قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الثامن عشر

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الثامن عشر

رواية شيخ في محراب قلبي للكاتبة رحمة نبيل الفصل الثامن عشر

صمتت وصمت هو فأي حديث قد يقال في هكذا موقف، ذرفت دموع كثيرة، لكن وهل تشفع لها تلك الدموع.
ابتسم هادي بوجع وهو يقترب منها يتساءل مشيرا لنفسه باستنكار: قلّيتي من قمتي وطلعتيني إني واحد ابن وبجبر بنت عمي على الجواز مني، رغم اني انا اساسا مكنتش حابب كده.
بكت بثينة أكثر تحاول الحديث لربما استطاعت الدفاع عن نفسها لكن هادي قاطعها وهو يصرخ مذكرا إياها بذلك اليوم الذي تجلد نفسها كل ثانية لما فعلته فيه:.

قعدت معاكِ وكلمتك قولتلك على الوصية وسألتك يا بثينة عندك مانع؟ يا بثينة عندك اي اعتراض؟ وأنتِ سكني وقتها، وانا فسرته إنه كسوف منك وعمري ما كنت اتخيل اللي عملتيه يومها.
صمت يتنفس بعنف شديد يتذكر ذلك اليوم جيدا حينما أتى المأذون لعقد قرانه على بثينة وحضر معه أصدقائه وبعض الجيران لحضور العقد لكن وقتها فعلت بثينة ما احطّ من قدره أمام الجميع:.

كلمتي خالك يجي جري من البلد عشان يلحقك من ابن عمك الوحش اللي عايز يتجوزك غصب، وخالك يسكت؟ لا ازاي، جه قدام الكل هنا وقعد يشتم فيا ويزعق ويقولي هو عشان ابوها مات هتستقوي نفسك وتشوف نفسك عليها لا فوق انا لسه عايش.

سقطت دموع هادي وهو يشير لنفسه: انا بستقوى عليكِ؟ انا عمري جيت عليكِ يا بثينة؟ حتى بعد اللي عملتيه يومها ونزلتي من صورتي قدام الكل وطلعت زبالة قدامهم اني بجبرك على الجواز وخالك الهمام جه انقذك. رغم كل ده عذرتك وقولت لسه بنت صغيرة ومش ذنبها اللي خالها قاله وسكت وعاملتك بما يرضي الله.

صمت قليلا ثم صاح بقهر شديد: ده أنتِ اول واحدة يا شيخة اقولها اني بحب شيماء واعتبرتك وقتها اختي، تعملي كل ده فيا؟ شوهتي صورتي قدام الكل بأني مدمن وسكت، طلعتيني واطي بجبر بنت عمي على الجواز وسكت، لكن توصل للأعمال والسحر...
توقف عن حديثه وهو يصفعها بعنف وقد أضحت عيناه حمراء بشدة صارخا في وجهها:
ده انا اقتلك يا بثينة سامعة، أنتِ مدركة أنتِ عملتي ايه؟ ولا غلك وحقدك عماكِ؟

بكت بثينة بعنف وهي تضع يدها على خدها بوجع شديد من صفاته: يا هادي والله عملت كل ده عشان بحب...
اسكتي، تعرفي تسكتي؟ بتحبي مين؟ بتحبيني انا؟ الكحيان؟ اللي مش عنده عربية ولا فلوس في البنك؟ مش ده كلامك ليا بعد ما خالك مشي يوم كتب الكتاب وأنك مكنتيش حابة ترتبطي بيا لاني مش طموحك؟

صمت ثم قال بعدها ببسمة ساخرة: ولا لما لقتيني بروح لغيرك احلويت في عينك؟ اصل ده مش حب ابدا، أن الحاجة تكون معاكِ ومتبصيش ليها ولما تلاقي غيرك اخدها تفضلي تدبدي برجلك وتقولي لا دي بتاعتي انا ده مش حب ابدا يا بثينة، انتِ عارفة ده اسمه ايه؟
صمت يراقب ملامحها الشاحبة وقد عراها أمام نفسها: ده اسمه مرض نفسي أنتِ مريضة يا بثينة والمفروض تتعالجي وانا عندي اللي يعالجك.

رفعت بثينة عينها الحائرة له لا تفهم حديثه لتجده يقول بكل قسوة: فرانسو كلمني عشان اسرع الجواز وانا رفضت وقولتله مش انا اللي ارمي لحمي بالسهولة دي ولازم كل حاجة تمشي براحة عشان تاخدوا على بعض وتعرفوا بعض بس خلاص أنتِ جبتي أخرك معايا يابنت عمي وانا هعمل باصلي وأكمل للآخر واسلمك لعريسك و وقتها انسي إنك كنتِ تعرفيني في يوم يا بثينة لاني هنساكِ.

صمت وهو يرى ملامحها المفزوعة لما قال ثم نظر لمروة وهو يتحدث بجدية كبيرة:
ومتقلقيش على والدتك هي امي وهاخد بالي منها لان ملهاش ذنب في مرض بنتها ولا عمايلها وهاخدها تعيش مع امي وهاخد بالي منهم واظن كده عداني العيب.
أنهى حديثه ثم تحرك صوب الباب لكنه توقف فجأة وهو يقول دون أن يستدير:.

اه صحيح متخافيش محدش هيعرف بقذارتك دي غيرنا احنا لان مش انا اللي افضح حد حتى لو كان عدوي وكمان لأن شيماء متستحقش تتصدم بالشكل ده في صديقة عمرها.

أنهى هادي حديثه وهو يتحرك بسعة كبيرة جهة الباب ثم اغلقه بعنف شديد خلفه جاعلا مروة تنتفض بفزع ثم رمقت ابنتها بغير تصديق لما سمعته منذ قليل، لكنها لم تفعل شيء سوى أن رمتها بنظرة قطعت بثينة ثم تحركت صوب غرفتها تستغفر ربها تبكي حالها وتفكر فيما قصرت لتُبتلى بابنة كتلك؟
بينما بثينة كانت ترى عالمها ينهار أمام عينيها لا تصدق ما حدث منذ ثواني وكأنها في كابوس، كل شيء تدمر، كل شيء.

قد يكون العقل شرقي، لكن القلب والله عاشق.
تلك الجملة لو يعلم زكريا وقعها على قلب فاطمة لاشفق عليها مما سببه لها، شعرت فاطمة بجسدها كله يرتجف بين ذراعي زكريا بعد سماعها لكلماته لا تصدق ما سمعته للتو.
الن يرمقها بنظرات مشمئزة؟ أو يرميها بكلمات كالسهام كما فعل الجميع؟ أو حتى يشفق عليها كما البعض؟ وللعجب وجدته يتسائل عن المجرمين الحقيقين رافعا عنها ذلك اللقب البغيض.

ابتلعت فاطمة ريقها وهي ماتزال تسكن أحضانه تهمس بصوت منخفض جدا يرفض عقلها التصديق بوجود شخص كهذا في العالم:
دي مثالية ولا ادعاء للمثالية؟
ابتسم زكريا بوجع شديد لما وصلت إليه. أبعدها زكريا عنه قليلا ثم تحدث ببسمته الحنونة التي اعتادت فاطمة مشاهدته بها بعد أن كان التقطيب عنوان ملامحه:
تعرفي يا فاطمة ايه مشكلة المجتمع اللي احنا فيه؟

صمتت فاطمة ولم تجب سوى بإماءة رافضة ليكمل زكريا وهو يتنهد: إن من كتر ما المجاري طافحة فيه وريحة الصرف الصحي ملياه، بقينا نستغرب ريحة المسك ونقول عليها معجزة.
انكمشت ملامح فاطمة بعدم فهم لحديثه ويبدو أن مغزى حديث زكريا لم يصل لها، ضحك زكريا بخفوت ثم جذبها لاحضانه مجددا وتحدث وكأنه يشرح لأحد التلاميذ عنه:.

يعني من كتر ما بقى الكل بيتصرف تصرفات لا تمت للدين بصلة، بقينا نتصدم من اللي بيتصرف تصرفات عادية.
صمت ثم أكمل: يعني اللي أنتِ بتقولي عليه مثالية ده اساسا تصرف طبيعي المفروض كان يحصل لكن لأنه أضحى نادر في المجتمع بقينا نشوفه تصرف خارق للطبيعة.

الآن فهمت فاطمة ما يقصده لكن ورغم ذلك لم تتغير ملامحها بمقدار أنملة ليبعدها زكريا جاعلا إياها تجلس على الأريكة ثم جلس جوارها وصمت، طال الصمت بين الاثنين حتى كادت فاطمة تظن أنه دخل في صدمة متأخرة قليلا لذا نظرت بطرف عينها جهته لوحده شارد بشكل مخيف ثم تحدث بهدوء شديد وتردد:
هو، أنتِ يعني، قصدي...

صمت لا يعلم كيف يخبرها بالأمر، زفر بضيق شديد وهو يدفن وجهه بين يديه مهما ادعى أن الأمر لم يؤثر في رأيه لكنه بالفعل اثر في قلبه يشعر بطعنات متتالية توجه لصدره لا يعلم ماذا يفعل يود سؤالها عن من فعل ذلك يود معرفة ما حدث معها بالتفصيل، لكنه لا يأمن انهياره أمامها بعدما هدأ، يود لو يركض من أمامها الآن لمنزله ينزوي في غرفته ثم يبكي كطفل صغير بعيدا عن أعين الجميع.

خرج زكريا من حديثه مع نفسه على صوتها الخافت والجامد بشكل مخيف حقا:
كنت في تالتة ثانوي وقتها...
كان يضمها بوجع شديد وفكرة أنها قد تتعرض لخطر يقتله فها هي صغيرته الجميلة التي كتم حبه لها حتى أضحى قادرا على الفوز بها، بين يديه وقد تعرضت للانهيار بسبب شيء لا يعلمه.
ضم رشدي ماسة إليه أكثر وأكثر وهو يهمس لها أن تكون بخير لأجله فقط، حتى سمع طرق على الباب ليصرخ دون وعي:
قولت سيبونا لوحدنا مش عايز اشوف حد.

أنهى حديثه يدفن وجهه في ماسة مجددا يحاول كتم دموعه لكن صوت شيماء الذي وصله مرتجفا وهي تتحدث بخفوت جعله ينتفض وهو يستمع لنبرتها المرعوبة:
رشدي، هادي برة وشكلة متبهدل اوي وعايز يقابلك.
انتفض رشدي من جوار ماسة وهو يركض للخارج دون حتى أن ينتبه لثيابه الغير منمقة متحدثا بسرعة لشيماء:
خليكِ جنب ماسة ومتسبيهاش.

أنهى حديثه راكضا لغرفة الضيوف ليجد أن شيماء قد أخطأت الوصف حين استخدمت كلمة متبهدل لوصف هادي، فهيئة هادي كانت أقرب للدمار وكأنه قد تعرض لحادث منذ قليل.
دخل رشدي بسرعة يغلق الباب خلفه سريعا ثم هرول جهة هادي بملامح مفزوعة لحالته:
هادي!؟ مالك حصلك حاجة؟
رفع هادي عيونه التي كانت أشبه بعيون رشدي مليئة بالدموع وحمراء: تعبان اوي يا رشدي ومش عارف اروح فين؟ زكريا مش في البيت و...

لم يكمل بسبب سماع الثلاثة لجرس المنزل يتبعه صوت سحر مرحبة بزكريا وهي تدله على مكان وجود رفاقه...
طرق زكريا باب الغرفة ليتجه رشدي له ويفتح الباب ليفاجئ بزكريا يلقي بنفسه بين ذراعيه مرددا بتعب شديد:
حاسس اني مخنوق اوي وبموت...
نظرت منيرة بتعجب شديد لابنتها التي تتوسط الأريكة جوارها بهدوء مريب وهي تفكر أنها لم تخبر زكريا بعد بالحقيقة فهي لم تستمع لأصوات شجار أو صراخ منذ جاء وحتى غادر...

كانت نحمده تجلس على الأريكة المجاورة لتلك التي تتوسطها كلا من منيرة وفاطمة وهي ترمق الاثنتان بشك كبير لهذا الهدوء:
هو فيه ايه؟ وزكريا كان هنا ليه؟
نظرت منيرة لنحمده بتأفف شديد فهي دائما تتدخل فيما لا يعنيها حاشرة أنفها في حياة الآخرين:
ولا حاجة يا نحمده يا ختي كان جاي يطل على فاطمة ويشوفها لو عايزة حاجة.

مصمصت نحمده شفتيها بسخرية وهي تتمتم بحنق: ومالك يا حبيبتي بتقوليها كده ليه؟ هناكل حاجتها ولا يكونش هنحسدها يعني؟
زفرت منيرة بضيق شديد فها هي تفسر حديثها على هواها وما كادت تتحدث بكلمة إضافية حتى خرجت منار من غرفتها تحمل ورقة وقلم تتقرب من فاطمة ببسمة واسعة:
فاطمة اديني رقم مستر زكريا عشان محتاجاه ضروري.
واخيرا أصدرت فاطمة حركة تدل على أنها حية حيث ارتفع طرف شفتيها بتهكم شديد دون أن تعي مجيبة منار:.

زكريا؟ وأنتِ هتحتاجي ايه من زكريا؟
ابتسمت منار تضم الورقة لصدرها ببسمة غبية: اه تصدقي نسيت اقولك، مش مستر زكريا هيدرسلنا العربي بعد كده؟ اصل المدرس القديم سافر تقريبا، مستر زكريا احسن كتير.
صمتت ثم قالت بحماس شديد وبسمة بلهاء غير منتبه لتلك التي رمقتها بتشنج:.

تعرفي اساسا في الاول الكل مكنش مطمن للمدرس الجديد بس بعد ما شافوا مستر زكريا غيروا رأيهم اصلك مشوفتيش هو كاريزما ازاي في الفصل ولا طريقة كلامه و...
توقفت عن الحديث وقد انتبهت فجأة لما تقول وهي تجد الجميع يرمقها بتعجب شديد والبعض مستنكر كفاطمة ومنيرة التي صاحت بحنق شديد:
شوف العيال لسه قد ايه وبتتكلم ازاي؟
نظرت نحمده لابنتها بضيق شديد لحديثها ذلك لكن منار لم تأبه لها ونظرت لفاطمة تحدثها:.

هاتي بقى رقم مستر زكريا عشان عايزة أسأله عن المجموعات.
شعرت فاطمة بنيران تشتعل داخلها بشدة لسبب تجهله أو تتجاهله: اه قولتيلي، بس يا خسارة اصل مستر زكريا ملهوش في حوار المجموعات والحاجات الفاضية دي، وكمان مش بيحب يدي دروس خاصة لبنات اساسا.
صدمت منار من حديث فاطمة وقد التقطت اعتراضها الواضح من بين حروفها لتقول ببسمة خبيثة:.

هو أنتِ غيرانة ولا ايه؟ ده المستر بتاعنا يعني خلي عقلك كبير شوية اكيد محدش هيبص ليه بالشكل ده.
نهضت فاطمة تتحدث بحنق وغضب شديد: والله محدش بيفكر بالشكل ده قد اللي في سنك يا منار.
انهت حديثها ثم تحركت جهة غرفتها بغضب شديد من نفسها لشعورها بالتملك جهة زكريا وهي من كانت تفكر في الانفصال عنه من ساعات فقط قبل محادثته، تاركة خلفها منار تبتسم بغيظ شديد.

كان الثلاثة يجلسون في غرفة رشدي بعدما اخذهم لها بعيدا عن الجميع، يتوسطون فراشه بين احضان رشدي الذي كان يضم كلا منهما في جانب مربتا عليهما كأم تضم طفليها...
كان الجميع في الغرفة يسبح في أفكاره الخاصة.
نحن في غاية البؤس. الآن ادركت أننا لا نتشارك فقط الاسماء العجيبة بل وأيضا حظنا التعس.

رفع هادي رأسه من على صدر رشدي يرمق زكريا بنظرات حزينة ثم زفر وهو يعود ويضع رأسه على صدر رشدي الذي كان يستند برأسه على الحائط متحدثا بضيق:
حاسس نفسي خلفتكم ونسيتكم، هو انا ناقص هم، ابعد ياض منك ليه مش ناقصة غم.
تحدث رشدي وهو يبعد زكريا وهادي عنه ليعتدل في جلسته وهو يرمق الوجوه الواجمة ليقول مقتنعا:
الظاهر لما باظت، باظت على الكل، مالكم منك ليه.
تحدث هادي دون أن يوضح: بثينة...

أضاف على حديثه زكريا: فاطمة...
ابتسم رشدي بسخرية كبيرة: ماسة...
نظر الثلاثة لبعضهم البعض ثوانٍ قبل أن ينفجروا في الضحك بصوت عالي محاولين به إسكات صرخات قلوبهم واخفاء اهاتهم...
صمت الجميع ليتحدث زكريا بسخرية كبيرة: اه من حواء، بإمكانها جعلك نرقص كالمجنون وايضا قد تجعلك تبكي كما النساء، وكأن حواء خلقت فقط لتتحكم في آدم المسكين ومشاعره.

نظر هادي له ثم تنهد بتعب شديد وهو يلقي برأسه على قدم رشدي الذي حاول أبعاده بنزق شديد لكن هادي تمسك في قدمه يرفض الابتعاد وهو يقول:
اسكت بقى خليني ارسم حالتي.
نظر له الاثنان بعدم فهم ليتحدث رشدي بحنق شديد: ترسم حالتك؟
هممم، هما بيقولوا كده في الأفلام لما واحد يكون زعلان اوي بيقول سيبوني ارسم نفسي لوحدي.
فجأة صرخ هادي منتفضا من على قدم رشدي وهو يشعر بصفعة شديدة تهبط على وجهه وصوت زكريا يهدر به:.

اسمها يرثي حالته يا مغفل، ايه يرسم دي؟ اقول ايه جاهل ومتخلف.
ابتعد هادي سريعا من على قدم رشدي وهو يجلس على ركبتيه يصيح بحنق شديد:
يا عم زكريا مش ناقصة حصة عربي الله يكرمك الواحد على آخره.
وكما صفعه فجأة ضمه فجأة، حيث اتجه زكريا جهة هادي وضمه إليه وهو يربت على ظهره متحدثا بخفوت:
خلاص يا هادي كله هيعدي يا حبيبي صدقني كله هيكون بخير وانا جنبك.

تعجب هادي حالة رفيقه لينظر نحو رشدي يسأله بعينه عن سبب ما يقوم به زكريا ليهز له رشدي كتفيه بعدم معرفة لما يحدث وما كاد هادي يبعد زكريا عنه حتى شعر به يبكي وكأنه حينما قال تلك الكلمات كان يقولها لنفسه ليهدأ...
كانت تجلس جوار ماسة وهي تنظر لها بحزن شديد، تتذكر ما حدث لها لكن أثناء ذلك حضرت في رأسها ذكرى مرأى هادي بتلك الحالة التي أصابت قلبها في مقتل فهي شعرت بضيق تنفسها بمجرد رؤيته في تلك الحالة.

أغمضت عينها بوجع تود لو تنهض الان مقتحمة الغرفة عليهم لترى إن كان بخير أم لا...
أفاقت شيماء على صوت انين جوارها لتنتبه أن ماسة على وشك الافاقة من غفوتها القصيرة بفعل المخدر.
كانت ماسة تحاول فتح عينها بوجع شديد لا تشعر باطرافها وكأنها تجمدت كليا حاولت فتح فمها للتحدث لكن لسانها لم يسعفها سوى بقول:
رشدي...
نهضت شيماء سريعا وهي تقترب من ماسة تبتسم لها: ماسة حبيبتي أنتِ بخير؟

نظرت لها ماسة بتشوش تهمس مجددا باسم رشدي تريده جوارها الآن لتتحدث شيماء وقد وجدت فرصتها للذهاب والاطمئنان على رشدي:
رشدي؟ عايزة رشدي؟
هزت لها ماسة رأسها وهي تشعر بدوران شديد قد أصابها، تحركت شيماء سريعا جهة الباب وهي تجيبها:
هروح اناديه...
يعني أنتِ قولتيله كل حاجة؟
هزت فاطمة رأسها بإيجاب على سؤال والدتها التي لحقتها للغرفة ومنذ ذلك الحين وهي تستجوبها عما حدث حينما كان زكريا هنا.

لم تصدق منيرة ما سمعته من ابنتها، هل علم كل شيء؟ ورغم ذلك لم تسمع صوته حتى أو صراخه بهم أنهم خدعوه أو ما شابه.
طب، طب هو قال ايه؟
زفرت فاطمة بضيق شديد وهي تعيد حديثها للمرة المائة على والدتها: بعد ما حكيت ليه كل حاجة ابتسم بس وهز رأسه ومشي يا ماما مقالش حاجة أبدا.
يعني هيطلقك؟
فزعت فاطمة من مجرد الفكرة فليس بعد أن وجدت الأمان في حياتها البائسة يتركها:
لا مش هيطلقني.
هو قالك كده؟

صمتت فاطمة لا تعرف بما تجيب والدتها وكيف تصف لها ردة فعله وما فعله والذي يؤكد لها جيدا أنه لن يطلقها ابدا:
أنا واثقة فيه يا ماما ولأول مرة في حياتي اثق في حد وواثقة جدا إنه عمره ما هيسيبني. قلبي بيقولي كده.
قولتلك هحكي ليكم بعدين يا رشدي سيبوني بس أهدى الاول لو سمحتم.
زفر رشدي بضيق شديد فهو منذ عاد زكريا للبكاء بين احضان هادي وهو يشعر بوجع شديد في قلبه وقلق كبير قد ملء صدره...

تمام يا زكريا اعرف اننا دايما معاك.
ابتسم له زكريا ثم هز رأسه بشرود شديد وهو قرر أنه سيبدأ البحث عن ذلك الحقير الذي تجرأ وفعل ما فعله بفاطمة:
رشدي لو عايز الاقي شخص معين ومعرفش غير اسمه وعنوان سكنه القديم تاخد قد ايه وتلاقيه ليا؟
نظر كلا من هادي ورشدي لبعضهما البعض بعدم فهم لكن رشدي اجابه بتفكير:
علي حسب الأمر ده مش محسوم غير لما ادور بنفسي.

هز زكريا رأسه ثم انحنى قليلا للطاولة التي تجاور فراش رشدي وحمل قلم ودفتر صغير ثم خط فيه ببعض الكلمات الصغيرة وقطع الورقة واعطاها لرشدي وهو يقول بجدية كبيرة:
عايزك تجبلي الشخص ده يا رشدي تعرفلي هو فين بس ارجوك الموضوع مهم اوي بالنسبة ليا.
تعجب الاثنان أكثر من حديث زكريا فلم يسبق أن تحدث زكريا في هكذا أمور أو كان مهتما بأحد بهذا الشكل الذي يظهر من تعابير وجهه وطريقة حديثه...

نظر رشدي للورقة بيده وهو يقرأ الأسم بحيرة شديدة: جمال عبدالعظيم؟
سمع الثلاثة طرقا على الباب ليتجه رشدي صوبه ثم بعدها سمع هادي وزكريا صوته يقول بلهفة شديد:
فاقت؟
استدار رشدي وهو ينظر لرفيقيه متحدثا بسرعة وهو يركض خارج الغرفة: ثواني وجاي...
راقب الاثنان رحيله المتلهف ليعلموا أن ماسة أفاقت واخيرا...
استدار زكريا لهادي ثم قال له فجأة بشكل صدمه: لو حابب افرح بنت يا هادي اعمل ايه؟

كان الجميع متجمع في غرفة ماسة بعد رحيل كلا من هادي وزكريا بشكل غريب، لم يترك رشدي ماسة ولو لثانية واحدة فقد كان يضمها بشدة وأمام الجميع حتى تحدث ابراهيم بحنق كبير لابنه:
مش معقولة قلة الأدب دي، يابني احترم أننا واقفين.
تنحنح رشدي بخجل وهو ينظر لوالده قليلا قبل أن يقول: والله يا حاج كويس انك فتحت الموضوع لاني كنت محرج افتحه...

نظر له الجميع بعدم فهم ليكمل هو ببسمة محرجة: انا يعني كنت بقول لو تاخد الناس اللي معاك دي وتخرج يعني هكون ممنون ليك.
فتح الجميع أفواههم ما بين مستنكر وخجل حيث ركضت شيماء للخارج بخجل، تحدث رشدي بضحك وهو ينظر لرحيل شيماء:
شوف اهي شيماء طلعت ذوق وفهمت انا عايز ايه ومشيت يلا بقى جر شوية العواجيز دول معاك وسيبنا.

اقتربت ماسة من رشدي تهمس في أذنه بحنق شديد: رشدي انا قليلة الادب اه بس مش للدرجة دي، ما ينفعش كده قدام الكل.
نظر لها رشدي بحنق شديد ثم همس لها بنفس النبرة: فين قلة الأدب دي؟ ما انا بمشيهم عشان ميبقاش قدامهم.
لو مش بقاطع حاجة يا استاذ رشدي ممكن تخليك معايا شوية.
ألتفت رشدي لوالده بتعجب ليسمعه يردد بحنق شديد وتهكم: كنت بقول نعمل فرحكم وكده كده شقتك جاهزة ونلمكم بدل الفضايح دي.

وفجأة دوى صوت زغرودة هزت أركان الغرفة كلها لينظر الجميع جهة ماسة التي انتفضت من الفراش تطلق الزغاريد بفرحة شديدة...
تحدث رشدي بحنق شديد: الله ما أنتِ زي القرود اهو امال مين اللي كانت بتطلع في الروح من كام ساعة؟ بعدين يا عديمة الدم أنتِ المفروض تتكسفي على دمك شوية وتتمنعي.
رمقته ماسة بحنق شديد ثم هبطت من الفراش وهي تتجه صوب امها تمصمص شفتيها بسخرية:
يلا يا اما ننزل نشوف فستان الفرح، قال اتمنع قال.

ضحكت سحر بفرحة شديدة لعودة ابنتها مرة أخرى بينما كان رشدي يرمق ماسة بغيظ شديد لوقاحتها تلك:
ياربي مش معقولة اتجوز واحدة بالشكل ده.
كانت ماسة تتحرك نحو الخارج وهي تتمتم بأغنية تتمايل يمينا ويسارا:
طلي بالابيض طلي يا زهرة نيسان.
راقب رشدي طريقة تمايل ماسة حتى خرجت من الغرفة ليتشنج وجهه بسخرية لاذعة:
لا زهرة نيسان ايه بقى؟ دي فجلة نيسان. بصلة نيسان، إنما زهرة دي بعيد عن شعرك الاكرت يا نتنة.

كان يقف مع هادي أمام باب منزل فاطمة وبيده كل ما قال عليه هادي يبتلع ريقه بخجل شديد متردد من طرق الباب أو التقدم إليه ليشعر بهادي يدفعه للباب لكنه يرفض ذلك وكل ثانية يعود للخلف حتى كاد يركض من هادي في أحد المرات.
يا اخي اخلص بقى هتطلع روحي...

زفر هادي بضيق وهو يترك زكريا يقف أمام الباب ثم سريعا اتجه صوب جرس باب منزل فاطمة وطرقه ثم ركض لمنزله سريعا وتبعه زكريا الذي أراد الدخول معه للاختباء لكن هادي اغلق الباب سريعا قبل أن يصل له وهو يفتح النافذة الصغيرة في الباب صارخا في وجهه بحنق شديد:
امشي ياض أقف قدام الباب امشي يا حيوان.
احتدت نظرات زكريا وما كاد يتحدث صارخا به حتى سمع صوت خلفه يقول بتعجب:
مستر زكريا؟
بكرة!؟

فزعت شيماء من حديث رشدي الذي أتى يخبرها أن غدا خطبتها على هادي والذي رفض أن يأتي يوم للتعرف قائلا أنهما بالفعل يعرفان بعضهما البعض لذا لينتقلوا لمرحلة الخطبة مباشرة.
ايوة يا شيماء بكرة، فيه عندك اي اعتراض؟ صدقيني لو مش مستريح ه‍...
قاطعت شيماء رشدي سريعا ودون أن تنتبه للهفتها: لا يا رشدي مفيش اعتراض بس، هو يعني.

صمتت بخجل بعدما استوعبت ما قالته منذ قليل. ابتسم لها رشدي وهو ينتقل للجلوس جوارها ثم جذبها لاحضانه بحنان شديد يربت عليها بحب:
حبيبتي صدقيني انا لو كنت لفيت الدنيا دي كلها مكنتش هلاقي ليكِ واحد زي هادي، سيبك من إن هو صاحبي بس والله الواد راجل يعتمد عليه وطيب واهبل وفيه كل الصفات اللي ممكن ست تتمناها.
ابتسمت شيماء بخجل ثم صمتت وهي تنظر لرشدي بريبة: هي خطوبة بس صح؟

ضحك رشدي بصخب شديد على خجل أخته ليقول لها بكل صراحة: بصي يابنتي هو حتى الآن هي مجرد خطوبة بس انا عن نفسي مضمنش هادي ممكن تلاقيه بكرة جايب زفة وياخدك معاه وهو ماشي.
ابتلع زكريا ريقه بصعوبة وهو يستدير واضعا وجهه ارضا يتجه للباب بخطوات صغيرة متحدثا بصوته الهادئ الرخيم:
السلام عليكم، فاطمة موجود؟

نظرت منار له بصدمة مما يحمل لا تصدق أن هذا الذي يقف أمامها يحدثها واضعا وجهه ارضا وحاملا لكل تلك الأشياء هو نفسه معلمها ذو الهيبة الشديدة...
ايوة فاطمة جوا في اوضتها اتفضل.
تحرك زكريا صوب الباب ليشير لها بالتنحي جانبا حتى يمر لتفعل هي ذلك مبتعدة عن الباب...

تحرك زكريا للداخل وهو يتنحنح حتى يعلم الجميع بقدومه، قابل في طريقه منيرة التي خرجت من المطبخ تحمل في يدها ملعقة كبيرة ترمقه بعدم فهم ليتحدث هو بحرج شديد يلعن في سره هادي وما فعله به:
السلام عليكم، بعتذر لو جيت بدون ما استأذن بس كنت عايز فاطمة و...
قاطعته منيرة بسرعة ولهفة شديد تتخلل صوتها مشيرة لغرفة ابنتها التي تركتها منذ ساعة تقريبا شاردة بشكل مخيف:.

البيت بيتك يا حبيبي تيجي وقت ما تحب، ادخل الاوضة دي فاطمة فيها.
نظر زكريا للغرفة بتردد شديد ثم ابتسم بحرج وهو يتجه صوبها بخطوات بطيئة بعض الشيء يتمنى لو يطول به الطريق لها، لكن ها هو يقف أمام الباب وهو يطرقه بهدوء شديد ينتظر الاذن بالدخول، ثواني وسمع صوت فاطمة يأذن له بالدخول.

كانت تتسطح على فراشها بتعب شديد ليس تعب جسدي بل نفسي، تخشى ان يتراجع زكريا في حديثه تخشى أن يتركها بعدما حصلت منه على أمل في أن يقف جوارها فما مرت به وما رأته من جميع من حولها جعلها تفقد الثقة في العالم كله.
خرجت فاطمة من شرودها على صوت طرقات بابها لتتعجب بشدة من ذلك فمنذ متى كان سكان المنزل يحترمون خصوصياتها فعمتها ومنار يقتحمون الغرفة كما لو كانوا أحد أفراد فرقة المكافحة.

فُتح الباب ببطء شديد وكأن الطارق يخشى أن يخرج له وحش من خلفه، ثوانٍ قليلة حتى وجدت فاطمة دبدوب كبير زهري اللون مختلط باللون الابيض يدخل من الباب يتبعه بعض البالونات، فتحت فاطمة فمها ببلاهة شديد وهي تقف على ركبتها في فراشها تراقب ما يحدث جيدا حتى واخيرا أطل ببسمته البشوشة من خلف الباب يحمل كل تلك الأشياء المبهجة.

دخل زكريا للغرفة ثم اغلق الباب بهدوء ووقف خلفه وهو يجلي حلقه محاولا التفكير في شيء لقوله بينما يحمل في يده العديد والعديد من البالونات وهناك دبدوب أسفل ذراعه ويده الأخرى يحمل بها بعض الزهور البيضاء وعلبة حلوى متوسطة الحجم.
كانت فاطمة تنظر لزكريا ببلاهة شديدة لا تفهم شيء ابدا مما ترى، تقدم زكريا منها ببسمة خجله بعض الشيء مما يفعله فهو لم يسبق أن رفع حتى نظره في فتاة.

وضع زكريا كل ما يحمل على الفراش حول فاطمة وهو يعتدل في وقفته يقول ببسمة:
اخبارك؟
كانت فاطمة لا تستوعب شيء ابدا مما يحدث أمامها هل، هل فعل كل هذا لها؟ أحضر كل تلك الأشياء لها؟ شعرت بدموعها تهبط دون وعي ليفزع زكريا من الأمر وهو يقترب منها بشدة يمسك وجهها بين كفيه بحنان شديد هامسا:
ماذا ألا تحبين تلك الأشياء؟
ازداد بكاء فاطمة أكثر لتتغضن ملامح زكريا بشدة وهو ينظر لكل شيء بحسرة شديدة:.

معجبتكيش الحاجات؟ انا جبت كل حاجة ممكن تحبيها زي ما هادي قالي، الظاهر إن اخر مرة هادي عمل مفاجأة فيها لبنت كانت في ابتدائي مش فاهم انا ايه كمية الدباديب والبلالين دي؟ يارتني كنت سألت رشدي بدل المتخلف ده على الاقل ك...
توقف زكريا عن التحدث بسبب صدمته من فاطمة التي ارتمت في أحضانه بعنف شديد وهي تبكي أكثر...

عاد زكريا للخلف بفزع وهو يرفع يده عاليا بسبب صدمته لما حدث. ازدادت ضربات قلب زكريا وهو يبتلع ريقه ينظر للاسفل ليجد فاطمة تتعلق به كما لو كانت طفلة تتعلق بوالدتها وهي تضع رأسها على صدره وتدفن نفسها أكثر في صدره بينما مازالت تجلس على ركبتها على الفراش وهي تهمس ببعض الكلمات الغريبة التي لا يفهمها زكريا، لكنه رغم ذلك مدّ يده يحاوطها بدفء محبب لقلبها وهو يضع ذقنه اعلى رأسها هامسا بحنان شديد:.

أعجبتك تلك الأشياء السخيفة؟
ضحكت فاطمة من بين دموعها وهي تهز رأسها بسرعة ليبتسم زكريا بسمة أظهرت أسنانه البيضاء وهو يهمس لها:
إذا سأخصص جزء من راتبي لتلك الاشياء وكل شهر أحضر لكِ منها، جيد؟
ابتسمت فاطمة أكثر وهي تهمس بصوت مبحوح من البكاء: همممم حلو اوي عجبوني اوي شكرا.
علي الرحب يا جميلة الجميلات، نحن طوع أوامر سموك غاليتي.
ضحكت فاطمة وهي تضمه أكثر وقد أضحى حضنه هو مسكنها المفضل...

إذا جميلتي كنت افكر في أن ننهي هذا الأمر ونبدأ من جديد وبطريقة صحيحة.
لم تفهم فاطمة الأمر لتبتعد عنه قليلا وهي تنظر له بتعجب تردد بصوت منخفض قليلا:
مش فاهمة.
ابتسم زكريا وهو يكوب وجهها بحنان ماسحًا دموعها برقة شديد وهو يقترب منها بتردد شديد ليقبل وجنتها سريعا ثم ابتعد وهو يقف بشكل مستقيم وكأنه لم يفعل شيء ثم تحدث ببسمة واسعة:.

اقول بأن تحددي ميعاد لي مع والدتك لأني سآتِ لطلب يدك غدًا، فلنسر الطريق من بدايته بشكل صحيح.
ابتسم وهو ينهي حديثه هامسا في نفسه بحقد وغضب: بعدما انتهى من تنظيف القمامة به...
في اليوم التالي: كان رشدي يحاول كتم ضحكاته وهو ينظر لمظهر زكريا الذي صدم من أن اليوم خطبة هادي بعدما خطط هو للذهاب مع والديه لزيارة فاطمة...

خلاص بقى يا زكريا متبقاش قموص زي هادي يا عيني الواد استحمل كتير اوي خلينا نجوزه ونخلص بعدين نفوق ليك.
لم يجبه زكريا بل لوى فمه بحنق شديد وهو يتابع هادي الذي كاد ينهض من جوار شيماء ويرقص بين الجميع فرحا وقد وصل اخيرا لتلك اللحظة، ورغم غياب بثينة الذي تعجبه الجميع واراح هادي بشدة إلا أن والدتها كانت أول الحاضرين لهذه الخطبة بطلب من هادي.

نظر هادي بجانبه لشيماء التي كادت تختفي من الخجل وبسبب نظرات ذلك الذي يجاورها...
مبارك يا شوشو.
نظرت له شيماء بخجل شديد وهي تهمس له: مينفعش تقولي شوشو على فكرة أحنا مخطوبين بس مش متجوزين.
ابتسم هادي بحيث وهو يلمح بطرف عينه فرج الذي دخل وتبعه رجل كبير في السن يحمل دفتر ويرتدي عباءة سوداء:
وماله نتجوز واقولك اللي انا عايزة.

لم تفهم شيماء شيء حتى وقع نظرها على ما يحدق به هادي لتخجل بشدة وتنهض من جواره وتركض للداخل يتبعها ماسة وفاطمة.
زفر رشدي بحنق شديد وهو يرى ما يفعل صديقه ليجد والده يتحدث له بضيق:
هو صاحبك ده عبيط؟ بيحطني قدام الأمر الواقع يعني؟
هو مش انا قولت منك ليه يا بابا يبقى لو سمحت متدخلنيش في أموركم العائلية انا برة الحوار ده كله...

اتجه هادي سريعا صوب فرج الذي كان يسند المأذون والذي يبدو عليه اثر المرض نتيجة لكبر سنة...
ايه ده ماله؟
نظر فرج لهادي وهو يساعد المأذون في الجلوس متحدثا بصوت منخفض: أصله نسي دوا الضغط فبعت عيل يجيبه ليه اصبر ياخد الدوا وتلاقيه قام زي القرد دلوقتي.
نظر هادي لفرج بشر كبير وهو يسحبه بعيدا عن المأذون الذي كان يسعل بعنف متحدثا لوالدته:
كوباية ماية لا الراجل يفطس مننا يا ما...

سحب فرج جانبا وهو يسبه بخفوت: ما هو انا استاهل اللي بيجرالي عشان اعتمدت عليك يا فرج، رايح تخرج الراجل من تربته وجايبه ليا يكتب كتابي؟
يابني تربة مين ده اشهر مأذون في المنطقة كلها ده هو اللي كان كاتب كتابي.
أخرج هادي صوتا ساخرا من حنجرته وهو يتحدث: مش فاهم ايه العلامة المميزة في إنه يكتب كتابك يعني؟ يكونش كتب كتاب الأمير تشارلز ولا ايه؟ بعدين يعني تاعب الراجل وشيلته من على جهاز التنفس كده يفطس مننا؟

اعترض فرج على حديث ذلك الهادي المزعج والذي لا يعجبه شيء: انا مش فاهم ماله الراجل عمال تقول تربة وجهاز تنفس ما هو زي الفل اهو وإن شاء الله يكتب كتابك ونفرح بيك و...
ياللهوي الحقني يا هادي الراجل هيروح مننا.
نظر هادي بشر لفرج وهو يهدر في وجهه بغضب: نقيت فيها يا بومة اهو الراجل بيسلم نمر اهو وهيقابل رب كريم، اقتلك اخلص منك ولا اعمل ايه؟

ترك هادي فرج وركض جهة الرجل وهو يحمل الدفتر سريعا يلوح به أمام وجهه وهو يصيح به:
امسك نفسك ابوس ايدك عايز ادخل دنيا...
تحدث الرجل العجوز وهو ينظر أمامه: أنا جايلك يا غالية، وحشتيني اوي.
صاح هادي وهو يسرع من حركة يده: لا استني شوية يا غالية، يعني هي وحشتك لما جيت تكتب كتابي؟ ايه فكرتك بيها ولا ايه؟ ابوس ايدك امسك نفسك لما تكتب الكتاب وابقى روح معاها...

كان زكريا يجلس جوار الرجل يربت على صدره في حركات دائرية يحاول مساعدته بينما هادي يولول كما النساء جواره يندب حظه ويلعن فرج...
اقترب فرج منهم وهو ينظر للرجل بحزن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله مالك بس يا حاج سعد ما انت كنت زي الحصان؟
رمقه هادي بشر وهو يصيح في وجهه ومازالت يده تتحرك بعنف: مالوش يا خويا عنده شوية مغص بس.

ضرب فرج كف بكف وهو يتحدث بحسرة شديدة: لا حول ولا قوة إلا بالله. طب حد يعمله كوباية لمون دافية طيب و...
لم يكمل فرج حديثه بسبب هادي الذي ألقى الدفتر ارضا ثم انقض عليه صارخا في وجهه:
هقتلك يافرج هقتلك وابعتك معاه تاخد بايده.
نظر فرج له برعب شديد يحاول الابتعاد عنه وهو يصرخ: اعملك ايه ملقتش غيره وانت قولت تقب وتغطس وتطلعلي بواحد وده اللي لقيته...

كاد هادي يتحدث صارخا في وجهه لولا ذلك الصوت الذي صدح في المكان: أين العريس؟
توقف هادي وتوقف الجميع بتعجب لذلك الصوت ليجدوا أنه لم يكن سوى صوت المأذون الذي اعتدل في جلسته وحمل الدفتر من الأرض وفتحه وهو يتحدث كما لو أن يكن يصارع الموت منذ قليل.
نظر له الجميع ببلاهة ليتحدث فرج ببسمة وهو ينسل من بين يدي هادي: شوفت قولتلك الراجل زي الفل ومش فيه حاجة، هو بس كان بيشحن.

تجاهل هادي فرج وهو يركض جهة المأذون صارخا به أن ينهي عقد القرآن قبل أن ينفذ شحنه مجددا...
وسريعا تم الأمر بلمح البصر لينتهي المأذون معلنا ارتباط قلبين آخرين...
علت الزغاريد في المكان وارتفع صوت المهنئين لهادي لكن كل ذلك توقف بمجرد سماع صرخة ماسة باسم فاطمة...

فزع زكريا وشعر كما لو أن قلبه قد توقف عن الخفقان ليركض سريعا جهة المكان الذي به فاطمة ليجدها ساقطة في الممر وجسدها متيبس وقد عادت حالتها مجددا...
انحنى زكريا سريعا لفاطمة وحملها من الأرضية وهو يركض بها صوب الغرفة التي فتحتها له ماسة مشيرة له بالدخول...
أشار زكريا لماسة أن تغلق الباب خلفها: اقفلي الباب ياماسة لو سمحتِ...

خرجت ماسة وهي تغلق الباب خلفها تاركة زكريا الذي يضم فاطمة بعنف شديد هامسا في أذنها:
اششش انا جنبك يا قلبي. انا هنا يا فاطمة.
وكأن صوته قد مثل لها طوق النجاة حيث تمسكت به في عنف وهي ترتجف مرددة بنبرة مرتعبة شديدة وهي تبكي بعنف:
انا شوفته، انا شوفته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة