قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل السادس والعشرون

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل السادس والعشرون

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل السادس والعشرون

تقدمت السيارة واقتربت من حدود الحارة التي يقطن بها الشباب ليهتف هادي مشيرا بيده للسائق.
بس وقف هنا تسلم، انزلوا يلا
نظر كلا من زكريا ورشدي لبعضهما البعض لا يفهمان شيئا من حديث هادي فهو أخبرهما بحدوث شجار دون توضيح أسباب أو مع من سيتم الشجار والان جعلهم يهبطون في بداية الحارة، يبدو أنه واخيرا قد جن هادي.

نظر هادي للسيارة وهي ترحل من أمامهم ثم بعدها استدار لأصدقائه وهو ينفخ صدره بشكل مثير للضحك ذكّر رشدي بيوم قلدته شيماء يسير بطريقة مضحكة وهو يقول بجدية وقوة:
ورايا يا رجالة عشان فيه شوية حشرات مزعجة في الحارة.

أنهى حديثه وهو يتحرك من أمامهم نافخا صدره وخلفه زكريا ورشدي يضحكان بشدة عليه ظانين أنه يمزح لا أكثر، لكن حينما اقتربوا من المنطقة التي تقع منازلهم بها ورأوا ذلك الكم من الأشخاص يقفون وهم يحملون عصيّ خشبية توقف هادي فجأة وهو ينظر لهم بصدمة هاتفا بصوت مسموع للاثنان:
مقالتليش أنهم كتير كده؟ يا واطية يا شيماء
تنحنح وهو يعتدل في وقفته وينظر خلفه لاصدقاءه متحدثا بجدية مضحكة:.

تقريبا كده نسيت موبايلي في العربية، هروح الحق السواق قبل ما يطمع فيه والبركة فيكم بقى
أنهى حديثه وهو يكاد يستدير خارجا من الحارة كلها لولا يد رشدي التي امسكت بثيابه من الخلف هاتفا بسخرية وهو يرمق يده:
مساء الفل يا حبيبي التليفون في ايدك، تعالى بس ده انت حتى البركة بتاعتنا
أنهى حديثه وهو يسير متغلغلا لداخل المنطقة وجواره زكريا جاذبا بيده هادي الذي كان ينظر حوله للرجال هامسا:.

ماشي يا شيماء والله لاوريكِ عمالة تحميني من غير ما تحذريني، شكلك هتلبسي الاسود قبل ما تلبسي الابيض
توقف رشدي وهو ينظر لما يحدث حيث كان لؤي يتحدث بحدة كبيرة مع أحد الشباب الذي لم يتضح له هيئته من ظهره.
بابا فيه ايه؟
كانت هذه الكلمات تنطلق من فم زكريا والتي التفت الشاب على إثرها وهو يبتسم بسمة مقيتة متحدثا بخبث شديد:
واخيرا نورتوا؟ ده احنا مستنين من بدري يا راجل.

نظر له زكريا بتعجب مصطنع وهو يشير له ولرفاقه: احنا؟ والله ما نعرف ولا حد بلغنا انك مستنينا،
معلش ما احنا برضو اللي جينا من غير معاد
أنهى الرجل حديثه وهو يشير للرجال بيده ليرفع الجميع ما يحمل بيده مشهرا إياه في وجه الشباب ليهمس هادي في اذن رشدي:
شوف الجمدان رفع بس صباعه قاموا رفعوا العصيان في وشنا، يلا بقى يا رشدي ارفع المسدس في وشهم وخليهم يمشوا.

ابتسم رشدي بسخرية كبيرة وهو ينظر لهادي ثم قال بحنق: مكانش يتعز يا حبيبي بس مش هينفع
ليه المسدس فاصل شحن ولا ايه مش فاهم؟
زفر رشدي بحنق شديد وهو ينظر بغيظ لذلك الأحمق متمتما: مش فاهم اللي خلاك محامي ده كان بيفكر في ايه؟ يا ذكي لو عملت كده يبقى اسمها ترهيب العامة. اني اشهر مسدسي في مكان عام ده ممكن اتكدر بسببه الا طبعا لو مسألة حياة أو موت.

لم يكد هادي يجيبه حتى قاطعه ابن فرج وهو يصرخ بغضب في وجه زكريا وقد بدا أنه كان يتحدث معه في أمر ما مما أغضب الشاب بشدة:
انتم مستنين ايه هاتولي العيال دي زاحفة
نظر هادي حوله وهو يرى الجميع يهجم عليهم بسرعة كبيرة لدرجة لم يستوعب الامر بسرعة حتى سمع صرخة رشدي به ليبدأ في صد بعض الضربات من هؤلاء الرجال، لكن وبسبب أن بعض هؤلاء الرجال يحملون عصيّ كان الأمر صعب قليلا.

كانت الفتيات تشاهدن الامر من الأعلى وقد ازدادت حدة الأجواء والجميع في ترقب لما يحدث خاصة بعد تدخل شباب من الحارة لمساندة زكريا وأصدقاءه بسبب لؤي الذي ركض وأحضرهم عندما رأى أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة...

كان زكريا يضرب بغضب كل من يأتي أمامه مفكرا بسخرية أنه يضرب ويستخدم العنف للمرة الثانية في يومه وهو من كان يأبى حتى أن يرفع يده على أحد سابقا لكن هذه هي الحياة إن إتخذت السلام سبيلا، اجبرتك على أخذ المهانة شعارا...

سقط هادي ارضا وهو يتأوه بعنف بسبب ضربة أحدهم على ذراعه بعصا بعنف شديد. لتعلو صرخاته في الأجواء لكنها ضاعت بين الصرخات الأخرى والسباب والأصوات الغاضبة، نهض هادي بغضب شديد وهو يركض بغيظ صوب ذلك الرجل الذي ضربه ليطيح به ارضا بعدما اندفع آخذا إياه في عناق ثم سقط به ارضا وبعدها انقض عليه بعنف...

كان رشدي يحاول أن يصد جميع الضربات التي توجه له فكلما أراد أن يخرج هاتفه محدثا وحدته للمجئ يجد أن هناك أحد ما ينقض عليه...
كانت كلا من شيماء وفاطمة تمسكان ماسة بصعوبة عن الهبوط للاسفل فهي كلما رأت أحدهم يقترب من رشدي كانت تصيح بعنف شديد تحذره وكأنه يستمع لها، وإذا رأت أحدهم يضربه أو يوجه له شيء تظل تطلق بعض اللعنات وهي تكاد تقفز من النافذة تنقض عليه وتقطعه بأسنانها...

هبط من سيارته بهدوء شديد وهو يتوقف بها على بعد مناسب من ذلك الشجار الذي يحدث امامه ويبدو أنه مشتعل وبشدة، خلع نظارته الشمسية وهو يغلق باب سيارته متقدما من الشجار ينظر به بتعجب شديد ليلمح زكريا ورشدي وهادي، فقط هم من تعرف عليهم، وببرود شديد يُحسد عليه تقدم صوب القهوة وهو يجلس على أحد المقاعد واضعا نظارته على الطاولة بهدوء وهو ينظر للصبي الذي يقف جواره يترقب الشجار بحماس شديد:.

لو سمحت كوباية قهوة سادة
استدار صبي القهوة بتعجب لذلك الصوت جواره ليلمح رجلا يبدو غريبا عن المكان بثيابه التي لا تحمل ولو ذرة غبار عليها وشعره المرتب بشدة
نعم؟
تحدث جمال بعدم فهم لكلمة الصبي: نعم ايه؟ بقولك عايز قهوة سادة
أشار الصبي صوب الشجار الذي كان في أوج اشتغاله في تلك اللحظة والذي يقبع أمام القهوة بخطوات فقط وكأنه يخبره أي قهوة تلك في وسط الحرب هل أصبت بالعمى؟

لكن جمال لم يهتم بل ابعد نظره عن الصبي وهو يراقب ما يحدث امامه باستماع شديد لطالما احب المشاهدة من بعيد دون أن يزعج نفسه. حسنا هو اتى لسبب وسوف يقوم به ثم يرحل بهدوء دون أن يزعج نفسه بهكذا أمور سخيفة، لكن رغم ذلك كان رحيم وحنون لدرجة أنه أخرج هاتفه واتصل بوحدته للمجئ هنا وتوقف تلك الحرب الغبية بين هؤلاء الشباب المزعجين...

كان هناك اثنين يمسكان بهادي وآخر يضربه بعنف شديد ليبصق هادي بعض الدماء في وجهه وهو يصرخ بغيظ ومزاح في غير وقته:
ايه يا رشدي يا حبيبي مش ده حياة أو موت؟ ولا تحبني اتقطع بانيه الاول عشان توقف الدنيا هنا؟
لم ينتبه رشدي لحديث هادي وقد كان منشغلا بأحد الشباب في يده بينما زكريا ركض صوب هادي وامسك الشخص الذي يضربه من الخلف وهو يلف ذراعيه حول رقبته على وشك خنقه وقد وصل زكريا لأقصى مراحل غضبه...

ومن الاعلى كانت جميع النساء تقف في الشرفات تطلق الصرخات التي لا تفيد، لكنها كانت تضفي بعض الإثارة للأجواء، وعلى إحدى النوافذ كانت الفتيات يشاهدن ما يحدث بعجز كبير حتى صرخت ماسة بغضب شديد وهي ترى أحدهم يضرب رشدي بعنف:
اه يا زبالة يا تربية،
توقفت عن الحديث فجأة وقد خطرت في بالها فكرة ما لتنظر بسرعة لفاطمة التي كانت تبكي على زكريا جاذبة إياها من ذراعها تهزها بحنق:
بت بطلي زن وقوليلي عندكم خرطوم هنا؟

نظرت لها فاطمة من بين دموعها بعدم فهم
خرطوم؟
هزت ماسة رأسها وهي تشرح لها ما تريد بالتحديد متجاهلة شيماء التي كانت تصرخ جوارهم بسبب رؤيتها لكل ما يحدث:
ايوة الخرطوم اللي بنوصله بالماية ده
هزت فاطمة رأسها بتشوش لا تفهم مقصد ماسة من كل ذلك: ايوة بس ليه؟
ابتسمت ماسة بخبث وهي تتحدث: اتفرجتي على فيلم الباشا تلميذ؟

نظرت فاطمة بغباء شديد لماسة لا تفهم فيما تفكر أو ماذا تقصد وما مناسبة ذلك الفيلم الان في وسط تلك الحرب، لكن رغم ذلك هزت رأسها بنعم لتبتسم لها ماسة وهي تقول باستمتاع:
حلو اوي ايه رأيك نعيد مشهد الفرح؟

كان الصبي يقف جوار طاولته وهو يراقبه كيف يحتسي قهوته بكل برود غير آبها بكل ما يحدث حوله لكن فجأة على صوت الصراخ واقترب منهم وبدأت بعض الاشياء تتطاير، تحرك الصبي للداخل سريعا وقد قرر أن يتابع من الداخل تاركا إياه يجلس مكانه بلا أي ردة فعل حتى فجأة سقط أحدهم على الطاولة التي كانت تجاوره كاسرا إياه...

نظر جمال ارضا لنظارته التي كُسرت بأسف شديد وهو ينحني للرجل الذي كان يتأوه بعنف شديد بسبب سقوطه العنيف على الطاولة متحدثا بحزن شديد:
تعرف ان بيطلع عيني عشان الاقي ماركة النضارة دي؟
رفع الرجل نظره بتعجب لذلك الصوت وهو يتأوه ليهز جمال رأسه بقلة حيلة ثم وفي ثواني كانت لكمته تصطدم في وجه الرجل ثم نهض متجها صوب الشجار:
حظك انك تعبان دلوقتي والا كنت اخدت منك حقها تالت ومتلت بس ربنا يعينك على اللي انت فيه.

أنهى حديثه وهو يقف في منتصف الشجار ثم انحنى قليلا ومد يده نازعا أحد الرجال بعنف وقد كان منكبا فوق اخر يضربه بعنف والذي لم يكن سوى زكريا، نزع جمال الرجل من فوق زكريا وبعدها ضربه برأسه بشدة ثم مد يده لزكريا الذي رفع عينه له ثوانٍ قبل أن يمسك بيده وينهض ليتحدث جمال:
مفيش داعي للشكر احنا اخوات.

ضحك زكريا ضحكة صغيرة مع هزة بسيطة من رأسه بلا معنى تقريبا تاركا إياه وهو يتجه صوب رشدي يمد له يد العون بعدما تكالب عليه البعض طارحين إياه ارضا...
نظر جمال حوله بملل ثم كاد يعود صوب مقعده مجددا لولا تلك اللكمة التي سقطت على وجهه مانعة إياه من الأمر، اعتدل جمال في وقفته وهو ينظر للشخص الذي ضربه متحدثا وهو يرد له اللكمة بأشد منها:
مش معنى اني سامحت في النضارة ابقى طيب.

تحركت صوب النافذة وهي تحمل خرطوم الماء مبتسمة بشر وكلا من شيماء وفاطمة يرمقونها بعدم فهم لتقف ماسة أمام النافذة مباشرة وهي تقول بخبث:
ثوانٍ والفرح ده كله يتلم
انهت حديثها تزامنا مع تدفق المياة بعنف شديد من الخرطوم والذي سقط بشكل عنيف على الجميع بسبب ارتفاع الطابق الذي تقذف منه المياة ولشدة الضغط في الخرطوم والذي كان مخصصا للحرائق...

كان الجميع مندمجين فيما يحدث وفي الشجار حتى فجأة شعروا بمياة عنيفة تتساقط على رؤوسهم مسقطة اياهم ارضا...
وبعدما كانت حربا طاحنة أصبح المكان اشبه بلعبة مائية وقد كانت ماسة تضرب بالخرطوم جميع رجال ابن فرج بغضب وغل كبير وبالطبع نال زكريا والرفاق البعض من ضربات ماسة...
ابتسم هادي وهو يرى الرجال يتساقطون بحدة مما يحدث ضاحكا وهو يلاحظ الفاعل:
طب والله البت ماسة دي بميت راجل.

أنهى كلمته ببسمة واسعة وهو ينظر لثيابه التي ابتلت بعض الشيء لكن وقبل أن يتحدث بكلمة إضافية كان الخرطوم يوجه لوجهه بعنف شديد ليسقط ارضا وماسة تصرخ بغضب من الاعلى بصوت لم يصل لهم:
عمالة اقولك اوعى من وشي وانت مش بتسمع
أسقطت ماسة هادي بغيظ شديد غير مهتمة به لتصل لأحد الرجال خلفه وتسقطه هو الآخر...

انطلقت ضحكات رشدي العنيفة على هادي لا يتحمل مظهره فهو فتح فمه وكان وشك التحدث ليجد دفعات عنيفة من المياة تصطدم في وجهه مسطقة إياه ارضا.

انحنى رشدي على ركبتيه يضحك بعنف على هادي وهو يستمع لصوت سيارات الشرطة التي ملئت المكان، وما كاد يتوقف عن الضحك حتى شعر بدفقات عنيفة من المياة تصطدم به بإصرار شديد ليسقط ارضا بعنف شديد ولم يستطع النهوض فكلما حاول النهوض اسقطته ماسة مجددا بكل حقد شديد متذكرة صراخه في وجهها وما فعله معها لتضربه بعنف بالماية متجاهلة نظرات الغضب التي وجهها لها...

ضحك كلا من زكريا وجمال الذي لم يتحمل الأمر وايضا هادي الذي كان ينهض بصعوبة بسبب المياة أسفله وأيضا بسبب ضحكاته على رشدي
تبًا لبرودك يا رشدي
كانت ماسة تصرخ بتلك الكلمات وهي تضربه بالمياة وهو يصرخ بها أنه سيقتلها عندما تقع تحت يده...
هوريكِ يا ماسة بس اصبري عليا
لتجيبه هي بكلماته التي سبق وحطم بها آمالها سابقا: اذهب للجحيم
أنهت كلماتها وهي توجه المياة لجميع الشباب متحدثة بكلمات لم تعبر حدود النافذة:.

ليذهب جميع الرج. ال للجحيم
سقط الجميع ارضا بسبب المياة ليعلو صوت جمال حانقا وهو يتوعد الفاعل...
فجأة وفي وسط كل ذلك توقفت المياة عن التدفق لتنظر ماسة بشر خلفها صارخة:
ايه اللي قفل الماية؟
تحدثت فاطمة والتي كانت لا ترضى ابدا عن تصرفها: الماية قطعت يا قلبي، منيرة هتتعصب اوي من فاتورة الماية اخر الشهر.

نظرت ماسة للنافذة بشر وهي تهمس: وزارة الريّ انقذتك من ايدي يا رشدي والا مكنتش خرجت من تحت الماية غير وانت بايش.

في الاسفل كان رشدي في أوج غضبه من تصرفات ماسة الصبيانية متوعدا لها برد قاطع لوضع حد لها فهي قد تمادت كثيرا فيما تفعله فهي ليست طفلة في النهاية لتقوم بمثل هذه التصرفات، نظر حوله ليجد زكريا يجلس ارضا في وسط الوحل الذي نتج من تلاحم ذرات المياة بالأرض الرملية اسفلهم، كان يجلس بلا اهتمام لأي شيء وجواره هادي الذي يتنفس بعنف شديد بعد هذه المعركة الطاحنة...

تسطح زكريا على الأرض دون الاهتمام لشيء وهو يتنفس بعنف شديد فقد نفس للتو الكثير من غضبه في ضرب هؤلاء الرجال يغمض عينه ومازال صدره يعلو ويهبط بعنف...
بينما الجميع ينظر له بعدم فهم لتصرفاته فهو يستلقي في بركة من الوحل الان، لكن زكريا كان ابعد ما يكون عن عالمهم الان بل كان هناك في عالمه هو ومعها هي فقط يفكر إلى متى، إلى متى سيستمر هذا الوجع؟
نظرت ماسة حولها لتلك النظرات المستائة...

فيه ايه منك ليها بتبصوا عليا كده ليه؟
نهضت فاطمة من فراشها وهي تتجه صوب ماسة صارخة بغضب شديد لتصرفاتها تلك:
أنتِ ايه يابنتي مش طبيعي اللي بتعمليه ده أنتِ مش بتحسي بنفسك وأنتِ بتعملي المصيبة ولا ايه انا مش فهماكِ
تراجعت ماسة في الفراش سريعا وبخوف من صراخ فاطمة والتي فاجئتها بالأمر تماما لتردد بريبة من نظراتها:
بتزعقي ليه انا كنت بساعدهم.

أخرجت فاطمة صوتا ساخرا من حنجرتها وهي تنظر لشيماء مشيرة لماسة بمعنى انظري لقد ظلمناها فهي كانت تساعدهم فقط
ضحكت شيماء ضحكة صغيرة وهي تنظر لماسة بضيق: وبالنسبة للدوش الاخير اللي نزل على دماغهم ده كان مساعدة؟
لا انتقام
وفي ثوانٍ دون أن تعي الأمر كانت فاطمة تنقض بغضب شديد على ماسة صارخة بها وهي تحاول خنقها:
وزكريا ماله بانتقامك؟ الواد بهدلتيه منك لله.

حاولت ماسة ابعاد يدها وهي ترى جنونها لتصرخ بحنق: اه قولي كده بقى الموضوع كله انك خايفة على حبيب القلب مش مضايقة من تصرفاتي، عموما يا روحي آخرها واحدة بنادول ويكون زي الفل
لك شو يا رفيق، لتكون مفهمها إني مرتك؟ إذا كان هيك فأنا ماني ممانعة خصوصا إنك بتعرفني بحبك كتير.

أنهت حديثها وهي غير واعية للقنبلة التي القتها منذ قليل بين الجميع تاركة بثينة في حالة صدمة وغباء مفاجئ تحاول جاهدة أن تربط الأمور ببعضها وتعلم ما يجري حولها فهي أصبحت تائة حقا، بينما كان فرانسو لا يرفع عينه من عليها يرتقب أي تعبير في وجهها...
اوبس الظاهر إني خربتا ع الاخير مو هيك؟

جز فرانسو على أسنانه بغضب شديد وهو ينظر لها صارخا بها أن تتوقف، لكن وقبل أن ينطق كلمة كان جسده كله يتيبس برعب تحت لمسات بثينة التي تحركت له دون أن يشعر وضمت نفسها له بحب كاد يظنه حقيقة وهي تنظر للفتاة هامسة ببسمة غير مهتمة ابدا:
لا يا قلبي متخافيش مفيش حاجة اتخربت، ده بس فرانسو حبيبي كان بيختبر غيرتي عليه،.

انهت حديثها وهي ترفع عينها لفرانسو تربت على ذقنه بحنان: بس هو عارف اني بحبه ومكانش لازم يعمل كده
حسنا الان بدأ يخاف فعليا من هذا التهديد الذي سمعه للتو، ابتلع ريقه بخوف وهو ينظر أمامه لماريانا التي قلبت عينها بملل ثم عادت للتحدث باللكنة الفرنسية:
حسنا لننتهي من هذا الأمر المزعج، لقد أخبرتك سابقا فرانسو شرطي الوحيد للتخلي عن ابني لك.

مسح فرانسو وجهه وهو يرمقها بغيظ: وانا أخبرتك سابقا ماريانا أنني سآخذه منكِ ودون أن انفذ شرطك الغبي
ابتسمت ماريانا بألم وهي تنظر لتلك التي تتعلق بذراعه متحدثة بنبرة متألمة:
لأجل تلك الفتاة أليس كذلك؟ هذه هي الفتاة التي رفضت زواجك مني سابقا لأجلها وهي نفسها التي كنت تحدث محمد عنها صحيح؟

اشتدت قبضة فرانسو حول بثينة دون أن يشعر وهو يردد بصوت مرعب: هذه، تكون زوجتي ماريانا ونعم هذه هي التي رفضت زواجك لأجلها وماذا فعلتي أنتِ؟ ذهبتي وتزوجتي بصديقي بكل وقاحة.

ابتسمت ماريانا بصعوبة و قد سقطت دموعها على حديثه. حسنا ليست هذه المرة الأولى التي تسمع بها كلماته، ولكنها هذه المرة أدركت جديا أن لا فرصة أمامها معه فهو تزوج وانتهى الأمر، سقطت دموعها أكثر بسبب ما ترى وهذا الحب الذي يسكن عيون فرانسو، وفجأة حدث مشهد لم يتوقعه أو يتخيله فرانسو و لو حتى في أكثر أحلامه جنونا، بثينة اقتربت من ماريانا وجذبتها لاحضانها مربتة على ظهرها بحنان شديد لتنفجر ماريانا دون شعور في أحضانها تبكي ما اضاعته في حياتها بغبائها تبكي بشدة ايام اضاعتها رفقة زوجها الراحل لأجل حب واهي، لكم نظلم انفسنا بسبب حب غبي!

لم تفهم بثينة معظم حديثهما لكنها استطاعت فهم بعض الكلمات التي تتذكرها جيدا من فترة دراستها وخمنت أن تلك الفتاة أحبت زوجها وعكس ما توقعت هي أن تفعل يوما بمن أحبت زوجها كانت تتجه صوبها وتضمها بحنان في عناق احتاجت هي له سابقا ولم تجده، احتاجت أن يضمها أحدهم في بكائها هكذا ولم تجد، مع كل خسارة اشعرتها بأنها غير مرغوبة كانت تحتاج أن يضمها أحدهم مخبرا إياها أنها مرغوبة وأن هناك من يحبها هذا فقط ما كانت تحتاجه وكانت تقاتل لأجله، لكن لا أحد فعل ذلك بل كانت هي من تلعق جروحها بنفسها بعيدا عن الجميع حتى تخرج لهم بمظهر القوية...

ودون شعور كانت تبكي في أحضان ماريانا وهي تهمس لها بحنان: فيه ناس كتير بيحبوكِ، ناس كتير عايزاكِ، أنتِ مش لوحدك
وكأنها كانت تقول هذه الكلمات لبثينة الصغيرة التي كُسرت في طفولتها مع اول خسارة لها تطمئنها أن هناك من يهتم بأمرها في هذا العالم...

صدم فرانسو بما يحدث امامه وازدادت صدمته وهو يستمع لحديث زوجته ليتأكد أن بثينة تعاني من مشاكل نفسية عويصة مشاكل في الثقة في الاخرين مشاكل في خوفها من فكرة أن لا أحد يرغب بها...
بكت ماريانا وهي تتعجب حالتها تلك ثم همست لبثينة بحزن شديد بلهجة مصرية تعلمتها من رفقتها لفرانسو من سنين طويلة:
ما بقاش ليا حد هنا، كلهم سابوني ومشيوا
همسات لها بثينة بحنان مقدرة حالتها جيدا، ومن يتفهمها أكثر منها:.

باقيلك الطفل، باقيلك ابنك اتمسكي بيه لان هو اللي هيكون رفيقك في الدنيا و سندك بعدين
صدم فرانسو من حديثها ذلك ليجدها تبتعد عن ماريانا وهي تمسح دموعها مرددة وهي تنظر له برجاء لأول مرة توجهه له:
هو ينفع نسيب الطفل مع أمه يا فرانسو؟ بلاش تحرمها من اخر حاجة ممكن تحسسها إن فيه حد معتمد عليها في حياته أو تحرمها من اخر حد ممكن يحبها في الدنيا ارجوك.

سقطت دموع ماريانا وهي تتحدث بما لم تتوقع يوما أن تتحدثه: ابوس ايدك يا فرانسو وافق وسيبلي الطفل المحكمة لو شافت ظروفي وقارنتها بظروفك اكيد هتديك انت الحضانة ارجوك ده اخر شخص باقي ليا،
توقف فرانسو ينظر للفتاتين بعدم فهم. لا يعلم ماذا يقول ولكنه نظر للمحامي الذي لم يتحدث منذ بداية تلك الجلسة الغريبة:
موافق اسيبلك الطفل بس بشرط،.

توقفت الفتيات عن الحديث بسبب سماعهن لصوت في الخارج عالي قليلا، نظر الجميع في الغرفة لبعضهم البعض وفي ثوانٍ كانوا يركضون للخارج ينظرون من فتحة الباب الصغيرة على ما يحدث في الممر الذي يفصل بين شقة فاطمة والخاصة بهادي...
في الخارج كان الجميع يقف بثيابه المتسخة وبشدة أمام باب هادي بعدما أدرك الاخير أنه نسي أخذ مفتاحه صباحا قبل خروجه والان الجميع يقف بعدما أدركوا أن والدته أيضا ليست بالداخل...

أشار جمال لنفسه بضيق شديد: انا كده هاخد برد وكمان الطينة بهدلت جسمي كله خلصوني
نظر له زكريا بحنق ثم أشار له هو ورفاقه بحنق أشد منه: والله كلنا كده يا استاذ عشان قولتلكم تعالوا عندي
زفر رشدي بضيق شديد وهو ينظر لهادي: طب هي امك مش بتحطه تحط المشاية أو في سلة الزبالة او اي حتة؟
نظر هادي له بتفكير ثم قال بعد صمت قصير: لا بس تقريبا بتحطه عند الست منيرة مرة عملتها وسابته هناك.

أنهى حديثه وهو يتحرك صوب الباب لتبتعد الفتيات بفزع عنه وكأنه سيراهم ثوانٍ وصدحت خبطات هادي على الباب، كادت فاطمة تجيب إلا أن ماسة منعتها من ذلك فهي إن أجابت ستفتح لهم الباب وهي وقتها لن تضمن ردة فعل رشدي...
نظرت فاطمة لماسة بغيظ شديد أن تتركها ف بالفعل والدة هادي تركت المفتاح عندهم وهي لا تدع لها فرصة لتقول ذلك...
نفسك لو طلع هنفخك.

تحدث رشدي في الخارج بضيق شديد وهو يعلم افعال ماسة: مش هيفتحوا خلينا نروح عند زكريا وخلاص
أنهى حديثه وهو يتحرك صوب الدرج الذي يجاور باب فاطمة والذي عادت ماسة للالتصاق به مجددا لترى حركة رشدي التي قام بها قبل أن يهبط الدرج حيث مرر يده بالقرب من رقبته على هيئة سكين وكأنه يشير لها بأنه سيقتلها متوعدا لها يعلم أنها تراه.

تحرك الجميع خلف رشدي الذي كان يغلي من الغضب بسبب تصرفات ماسة متوعدا لها بالجحيم على يده...
تحرك الأربعة بهيئتهم التي تشبه هيئة بعض الصبية بعد انتهائهم من اللعب في الطمي...
بس إنت لبسك هيطلع صغير عليا يا زكريا
نظر زكريا لهادي وهو يصعد الدرج بحنق شديد
عشان خمسة سنتي فرق؟ مش مشكلة البس البنطلون أقصر شوية مش هيحصل حاجة، الدور والباقي على جمال باشا.

نظر جمال لنفسه فهو يعد أكثرهم طول هنا لكنه حقا لا يهتم بالأمر كل ما يهمه هو أن يزيل كل تلك الأوساخ عنه وفقط...
بعد انتظار ثوانٍ فُتح الباب ليطل منه وجه وداد التي فتحت عينها بصدمة مما ترى لكنها على عكس المتوقع لم تعلق ابدا بل تنحت جانبا بكل هدوء سامحة لهم بالمرور ليهمس جمال بإعجاب:
ماشاء الله الست الوالدة شكلها متفهمة جدا، دي مقالتش كلمة واحدة.

ابتلع زكريا ريقه بريبة من تلك المقابلة وهو يهمس: ادعي بس ميكونش اللي في بالي صح لان لو كان صح وقتها هتشوف تفهم الست الوالدة اللي على حق
دخل الأربعة للصالة يحاولون فهم كلمات زكريا الذي اتسعت ابتسامته وهو يرى والده يجلس على الأريكة في البهو يرتدي جلبابه القصير المعتاد يفرد ذراعيه على الأريكة وكأنه يرتدي افخم البذلات وهو ينظر لهم ببسمة ملوحا بيده:.

اهلا يا شباب، الماية جميلة جوا، ادخلوا خدوا شاور وتعالوا يلا
ضحك زكريا وهو يمسح وجهه بعدم تصديق وكأن والديه يختاران الوقت المناسب كل مرة للشجار، أشار زكريا لوضع والده المريب والذي جعل الجميع يفتح فمه بصدمة كبيرة:
وهذه اعزائي نبذة صغيرة فقط عن تفاهم والدتي والآن الحقوا بي لتروا إلى أي مدى قد يصل تفهمها.

ثم نظر لهادي وهو يتحدث بسخرية: مكانش عاجبك أن اللبس يبقى اقصر 5 سنتي؟ ده انت هتلبس دلوقتي لبس كله على بعضه 5 سنتي عشان تبقى تتبتر على النعمة
بت أنتِ بطلي بصاتك دي عشان مبقتش بطيقها،
ابتسمت فاطمة بغيظ وهي تمسح وجهها بضيق: يعني أنتِ مشوفتيش كانوا عاملين ازاي؟ كده هياخدوا برد، بس ازاي لازم الأستاذة تنفذ اللي في بالها
ريحي نفسك يا فاطمة عشان هي مش هتحس ولو بسنتي ذنب.

كان هذا حديث شيماء الحانق والتي لم تكن سعيدة أيضا بما فعلته ماسة، لكن وكأن ماسة لا تهتم للأمر فقد كانت تتسطح على الفراش بعدم، ليعم صمت طويل بعض الشيء في المكان قطعه صرخة ماسة فجأة وهي تهتف ببسمة مخيفة:
ايه رأيكم نلعب لعبة الثقة؟
لعبة ايه يا ختي؟ ثقة؟ ومعاكِ أنتِ؟ ده الواحد يعد صوابعه بعد ما يسلم عليكِ
تجاهلت ماسة حديث شيماء وهي تبدأ في شرح لعبتها التي ابتكرتها الآن:
لا هتكون بينا وبين الشباب.

اعتدلت فاطمة أكثر في جلستها وهي تنتبه لحديث ماسة التي استمرت في وصف لعبتها الغبية:
دلوقتي كلنا ما شاء الله بقينا مرتبطات صح؟
هزت الفتاتان الرأس بإيجاب لتكمل ماسة بخبث: فلة اوي كل واحدة هتتصل بجوزها وتقوله أنها مش عايزة تكمل في الجواز ده ونشوف ردة فعل كل واحد فيهم هنتسلى اوي
وافرضي صدقوا؟
نظرت ماسة بحنق لفاطمة وهي تتحدث بريبة لتجيبها بسخافة.

مين بيتكلم جولييت؟ اكيد روميو مش هيسيبك يا روحي اللي المفروض تخاف هنا هي انا لان تقريبا رشدي تكة مني ومش بعيد يصدق ويرمي يمين الطلاق عليا، ها معايا؟
ورغم جنون الفكرة إلا أن شيماء تحمست وبشدة للامر لذا وافقت سريعا متلهفة لسماع رد هادي عليها، لكن فاطمة كانت عكسها غير متحمسة للأمر فهي أخبرت زكريا بهذا الأمر بالفعل منذ ساعات وكان رده واضحا وقتها لكن إصرار ماسة عليها جعلها ترضخ للامر وهي تردد بشك:.

بس هما الباقيين مش ممكن يسمعوا لو واحدة كلمت جوزها؟
ابتسمت ماسة بخبث وهو تهتف: ودي برضو حلها عندي
تنحنح وهو يعتدل في جلسته على مقعده وكأنه يجلس على جمر يرى جميع الانظار توجه إليه بشكل مرعب وكأنهم على وشك حرقه حيا...
اجلى زكريا حلقه وهو يتحدث بخجل مما فعلته والدته بهم: لا بس الجلاليب دي شكلها جميل عليكم والله. مش كده يا لؤي؟

رفع لؤي عينه ينظر للشباب وقد ارتدوا جلابيب قصيرة بعد أن جردتهم وداد من ثيابهم المتسخة تاركة اياهم ليعطيهم لؤي بعضا من العباءات القصيرة التي اعتاد هو وزكريا ارتداءها...
اخر شياكة والله خصوصا الوجه الجديد
أنهى لؤي حديثه وهو يشير بعينه لذلك الذي يتوسط أحد المقاعد وعينه تطلق شرارا على زكريا. ابتسم زكريا بغباء وهو يبتلع ريقه بخجل شديد:
منورنا يا جمال باشا والله.

ابتسم جمال وهو ينظر لنفسه وتلك العباءة القصيرة الغبية يتذكر ما اوصلهم لهذه اللحظة:
منورة بيكم يا خويا، منورة بيكم يا ضنايا
ابتسم زكريا وهو ينظر لهادي و رشدي حيث كان الاثنان يرمقونه بحنق شديد ليردد هادي بغيظ شديد:
والله امك دي ست مفترية، وانا اللي فكرتها طيبة
لوى زكريا شفتيه بغيظ وهو يردد: هادي لو سمحت انت عارف ان امي ست مفيش في طيبة قلبها، هو بس لؤي اللي بيعصبها وبيخرج اسوء ما فيها و،.

توقف زكريا عن الحديث وهو يرى والدته تخرج من غرفتها وهي تحمل ورقة كبيرة مكتوب عليها بحروف عملاقة:
اطلع إنت وصحابك برة البيت عشان هنفض
خرجت ضحكة ساخرة من فم رشدي وهو ينظر لهيئته يتخيل نفسيه وهو يخرج بهذا الشكل في الشارع ليتحدث زكريا بصوت عالي وحنق:
ايه يا ست أنتِ ده؟ ده أنتِ مفترية والله،
احمرت عين وداد بغضب وهي تلقي الورقة التي تحملها ارضا ثم دخلت للغرفة وعادت وهي تحمل ورقة أخرى خطت عليها.

انا مفتريه يا عديم الربايه
نظر زكريا للورقة بجدية وهو يهتف بحنق وقد نسيّ وضعه وما كان يتناقش به منذ ثوانٍ:
اولا يا امي بعتذر على كلمة مفترية انا بهزر وأنتِ عارفة، بس معلش بعد كدة ابقى اكتبي مفترية بالتاء المربوطة وليست الهاء، وكمان الرباية نفس الأمر بالتاء وليست الهاء، وفي الاخر حطي علامة استفهام بما انك بتسألي
وضع هادي يده على ذقنه مفكرا: و دي نديها كام في الاملاء يا استاذ زكريا؟

تحدث زكريا بجدية كبيرة: سبعة من عشرة ومش اكتر من كده ده إذا تغاضينا عن الخط و،
قاطع حديثه صراخ هادي الذي نفذ صبره من صديقه هذا: انت ياض دماغك دي فيها ايه؟
عقل
كانت إجابة بسيطة من زكريا أثارت غضب هادي أكثر لينقض عليه هادي يخنقه بغضب شديد:
يا غبي يا غبي هنشل يا رب هنشل، امك عايزة تطردنا بجلابيات فوق الركبة برة البيت وإنت واقف تصحح في الخطأ يا متخلف يا غبي يا يا.

توقف هادي لا يجد وصف لما يحدث ليبعده رشدي عن زكريا الذي تحدث بحنق:
وايه يعني ما انا ياما خرجت بيها
وانا يعني ينفع أخرج بيها؟
التفت زكريا لجمال الذي كان يظهر على ملامحه عدم تصديق لما يحدث حوله لا يعلم كيف طاوعهم من البداية وارتدى هذا الشيء.
فكر زكريا قليلا قبل أن يبتسم فجأة وهو يقول لهم: لقيتها،.

تحرك الأربعة بخفة خلف بعضهم البعض وهم يغطون الجزء الأسفل منهم بالجرائد متحركين صوب منزل رشدي وكلا منهم يغطي على الذي خلفه حسب الطول فكان جمال يتقدمهم وخلفه هادي ثم رشدي واخيرا زكريا الذي كان أقلهم طولا بفارق القليل فقط من السنتيمترات عنهم...

كان جمال يتحرك وهو لا يستوعب ما يفعله الان بحق الله هو في أكثر خيالاته جموحا لم يتوقع أن يمر بشيء كهذا كان فقط يراه في الأفلام الكوميدية وكان وقته يراه سخيفا...
كان الأربعة ينظرون حولهم جيدا حتى لا يجذبون الأنظار، لكن في منتصف الطريق وصل لهم صوت عالي ينادي على جمال ويبدو أنه أحد الرجال الذين جاءوا ضمن دورية الشرطة التي طلبها هو:
جمال باشا، يا جمال باشا.

فتح جمال عينه بصدمة ليرفع الجريدة ودون وعي يغطي بها وجهه ناسيا أن جزءه السفلي من قبل الركبة بقليل عاري تماما الا من شراب اسود قصير وحذائه.

رأى هادي ما حدث لتصدح ضحكاته في المكان وهو يرى تخبط جمال بين أن يغطي قدمه ويغطي وجهه، ليفاجئه جمال وهو يجذب الجريدة التي يحملها ثم بعدها ترك الصف الذي صنعوه وركض بسرعة لمنزل رشدي والذي كانوا على قرب منه تاركا النصف الاسفل لهادي عاري لكنه لم يهتم بل كان مستمر في الضحك، ركض الجميع تتبعهم ضحكات هادي العالية التي كادت تزهق أنفاسه تحت أنظار العسكري المتعجب والذي كان يتساءل إن كان هذا جمال أم أنه أخطأ؟

صعد الاربع على الدرج بسرعة وهم يتنفسون بعنف حتى وصلوا الطابق الخاص بمنزل رشدي وبعدها سقطوا جميعا ارضا وهو يتنفسون بعنف بينما هادي كان يمسك معدته وهو يضحك بصخب من بين أنفاسه اللاهثة ليضربه جمال بحنق شديد مغتاظا من ضحكاته...
بالنظر لمظهر هادي وضحكاته ومظهرهم انفجر كلا من رشدي وزكريا في الضحك ليصرخ رشدي من بين ضحكاته:
الحمدلله يارب مطلبتش القسم بتاعي الحمدلله.

نظر لهم جمال بحنق شديد يراقب ضحكاتهم تلك حتى ضحك دون وعي يشاركهم ذلك لا يصدق ما مر به منذ ثوانٍ لينفجر في الضحك أكثر وهو يتذكر مظهرهم...
عاد للمنزل وفتح الباب يتنحي جانبا ليسمح لها بالمرور، دخلت بثينة للمنزل وهي لا تزال لا تستوعب الأمر لتهتف سريعا:
يعني احنا هنقضي شهر هنا؟
هز فرانسو رأسه وهو يلقي المفاتيح على الطاولة ثم ألقى جسده بعدها على الأريكة:.

ايوة ده شرطي عشان اتأكد أنها بتعامل ابنها كويس وأنها بدأت ترجع عن طريقها وكمان عشان اطمن على المشروع اللي هعمله ليها
تنفست بثنية لحظة وهي لا تتخيل استمرار الأمر أكثر فهي كانت تظن أن الأمر سيستغرق ايام ثم تعود بابنه الذي اتضح أنه ابن رفيقه السوري والذي مات قبل أن ينعم باحضانه ليصمم هو على أخذه من والدته الفاسدة ويربيه بنفسه واستعمل تلك الحجة الغبية ليقنعها بسرعة الزواج.

تحركت صوب الغرفة دون كلمة إضافية تاركة إياه ينظر في اعقابها يفكر كيف يبدأ معها العلاج ليوقفها فجأة وهو ينهض:
بثينة،
توقفت فجأة وهي تنظر له بترقب ليبتسم لها بسمة جميلة حنونة لا تشبه ابدا تلك التي كان يمطرها بها قبل الزواج:
ايه رأيك نعمل سوا باستا أو بيتزا؟ انا جعان اوي.

مظهره وهو يطلب منها أن تصنع معه بعض الطعام جعلها تتخيله كما لو أنه طفل بملامحه الجميلة تلك وما كادت تفتح فمها للحديث حتى وجدته يجذبها بسرعة المطبخ وهو يصرخ بسعادة كبيرة:
تعالي هعلمك سر الباستا بتاعتي،
كان الأربعة يجلسون واخيرا على فراش رشدي بعد أن بدلوا ثيابهم بثياب أخرى من عند رشدي وجلسوا وهم يتحدثون عن سبب مجئ جمال والذي بادر بالحديث:
جمال هيوصل مصر بكرة.

نظر له الجميع بلهفة فخطته نجحت وبشكل أسرع فهو حرص على أخذ هاتف أخيه واغلقه وهذا ليس من عادته ابدا ليقلق جمال( رفيق مصطفى ) وبشدة على مصطفى، ثم اتصل عليه هو يسأله عن مصطفى ليخبره جمال كذبا ان مصطفى تعرض لحادثة خطيرة ليسارع جمال ( رفيق مصطفى ) باخباره أنه سيأتي على اول طائرة لمصر...
ابتسم زكريا براحة شديدة وهو يرى تلك اللحظة قد اقتربت واخيرا اللحظة التي سيأثر فيها لزوجته وحبيبته...

وعلى ذكر حبيبته خرج زكريا والجميع من شرودهم على صوت رنين هاتف زكريا وهو يصدح في المكان...
رفع زكريا هاتفه لترتسم ابتسامة كبيرة وهو يرى اسمها ينير شاشته لذا تحرك بعيدا عنهم قليلا وهو يستأذن للإجابة على زوجته...
السلام عليكم
ابتلعت فاطمة ريقها وهي تنظر حولها لماسة وشيماء حيث كانت تفتح المكبر ليصل صوته للجميع:
عليكم السلام، زكريا معلش ممكن تبعد لو فيه حد جنبك عشان عايزاك في حاجة ضروري.

ارتاب زكريا من الأمر ومن صوتها والذي ظهره له قلق: انا بعيد اساسا، فيه ايه يا فاطمة قلقتيني؟ صوتك ماله
نظرت فاطمة لماسة لا ترغب في تنفيذ هذه اللعبة الغبية، لكن ماسة زجرتها بغضب فهي وقع عليها الاختيار لتكون اول واحدة، لتتحدث فاطمة بسرعة وقبل أن تخونها شجاعتها:
زكريا احنا لازم ننفصل،.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة