قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل السابع

برودة شديدة أصابت جسد آنيا المسجى على الأرضية الرطبة، فجعلتها تتأوه بصوت خافت.

تململت في نومتها التي أصابت عضلاتها بالتيبس، وشعرت بثقل كبير يجثو على صدرها.

سعلت سعال حرج وهي تجاهد لفتح عينيها المرهقتين.
في البداية لم تتمكن من رؤية أي شيء بسبب الظلام الدامس المسيطر على المكان. فرمشت بعينيها الخضراوتين لعدة مرات محاولة الإعتياد عليها.

وبعد برهة لمحت وميضا يأتي من الأمام يبرز القليل من ملامح المكان، فضيقت عينيها وأمعنت النظر بدقة فيما حولها.

اتسعت حدقتيها برعب وهي تكتشف ما يحيط بها.
هي في مكان شبه مظلم وخالي من كل شيء إلا من دلو صغير، وبساط من القش.
إلتفتت برأسها للجانب لترى قضبان حديدية تفصلها عن الجزء الخارجي. فشهقت بذعر متسائلة:
-أين أنا؟ وما هذا المكان؟
إزدردت ريقها بخوف جلي، ونهضت بتثاقل عن الأرضية.
أزعج أنفها تلك الرائحة العطنة التي تسود المكان وأصابتها معدتها بالغثيان.
كما كاد يصيبها بالجنون صوت هديل الماء المتقطع.

تهدل فستانها عليها، فإنكشف جزءا كبيرا من كتفها، فحاولت ستره بيديها.
ثم إنتبهت حواسها بالكامل حينما سمعت حسيسا خافتا، فأدارت رأسها نحو مصدر الصوت، وصرخت قائلة بإهتياج حينما رأت جرذانا صغيرة تسير على مقربة منها:
-أخرجوني من هنا، لا أريد البقاء في هذا المكان العفن!
ألصقت ظهرها بالحائط المتشقق، وظل تركل بقدميها على الأرضية.
ثم ركضت نحو القضبان الحديدية وتعلقت بها، وهتفت بصوت هادر متحشرج وهي تهزهم بعنف:.

-ساعدوني! أخرجوني من هنا!
لم تجد أي أحد بالخارج. فقط هي بمفردها في هذا المكان الحقير.
أدركت آنيا أنها حبيسة في زنزانة معزولة.
فواصلت الصراخ لعلها تجد من يستجيب لإستغااثتها المتلاحقة.
لكن لا شيء. فقط هدوء قاتل يصيبها أكثر بالرعب...
جفل جسدها، وشحب لون بشرتها، وبدأت أسنانها تصطك من البرد والخوف.
تراجعت للخلف بظهرها، وتلفتت حولها بنظرات زائغة.

ثم دفنت وجهها في راحتي يدها الباردتين، وصاحت بصوت مختنق: -إنه كابوس، أنا أحلم، لا يمكن أن أكون هنا. أنا حقا أتوهم ما أراه!
رفعت وجهها للأعلى وضمت ذراعيها إلى صدرها، وأجهشت ببكاء أشد وهي تصرخ قائلة: -أخرجوني من هنا، لا أريد الموت، ساعدوني!
لم تتوقف آنيا عن الصراخ حتى بح صوتها، وإرتجف جسدها الهزيل...
لم تتحمل هول الصدمة، فخارت قواها، وسقطت مغشيا عليها مرة أخرى...

فرك الملك أسيد ذقنه الطويلة التي يكسوها الشيب، ونظر إلى ابنه مطولا، ثم قطع الصمت قائلا بحزم:
-حسنا، افعل معها ما شئت، ولكن أنت المسئول أمامي عن تبعات الأمر
إلتوى فم عقاب بإبتسامة دنيئة، وجثى على ركبته أمام عرش أبيه، وأردف قائلا بجمود:
-اطمئن مولاي. فلا تفاوض مع قاتل أخوتي!
قطب والده جبينه، وتسائل بإهتمام: -وهل تعتقد أن شيروان يسيلم حصنه المنين في مقابل الإبقاء على حياة ابنته؟

رد عليه بهدوء وهو يرمقه بنظراته الغامضة: -سيفعل إن كانت حياة أميرته تهمه!
صمت الملك أسيد ليفكر فيما قاله ابنه، وإنتصب في جلسته ليضيف بحذر: -عامة، لا تضع الوقت في ترهات لا تفيد، أكمل دك أسواره
إعتدل عقاب في وقفته، وحدق بشراسة أمامه ليجيبه بثقة بالغة: -لقد أوشكنا على الظفر بجزء جديد من مملكته. كذلك رست السفن بالقرب من هنا
تسائل السلطان أسيد بجدية: -هل جاءت المعدات الجديدة؟

أومأ برأسه إيجابا وهو يرد بثقة: -نعم. ذخيرة ستفيدنا وترجح كفة المعركة لصالحنا
ارتسمت إبتسامة فخر على ثغره وهو يأمره قائلا: -عظيم. استمر يا بني!

على الجانب الأخر، دلف إلى داخل الخيمة رجلا يحمل في يده وعائا مليئا بسائل ما، وحدق بالطبيب وهو يقول بهدوء:
-تفضل. لقد أحضر الماء لك
أشار له الطبيب برأسه قائلا بضيق: -ضعه هناك، وتعالى لتساعدني!
-حسنا.
اقترب الرجل من الطبيب الذي كان مشغولا بلف قطعة قماش نظيفة حول الجرح الغائر الموجود بظهر القائد جاد نيجرفان.

تسائل الرجل بفضول: -هل هو بخير؟
رد عليه الطبيب بصوت منزعج: -لا أعرف، أنا أبذل ما في وسعي، فقد جاء إلي في حالة سيئة
هز الرجل رأسه ليضيف بنبرة فاترة: -نعم، لقد رأيت الفرسان ينقلوه إلى هنا
حدجه الطبيب بنظرات ساخطة، ونهره بحدة: -اذن لماذا تكبلني عناء شرح كل شيء لك!
تلمس الرجل جسد القائد جاد، وشعر بحرارة شديدة تبعث منه. فهتف صائحا بتوجس:
-جسده ساخن للغاية.

هز الطبيب كتفيه في حيرة، ورد عليه بنبرة تشير إلى قلة حيلته: -إنها الحمى، لا أدري إن كان سينجو منها أم آآ...
قاطعه الرجل متسائلا بفضول: -وهل تبقى أحد من ركب الأميرة؟
رد عليه الطبيب بتهكم وهو يشير بيده الملطخة بالدماء: -لا أعلم! أتراني أقف في ساحة الحرب أم أنا منكب على رأسي هنا، اصمت وساعدني!

-حسنا...

وصلت الأخبار المفجعة إلى الملك شيروان، فسقط جالسا على عرشه غير مصدقا فقدان ابنته الوحيدة وأميرته الغالية.

بدى وجهه شاحبا للغاية، وتشكلت تجاعيد رهيبة أسفل عينيه، وإكتست ملامحه بعلامات إنكسار جلية.

لم يستطع النهوض أو تحريك جسده، وهتف بصوت لاهث: -آنيا، ابنتي!
راقبه الفارس بحزن، وتابع قائلا بحذر: -لقد شكلنا فرقة للبحث عنها في الغابة، ولكن لا أثر لها إلى الآن!
حدق الملك شيروان في الفراغ، وغمغم بنبرة متحسرة: -كيف. كيف أمكنني أن أفعل هذا بك ابنتي؟ لقد. لقد أضعتك للأبد.!
زاد اتساع حدقتيه، وهتف بعدم تصديق: -يا للكارثة! لقد أرسلت إلى، إلى حتفك!

أشفق الفارس على حال ملكه، فالأمر خطير، وخسارة الأميرة أمر لا يستهان به.

حاول أن يخفف من وطأة الأمر عليه، فأضاف بجدية: -سأرسل في طلب أشهر مقتفي الأثر يا مولاي، لن نترك شبرا في الغابة إلا وآآ...
قاطعه الملك شيروان قائلا بصوت مختنق بعد أن نهض عن عرشه: -وماذا عن جاد نيجرفان؟
أطرق الفارس رأسه في خزي ليجيبه: -لقد أصيب اصابة بالغة يا سيدي
أغمض الملك شيروان عينيه ليقاوم عبراته، وتحرك مبتعدا عن الفارس، وتابع قائلا بنبرة منكسرة:
-خاب ظني به، وضاعت ابنتي، وفقدت كل شيء!

تمتم الفارس بكلمات خافتة وهو يسلط عينيه عليه: -ليت الأمر يصل عند هذا الحد مولاي
استدار الملك شيروان بجسده ليقف قبالته، وسأله بنبرة غليظة: -ماذا تقصد؟
أجابه الفارس بحذر: -دك مقاتلي السلطان أسيد أسوارنا الخارجية بالمنجنيق!
جحظ الملك شيروان بعينيه، وهتف مصدوما: -ماذا؟
-وفقدنا عددا كبيرا من الرماة، وبتنا بلا غطاء يحمينا.

إهتز جسد الملك شيروان، وشعر بالوهن يتملك منه، وهمس بنبرة متحسرة: -لقد ضاع كل شيء، ابنتي. أرضي ومملكتي
اقتحم القاعة أحد الفرسان، فإلتفت الملك شيروان برأسه نحوه، ورمقه بنظرات حادة، ثم جثى الفارس على ركبته إحتراما للملك، وهتف بصوت لاهث:
-مولاي الملك! عذرا على المقاطعة، ولكن لدي خبر هام لا يحتمل التأجيل!
نظر له الملك شيروان بإندهاش، وازدرد ريقه متوترا، ثم أشار له بإصبعيه لينهض أمامه، وهو يسأله متوجسا:.

-ما الأمر؟

هزت المربية فاليري القضبان الحديدية في الزنزانة القابعة بها بعنف جلي وهي تصرخ بإهتياج:
-أبلغوا السلطان أسيد أني هنا؟ لماذا أنا سجينته وأنا من قدم له العون من البداية.

اقترب منها أحد الحراس، ونظر لها شزرا، وصاح بها بغلظة: -اصمتي يا امرأة! لقد سئمنا صراخك
-لن أكف عن العويل أو الصراخ حتى يراني السلطان!
ثم أخفضت نبرة صوتها لتكمل بندم: -لقد خدعني، وأنا صدقته، وها أنا ألقى جزائي هنا!
قذف الحارس بدلو مليء بالماء البارد في وجه فاليري التي شهقت مصدومة، وسعلت مختنقة، فحدجها بنظرات مهينة، وأردف قائلا بإستهزاء:
-هذا سيجعلك تصمتين!

مسحت فاليري المياه عن وجهها، ورمقته بنظرات نارية، وهتفت بنبرة عدائية: -ستدفع ثمن هذا يا أحمق حينما يعلم السلطان بأمري.

حركت آنيا رأسها قليلا، وفتحت عينيها ببطء لتحدق بالسقف الكئيب. فتنهدت بعمق، وعاودت إغماضهما بيأس. فقد أدركت أنها لا تحلم، وأنا ما رأته من قبل كان واقعها المؤلم.

أطلقت زفرة مطولة، وإستندت بمرفقيها على الأرضية الرطبة لكي تعتدل من نومتها...

شعرت آنيا بصداع رهيب يسيطر عليها. فوضعت يديها على جبينها، وضغطت على شفتيها لتهمس بصوت منتحب:
-أوه. لن ينتهي هذا الكابوس أبدا!
-بل قولي سيبدأ عزيزتي!
هتف بتلك العبارة صوتا رجوليا خشنا يحمل الوعيد.
إستدارت آنيا برأسها في اتجاه صاحب الصوت الذي جعلها تجفل، ونظرت إلى ملامحه المظلمة بذعر...

رأته يستند على الحائط عاقدا ساعديه ذو العضلات المفتولة أمام صدره العاري، ولكنها لم تتمكن من تبين تفاصيل وجهه، فالظلام يغطيه، ولم يبرز لها إلا عينين شرستين تحاصران إياها بنظراتها القاتلة.

همست بنبرة مرتجفة وهي تزحف متراجعة للخلف: -م. من أنت؟
تحرك الأمير عقاب في إتجاهها بخطوات ثقيلة زادت من رجفتها.
لم تجد أي مكان تفر فيه من نظراته الخانقة، وعجزت عن الزحف مبتعدة عنه أكثر من هذا، فقد إلتصق ظهرها بالحائط.

جثى ذلك المخيف على ركبته أمامها، ثم أطل برأسه عليها لترى تعابيره القاسية بوضوح، وأردف قائلا بنزق وهو يقبض على فكها بأصابعه الغليظة:
-أنا جلادك. الأمير عقاب ابن السلطان أسيد،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة