قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

تسلقت آنيا النافذة لتقفز نحو الباحة. ترددت لوهلة في فعل هذا
ولكنها في النهاية حسمت أمرها، واستجمعت رباطة جأشها، ثم أخذت نفسا عميقا، وحبسته في صدرها، ومن ثم دفعت جسدها بكل قوة للأمام ليهوى على الأرضية العشبية.

تأوهت بصوت مكتوم وهي تفرك ساعدها الذي آلمها من الإرتطام. ثم نهضت بحذر، وتوارت خلف الشجيرات الخضراء الجانبية.

إستمعت إلى همهمات بعض الرجال القريبين منها، فوضعت يدها على فمها لتكتم أنفاسها. وظلت ثابتة كالصنم - لا تحرك ساكنا - حتى ابتعدت الأصوات وتلاشت، فنهضت سريعا من مكانها، وتحركت بخطى خفيفة نحو المجهول الذي أمامها.

سارت هي بحذر بجوار الشجيرات وهي محنية للأمام، ولكنها تسمرت في مكانها مصدومة حينما رأت ذلك الجدار الصخري الشاهق.

ازدردت ريقها خائفة، وتلفتت حولها بذعر.
بدت كالهائمة على وجهها، وغمغمت مع نفسها برعب: -هل ضللت الطريق؟ لا. أنا أتيت من هناك، وآآ.
هزت رأسها بإستياء بعد شعورها بالعجز عن التفكير بصورة عقلانية.
ثم رفعت بصرها للأعلى لتحدق في ذلك الجدار، وفركت ذقنها وهي تفكر مليا في أمر ما قد طرأ ببالها.

إلتوى فمها بإبتسامة مغترة وقد هداها عقلها لخطة ماكرة، فهمست لنفسها بثقة: -سأتسلق هذا الجدار، فربما خلفه تكمن حريتي!
وبالفعل بحثت عن نتوء ما بارز بالجدار لتضع قدمها عليه، ومنه تنتقل للبروز التالي، واستغلت وزنها الخفيف في التسلق برشاقة عليه حتى وصلت لقمته، فإستندت بكفيها عليه، ودفعت جسدها بكل قوتها للأعلى، وجلست عليه.

شهقت بصوت شبه مرتفع حينما حدقت أمامها، وإرتسم على تعابير وجهها علامات الإندهاش الممزوجة بالصدمة.

تبخرت جميع أحلامها حينما رأت تلك الساحة القتالية الخاوية والتي تعج بأدوات التدريب للمقاتلين.

لم تستطع الحفاظ على توازنها من هول المفاجأة، فترنح جسدها بشدة للأمام، وإنفلت كفي يدها، فسقطت من أعلى الجدار، ودار جسدها حول نفسه نزولا للأسفل وهي تصرخ بفزع كبير...

أعد حراس الملك شيروان موكبا هائلا له ليستقله ويذهب إلى مملكة السلطان أسيد.

لم يخش على حياته أو محاولة إغتياله من مقاتلي الأخير. فكل ما يشغل تفكيره الآن هو الوصول إلى ابنته وأخذها من براثن ذلك السلطان القاسي قبل أن يتهور ويقتلها بلا ذنب.

تحرك بخطوات أقرب إلى الركض وهو في كامل زينته نحو العربة الضخمة التي سيجلس بها.

لم يرد أن يظهر أمام عدوه ضعيفا مهزوما خانعا فيتلذذ بإذلاله وكسر إرادته. فحافظ على هيبته العامة.

أرهقت أعصابه من فرط التفكير في مصير ابنته، والتي وضعت روحها بين كفي ذلك القاتل.

حاول أن يلهو نفسه بتخيلها وهي تركض في حديقة قصره مستمتعا بتذكر رنين ضحكاتها المشرقة وحيويتها التي تخطف القلوب، ومر بباله ذكرى وعده لقائده الراحل جاد نيجرفان بتزويجها، ذلك القائد الذي لم يدفنه في جنازة تليق به، أو يرى جثمانه بعد. فقد تركه ورحل مصدوما حينما تلقى خبر وفاته.

فأدمعت عينيه حزنا عليهما، ومسح بأنامله عبراته، ثم تمتم مع نفسه بآسى: -لن أفقدك بنيتي، سأستعيدك مرة أخرى!
ضاقت نظراته وهو يكمل بنبرة عدائية: -حتى لو إقتضى الأمر أن أقتله بين رجاله وأمام الجميع!
ثم رفع رأسه بشموخ قوي. وتطلع من النافذة الملاصقة له ليوميء برأسه للمحارب الذي فهم إشارته فلكز جواده ليتحرك نحو المقدمة ويحدث القائد الجديد.

-انطلقوا!
قالها أحد المحاربين بصوت صارم وهو مشهر سيفه للأمام ليتحرك بعدها الركب إلى وجهته الهامة...

بلغت الأنباء السلطان أسيد بقدوم عدوه اللدود الملك شيروان إلى مملكته. فتعالت ضحكاته المنتصرة، وأشار لقادته قائلا بتفاخر وهو يكور قبضة يده:
-الآن سأدك عنقه بيدي بعد أن أذيقه طعم الذل، أرسلوا في جميع المدائن، وأبلغوا عن قدومه. أريد أن يرى شعبي كيف حطمت أخر الملوك الأشداء، وجئت به إلى هنا راكعا خاضعا إلي!

ضرب أحد القادة صدره بقوة وهو يردد بنبرة رسمية: -كما تشاء مولاي!
إلتفت إلى باقي قادته، وتابع بغلظة: -وأنتم، أعدوا كتائب الجيش للقتال، وأمنوا القلعة بأسرها، لا تدعوا مدخلا ولا مخرجا إلا ووضعتم عليه خيرة رجالنا. فلا ندري أي خدعة يمكن أن يحيكها ذلك اللئيم فتنطلي علينا ونقع في شباكها بسهولة!

-سمعا وطاعة مولانا السلطان
ثم أشار لهم بإصبعيه لينصرفوا جميعا من قاعته.
فرك السلطان أسيد كفيه معا، وقربهما من فمه، وصر على أسنانه قائلا بخفوت شرس وقد برقت عينيه بوميض مخيف:
-آن وقت رحيلك يا شيروان، وستتذوق بيدك طعم ( شهد ) الأفاعي الذي أعددته خصيصا لك!

ثم قهقه بعدها بضحكات عالية منتشيا بإنتصاره الوشيك وهو يتحرك عائدا ليجلس على عرشه.

في خيمة نائية بأحد دروب الصحراء القاحلة، جثى رجلا على ركبتيه ليضع ذلك العشب السحري على ذلك الجرح الغائر في ظهر ذلك المقاتل الصلب الذي ينكس رأسه للأسفل.

رفع المقاتل كفه للأعلى ليتوقف الأخير عما يفعل، ثم أدار رأسه للجانب لينكشف وجهه بوضوح على ضوء أشعة الشمس. إنه القائد جاد نيجرفان...

ظهرت عينيه المشتعلتين بالغضب بصورة مخيفة، وضغط على شفتيه ليقول بصرامة: -يكفي هذا، لم أعد بحاجة إليه، أعد لي جوادي لأنطلق!
اعترض الرجل قائلا بتوجس: -ولكنك لم تتعافى بعد سيدي القائد، مازال الجرح يحتاج للرعاية و. آآآ...
قاطعه القائد جاد نيجرفان بصوت آمر: -نفذ ما أمرك به، هيا تحرك!

إنكبت الأميرة آنيا على وجهها، وأصدرت أنينا واضحا وهي تحاول رفع رأسها للأعلى.

صداع هائل إجتاحها، فعضت على شفتها السفلى متألمة.
نظرت إلى ذراعيها فرأت سجحات متفرقة عليهما، وكذلك شعرت بآلام موجعة من بعض الرضوض التي أصابت باقي أنحاء جسدها.

فركت عينيها لتقاوم إزدواجية الرؤية وعدم وضوحها.
إستمعت هي إلى صوت تصفيقات قوية، فأدارت رأسها نحو مصدرها، وإتسعت عينيها بهلع حينما رأت عقاب يقف على بعد خطوات منها، ومسلطا أنظاره القوية عليها.

ابتلعت ريقها بخوف كبير، وحاولت أن تحافظ على ثباتها أمامه.
إلتوى ثغره بإبتسامة قاسية وهو يستطرد حديثه ساخرا: -أميرتي! كلما حاولت الفرار عدت إلي!
إحتقنت وجنتيها بحمرة غاضبة، وتحاملت على نفسها لتنهض وتقف على قدميها.
نفضت يديها من الغبار العالق بهما، ثم وضعت يديها على خصرها، وتحدته قائلة: -لن أكف عن المحاولة، وإن اضطررت في الأخير، سأقتلع كبدك بيدي!
-أنت؟

قالها عقاب بإستخفاف، ثم قهقه مستهزئا بها ليثير حنقها أكثر.
توقف عن الضحك، وتجهم وجهه وهو يتابع بنبرة قاتمة: -أتعرفين أين أنت؟
تلفتت حولها بنظرات زائغة، فأكمل بغرور وهو يشير بذراعيه: -أنت تقفين في وسط ساحتي!
دب في جسدها إرتعاشة قوية، وإزدردت ريقها برعب وهي محدقة به، وإرتخت قبضتيها عن خصرها.

إستأنف عقاب حديثه بهدوء مريب: -لقد خضت غمار تلك الساحة منذ نعومة أظافري!
حاولت أن تبدو آنيا أمامه قوية الإرادة، فإستجمعت شجاعتها، وصاحت بنبرة مهددة:
-سأقتلك. سأقتلك!
تقوس فمه بإبتسامة متحدية، وأشار لها بكفه قائلا بثقة: -هيا، أريني كيف!
ثم سل سيفه من غمده وألقاه عند قدميها، ورفع حاجبيه في سخرية منها.

كزت آنيا على أسنانها بشراسة، وانحنت لتلتقط ذلك السيف، ثم إندفعت نحوه كالثور الهائج وهي تصوب سيفها نحوه.

وبمهارته المعتادة تمكن عقاب من تفاديها، ورن في أذنيها صوت ضحكاته المتهكمة.

نفخت من الغيظ، وإحتقنت عروقها النابضة، ثم عاودت الكرة من جديد، وانطلقت بعنفوانها نحوه. وتلك المرة تحرك بخفة وحرفية ليتجنب إصابتها المباشرة، وأمسك بها من رسغها، ثم إنتزع السيف منها بعد أن لوى ذراعها خلف ظهرها، وألقاه أمامها على الساحة الترابية، وقربها إليه حتى إلتصقت بصدره.

نهج صدرها علوا وهبوطا من فرط الإنفعال. ولهثت بصوت مرتفع وهي تحاول ضبط أنفاسها المتسارعة.

ألصق عقاب رأسه بمقدمة رأسها، واقترب من أذنها لتشعر بسخونة أنفاسه عليها، وضغط على شفتيه قائلا بهمس مخيف:
-أتريدين أن تري معركة حقيقية، تعالي معي!
رجف قلبها من الخوف، وإتسعت عينيها بذعر من كلماته المخيفة.
لم يمهلها الفرصة، بل تحرك للأمام بخطوات سريعة، وقبض على رسغها بأصابعه، ثم سحبها خلفه نحو أحد الزوايا التي تعج بالأقفاص الحديدية.

قاومته آنيا وجاهدت لتبطيء سرعتها، وتلوت بذراعها محاولة تحريره، ولكنه أحكم قبضته بقوة مفرطة. وجرها خلفه بسهولة.

قفز قلبها في صدرها برهبة مرعبة حينما سمعت صوت زئير الأسود يصدح من داخل تلك الأقفاص.

صرخت برعب وهي تضغط على قبضته بأصابعها لتحلها عن رسغها، فزادت نشوته، وأردف قائلا والإثارة تلمع في عينيه:
-لماذا لا تجربين القتال مع أحدهم؟
ردت عليه بفزع: -أنت مجنون، اتركني!
إلتوى ثغره بإبتسامة شرسة وهو يهتف بجموح: -صدقيني. إنها متعة حقيقية!
صرخت بصوت هادر مستغيثة بمن ينجدها، ولكنه لم يعبأ بها، واقترب من القفص أكثر.

غمز لها عقاب قائلا بتسلية: -لنلهو قليلا أميرتي!
زادت رجفتها، وصراخها، وهو يمد يده الأخري ليزيل القفل عن القفص.
تعمد عقاب أن يرخي قبضته عن رسخها فسحبته فورا، وركضت كالمجنونة وهي تصرخ بصورة هيسترية لتبتعد عن الأقفاص.

تعالت ضحكاته الساخرة، ثم انطلق مسرعا خلفها بعد أن ترك باب القفص مفتوحا...
تمكن عقاب من الوصول إليها بركوضه السريع، وهتف بصوت لاهث ليخفيها: -أركضي، فالأسود قادمة، و. وجائعة!
تعثرت في خطواتها، وسقطت على وجهها، ثم رفعت رأسها، وأدارتها للخلف لتبصر قدوم أحدهم بخطوات ليست متهادية على الإطلاق، فدفنت وجهها وهي تصرخ بهلع مفزع.

توقف عقاب عن العدو، وإلتفت للخلف ليراها على تلك الوضعية، فزفر بإنزعاج، ثم ركض عائدا إليها، وقبض على ذراعها، وأجبرها على النهوض وهو يصيح بغضب:
-هيا، تحركي!
إلتوت قدم آنيا، ولم تستطع الوقوف، فتأوهت بأنين موجع. فرمقته من طرف عينيها بنظرات محتقنة وهي تهدر بصوت شبه باكي:
-أنت قاتل، قاتل مجنون!
دفعها عقاب من ذراعيها للأمام صائحا بصرامة: -اذهبي أعلى تلك المنصة.

نظرت آنيا إلى حيث أشار، وتحاملت على نفسها لتصعد إلى الأعلى وتنجو ببدنها من أنياب ذلك الأسد الجائع.

بدأ عقاب في مبارزة هذا الليث الضاري بيديه العاريتين، واعتقدت هي أنه سيقتل بأنيابه الحادة. ولكنها تفاجئت به يلهو معه، ويلاعبه، ويداعب رأسه وكأنه حيوانه الأليف.

رمشت بعينيها بذهول، وزاد حنقها من تصرفه الدنيء معها.
تعالت ضحكاته العابثة، وغمز لها وهو يهتف بتسلية: -ألم أقل لك أننا سنلهو سويا؟!
إشتعلت عينيها غضبا منه، وإصطبغ وجهها بحمرة مغتاظة. ثم جلست في مكانها مستاءة مما يحدث معها، وركلت الأرضية بقدمها، فتآذت بشكل كبير، وكتمت صرختها المتألمة، لكنها لم تستطع منع نفسها من البكاء.

أودع عقاب الليث في قفصه، ثم عاد إليها ليجدها تنتحب بأنين خفيض، ومخبئة عينيها الباكيتين خلف قبضتيها، فحدق بها متأملا إياها بنظرات دقيقة، ووضع يديه في منتصف خصره ليردد بصوت واثق أخافها:
-أميرتي، اعلمي أن الفرار من الجحيم أسهل بكثير من الهروب من قبضتي،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة