قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الختامي الثاني

رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الختامي الثاني

رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الختامي الثاني

الحياة فرص وأنت وحدك من تحدد مكانك بها، ستكون مجنونة بالتأكيد إذا رفضت تلك الفرصة العظيمة التي أتت إليها دون أدنى سعى حتى منها، ولكن ماذا تفعل بذلك المتملك زوجها، حتما سيرفض ويتعنت وهي تأخذ مكانها بتلك الأريكة بمنتصف الصالة تبكي قهرا متجنبة حديثه، مشهد كل مرة يرفض بها شيء يتكرر أمامها، ولكن الآن وبتلك اللحظة الحاسمة بحياتهما لن توافق أبدا على تكراره، بل بالعكس ستضع قوانين جديدة للعب.

اعتدلت بجلستها أكثر بالفراش تغوص بأفكارها بحرية كحورية تبحث عن مرادها، ولكن أين ستجد ذلك المراد، وهو يقف لها بالمرصاد، ذلك المتوحش المستبد..

ضحكت ساخرة من نفسها عندما نعته بذلك داخلها، الآن بدأت تكرهه!، بالتأكيد لو سمعها رامي، سيكسر أنفها وعظام رأسها الأرعن ذلك.
عضت فوق شفتاها وهي تهز رأسها كالبلهاء تحاول عدم الانغماس بزوجها الذي يخترقها في الثانية آلاف المرات، وتفكر بطريقة أكثر بعقلانية في إيجاد حل لاقناعة بأمر مقابلتها التلفزيونة تلك..

أما رامي فرفع رأسه أخيرا من على حاسوبه بعدما انهمك في عمله اليوم، حرك رأسه يمينا ويسارا باحثا عن وضع مريح لرقبته المتصلبة لمدة لا يعرفها في وضع معين، خلع عويانته الطبية، وركز أكثر ببصره نحو زوجته التي لم تتحدث أبدا منذ جلوسها معه بالغرفة، تعجب للحظات وبدأت الريبة تزحف ببطء نحو قلبه، هذا الصمت يكمن خلفه مصائب ولكن ما هي؟!، لا، لن ينتظر أبدا ويجلس هكذا ينتظر مصائبها بشكل فجائي، سيتخذ خطوة مبكرة هذه المرة ويبحث من خلفها عن أي دليل قد يوصله لم تفكر به؟!.

خرج بهدوء من الغرفة دون إزعاجها وتقدم من غرفة حمزة، طرق الباب ثم دخل فاجأة، فتوتر الأخر وأغلق لاب توب سريعا، وزحف التوتر والارتباك يغزو ملامح وجهه، عقد رامي حاجبيه وضيق عينيه بتركيز محاولا تفسير فعلته تلك!
أشار بيده نحو جهازه ليقول بنبرة حادة بعض الشيء: مالك قفلت لاب بتاعك ليه كده!

فتح حمزة فمه يحاول إخراج الحروف بطريقة ثابتة ولكن ملامح وجه والده ونظراته الغاضبة كانت تنطلق كالسهام من عيناه تصيبه في مقتل ثباته، فيتبدد ويظهر تلعثمه بشكل واضح: عادي اتخضيت بس.
تقدم رامي بخطوات واسعة ثم قال بنبرة خافتة غاضبة: لو مفتحتش لاب في ثانية وورتني بتتفرح على إيه، هتشوف اللي عمرك ما شفته.

رمش عدة مرات يحاول استيعاب حديث والده الذي يحمل الشك غير قادرا على تفسير مغزاه، انتفض بخوف من صوت رامي الغاضب: افتح يا حمزة.
انطلقت يده فورا بارتجاف تفتح الجهاز ويعطيه لوالده دون أن يتحدث.
أمسكه رامي وتصفح بترو حتى زاد من تجعيد جبينه متسائلا بعدم فهم: مين سيف ده!
ابتلع الأخر لعابة بتوتر: مكنتش عاوز اقولك علشان متعملش مشكلة مع ماما، بس كنت بشوف الشخص ده كويس ولا لأ.

قبض رامي بانفعال فوق ذراع أبنه، يهتف بنبرة تهدد بعاصفة عاتية من الغضب ستحل ذلك المنزل، فغضب والده وغيرته عمياء بطريقة لا توصف، ورغم صغر سنه هو يدرك ذلك جيدا..

ولكن ما سمعه اليوم من أصدقاءه حول شخصية سيف ذلك، جعل التوتر والقلق على والدته يسيطر كليا عليه، فحاول جمع معلومات عنه حتى يقنع والدته بالرفض والابتعاد عنه، ولكن بسبب غبائه تصرف عكس ذلك وها هو يخبر والده كالأبله بكل ما حدث اليوم متجنبا حديثه عن شخصية سيف ذلك.
بشوف القناة دي حلوة والمعد ده كويس وكده.

تركه رامي بدفعه صغيرة للخلف وبدأ صدره بالهياج، بسبب انفعال وتضارب مشاعره من تلك الوقحة شهد، وقبل أن يغادر الغرفة أمسك حمزة يد والده يهتف برجاء خاص: بابا لو بتحبني متعملش مشاكل مع ماما، وسيبها تعمل اللي نفسها فيه.
ابعد عن وشي دلوقتي حالا، حاسبك معايا بعدين.

غادر الغرفة متجها صوب غرفتهم لتأديب تلك المتمردة، وما إن دخل حتى نهضت هي تقف بمقابله تقول بنبرة خبيثة: رامي كلموني علشان اطلع مقابلة في التلفزيون.
تقدم منها هو خطوات بسيطة مردفا بتهكم: كلموكي دلوقتي!
هزت رأسها بإيجاب لتقول بعدم فهم وتسرع: اه.
وفي لحظة كان يقبض فوق ذراعيها يهتف بنبرة احتشد الغضب بها: ياعني مفيش حد كلمك في النادي الصبح.
حاولت إبعاده قائلة بضيق: أنت بتراقبني يا رامي.

ثارت ثائرته هاتفا بعصبية بالغة: وانت بتخبي يا شهد عليا.
دفعته في صدره بقبضتها الصغيرة تقول بحنق وصراخ: كفاية أنا مش هستحمل تحكمك فيا، غيرتك دي بقت عقبه في حياتنا، لو فاكر إن الغيرة دي كده زياده حب ف لا يا رامي، دي عدم ثقه في نفسك وفيا كمان، وانا مستحملش اعيش معاك بالطريقة دي، حاولت كتير اغيرها فيك وانت زي المجنون بتزيد فيها.

صاح ساخرا: ياعني مبثقش في نفسي ولا فيكي، ف يا حرام قافل عليكي حارمك من تليفونك، وتعليمك والنادي وأي مكان بتروحيه كمان، لا إزاي لازم تبعدي عني أنا مقبلش إنك تكملي مع واحد زي.
ضربت كفا بالاخر بتعجب وهي تقول: أنا حقيقي مش عارفة سبب زعيقك ونرفزتك، فيها إيه ما اطلع برنامج هو انا طالعة ارقص.
هز رأسه ليقول باستهجان: المرة الجاية، مش بعيد على فكرة.

صرخت كالمجنونة بوجهه: اخرس، انا مش هسمحلك أبدا إن كلامنا ياخد المنحنى السوقي ده.

رفع يده بالهواء مقررا صفعها حتى تستفيق، ولكن باللحظة الأخيرة بقيت معلقة هكذا ينظر لها بتردد، غضبه ينافس مبادئه، ولكن بالنهاية استطاع التحكم بنفسه وتوجهه بسرعة البرق يجذب متعلقاته وينطلق خارج المنزل، تاركا تلك المجنونة تنظر في إثره بمشاعر غاضبة وحانقة، رافضة تلك العبارات الساخطة من الهبوط لتعلن ضعفها ناحيته، لن تنهزم في حرب قررت أن تضع قوانينها هي دون أدنى خسارة...

مرت ثلاث أيام لا تعرف عنه شيئه، هاتفه مغلق، حتى مصنعه لم يحضر منذ ثلاث أيام، فركت جبينها بتوتر وخوف عليه، ترى أين هو؟!، القلق ينهش صدرها وذهنها من تصور أشياء مكروهه له، كل ما يجعلها تطمئن لذرة هو اتصاله الذي لا يتعدى الدقيقة يخبر حمزة أنه بخير..

اللعنة عليه لم يعاقبها بذلك الشيء، لم يغيب عنها بتلك المدة أبدا، خواء هاجم صدرها، وقلب يتلوى كالمسكين في غيابه، تأكدت في هذه المدة أنها بدونه لا شيء، حتى معتقداتها الملعونة تبددت تعلن انهزامها، وذلك الهواء بدأ في الانحسار من رئتيها، ماذا تفعل وهو يغلق جميع الطرق أمامها، ضغطت بيدها على خصلات شعرها تحاول التفكير في طريقة لمراضاته، أطفالها يسألون عليه كل دقيقة، وبالإضافة إلى اتصالات خالتها وأخته ليسألوا عن حاله، أما سامر وليلى يلمونها في كل اتصال، لن تقف هكذا مكبلة الأيدي، ستأخذ إجراء وتبحث عنه ولكن عليها البدء بالمصنع..

وضعت أطفالها برفقة سلمى كالعادة وانطلقت صوب المصنع تبحث من نقطة البداية...

دخلت بخطى ثابتة ترفع أنفها تحاول أن تعطي مظهرا جادا للفتيات الصغيرات العاملات بالمصنع، مظهرا عكس طبيعتها التافهة، تقدمت صوب مكتبه ولا شك أنها انبهرت بالتعديلات التي أقامها والتوسيعات التي جعلتها تنسى أمر رامي وتركز مع هذا الكم من الفتيات العاملات، ابتلعت لعابها خوفا وغضبا عندما دققت النظر بملامح بعضهن، جميلات رقيقات، ماذا حدث لها، لم تشعر ببوادر جلطة دماغية الآن، زحفت نيران الغيرة نحو صدرها واندلعت بشدة تلهب مشاعرها نحوهم جميعا، بجانب أفكارها الملعونة التي بدأت في السيطرة على ثباتها لترسم مشاهد ضحك وغزل بينهم وبين، ، لا، لن تنطقها أبدا، وإن حدث ذلك، لن تتفاهم ستقتله أولا، وبعدها تقتل نفسها.

توقفت قبيل مكتبه تدور في العديد من الاسئلة، أهمها لم تتهمه بذلك وهي الأن مجرد تخيلات وبدأت أنفاسها بالهياج والاختناق، وكالعادة بررت لنفسها، أن غيرتها ناتجة عن حب، أما هو عن تملك، وهي ترفض التملك، فتملكه بها بهذا الشكل، يجعلها تفقد هدوئها وسلامها النفسي سريعا، ويظهر ذلك الوحش الكامن بداخلها رافضا الخضوع له معلنا حريتها الكاملة!، ولكن لتتنحى حريتها الأن وتستكمل ما أتت من أجله..

دخلت الغرفة التي تسبق مكتبه مبتسمة متوقعة وجود الأستاذ عبد الحميد ذلك الرجل الأربعيني الذي عينه رامي مساعد له، ولكن لم تكتمل ابتسامتها وتهجم وجهها، تنظر لتلك الفتاة التي تجلس بجيب تصل لركبتيها وقميص أبيض يلتصق بجسدها، أما عن شعرها فكانت ترفعه للأعلى بطريقة تثير رغبات أي رجل وخاصة مع ظهور عنقها الطويل وأحمر شفاها الذي يحتل ثغرها بقوة وبصراحة..

انحسرت أنفاسها وفقدت النطق تماما عن الرد، وخاصة مع نبرة تلك الفتاة الرقيقة..
أنتي مين!
بعد دقيقة من الصمت، تحولت فيها عينيها إلى اللون الأحمر، وصوتها إلى حاد لاذع: أنتي اللي مين!
ابتسمت الأخرى ساخرة وهي تشير نحوها باستهزاء: انتى داخله مكتبي وبتسألني أنا مين.
اندفعت شهد نحو مكتبه تحاول فتحه بعصبية: فين الباشا..

وضعت الفتاة يدها على أصابع شهد المتشبثة بمقبض الباب قائلة: انتي لو مطلعتيش بره حالا هجبلك الأمن يرميكي برة.
حمقاء لعبت على جنون شهد، جذبتها شهد بلمح البصر من شعرها المرفوع تتشاجر معها دون تفكير، والأخرى تدافع وتهاجم فقط..
خرج رامي سريعا من غرفته ينظر بقلق على صراخ أنثوي وتقاذف بالسباب..

اتسعت عيناه عندما رأها تجلس فوق الأخرى تمسك خصلات شعرها بغل وفي ثانية كانت تقبض بأسنانها الحادة فوق يد الفتاة تغرزها بقوة وغل..
وبعدة محاولات من رامي وصياحه بها، ابتعدت عنها على مضض، وهي تتنفس بسرعة، غير مدركة لقميصها المقطوع من الأعلى فظهر جسدها من تحته، وخصلات شعرها الكثيرة المتدلية من حجابها..

حاول رامي مساعدة الفتاة بعدما رأى جروحها، وقعت عيناها على يده التي تحاول مساندتها فصرخت به تبعده عنها، تهتف بغضب: متلمسش قليلة الأدب دي.
بكت الأخرى تخبر رامي بما فعلته شهد، قرص على أنفه محاولا تهدئه نفسه قبل أن يتعارك معها أمام موظفي المصنع، كل ما فعله هو أن دفعها لداخل المكتب وأغلق عليها جيدا، ثم التفت نحو الفتاة محاولا إصلاح ما يمكن إصلاحه.

أما الأخرى فكانت في انفعال داخل المكتب، تثور كالمجنونة، تتوعد له، مرت الدقائق عليها كالدهر..
دخل رامي أخيرا وقد هدأت ملامحه، وما إن أغلق الباب اندفعت نحوه تصرخ وتبكي تطلب الطلاق تتهمه بالخيانة والكذب، واشياءا أخرى هو يجهلها..
مسك يدها التي كانت تضربه بصدره بغل ليقول بصوت هادئ ينذر بغضب بعده: أهدى كده علشان متعصبش عليكي..

اندفعت صوب مكتبه تمسك إله حاده تشير نحو عروق يدها قائلة من بين شهقاتها: لو مطلقتنيش، هموت نفسي، أنا لايمكن أعيش مع واحد خاين وكداب.
بصعوبة كتم ذلك اللفظ البذيء الذي حارب للخروج للعلن حتى يسكتها عن حديثها الأرعن ذلك.
اتسعت عيناها أكثر عندما التزم الصمت، صمت قاتل، عذب مشاعرها التي كانت في احتياج لقبلة أو لمسه من يده الحنونة..

أشارت نحو غير مصدقة: أنت بتتمنى أموت علشان تتجوز عليا، أنت مبتحبنيش، أنا كنت حاسه..
دارت حولها نفسها تتحدث بقهر وهي تبكي: كنت حاسة، ده مش حب، ربنا يسامحك ليه عملت فيا كده، ليه جرحتني..
أوقفها فجأة يردف بنبرة خافتة وهو يجز فوق أسنانه: والله لو ما سكتى، هرزعك قلم يفوقك.
نظرت للأسفل تبكى بحزن: وكمان عاوز تضربني علشان خاطرهاا.

ضربها بخفه فوق رأسها قائلا: لا علشان أفوقك، إيه يا مجنونة اللي انتي عملتيه برة ده.
رفعت بصرها تقول بحنق: وانت تقدر تفسر غيابك عني لمدة تلات ايام، مبتساليش فينا، وكمان إزاي تجيب سكرتيرة ومتقوليش، وازاي تجبيها حلوة كده، اعترف يا رامي وقول إنك بتخوني.

التزم الصمت التام، في حين أن عيناهم لم تصمت، وبدأت لغة العيون تتحاور وتبوح بكل ما يجش بالصدور، ضغطت فوق شفتاها حرجا منه، بعدما قرأت العتاب واللوم في إيصالهم لتلك الحالة، تقدمت خطوة أخرى ثم ضمته بقوتها تهتف بصوت ناعم: أنا أسفه.
مازال على وضعه ينظر أمامه بجمود، حتى يداه لم تتحرك لتأخذ مكانها
المعتاد حول جسدها، ابتعدت عنه تسأله بخوف وترقب: هو أنت مبقتش تحبني يا رامي.
ياعني طلعت بحبك أهو.

سألها، فردت بتوتر: بتحبني، بس أنا بحبك أكتر.
مش شايف والله!
ابتلعت لعابها وهي تتعلق بعنقه تقول: لا والله بحبك اوي، ومقدرش اتخيل حياتي من غيرك.
مازال وجه جامد وحاد، فقال وهو يشير برأسه: عاوز اسالك اللي حصل بره ده ليه!
أجابت بتسرع ونبرة متوحشة: علشان بغير عليك.
إيه ده أنتي مش واثقه في نفسك يا شهد، اشتريلك شوية ثقة بالله عليكي، حياتنا مش طبيعية يا بنتي.

ابتعدت عنه تزم شفتاها، وعيناها تهدد بسقوط دموعها مجددا قائلة: طيب واخرتها!
جلس على كرسية يقول: اخرتها تروحي بيتك ومالكيش دعوة بيا.
انت بتطردني يا رامي.
هز رأسه وابتسامة ساخرة تحتل محياه، ثم القى سترته الجلدية بوجهها قائلا: البسي ده علشان جسمك باين من الجنب، ويالا روحي.
يارب اموت علشان تخلص مني..

حول بصره متجاهلا حديثها، اخر ما تتوقعه أن يفعل ذلك، طالما كان ينهرها دوما على حديثها ذلك، انطلقت كالاسد الجريح يأبى الخضوع أكثر، تحافظ على الباقي من كرامتها، تركض بسرعة البرق، تبحث عن مأوى تنزوى به، تطلق شهقاتها بحرية، حتى إنها لم تدرك الدراجة النارية التى تنحرف نحوها، وماهي إلا ثوان واصطدم جسدها بالأرض، واخر ما التقطت أذنها هو شيء واحد..
الحقوووا، دي مدام شهد مرات رامي بيه، قولوله بسرعة.

ومن بعدها استسلمت لظلامها، فاقدة للوعي تماما، غير مدكة لحالة الهرج والمرج من حولها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة