قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

فركت الأميرة آنيا قدمها بحرس لتخفف من وطأة الآلم بها. ثم رفعت رأسها لتحدق في عقاب بنظرات حانقة بعد أن إصطبغت عينيها بحمرة الغضب، ومسحت بكفيها عبراتها المنهمرة على وجنتيها. وكزت على أسنانها قائلة بنبرة عدائية صريحة:
-سأقتلك! سأقتلك!

جلس هو إلى جوارها، وتأمل حمرتها الغاضبة بنظرات دقيقة. لم ينكر أنها أغرته نوعا ما وجعلته يستشعر مدى جرأتها المثيرة، وهي تلك الرقيقة الجميلة التي تستحق أن تتنعم بملذات الحياة كلها، كما أثاره شجاعتها القليلة، وحركت شيئا ما بداخله، لم يتبينه بعد.

إلتوى فمه قليلا بإبتسامة متسلية، ثم أردف قائلا: -أعجبتني شجاعتك!
ثم قهقه عاليا ليتعمد إستفزازها، وبالفعل حقق مبتغاه بإغاظتها وهو يتابع بإستهزاء:
-رغم أنك كنت تشبيهن النعام في غبائهم!
ثم رفع حاجبه للأعلى ليضيف بسخرية: -يا حمقاء أتدفنين رأسك في الرمال، وتتوقعين النجاة؟!
زاد إحتقان وجهها، وهتفت بصعوبة: -أنت!
إستأنف حديثه قائلا بتهكم: -أظننت أنه لن يراك إن فعلت هذا؟ أنت حقا ساذجة!

صاحت فيه بصوت محتج وهي تنهض من جواره: -لست غبية! كنت أعلم أنه سيقضي علي حتما، ولكني لم أرد أن أراه بعيناي يفعل هذا بي!

ثم ابتلعت غصة ما عالقة في حلقها، وتابعت بنبرة ضائقة: -أثرت أن أفكر في شخص أخر وأنا على شفا الموت، فتحفر ذكراه في عقلي حتى أخر أنفاسي!

أثار فضوله تلك الكلمات، فسألها بإهتمام وهو يطالعها بنظرات غير مريحة: -ومن هو ذلك المحظوظ؟
رمقته بنظرات إحتقارية قبل أن تجبه بحدة: -لا شأن لك!
إستفزه ردها الفظ معه، فإستند على مرفقيه ليقف قبالتها، ثم ضيق عينيه وسألها بمكر:
-أهو حبيبك؟

تفاجئت بسؤاله الجريء، واضطربت لوهلة. فهي ليس لديها حبيب لتعشقه، ولا عشيق سري تهواه، ولكنها تحب والدها حبا جما، فهو يمثل العالم بالنسبة لها. هو الأب والحبيب والرفيق وكل شيء.

إحتارت للحظات في الرد عليه، وفكرت مليا في إيهامه أن لديها ذلك الحبيب الخفي لعله يتركها لشأنها، ويكف عن إلحاق الأذى. لذا هتفت بنزق:
-نعم!
ثم ضيقت نظراتها أكثر لتصبح غامضة، وأكملت بتحد: -هو من خفق الفؤاد لأجله!
شعر عقاب بالغيرة من ردها، وكأن حديثها عن ذلك الحبيب الغامض قد أهانه نوعا ما، وأشعره بحقارته. فبدت تعابير وجهه منزعجة، وتحولت نظراته للقتامة، وهتف فجأة بنبرة غليظة وهو يقبض على ذراعها:.

-هيا، ستعودين الآن!
أردفت قائلة بسخرية: -يا للهم! للسجن مرة أخرى!
نظر لها من طرف عينه وهو يدفعها للأمام، ورد عليها بجمود: -أتتذمرين؟ أنت في مكان تحسدك عليه الكثيرات!
غمغمت آنيا بخفوت: -لا أريده!
أرخى هو قبضته عنه، وشرد لوهلة في حديثها عن حبيبها. ونفخ بصوت مسموع من الضيق.

بينما وقعت عينيها على صخرة صغيرة على مسافة قريبة منها، فدار برأسها فكرة مجنونة.

إزدردت ريقها بقلق من تنفيذها، ولكنها لم ترد إضاعة الفرصة. لذا بلا تردد، انحنت فجأة للأمام لتلتقطها بأناملها، ثم إستدارت لتواجه عقاب، وقامت بضربه بها بعنف على مقدمة رأسه لتصيبه، فتفاجيء من حركتها المباغتة، وإرتد للخلف مشدوها.

صاحت آنيا بنبرة عالية تحمل الإهانة: -تستحقها يا حقير!
ثم إلتقطت صخرة أخرى، وقذفتها عمدا نحوه فأصابته في جذعه، فتأوه من الآلم، فأسرعت مرة أخرى لإلتقاط ثالثة، وكررت نفس الحركة، وركضت خلفه لتصيبه، فجاهد لتفاديها، وضحك من طريقتها البلهاء، ورد بإستهزاء:
-إنت ماهرة في التصويب، ربما أضمك لجيشي!
-سأقتلك
صاحت بها آنيا وهي تعدو خلفه.

إستدار عقاب بجسده ناحيتها، وفتح ذراعيه في الهواء منتظرا هجومها عليه، فإقتربت هي منه وهي تنتوي ضربه بشراسة أشد، ثم بحركة ماهرة لف ذراعه حول خصرها وأدار جسدها في الهواء، ومن ثم ألقاها على أرضية الساحة الرملية. فصرخت بعصبية، ولكنه لم يفلتها، وجثى فوقها، وثبت رسغيها، وحدق بها عن كثب، ورمقها بنظرات متسلية متسائلا بعبث:
-هل إكتفيت؟ أم نعاود الكرة من جديد؟

جاهدت آنيا لتحل معصميها من أصابعه المحكمة، وهتفت بصوت لاهث وهي ترمقه بنظراتها الغاضبة:
-لن أكف عن محاولتي!
رفع حاجبه للأعلى ليضيف بلؤم وهو يدنو برأسه منها
-حقا! وكيف ستفعلين هذا وأنا مسيطر عليك كليا؟!
إبتلعت آنيا ريقها بتوتر جلي. وشعرت بحالة من الضعف الممزوج بالإرتباك تسري في أوصالها.

هناك شيء ما بهذا المتوحش يحثها على تحديه دائما وإثبات نفسها أمامه. وكأن به منشطا ما يثير الأدرينالين بداخلها، فتصبح أكثر جرأة وأكثر قوة.

-ما الذي يحدث هنا؟
قالها السلطان أسيد بنبرة قوية ومخيفة إرتجفت على إثرها آنيا.
تراجع عقاب عن آنيا، ونهض بحذر ليقف على قدميه، ثم نفض راحتيه، وتنحنح بصوت خشن وهو يجيبه بحرج زائف:
-مولاي!
إستندت آنيا على رسغيها لتنهض من رقدتها، ثم رفعت رأسها في كبرياء لترى بوضوح ذلك القادم نحوها.

اقترب منهما السلطان أسيد، ونظر إلى آنيا شزرا، وتابع قائلا بنبرة متصلبة تحمل الإهانة وهو يشير بإصبعه:
-أتلهو يا عقاب مع تلك؟!
رد عليه ابنه بنبرة شبه مدافعة: -لا يا أبي! ولكنها من أتت إلي وآآ...
قاطعه بنبرة شديدة اللهجة: -أحذرك يا عقاب من التمادي معها، فأمثالها لا يحملون إلا الشر والخراب! وأنت يا بني ستصبح السلطان من بعدي، فلا يجوز أن تتصرف بإستهتار مع مثيلاتها!

إغتاظت آنيا من تلميحاته المهينة، فهتفت بنبرة محتدة ومستنكرة وهي تلوح بذراعها في الهواء:
-مثيلاتي! حقا؟ لست أنا من يقتل الأبرياء ويأسرهم، بل أنتم من يدنس الممالك، ويدمر الأرض، ويحرق الزرع!

ثم أخفضت نبرة صوتها قليلا لتشير إلى حالها وهي تقول بإستياء: -وأتخذتموني في النهاية أسيرة!
أطبق عقاب على عنقها بقبضته ليخنقها، وصاح بنبرة منفعلة: -أتجرؤين على تحد السلطان؟
تلوت آنيا بجسدها محاولة تحرير نفسها ومقاومته، ووضعت كفيها على قبضته لإفلات عنقها منه. ولكنها لم تتمكن من هذا.

ربت السلطان أسيد على كتف ابنه ليتركها، فإمتثل الأخير على مضض له، فتحررت آنيا من قبضته. و سعلت عدة مرات وهي تهتف بنبرة متحشرجة بعد أن سلطت أنظارها على عقاب:
-أنا لا أتحدى أحد، بل أدافع عن نفسي حتى لو كلفني حياتي!
رمقها السلطان أسيد بنظرات دونية، ورد عليها بجمود: -لا تقلقي، قريبا ستنالين مرادك، ولكن بعدما أتخلص من أبيك
إستدارت آنيا برأسها ناحيته، وإتسعت عينيها بذعر وهي تسأله بخوف: -ماذا تقصد؟

أجابها السلطان أسيد بنبرة باردة: -سيأتي الملك شيروان – بعظمته الزائفة – إلى هنا من أجلك!
هتفت آنيا بلا وعي وقد بدت اللهفة واضحة عليها: -أبي!
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يجيبها بثقة: -نعم
تلعثمت وهي تسأله بهلع: -هل. هل ستقتله؟
رد عليها بنبرة مخيفة: -سأذيقه فقط من شهد الأفاعي!
إنتصب عقاب في وقفته بعد تلك العبارة الأخيرة، وتحولت نظراته للشراسة، وأدرك أن والده سيقضي بالفعل على غريمه بلا رحمة.

تسائلت آنيا بخوف وقد زاغت أبصارها: -ماذا تعني؟
إلتفت السلطان أسيد ناحيه ابنه، وسأله ببرود مستفز: -ألم تخبرها عنه يا عقاب؟
أجابه الأخير بهدوء مخيف: -لا
تقوس فم السلطان بإبتسامة خبيثة وهو يعاود النظر إليها، وتشدق قائلا: -حسنا، سأريك بنفسي!

على الجانب الأخر، راقب القائد جاد نيجرفان أحد مقاتلي السلطان أسيد بنظرات متربصة وهو يتحرك في إتجاه الغابة بمفرده بعد أن عبثت الخمر برأسه.

فقد حدد ضالته المنشودة بعد فترة من المراقبة المضنية لعدد من المقاتلين ليقتنص منهم الأكثر إستهتارا وإستهانة بحياته.

كان المقاتل في حالة شبه واعية، يدندن بعبارات غير مفهومة، وقد خرجت الكلمات ثقيلة ومتقطعة.

أراد البحث عن مكان بعيد عن أعين الناس ليقضي حاجته، ولم يدرك أنه مراقب من شخص ما.

تفاجيء هو بمن ينقض عليه من الخلف، ويسقطه على وجهه، فحاول النهوض، والذود عن نفسه، ولكنه كان في حالة سكر.

وبالفعل تمكن منه جاد نيجرفان بعد قتال صغير، ولم يأخذ الأخير منه غلبة.
ثم سحبه بعيدا عن الأنظار، وجرده من ملابسه تماما، وألقاه جثة هامدة من فوق أحد التلال.

بدل هو ثيابه، وتأكد من هيئته التي أصبحت مشابهة لمقاتلي السلطان أسيد. ثم تحرك عائدا في إتجاه المملكة.

لم يعرف هو مصير أميرته الغالية، أو إن كانت على قيد الحياة أم لا. ولكنه عقد العزم على قتل السلطان أسيد، والتنكيل به إنتقاما منه. فقد أخذ منه حبه الوحيد، وحرمه منه، فجزاؤه الحرمان من حياته،.

وبالتالي لم يعرف بالمفاجأة التي تنظره هناك...

راقبت الجواري القابعات في المخدع الخاص بهن ما كان يحدث في الساحة بين أميرهن الشجاع عقاب وتلك الجارية الجديدة.

لم يتوقفن عن الثرثرة عن تلك العلاقة الناشئة بينهما.
صاحت إحداهن بحماس: -ربما ستترقى من كونها محظيته المفضلة إلى زوجته
همست أخرى متسائلة بلؤم: -هل تظنين أنه أقام معها علاقة؟
ردت عليها جارية ما وهي تمسح على ساقها البضة بنعومة: -لا أعتقدت هذا، هو لم يلمسها!
أضافت إحداهن بتهكم: -سيملها بعد قليل! كلنا كنا مثلها في البداية! نحصل على الإهتمام، ثم نلقى كالقمامة.

ردت عليها جارية ثالثة: -ولكنه لم يعامل إحدانا مثلما يعاملها!
-كفاكن لغوا
صاحت بهن ( داليدا ) بنبرة حادة وهي ترمقهن بنظرات محذرة.

ساد صمت سريع في الأجواء، فأكملت بجدية وهي تشير بإصبعها محذرة: -أنتن لم ترين بعد الجانب السيء من الأمير عقاب، ولكن إحذرن غضبه! هو يتعامل معكن كأشياء مسلية له. ربما تظن إحداكن أنه أقام علاقة حميمية معها، فتدور في رأسها الأحلام الوردية، ولكن لن تحصلن على أكثر من تلك الأحلام!

دار في خلد كل واحدة منهن ذكرى جمعتها بالأمير عقاب. وأبدين إعجابهن بصلابته وشجاعته، وجرأته المفرطة، وبشبابه الفتي المهلك. فتفنن في إبهاره بأجسادهن المغرية، ليقع فريسة في الملذات المحرمة معهن، ولكن القاسم المشترك بينهن جميعا أنه لم يقم أي علاقة حميمية معهن.

هو فقط يتأملهن، ويراقبهن لبرهة، ثم ينفر منهن على الفور. وكأنه يجتمع بهن فقط ليحصن نفسه من الوقوع في حبائل قرينات الشيطان، فتعتاد نفسه على نبذهن وإزدرائهن مهما بلغت ذروة إثارتهن...

لكن الوضع كان مريبا مع تلك الشقراء. فهي حصلت على أكثر من إهتمامه. وبات الأمر محيرا ومزعجا بالنسبة للجميع...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة