قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الثاني عشر

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الثاني عشر

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الثاني عشر

كانت بسمات كلا من هادي ورشدي تكاد تخرج زكريا عن هدوءه، فالاثنان منذ صراخه باسم فاطمة لم يتوقفا عن التحديق إليه بتلك النظرات المزعجة وكأنهم يخبرونه تم الايقاع بك.
زفر زكريا بغيظ شديد ثم ضرب هادي في كتفه متحدثا بضيق وهو يشير لتلك التي تتأوه خلف ظهره:
قول لامك تساعدها اخلص.
ابتسم له هادي بسمة جعلته يكاد ينقض عليه، تحدث هادي بعد لحظات صغيرة لوالدته:
مامي لو سمحت ساعدي الآنسة عشان تقوم.

رمقه رشدي باشمئزاز لحديثه وهو ينظر له من أعلى لاسفل: مامي؟
همم، إنت عارف يا رشدي يا حبيبي اني خريج جامعات خاصة مش زيكم حكومي.
ضحك رشدي بعنف على حديث هادي ثم اقترب من زكريا يقول مستفزا هادي: الاه؟ هي جامعة اسكندرية دلوقتي بقت خاصة؟
نظر لهم هادي بشر كبير وهو يردد بأنفة وكبرياء: لا يا خفيف بس كنت باخد كورس في الجامعة الأمريكية.

قهقه زكريا على تذمر هادي وهو يربت على كتفه: وياريت جه بفايدة يا حبيبي ألا ما جبرت بخاطرنا مرة وطلعت كلمة انجليزية ولو بالغلط.
ابعد هادي يد زكريا عن كتفه بضيق وهو يرمقه من أعلى لاسفل: الحق عليا براعي مشاعرك لأنك عندك فوبيا من الانجليزي، وكمان مش حابب تقولوا اني بتنطط عليكم بمستوايا في الانجلش
أطلق زكريا صوتا ساخرا من صوته ليقاطع حديثهم صوت ابراهيم الذي خرج بصعوبة:
خلينا نروح نقعد عشان مش قادر أقف.

أنهى حديثه متجه صوب غرفة الضيوف ليتبعه الجميع عدا فاطمة التي نهضت وسارت للداخل بسرعة كبيرة تضع وجهها ارضا بخجل شديد ترغب لو تبتلعها الأرض من كثرة الاحراج الذي سببته لنفسها فهي عندما كانت على وشك فتح الباب تعرقلت قدمها في أحد الوسائد ارضا لتسقط بعدها على طاولة زجاجية تحتوي مزهرية مسقطة إياهم ارضا...

جلس الجميع مجددا في غرفة الضيوف و بدأوا بالتحدث مجددا في الأمور المتعلقة بالخطبة لكن قطع كل هذه النقاشات صوت رنين هاتف هادي الذي حمله سريعا ثم تحدث بصوت منخفض قليلا:
ايه يا فرج إنت فين ده كله؟
يابني انا بقالي ساعتين برن الجرس ارحم امي وحد يجي يفتح رجلي نملت.

صدم هادي من حديثه وتذكر أن فاطمة كانت ذاهبة لفتح الباب لكن بسبب ما حدث عادت راكضة للداخل دون فتح الباب، اغلق هادي المكالمة ثم نظر لرشدي ببسمة غبية:
معلش يا رشدي يا حبيبي ممكن تفتح الباب؟
رمقه رشدي بعدم فهم لكنه رغم ذلك نهض متجها صوب الباب وبمجرد فتحه للباب أطل عليه فرج الذي كان يرتدي بذله بالون الليمون الفاقع والمؤذي للعين وكأنه ذاهب لحفلة تنكر...

دلف فرج للمنزل ببسمة واسعة وكأنه والد العريس وهو يحدث رشدي بهدوء غريب عليه:
ازيك يا رشدي يا بني، فين الجماعة؟
أشار رشدي وهو يرمقه بتعجب تجاه الغرفة التي يجلس بها الجميع ثم سبقه وهو يبتسم بسخرية، حتى دخل الاثنان للغرفة وبسمة رشدي مرتسمة وباتساع على وجهه...

حدق هادي بتعجب في بسمة رشدي الذي كان يحرك له حاجبيه بمشاكسة حتى استوعب هادي سبب البسمة التي كانت مرتسمة على وجه رشدي منذ قليل حينما لمح فرج الذي دلف خلفه بكل فخر وكبرياء وهو يتجه جهة ابراهيم ليسلم عليه، حسنا كل هذا عادي تقريبا إذا استثنينا بذلته الغريبة لكن ما رآه بعد ذلك جعل هادي ينتفض سريعا ساحبا فرج خلفه معتذرا من الجميع ببسمة صغيرة...
يعني ايه مش هتلبسي فستان؟ أنتِ هبلة؟

اقتربت فاطمة من ماسة تحاول تهدئته فهم منذ دخلوا لهذه الغرفة يحاولون إقناع شيماء بارتداء فستان لائق لهكذا مناسبة رغم الاوضاع الغريبة الذي تم به الأمر لكن تظل خطبة في النهاية وعليها التأنق لأجلها...
ابتسمت بثينة من بعيد بسخرية من الأمر كله شاكرة في سرها غباء تلك البالونة المدعوة شيماء...
نظرت شيماء لماسة وهي تفرك يدها بتوتر شديد مشيرة لعباءة بسيطة تتوسط الفراش مبتلعة ريقها بتوتر:.

مالها يعني العباية يا ماسة ما هي حلوة اهي.
حلوة؟ برضو هتقوليلي حلوة؟ عريس جاي يتقدملك وتلبسيله عباية سودة؟ ايه هتتجوزي واحد محروق إياك...
كانت فاطمة تتوسط ماسة وشيماء تحاول أبعاد تلك التي تصرخ عن شيماء التي عاندت الأمر أكثر وهي تصر على رأيها:.

بقولك ايه يا ماسة يا اما البس العباية دي يا اما مش هخرج انا بقولك اهو، يعني هو يجي في الوقت اللي يعجبه ويتأمر علينا كلنا وفي الاخر عايزني اخرجله ولا كأني عروسة مولد وأبين اني واقعة؟
في تلك اللحظة احتدت عين ماسة واستدارت سريعا لتلك الحية التي تجلس بهدوء على الفراش تراقب نتيجة عملها، ابتسمت ماسة لبثينة ثم تحدثت بكلمة واحدة:
لا ملعوبة منك.

ابتسمت بثينة بسخرية بينما لم تفهما أي من فاطمة أو شيماء قصدها لتستدير لهم ماسة وهي تسحب شيماء قائلة ببسمة:
بقولك ملعوبة منك التقل ده، خلي هادي يشيط كده اكتر ما هو شايط يا عيني، ده حتى مصبرش لغاية ما يجي بليل وتقوليلي أنتِ اللي واقعة؟ ده هو اللي واقع من سنين يا هبلة.

نظرت لها شيماء بعدم فهم لكن لم تعطها ماسة الفرصة للفهم وهي تعطيها العباءة التي اخرجتها من الخزانة مخبرة إياها أن ترتديها فهي ستكون جميلة عليها، لتنفذ شيماء الأمر بينما تحركت ماسة لتجلس على الفراش جوار بثينة هامسة بشر:
ما انتِ طلعتي حلوة اهو وبتفكري، امال ايه السمعة الزفت اللي طالعة عليكِ دي إنك متخلفة؟

استدارت بثينة بغضب لماسة التي ابتسمت لها بسمة تخبرها بها أنها ستجدها دائما كالشوكة في الحلق إذا ما فكرت يوما في الاقتراب من شيماء و إفساد حياتها...
كان يجلس بين الجميع كل شخص منهم يتكلم في هذا وذاك وهو فقط يجلس معهم بجسده فقط بينما عقله وقلبه مع تلك التي سقطت منذ قليل واسقطت معها آخر دفاعاته، زفر زكريا بضيق واضعا وجهه بين كفيه عازما على تنفيذ ما فكر به، فما يحدث الآن لم يكن يوما من شيمه ولن يكون.

يكفيه أنه حتى الآن يؤنب نفسه على ما حدث اليوم السابق ولولا رؤيته لحالتها لما كان اقدم يوما على لمس امرأة لا تحل له، رغم أنه في ذلك الوقت لم يفكر في شيء ابدا سوى إنقاذها لكن بعد ذلك بدأ الشيطان يخيل له اشياء غير محمودة، استغفر ربه للمرة التي لا يعلم عددها وهو يأكد على نفسه تنفيذ ما قرره، بمجرد عودته للمنزل سينفذ ما قرره، نعم هذا ما سيحصل.

خرج زكريا من شروده على يد رشدي الذي كان يرمقه بتعجب شديد وهو يشعر بحيرته تلك:
مالك يا زكريا إنت كويس؟
نظر له زكريا ثوانٍ قبل أن يهز رأسه بنعم مبتسما بسمة صغيرة: كويس هو موضوع كده بس شاغل بالي مش اكتر...
موضوع ايه ده؟
صمت زكريا قليلا يفكر هل يخبره بالأمر أو يصمت الآن فهو ابدا لن يكذب عليه أو يراوغ فهذه ليست عادته ولن ينتهجها الان...

هقولك يا رشدي اكيد هقولك إنت وهادي انا مليش غيركم بس مش دلوقتي، انهاردة يوم هادي
أنهى حديثه ببسمة ليربت رشدي على يد زكريا مقتربا منه هامسا بحنان شديد فهو يخشى أن يكون وقع في مشكلة ما وهي ما جعلته يبدو شاردة بهذا الشكل:
إنت عارف اني جنبك دائما يا زكريا، ولو احتجت أي حاجة هتلاقيني صح؟
ابتسم زكريا على حديث رشدي فلا بد أنه فكر الآن بأن ما يؤرقه هي مصيبة كبيرة أو تورط في شيئا ما...

عارف يا رشدي عارف متقلقش هقولك كل حاجة بعدين...
ابتسم له رشدي وهو يعود مجددا لوالده لعله يقنعه بنزع ذلك القناع السخيف عن وجهه ليتحدثوا قليلا بجدية في هذه الخطبة التي لن تنتهي فهو يريد النوم قليلا قبل بدأ مناوبته...
ايه اللي إنت عاملة في نفسك ده يا فرج؟
تعجب فرج من حديث هادي ونبرته لينظر سريعا لثيابه ومظهره: ماله؟ مش عجبك النيو لوك؟
بعيدا عن البدلة بتاعتك اللي هتعميني دي، بس ايه اللي إنت جايبة ده؟

أخرج فرج صوتا حانقا من حنجرته وهو يكاد يحرق هادي بنظراته المغتاظة مشيرا لنفسه:
إنت بتعيب في البدلة بتاعتي؟ إنت اتجنيت؟ دي بدلة فرحي...
رمقه هادي من أعلى لاسفل بحسرة: يا صبر المعازيم اللي فضلوا باصين ليك طول الفرح من غير ما يخرجوا معميين منه...
علي فكرة دي كانت البدلة المفضلة عن المرحومة...
ضحك هادي بسخرية من حديث فرج: الله يرحمها كانت حمالة قاسية، ما علينا ممكن افهم ايه اللي إنت مسكه في ايدك ده؟

ابعد فرج عيونه من على عادي بتذمر ثم نظر لما يتوسط يده متحدثا بعدم فهم:
مش إنت اللي طلبت مني اجيبه؟
اقترب منه هادي يهسهس بشر بجانب أذنه وهو يكاد يفقد وعية من غباء فرج:
انا قولتلك تجبلي ربطة جرجير وبقدونس؟
لوى فرج فمه بضيق من ذلك الشاب المزعج بحق مشفقا في سره على شيماء...
ده مش بقدونس ده كزبرة بص هتلاقي ليها جذور من تحت ومتفر...

توقف عن الحديث بسبب يد هادي الذي أخذ يضرب الجدار جوار رأس فرج ينفس عن غضبه قليلا قبل أن يسقط أرضا بمرض في القلب:
اخرس بقى اخرس هتجبلي جلطة حرام عليك هتموتني، انا قولتلك هاتلي جرجير وكزبرة؟
أنهى حديثه بغضب شديد ثم أكمل بسخرية: ايه جاي أخطب كرنبة؟
كرنبة؟
انكمشت ملامح هادي بتعجب وهو ينظر لفرج أمامه متحدثا بخفوت: ايه الصوت ده؟

ابتسم فرج بتشفي على هادي وأشار له للخلف، استدار هادي ببطء وحذر ليجد شيماء تقف أمامه وهي تحمل صينية المشروبات بيدها ترمقه بشر كبير ويبدو أنها استمتعت فقط للجزء الاخير من حديثه حيث أنها صاحت في وجهه بغضب كبير:
كرنبة؟ انا كرنبة يا استاذ يا محترم؟
كاد هادي يفتح فمه ليجيبها لكنها لم تعطه أي فرصة لذلك حيث فتحت فمها صارخة به:
جاك كرنبة لما تنزل على نفوخك تقسمه نصين يا عديم الرباية إنت.

وعلى عكس المتوقع كان هادي يقف ويستمع لحديثها وصراخها دون أن يبدي أي حركة أو اعتراض مما استفز شيماء بشدة فوضعت الصينية التي تحملها في الارض جوارها ثم نهضت وامسكت كأس ملقية إياه في وجهه وهي تشعر بالمرارة قد استحكمت حلقها مما سمعته دون حتى أن تمنحه فرصة واحدة لتوضيح ما حدث...

اغمض هادي عينيه تزامنا مع اصطدام ذرات المشروب بوجهه وضم قبضتيه بغضب شديد جعل شيماء تلعن نفسها على ما فعلته في لحظة غضب تلاشت سريعا بمجرد رؤيتها ملامحه...
عادت للخلف برعب شديد وهي ترى هادي يفتح عينه ببطء مع بسمة صغيرة مرتسمة على وجهه يتحدث ببساطة كبيرة متجاهلا ما حدث منذ قليل فهو أكثر الاشخاص معرفة بحساسيتها تجاه جسدها:
مانجة؟ هو انا مش قولت عايز جوافة بلبن؟ ده انا حتى جايب الخلاط معايا.

ابتلعت شيماء ريقها برعب ثم رفعت نظرها له لتجده يرمقها ببسمة ابعد ما تكون عن الغضب، ابتسم هادي محاولا إزاحة غضبه جانبا فما فعلته مجرد رد فعل لما سمعته وللحق هو سعيد لكونها لم تعد تخشى الدفاع عن نفسها:
بس هو سؤال صغير...
رفعت شيماء نظرها لهادي بتعجب لتجده يتحدث ببسمة مشيرا لثيابها بتعجب:
هو أنتِ كده لابسة؟

فتحت شيماء عينها بعدم فهم ليوضح هو حديثه والذي لو كانت فتاة أخرى غير تلك الحمقاء لكانت اسمعته وابل من لسانها اللاذع كما فعلت هي منذ قليل...
قصدي يعني أنتِ خارجة تقابليني كده بالعباية السمرة؟
نظرت شيماء لنفسها قليلا بخجل تتمنى لو لم تستمع لبثينة التي حثتها على ارتداء تلك العباءة السخيفة لكنها رغم ذلك تحدثت محاولة عدم اظهار حرجها أو أي شيء له:.

مالها يعني ما هي حلوة اهي، وبعدين ده اللي عندي لو مش عاجبك انت حر.
انهت حديثها وهي تحمل صينية المشروبات مجددا ثم تقدمت من الغرفة التي يجلس بها الجميع تزفر أنفاسها التي كانت تحبسها بقربه...
بينما هادي نظر لاثرها مخرجا صوتا ساخرا من فمه: عايزة تطفشيني بعباية سودة؟ متعرفيش انتِ العباية السودة دي مقدسة عند الشباب ازاي؟ جاتك النيلة في عبطك، ده انا هلزقلك اكتر يا هبلة.

أنهى حديثه متحركا للداخل لينهي هذه الجلسة التي حدث بها الكثير والكثير يحاول محو آثار العصير عن وجهه وثيابه يستأذن من ابرهيم القدوم مساءا والتقدم مجددا...
معلش يا عمي هنيجي بليل ونعيد الحوار من الاول.
تلمس ابراهيم وجه الذي كان ما يزال مشدودا بسبب ذلك الشيء الذي وضعه عليه منذ قليل:
بص يالا انا مش فاضي لعبطك إنت وصحابك، اتصرف مع الزفت رشدي وابقوا بلغوني باللي هيحصل...

أنهى حديثه ثم نهض بضيق من هؤلاء المجانين الذين ابتليّ بهم، ألا يكفيه ابنه ليحصل على اثنين آخرين مجانين.
تتبع الجميع ابراهيم وهو يخرج ثم عم الصمت قليلا قبل أن يقطعه هادي الذي تحدث ببسمة سخيفة لرشدي:
ها يا أبيه رشدي نيجي امتى تاني؟

تحرك زكريا صوب منزله بعدما أتاه اتصالا من والدته تخبره بحاجتها له، وقد انتهى من موضوع هادي مع وعد بالقدوم مساءا للتقدم بشكل رسمي يليق بشيماء وللتحدث في كل التفاصيل، وهو يحمد الله على طلب والدته له فهو كان يرغب في الحديث معها على كل حال.

وصل زكريا لمنزله وما كاد يصعد إليه حتى وجد فتاة تهبط بسرعة كبيرة من على الدرج لذا سريعا ابتعد عن الباب وتوقف في الخارج جانبا وهو ينظر للجهة الأخرى حتى تعبر الفتاة لكن شعر فجأة بتوقفها جواره وصوتها يصدح في أذنه متسائلا:
اذا سمحت يا أخ متعرفش الاقي فين مستر زكريا؟
كرمش زكريا حاجبيه بضيق شديد من هذا اللقب الذي تطلقه عليه الفتاة، فتح زكريا فمه بنية الإجابة لكن توقف عن الحديث وهو يسمعها تتحدث بسخرية:.

هو إنت لا بس كده ليه؟
نظر زكريا لنفسه وكأنه للحظات نسي ما كان يرتديه ليغمض عينه بضيق شديد من مظهره الغير منمق.
كنت في حفلة تنكرية...
ابتسمت الفتاة بسخرية ثم قالت دون اهتمام: ما علينا، شكلك ساكن هنا معلش تقولي مستر زكريا في الدور الكام لاني طلعت ومش عارفة هو في الدور الكام.
زفر زكريا وهو ينظر ارضا يود الصعود الان ليغير ثيابه وايضا لتلافي الوقوف بهذا الشكل مع فتاة حتى وإن كانت مراهقة:
حضرتك محتاجة حاجة؟

وإنت مالك انا عايزة مستر زكريا، قولي بس هو فين وانا...
منار.
توقفت منار عن الحديث وهي تنظر خلفها لابنة خالها ببرود ثم تنهدت بضيق تاركة زكريا يقف بقلب يطرق بشدة جوارها لذلك الصوت. لكنه لم يتوقف لثانية إضافية حيث صعد سريعا درجات منزله تاركا فاطمة تقف مع تلك الفتاة المزعجة.
مش فاهمة يا بني يعني اقول لها ايه؟

صمت زكريا ولم يجب سؤال والدته هو يعلم جيدا أنها غاضبة منه الآن لكنه قرر وانتهى الأمر، تنفس قليلا ليهدأ ثم أجاب:
زي ما قولتلك يا امي إن بعد كده أنتِ اللي هتحفظيها مش انا.
التوى فم وداد بعدم فهم لحديث ابنها: انا؟ انا ايه يا بني؟ هو انا بحفظ برضو؟
ما هو انا هحفظك وأنتِ تحفظيها، يعني كل يوم هقرأ ليكِ الجزء اللي عليها بالتفسير بكل شيء يخصه وأنتِ تقوليه ليها.

لم يبدو أن وداد قد اقتنعت لحديث ابنها لذا سارعت وقالت: وليه اللفة دي يابني ما تحفظها زي ما انت.
زفر زكريا بضيق شديد، كيف يفهمها أنه لن يستطيع فعل ذلك بنفسه؟
يا امي ولا لفة ولا حاجة ده افضل صدقيني وكمان عشان تحفظي أنتِ كمان معاها، مش أنتِ كنتِ حابة تحفظي برضو؟
ايوة بس...

ما بسش ارجوكِ وافقي، الدراسة خلاص على الابواب وانا هرجع ادرس تاني فاحتمال أتأخر عليكم وده مش كويس لأنها بنت، فأنا لما اخلص كل حاجة اقعد معاكِ وافهمك كل اللي هتحفظيه ليها وأنتِ براحتك بقى يبقى اي وقت حفظيها وأنا برة البيت...
صمت قليلا يفكر في الأمر: وانا هبقى امتحنها بنفسي في نهاية كل جزء، تمام؟
ورغم عدم اقتناعها بالأمر ابدا إلا أنها هزت رأسها بإيجاب متنهدة بضيق:
تمام يابني ربنا يهديك يارب.

وكان واضحا لزكريا كثيرا مقدار استياء والدته من الأمر لكنه لن يخاطر بتحمل أي ذنب آخر يكفيه ما عاناه في الأيام السابقة، هو لا يود ارتكاب ذنب فيها لا يريد أن يظل يختلس النظر إليها اثناء التحفيظ ويستغل الأمر لذا هذا افضل حل قد يقوم به حتى يحين الوقت ل...
خرج زكريا من أفكاره على صوت رنين هاتفه ليخرجه مجيبا عليه وهو ينهض مبتعدا عن والدته:
الو يا استاذ جمال...
اه ده إنت اهبل بقى؟

كان ذلك صوت ماسة الذي خرج حانقا غاضبا من ذلك الوقح الذي يستمر بالاتصال بها كل يوم من فترة طويلة ملقيا على مسامعها حديث مقزز وكلمات خادشة كثيرة و المخيف أنها لا تستطيع أن تضع رقمه في قائمة الاتصالات التي لا تريد استقابلها فكلما فعلت ذلك وجدته يتصل بها وكأنها لم تفعل شيء...
ماسة اسمعيني الاول...

قاطعته ماسة بغضب شديد وهي تنظر خلفها مخافة أن يسمعها أحد: اولا اسمي ميجيش على لسانك القذر ده، ثانيا بقى اقسم بالله لو اتصلت كمان مرة بالرقم ده انا هدي رقمك لجوزي وهو يتصرف معاك.
لم تمنحه ماسة بعدها فرصة للرد على حديثها وأغلقت الاتصال سريعا في وجهه وبعدها أغلقت الهاتف كليا...

هي ظنت أنه مجرد شاب مزعج يريد المزاح كما يحدث دائما لذا لم ترد اخبار أحد فهي لن تركض لرشدي تشكيه كلما جاءها اتصال سخيف من أحد الشباب الذين لم يكلف ذويهم أنفسهم وقت لتربيتهم، لكنها بدأت تخاف حقا من هذا الشاب الغريب فحديثه وثقته تلك وكأنه يعرفها تخيفها وبشدة...
خرجت ماسة من شرودها على صوت شيماء التي جاءت من الخلف وهي تربت على كتفها متحدثة بهدوء:
ماسة رشدي اتصل وبيقولك قافلة فونك ليه؟

نظرت لها ماسة وابتسمت بخفوت: هو فصل شحن هشحنه واكلمه ياقلبي.
تمام هو قال هيخلص شغل ويتصل تاني.
ابتسمت لها ماسة وهي تتحرك جهة غرفتها بشرود شديد ثم فتحت هاتفها لتتحدث مع رشدي فهي تعلم أنه لن يتوقف حتى يحدثها، لكن بمجرد فتحها للهاتف وصلت لها رسالة على الواتساب الخاص بها من رقم غريب لأول مرة تراه لذا دخلت للمحادثة تقلب بها قبل أن تفتح فمها بصدمة كبيرة هامسة برعب:
يا ليلة سودة...

فتحت فاطمة باب منزلها تتبعها منار التي تجاهلتها طوال الطريق ولم تتحدث بكلمة ولم تكد الفتاتان تدخلان للمنزل حتى تناهى لمسامعهما صوت جدال بين والدتيهما، وصوت منيرة تصرخ بعنف شديد في نحمده:
ليه يعني؟ هي بنتي ناقصة ايد ولا رجل عشان يطفش؟
ضحكت نحمده بسخرية شديد وهي تجلس محلها ترتب ثياب ابنتها الخاصة بالمدرسة:
والله إنت اكتر واحدة ادرى ببنتك وباللي فيها...
نحمده.

كانت كلمة واحدة خرجت غاضبة من فم منيرة التي كادت تنقض عليها تقطع لحمها بين أسنانها لتكمل حديثها بغضب شديد:
العريس اللي جه لفاطمة ده انا هرفضه بس مش عشان كلامك الماسخ اللي عماله تردديه ولا كأنه اغنية عجباكِ، لا ده عشان أنتِ عارفة كويس اوي إنه مينفعش ليها
أطلقت نحمده صوتا ساخرا من حنجرتها وهي تردد بصوت خافت: ياختي بس حد يقبل بيها إن شاء الله قتال قتلة هي لاقية...

كادت منير تجيب لولا أنها لمحت ابنتها تقف بجوار القائم تراقبهم بملامح باهتة غير مهتمة في الحقيقة فهي اعتادت الأمر من عمتها بل من جميع من في العائلة، حسنا لا بأس فاطمة الان تحركي لغرفتك وعندها يمكنك البكاء كيفما شئتِ...
لكن حتى هذه الأمنية الصغيرة لم تنالها حيث اوقفتها عمتها وهي تناديها بحنق شديد:
استني قبل ما تدخلي روحي هاتي فينو ومربى وحلاوة وكمان شوفي امك ناقصها ايه في المطبخ وهاتيه...

انهت حديثها وهي تتركهم وتتجه صوب غرفة فاطمة تحمل في يدها ثيابها التي كانت ترتبها لأجلها، تاركة فاطمة تقف في منتصف المنزل بوجه شاحب قليلا لتتحدث دون أن تنظر لوجه والدتها:
هروح اغير الجيبة لأنها اتبهدلت مني...
تحركت جهة الغرفة التي دخلتها عمتها منذ قليل بنية تغيير الجيبة التي تمزقت من أسفل جزء صغير وايضا ابتلت بالمياة التي سقطت من المزهرية التي كسرتها هي في منزل رشدي...

دخلت الغرفة لتجد عمتها تتحدث مع منار بصوت خافت جدا ليتوقفوا عن الحديث بمجرد دخولها، لم تعرهم أي اهتمام لتتجه صوب خزانتها وتبدأ في البحث عن ثياب لها، لكن يبدو أن جميع ثيابها متسخة فوالدتها لم تغسل الثياب بعد زفرت بضيق تحاول إيجاد شيء ترتديه حين وصل لمسامعها صوت تأفف عمتها وكأنها هي من تقتحم غرفتهم وليس العكس، لذا وحتى تتجنب أي كلمة قد تسمم مسامعها سحبت أحد قطع الملابس القديمة الخاصة بها والتي كانت تضعها في خزانتها من أسفل...

سحبتها وخرجت للحمام حتى تبدل ما ترتديه لكن بمجرد أن ارتدت الجيبة حتى سقطت من خصرها تفترش الأرض أسفلها، نظرت لها فاطمة بحنق شديد وهي تنحني ساحبة إياها مجددا لاعنة في سرها عمتها وتعنتها الشديد لتزفر بضيق وهي تمد يدها وتنزع ذلك الرباط الخاص بحذائها والذي كانت تعلقه على باب الحمام من الخلف بعد غسله، لتقوم بربطه على خصرها حتى يمنع ثيابها من الانزلاق ثم تأكدت من وضع ثيابها جيدا والبنطال الذي ترتديه أسفل الثياب وبعدها خرجت لتحضر ما طلبته عمتها.

رقي في التعامل؟ إنت عبيط يا رشدي؟ بقولك اختك لبستني كوباية المانجة في وشي وانت عارف كويس اوي اني مش بحب عصير المانجة.
صمت هادي قليلا يستمع لصوت رشدي عبر الهاتف وهو في طريقه للمكتب الخاص به، ليضحك فجأة على حديث رشدي:
اه فعلا انا هبهدل اختك معايا، اصل انا قاسي اوي واختك يا عيني مكسورة الجناح، يا جدع ده انا من يوم ما قولت عايز اتقدملها وهي عدماني العافية.

تحدث رشدي بملل من حديث هادي الكثير: قصره يبقى تعالى بكرة مش انهاردة لاني هكون في الشغل لغاية الساعة 1.
طب ما اجيلك 1 يا رشدي عادي يعني مش هنزعج متقلقش
اطلق رشدي صوتا ساخرا من حنجرته وهو يردد على مسامع هادي: انا هنزعج يا اخي، وبعدين عشان تاخد راحتك كده وتفكر في افعالك شوية بدل الهبل اللي متخذه منهج في حياتك ده، اشوفك بكرة بقى وسلام عشان عندي شغل.

أنهى رشدي حديثه وهو يغلق الاتصال سريعا فهو مل حقا من إلحاح هادي للمجئ اليوم وكأن لا غد له، تنهد بتعب وهو يحاول الاتصال مجددا بماسة التي لم تجب على مكالمته منذ قليل.
نظر هادي للهاتف بحنق شديد فهو أراد اليوم أن ينام وقد ضمن أنه خطى اول خطواته لتصبح شيماء ملكه وله دائما، لكن يبدو أن ذلك تأجل للغد...
يلا على الاقل تكون البدلة اتغسلت من المانجة، ماشي يا شيماء أما ربيتك والله لااااا.

توقف عن الحديث لرؤيته بثينة تقف في شارع جانبي مع سيدة تتشح في السواد وتتحدث معها بعنف شديد وكأنها على وشك الشجار أو ما شابه، تحرك للطريق الآخر حيث يتفرع الشارع الذي تقف به بثينة مرت من أمامه سيارة فجأة وبمجرد رحيلها اختفت بثينة تماما وكأنه كان يتخيل وجودها لا أكثر...

نظر هادي لساعة يده ولولا أنه تأخر على المكتب لكان ذهب لمنزلها وسألها ما حدث فرغم أنه لم يسامحها بعد على كذبها إلا أنه ما يزال مسئولا عنها.
بكام دي؟

أشارت فاطمة لبعض الحضروات قبل أن تنحني لتنتقي منهم ما يناسبها وبعدها نهضت ووضعته للبائع حتى يحدد ثمنهم لكن أثناء ذلك شعرت فجأة أن الجيب الخاصة بها قد أصبحت أوسع وبدأت تنزلق، لذا مدت يدها وامسكتها جيدا حتى لا تُفضح في وسط السوق وحملت ما اشترته وتحركت سريعا صوب المنزل بعدما انتهت من التبضع وجلبت كل ما طلبت عمتها...

خرج زكريا من المنزل وهو يزفر بضيق مستغفرا ربه فما سمعه منذ قليل من مدير المدرسة التي يدرس بها لا يسر ابدا...
سارت في الشارع بسرعة كبيرة بعد مكالمة والدتها وهي تدعو ربها ألا تكون عمتها تنتظرها أيضا...
نظرت فاطمة للحقيبة بيدها وهي تمسك باليد الأخرى الجيبة الخاصة بها والتي كانت واسعة بعض الشيء بسبب استعجالها وذلك البنطال أسفلها لا يساعد ابدا بسبب قماشته التي تسبب انزلاق الجيبة أكثر...

في الطريق المقابل كان زكريا يسير سريعا وهو يتحدث في هاتفه ويبدو أنه كان على وشك الشجار:
يا استاذ جمال مينفعش ابدا اللي حضرتك بتقوله، مينفعش انا مش هدرس لمدرسة بنات ارجوك، مش عشان حاجة بس عشان...
توقف زكريا عن الحديث وهو يرى فاطمة تسير كالبلهاء تنظر في الحقيبة معها وتنفخ بضيق كاد يبعد نظره عنها بسرعة كما يفعل لولا ما حدث بعد ذلك جعله يفغر فاهه...

سارت فاطمة تلعن عمتها في تلك اللحظة فهي من أصرت على أن تهبط هي وتشتري الاشياء الخاصة بطعام مدللتها منار الذي ستأخذه معها للمدرسة، فجأة سمعت رنين الهاتف لتضع سريعا حقيبة المشتريات أسفل ذراعها وأخرجت الهاتف لتجيب دون أن تنتبه أنها تركت الجيبة الخاصة بها والتي كان الرباط الذي يمسكها قد انفكت عقدته أثناء انحنائها لشراء بعض الخضروات...
رفعت فاطمة يدها سريعا تجيب بضيق: ايوة يا عمتي...

لكن فجأة توقفت وهي تشعر بالجيبة الخاصة بها تسقط ارضا فتحت عينها بصدمة كبيرة تسمع صرخة عالية جوارها وجسد يتوقف أمامها بسرعة هائلة مشكلا حاجز وهو يعطيها ظهره يفرد يده صارخا:
رباه
نظرت فاطمة لظهر زكريا وهي تحاول ألا تبكي من ذلك الموقف الذي وضعت بها نفسها وشرعت تحاول تبرير الأمر:
والله مش قصدي هي اللي واسعة و...
فقط ارتديها ارجوكِ...

قال زكريا بصوت زاجر يحاول التحكم في نفسه حتى لا يستدير ويصفع تلك الغبية التي تقف خلفه وتبرر له الأمر بدلا من محاولة إصلاحه.
بكت فاطمة من صراخه لكنها سريعا انحنت ورفعت الجيبة بسرعة قبل أن يلاحظ المزيد من الناس الأمر فيكفيها ما تعرضت له من احراج وأمام الشيخ الذي يبدو وكأنه لا أحد في هذا العالم سواه حتى تضع معه دائما في مواقف مخجلة...

تحركت فاطمة بهدوء شديد من خلف زكريا وهي تحاول الذهاب من أمامه دون كلمة واحدة فماذا ستقول وهي في هكذا موقف، لكنها توقفت فجأة عن السير لسماعها صوته الذي كان خافتا قليلا:
والدتي مستنياكِ في البيت...

أنهى كلماته دون حتى توضيح سبب انتظار والدته لها أو أي شيء تاركا ايها تنظر لظهره بتعجب كبير، لكنها سريعا تحركت قبل أن يتحدث مجددا إليها وأثناء ذلك اصطدمت بالخطأ في أحد حاويات القمامة الكبيرة لتسقط بها ارضا...
اغمض زكريا والذي كان على وشك التحرك عينه بحنق شديد مرددا بغيظ: يالله لا يعقل أن تحتكر كل هذا الغباء وحدها. كارثة ذات ارجل وأيدي تسير مسببة العديد من المصائب.

كان يسير وهو يضع يده على قلبه الذي يحقق بعنف، تلك اللحظة التي كان يخفض بصره عنها للارض ورأى فيها الجيبة تسقط شعر يتوقف قلبه للحظات قبل أن يهرع ويغطيها سريعا كردة فعل غبية منه، ربت زكريا على قلبه وهو يتنهد بوجع كبير متمتما:
يالله يوما ما ستتسبب هذه الفتاة في توقف قلبي عن الخفقان، اه كاد قلبي يسقط أرضا.

ذلك الخوف الذي شعره منذ لحظات عليها حتى أنه لثوانٍ كاد ينطلق لها ويجذبها ملقيا إياها في أي منزل بسرعة قبل أن ينتبه أحد يخبره جيدا أن حتى ما فعله وأخبره لوالدته ليس كافيا ليبعدها عن تفكيره، لكن ما عساه يفعل كل ما يستطيع فعله هو أن يدعو ربه
دخلت فاطمة للمنزل ووضعت كل ما جلبته على الطاولة ثم انطلقت للمرحاض سريعا فهذا المكان الوحيد الذي تستطيع أن تختلي فيه بنفسها بعد احتلال عمتها وابنتها للمنزل...

دلفت المرحاض سريعا وهي تتنفس بسرعة كبيرة ومازالت صورته وهو يركض لها معطيا إياها ظهره وهو يشكل درعا حاميا لأجلها تقتحم رأسها، أغلقت عينها بقوة ثم غسلت وجهها بعنف تحاول ابعاد رأسها عما حدث لكن كيف وهي طالما تتنفس لن تنسى ذلك الذي تعرضت لها.
تحركت للخارج ثم نادت والدتها وهي تدخل الغرفة واحضرت عباءة ترتديها بدلا من تلك الجيبة وبعدها اتجهت لوالدتها تخبرها عن انتظار وداد لها لتأذن لها والدتها للذهاب...

كانت تسير وهي تشعر أنها مراقبة وأن هناك من يتبعها لذا أسرعت أكثر في سيرها حتى كادت تسقط ارضا لولا تلك اليد التي أمسكتها...
نظرت فاطمة بتعجب لبثينة التي كانت وكأنها تهرب من اسدا: مالك بتجري كده ليه يا بوسي؟
حاولت بثينة تمالك نفسها قليلا حتى لا تظهر أمام فاطمة بمظهر البلهاء ثم قالت ببسمة:
ولا حاجة يا بطوط بس كنت مستعجلة شوية...
قالت محاولة أن تبعد تفكيرها عنها: كنتِ فين كده؟

ابتسمت لها فاطمة مشيرة للبناية التي يسكن بها زكريا: خالتي وداد مستنياني مش عارفة ليه هروح اشوفها لو عايزة حاجة مني...
قلبت بثينة شفتيها بحنق شديد وهو وقول بتلميح: طب يا بطوط بس حاولي متحتكيش بالعيلة دي كتير لا حسن تقلبي زي الشيخ...
انكمشت ملامح فاطمة بعدن فهم وهي تحاول معرفة سبب حديث بثينة بهذا الشكل وهذه العداوة جهة زكريا وعائلته:
مش فاهمة يا بثينة قصدك ايه؟

انتبهت زكريا لشيء خلفها لتتحدث بسرعة وهي تتحرك مبتعدة: بعدين يا فاطمة لان الموضوع كبير، عن اذنك دلوقتي بس عشان مشغولة.
انهت حديثها وهي تتحرك بسرعة جهة ذلك الشيء الذي قلب ملامحها بهذا الشكل وتحركت فاطمة صوب منزل زكريا وهي تفكر في سبب كره بثينة له، فهي تعاملت معه ولم يظهر يوما أي وقاحة أو تجاوز بحقها، على العكس كان دائما متفهما، لكن ربما هذا ما يظهره أمامها فقط.

انطلقت بثينة سريعا جهة البناية التي يسكن بها رشدي وسحبت ماسة لداخل البناية بعنف شديد تحتجزها في مكان مخفي أسفل الدرج متحدثة بشر كبير جانب أذنها:
مراحب بالسنيورة اللي عايشة جو المغامرات وماشية تهدد فيا وتكيد ليا.
زمت ماسة شفتيها بحنق وتذمر شديد: أخص عليكِ يا بوسي أنتِ زعلتي من هزاري؟ مش كده برضو خلي عندك روح رياضية.

ابتسمت لها بثينة وهي تهمس جانب أذنها بنبرة مرعبة: ما هو فعلا انا عندي روح رياضية عشان كده لسه سيباكِ عايشة لحد دلوقتي لكن متعتمديش على كرمي ده كتير لأني لو جبت اخري صدقيني يا ماسة ما حد هينجدك من تحت ايدي.
أبعدت ماسة بثينة عنها بعنف شديد وهي تتحدث بسخرية: وماله يا بوسي يلا هاتي أخرك وانا هاخده منك بروح رياضية زي ما اخدت رشدي...

اسودت عين بثينة بشر كبير لتسمع صوت ماسة الغاضب وهي تقترب منها: لا لا لا اوعى تكوني مفكراني هبلة ومعرفش بحبك الطفولة اللي كان من ناحيتك لرشدي؟
احمرت عين بثينة وفي ثواني كانت يدها ترطم بوجه ماسة جاعلة رأسها يستدير للجهة الأخرى.
ابتسمت ماسة بسمة مخيفة وهي تستدير لها متحدثة بهدوء عكس ما كانت تتوقع بثينة:.

إنت واحدة زبالة يا بثينة كل شوية بحال وكل شوية بتحبي في واحد شكل ولما يتاخد منك بتحولي على غيرك ومش بتزعلي لحظة، لأنك ببساطة مش بتحبي الشخص لنفسه لا بتحبيه عشان حاجات متخلفة زيك، ولما لقيتي رشدي ملهوش طريق معاكِ غيرتي على غيره ولما غيره مجاش معاكِ قولتي أما تشوفي سكة هادي كده...

فتحت بثينة عينها بصدمة وهي تستمع لحديث ماسة، ماذا تقصد بغيره؟ هل تعلم ما فعلته قديما، لكنها ورغم ذلك ادعت عدم الاهتمام وهي تنظر ببرود لماسة التي ابتسمت لضغطها على الوتر الحساس فهي أكثر من تعرف بثينة وتعرف جيدا أنها لم تحب هادي لكنها تود إثبات فقط أنها تستطيع الحصول عليه طالما وضعت عينها عليه وأنها مرغوبة بعد فشلها مرتين في الحصول على الحب. مرة رفقة رشدي الذي لم ينظر لها يوما حتى إلا كابنة عم رفيقه ومرة مع رفيقها الثري أثناء الجامعة والذي تخلى عنها بأمر من والده وسافر لإكمال دراسته وإدارة اعمال والده في إحدى الدول الأجنبية تاركا إياها خلفه لا تملك غير أن تعود لهادي الذي كان أمامها دائما ولم تفكر يوما به؛ لرؤيتها أنه أقل من طموحها لكن كل ذلك تغير حينما صارحها هادي بحبه لشيماء ورغبته في الزواج منها وقتها شعرت أن شيء ملكها يسحب من بين أصابعها، ولم تدرك بسذاجتها أن هادي لم يكن يوما ملكها.

ابتسمت ماسة على ملامح بثينة الشاحبة ثم اقتربت منها وهمست لها في أذنها بشر كبير:
لو شيماء حصلها حاجة محدش هيقف ليكِ غيري يا بثينة...
انهت حديثها ثم صعدت للأعلى تاركة بثينة تنظر في اثرها بنظرات مريضة مرددة بنبرة خبيثة:
طب كويس إنك بلغتيني، لاني مش ناوية اعمل حاجة لشيماء لاني ببساطة اقدر اتصرف معاها واسيب الباقي لغبائها، إنما أنتِ بقى فمحتاجة شوية شغل لانكِ تعرفي حاجات كتير اوي مكنش لازم تعرفيها...

يعني حضرتك بعد كده اللي هتحفظيني؟
هزت وداد رأسها بتعجب لبسمة فاطمة تلك وكأنها أخبرتها للتو بخبر نجاحها ولا تعلم أن فاطمة الان تشكر الله في قلبها لعدم اضطرارها للتعامل مع زكريا مجددا فهي يكفيها ما تتعرض له كل مرة حينما تكون معه وكأن المصائب تنتظر تلك اللحظة لتظهر...
تمام بما إني وضحت الموضوع نبدأ؟
ابتسمت لها فاطمة سريعا تهز رأسها بإيجاب سعيدة كثيرا ومرتاحة لهذا الوضع:.

تمام بس انا مجبتش المصحف بتاعي معايا مكنتش اعرف اني هاخد دلوقتي.
ابتسمت لها وداد وهي تنهض: هروح اجيب واحد من مكتبة زكريا ونبدأ ولا يهمك، انا زكريا وراني هنبدأ في ايه وعرفت كل حاجة.
انهت حديثها ثم اتجهت للداخل تحضر المصحف تاركة فاطمة في الخارج تحمد ربها لاستجابته دعائها فهي دعت ألا تراه مجددا بعد ما تعرضت له معه...

أنهى هادي عمله وكان في طريقه للمنزل قبل أن ينتبه لفرج الذي يحتل مقعده المميز لذا اتجه له سريعا بغضب شديد يكاد يكسر الأرض أسفل قدمه صارخا بغضب بمجرد وصوله حيث فرج:
يابرودك يا اخي، يعني كنت هتبوظ الخطوبة الصبح وقاعد هنا تشرب سحلب؟
اشرب كركديه طيب؟
اغتاظ هادي من حديث فرج ليسحب مقعد ويجلس أمامه وهو يرمقه بشر: بقى انا اقولك تجبلي بوكيه ورد يا فرج تقوم تجبلي حضار، ايه هنعمل محشي؟

ابتسم فرج وهو لا يشعر بأي ذنب لما فعل: وفجل لو سمحت، انا كنت جايب فجل عشان اكسر اللون الاخضر واعمل ميكس الوان كده...
تعرف يا فرج لو الخطوبة دي باظت بسببك هعمل ايه؟
نظر له فرج بترقب ليكمل هادي حديثه بغيظ كبير: هتجوز أم اشرف واحرق قلبك
ويهون عليك عمك فرج يا هادي؟
تحدث فرج بمسكنة ليبتسم له هادي ببرود مرددا: لا يا غالي متهونش وعشان كده هسمي اول عيل فرج عشان تعرف اني...

توقف هادي عن التحدث وهو يلمح شيء جعله يفتح عينه بصدمة كبيرة ليهمس:
شيماء؟
تمام كدة يافاطمة شطورة، كده خلصنا اللي علينا انهاردة وبكرة نكمل سوا.
ابتسمت فاطمة لوداد بحب وتقدير وهي تنهض مقررة الرحيل فهي تأخرت حتى أنها لم تخبر والدتها أنها ستأخذ درسها الآن وايضا نسيت هاتفها في المنزل بسبب تعجلها...

تحركت فاطمة متجهه للخارج سريعا خوفا أن تقابل زكريا بينما وداد تنظر لها بتعجب لركضها بهذا الشكل لكنها لم تهتم كثيرا واتجهت للمطبخ...
بعد ثوان قليلة دخل زكريا للمنزل وهو ينادي بصوت عالي على والدته مخبرا إياها أنه أتى ليسمع فجأة صوت رنين هاتف والدته:
تليفونك بيرن يا امي...
رد يا زكريا يابني شوف مين عشان ايدي مشغولة حاليا...
حمل زكريا الهاتف ورأى اسم منيرة ينير الشاشة لذا اجابه بهدوء قليلا واحترام شديد:.

السلام عليكم...
زكريا؟ فاطمة عندكم يابني؟
تذكر زكريا رؤيته لفاطمة وهي تخرج من منزله راكضة بعيدا ولم يرد هو أن يقترب قبل أن تختفي حتى لا يعرضها للحرج لذا أجاب منيرة بالرفض واخبرها أنها رحلت منذ ثوانٍ ليصل له صراخها الذي جعل قلبه ينتفض برعب:.

الحقها يا زكريا الحقها بسرعة يابني ابوس ايدك خليها متجيش البيت دلوقتي ابوها جايب مأذون وحالف ميت يمين ليجوزها لواحد قده اول ما توصل، ابوس ايدك يابني تلحقها خليها عندكم دلوقتي، الحقها يا زكريا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة