمال الذي يأسره، فأراد أن يمتع عينيه قليلاً قبل أن يستعد لسفره بالمساء، لا يعلم بأن من ساقه القدر إليها أول مرة سيعود ليسوقه إليها من جديد!

بالقاهرة.
استيقظت حور باكراً، فاستغلت ان اليوم ليس لديها مذاكرة أو محاضرات، فأعدت طعام الفطور ثم دقت الجرس على شقة الشباب المقابلة لها، ففتح بدر الباب وهو يقول بنومٍ:
في أيه على الصبح، مش عارف أنام شوية أنا!
أجابته ساخرة:
الحق عليا بصحيك عشان تفطر قبل ما تنزل المطار.
ضيق عينيه بدهشةٍ:
مطار أيه!
قالت وهي تهم بالصعود لشقة يحيى:.

وأنت هتعرف إزاي وأنت قافل موبيلك، عمك بيحاول يوصلك من إمبارح ولما معرفش كلمني وقالي أبلغك تنزل كمان ساعتين أنت وحد من الشباب عشان تكون باستقبال تالين و رؤى.
غادر النوم حدقتيه ليغلفهما الجفاء فور سماع إسمها، فقال بحدةٍ:
شوفي يحيى أنا مش فاضي للكلام ده.
تهدلت كتفيها بإستغراب:
بس عمي قال آآ.
قاطعها بحدةٍ:
قولتلك أيه؟
صعدت للأعلى باستسلامٍ:
زي ما تحب هشوف يحيى كده.

وبالفعل صعدت للأعلى، تاركة النيران تحرق قلبه الذي عاد ليخفق من جديد!

بمكتب أيان المغازي
تسللت بسمة على ثغره حينما زف له هذا الخبر السعيد بالنسبة إليه والتعيس بالنسبة للدهاشنة، فرد على المتصل بانتشاءٍ:
براڤو عليك، هما لسه شافوا حاجة من اللي ناويها ليهم، هانت كلهم كام يوم ورأسهم هتبقى في الأرض.
وأغلق الهاتف ثم فتح درج خزانته، ليجذب صورتها التي لا تفارق درج مكتبه، مرر أصابعه على جسدها بوقاحةٍ وهو يردد بحقدٍ:
وبنتك هتبقى في حضني وخدامة تحت رجلي يا كبير الدهاشنة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة