قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

قبض السلطان أسيد على ذراع أسيرته الأميرة آنيا ودفعها للسير معه جبرا.
تحملت هي قوة أصابعه الغليظة والمغروزة في يدها، وكتمت تلك الآلام في نفسها، وجاهدت لتبدو صلبة أمامه، رغم أن الرعب يسيطر على جميع أوصالها.

تبعهما الأمير عقاب، ولم يحد بنظراته عن شقرائه، ولكن قلبه كان يخفق بتوتر عجيب. هو يعلم جيدا أن ما ستراه آنيا لن يسرها على الإطلاق، فهي سترى الجانب البشع والمخيف من السلطان الذي لا يقهر.

تحرك الجميع نحو سرداب جانبي بعد أن ولجوا لداخل القلعة. ثم ساروا بخطى سريعة نحو بهو ما، ومنه عرجوا إلى ممر خفي، ثم هبطوا على درجات كثيرة للأسفل حتى وصلوا إلى قبو شبه مظلم.

ملأت رائحة الموت - والتي كانت ممزوجة برائحة عطنة مثيرة للغثيان - المكان.
قشعريرة باردة سرت في جسدها فجعلتها تجفل بشدة.
زادت نبضات قلبها، وتسارعت أنفاسها إلى حد ما.
توقعت أن يحدث الأسوأ وهيأت نفسها لهذا حتى لا تنصدم.
أشعل عقاب مشعل خشبي ليضيء الطريق أمامهم، ثم استطردت حديثه متسائلا بنبرة شبة قلقة:
-مولاي، أتظن أنها فكرة سديدة؟

رمقه أبيه السلطان أسيد بنظرات حادة قبل أن يجيبه متسائلا بخشونة: -وهل تخشى عليها مما ستراه؟
إرتبك لوهلة، وضغط على شفتيه بقوة، ولم يعقب، ثم تحرك للأمام.
وزعت آنيا أنظارها الخائفة بينهما، ولكنها إستجمعت رباطة جأشها، وابتلعت ريقها بصعوبة، وهتفت متحدية بشجاعة زائفة:
-أنا لا أخاف من شيء
التوى ثغر أسيد بإبتسامة خبيثة وهو يرد عليها: -سنرى الآن!

أسند عقاب المشعل في مسند جانبي خاص به، ثم دفع بكفيه بقوة بالغة باب حجري ثقيل لينفتح قليلا بعد أن أصدر صريرا عاليا. ثم ولج هو أولا للداخل، وتنحى جانبا ليفسح المجال لكليهما.

إزدردت آنيا ريقها برعب واضح على بشرتها الشاحبة، وخطت للداخل بشجاعة مصطنعة.
لم تتبين أي شيء في البداية، فالإضاءة باهتة للغاية، فإستغرقها الأمر عدة ثوان لتعتاد عينيها عليها.

ولكن كان هناك صوتا مميزا في ذلك المكان المظلم.
هو صوت فحيح الأفاعي ومصحوبة برنين أجراس خافتة.
إرتجف جسدها بشدة، وتسابقت دقات قلبها بسرعة كبيرة وكأنها تعدو في سباق للركض.

-تحركي
قالها السلطان أسيد بنبرة جهورية آمرة.
سارت ببطء رغما عنها وهي تكاد لا تشعر بساقيها.
ما أثار دهشتها أيضا هو عدم وجود أي حراسة بذلك المكان المقيت، ولكنها لم تجرؤ على السؤال.

اقترب الجميع من حافة ما تطل على هوة عميقة للغاية، أطلت آنيا برأسها لتتبين ما بداخلها، ولكنها لم تستطع أن ترى أي شيء، ولكن الصوت المخيف كان أكثر قوة فزاد من هلعها.

راقبها عقاب بنظرات قلقة نوعا ما، فقد كان يخشى أن تزل قدميها، وتسقط. لذا بلا وعي منه تحرك نحوها، وجذبها من ذراعها للخلف.

شعر بإرتجافة جسدها، وببرودة ملمس بشرتها. بينما رفعت هي رأسها نحوه، وحدقت فيه بنظرات خائفة. واستطاع هو أن يفسر نظراتها بوضوح.

التوى ثغر السلطان أسيد بإبتسامة متسلية وهو يقول: -أنت لم تر شيئا بعد
عاودت النظر إليه، فتفاجئت به يضيء تلك الهوة بمشعل ما لتجد نفسها محدقة بهلع جلي في مئات ومئات من الأفاعي المختلفة.

جفل جسدها بالكامل. وشهقت مذعورة.
قهقه أسيد بضحكات عالية، ثم تابع قائلا بصوت آمر: -تحركي، سترين شيئا أخرا.
سبقها، وخطى بثبات للأمام.
أخذت آنيا نفسا عميقا، وزفرته مرة واحدة، ثم امتثلت لأوامره، وسارت بخطى ثقيلة خلفه.

لم تنتبه هي إلى موضع قدميها. فكادت تخطو على شيء ما.
-احذري!
قالها عقاب بنبرة شبه قلقة وهو يوقفها قسرا في مكانها، ثم أكمل محذرا: -المكان مليء بالأفخاخ، إن وطأت على أحدهما ستلقين حتفك!
لم تلتفت نحوه، بل تابعت السير وهي مطأطأة الرأس.
ولأكثر من مرة يبعدها عقاب عن السير بالقرب من الأفخاخ.
استمعت هي إلى صوت تأوهات وصرخات من بعيد، فانتفض جسدها خوفا.
زادت حدة الصوت مع تقدم خطواتها.

أمعنت النظر فيما يوجد أمامها، فرأت السلطان أسيد وعلى وجهه علامات منذرة بشر مستطر.

التفت نحوها برأسه، وحدجها بنظرات قاسية ثم أشار بيده وهو يقول بصوت جهوري:
-انظري هناك
أدارت رأسها حيث أشار، ودققت النظر في تلك البقعة، وفجأة اتسعت مقلتيها في رعب، ووضعت يديها على فمها لتكتم شهقة مذعورة.

لقد رأت مشهدا يشيب له الولدان، رجلا مقيدا إلى جدار حجري. وعشرات من الأفاعي حوله يغرزن أنيابهم السامة في أنحاء متفرقة من جسده، وهو يصرخ بإهتياج مستغيثا بمن ينجده أو يرحمه.

تراجعت بجسدها للخلف وهي تهز رأسها مستنكرة بشاعة المنظر، وأغمضت عينيها، ثم أدارت جسدها لتصطدم بصدر عقاب القوي، فدفنت وجهها فيه، وشهقت بخفوت، فإستشعر أنفاسها اللاهثة والحارة على صدره، فألهبت مشاعره بصورة قوية، وأشفق على حالها.

إنتابته حالة من التخبط الرهيبة، فهو لا يريدها أن ترى الجانب الأسوأ من والده السلطان، وفي نفس الوقت لا يريد عصيان والده، وإظهار إهتمامه بها.

لذا ابتلع بصعوبة غصة مريرة عالقة في حلقه...
بينما تابع السلطان أسيد قائلا بتفاخر: -هذا هو مكاني المفضل، فأنا أحضر من يتجرأ علي إلى هنا، وأتركه يتذوق شهد الأفاعي!

ثم أدار رأسه ببطء نحوها، وتقوس فمه بتلذذ، ومد يده ليقبض على ذراعها، وجذبها منه، فصاحت بخوف، وتلوت محاولة تحريره.

رأت آنيا في عينيه نظرات مخيفة، بينما أكمل هو بشراسة: -هذه ليست أفاع عادية، بل هي منتقاة من أقاصي الأرض بعناية، تقتل ببطء، وسمها يحرق قبل أن يميت، ومع كل غرزة من أنيابها يصرخ السجين حتى يتحشرج صوته ويموت.

ثم دنا برأسه منها، وحدجها بنظرات أكثر قسوة، وهتف بجموح: -لهذا سميته شهد الأفاعي، وقريبا سيتذوقه أبيك
صرخت رافضة وهي تهز رأسها بصورة هيسترية: -لا. لا تفعل!
تخيلت آنيا والدها الذي تحبه مكان ذلك الرجل، فجفلت برعب، وهتفت بإستعطاف جلي: -أرجوك، أتوسل إليك
أضاف السلطان أسيد بقسوة: -ما رأيك أن تري هذا عن قرب
لم يرد عقاب أن يتمادى والده فيما يفعل، فهتف محتجا وهو يتحرك نحوه: -مولاي.

أشار له بإصبعه محذرا، وصاح فيه بصوت هادر: -اصمت
ثم إلتفت برأسه للخلف، وحدج أحد الحراس بنظرات مميتة وهو يتابع بنبرة أمرة:
-أحضروا المربية
فغرت آنيا شفتيها مرددة بصوت متلعثم ومرتجف: -هاه، م. مربية!

حاول القائد جاد نيجرفان الإنخراط وسط صفوف مقاتلي السلطان أسيد، وفكر مليا في إنتقاء فريسته التالية ممن يسمح لهم بالدخول للقلعة.

وبالفعل وجد ضالته في ماخور ما، وتعمد التودد إليه لإكتساب صداقته، ومن ثم قتله، والإنقضاض على درعه الذي يحمل رتبة أعلى.

تمكن القائد جاد من خداعه، وأوهمه أنه يعرف بمآثره
فتجرع الأخير كأس خمره بشراهة وهتف متسائلا بصوت ثقيل: -حقا، وماذا أيضا؟
رمقه جاد بنظرات غامضة وهو يجيبه: -لقد سمعت عن براعتك في المبارزة، وذبحك للأعداء بيد واحدة
رد عليه المقاتل بعدم إكتراث، وقد لعب الخمر في رأسه بشدة: -هذا أمر عادي يفعله العامة هنا!
اقترب منه جاد، وهمس له بنبرة ماكرة: -نعم، ولكن أنت ماهر في المبارزة.

تجشأ المقاتل قائلا: -أشكرك على مجاملتك
سأله القائد جاد بلؤم وقد إنتصب في جلسته: -ليست مجاملة، إنها الحقيقة، أخبرني هل حصلت على تقدير من السلطان؟
رد عليه المقاتل بإيجاز: -لا
عبس القائد جاد بوجهه، وهتف مستنكرا: -كيف هذا؟ إنهم مقصرون في حقك!
إستند المقاتل برأسه على مرفقه، وأردف قائلا بنبرة متألمة: -رأسي ثقيل للغاية، أظن أني سأكتفي بالشرب!
التوى ثغر القائد جاد بإبتسامة شيطانية وهو يهمس له.

-دعني أوصلك لجوادك
رد عليه الأخير ممتنا: -أشكرك
لم يعرف ذلك المقاتل المصير المشؤوم الذي ينتظره بالخارج، ولكنها حتما ستكون أخر أنفاس يلفظها في تلك الليلة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة