قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

جفلت آنيا بشدة من هيبة ذلك الأمير المخيف، وإزدردت ريقها محاولة السيطرة على مخاوفها أمامه.

ولكن عينيها تكشف خوفها بوضوح.
أرخى أصابعه عن فكها، وهمس لها بشراسة: -اعتادي على رائحة الموت، فهي ستلازمك للأبد!
زاغت أبصارها، ورجف قلبها بهلع كبير. وشعرت بمدى دنو الموت منها.
وقعت عينيها مصادفة على مخرج جانبي، هي لم تره من قبل. ولكن عقلها أوهمها أنه ربما يكون السبيل للفرار من هنا. وما عليها إلا الوصول إليه، والركض بأقصى سرعة لتنجو ببدنها منه.

لذا استجمعت شجاعتها، وتغلبت على خوفها، واستخدمت كفي يدها لتدفع عقاب بكل ما أوتيت من قوة في صدره لتبعده عنها. فإرتد على إثر دفعتها المباغتة للخلف.

استغلت آنيا الفرصة لتنهض سريعا عن الأرضية الرطبة، وركضت في إتجاه المخرج بخطوات شبه متعثرة.

قهقه عقاب عاليا، فإمتلأ المكان بصدى ضحكاته الشيطانية.
ثم أردف قائلا بصوت مرتفع وواثق: -لن تهربي من هنا! لا مفر مني أيتها الحمقاء!
إستند بمرفقيه على الأرضية ليتمكن من النهوض، ثم نفض يديه، وبحث بعينيه عن مشعل قريب ليشعله، ويبدأ لعبة الغميضة معها. تلك اللعبة التي تصيب أعدائه بالجنون قبل أن يذبحهم.

توقفت آنيا للحظة في مكانها محاولة إنتقاء أي طريق ستسلكه، فقد كان أمامها عدة ممرات متشعبة.

لم تفكر كثيرا، ركضت نحو الممر الأول، وهي تلهث بصعوبة.
رأها عقاب وهي تهرول مبتعدة، فإعتلى ثغره إبتسامة ماكرة، وإنعطف لليسار، وهو يدندن بلحن مفزع...

كانت الرؤية خافتة، فسقطت آنيا على وجهها وهي تركض عبر الممر المظلم المؤدي للأعلى بسبب تعثرها في أذيال فستانها. فرفعته بيديها للأعلى لتتحرك بحرية...

كانت هائمة على وجهها، تائهة، ضائعة، لا تعرف إلى أين تتجه، ولكنها أقنعت نفسها بأنه في نهاية هذا الممر الخلاص من سجنها.

شهقت مذعورة، واتسعت حدقتيها برعب جلي حينما رأته أمامها بوجه القاتم، ونظراته المخيفة، ممسكا بمشعل مضيء في يده.

أشار لها بيده الأخرى قائلا بجموح: -أتظنين الأمر بتلك السهولة؟ أنت لم تعرفيني بعد!
أدارت ظهرها له لتعاود أدراجها، وركضت في الإتجاه العكسي.
تشتت أفكارها بشدة، وظنت أنها ضلت الطريق. ولكنها كانت تدور في حلقات دائرية حول نفسها.

وكلما ركضت في إتجاه تجده أمامها ينتظرها ليزيد من جرعة الرعب لديها.
أتاها صوته الجهوري المخيف من خلفها قائلا: -توقفي عن الركض! أنت أسيرتي!
قهقه بصوت مخيف ليضيف: -أتدرين، لقد صممت هذا المكان بنفسي لإبقاء ألد أعدائي بالداخل، فأذيقهم طعم الجنون قبل أن يلقون حتفهم على نصل سيفي! أو بطريقة أخرى.

إرتجف جسدها بشدة، وارتعشت أوصالها من كلماته المفزعة، وبحثت بجنون عن مهرب لها.

إلتقطت عينيها ضوءا ينبعث من ممر أخر متشعب من الممر الجانبي، فإتجهت نحوه، لترأه بوضوح.

لقد كانت فوهة صغيرة تعلو الجدار الحجري.
أطلت برأسها منها لتعرف إلى أين تؤدي.
كانت الفوهة تطل على بحر ؛ زرقة مياهه قاتمة، و أمواجه العاتية تتلاطم على نتوءات صخرية حادة تفتك بمن يلقى عليها. وحينما أمعنت النظر في تصميم البناية الخارجية، أدركت أنها حبيسة برج حجري شاهق الإرتفاع، فإنقبض قلبها مذعورا.

لقد عرفت حجم الخطر المحدق بها، ولم يعد أمامها أي خيار سوى البقاء بالداخل، أو القفز من أعلى هذا البرج. وفي كلا الحالتين ستلقى حتفها.

لذا أثرت الخيار الثاني. أن تنهي حياتها بنفسها على أن تقتل على يده.
إستندت آنيا بكفيها على حافة الفوهة، ودفعت بجسدها للأمام لتخرج منها. وتلصق ظهرها بالجدار الحجري.

ضرب الهواء وجنتيها بشدة، وبعثر خصلات شعرها على وجهها.
زحفت بقدميها بحذر على حافته - و التي لا تتجاوز الإنشين - محاولة الإبتعاد عن ذلك الشيطان المتجسد في هيئة هذا الرجل.

لم تعبأ بإحتمالية سقوطها. ولا بتمزيق جسدها أو حتى غرقها. فكل ما كان يشغل تفكيرها هو الفرار من هذا الجحيم.

جرجر اثنين من المقاتلين جسد المربية فاليري، وقاما بإلقائه عند قدمي السلطان أسيد في قاعة عرشه الكبرى.

ارتطم وجهها بالأرضية الرخامية، فتأوهت بأنين منخفض، ورفعت رأسها للأعلى لتنظر إليه بحذر.

لمحته من طرف عينيها وهو يحدجها بنظرات جامدة خالية من الرحمة بينما فمه يلوك بضعة حبات من ثمر العنب.

ابتلعت ريقها، وحاولت النهوض لتحدثه، ولكن لكزها مقاتل يقف خلفها بركبته بعنف في ظهرها فأسقطها مجددا على الأرضية.

تحشرج صوته وهو يسألها بصوت آجش: -ماذا تريدين؟
سألته بصوت مصدوم، وعينيها تنطقان خزيا: -ألم أفعل ما طلبته مني؟
أجابها بإيجاز: -نعم
إحتد صوتها وهي تسأله: -اذن لماذا أنا حبيسة عندك؟ وأعامل هكذا؟
إلتوى فمه ليضيف متهكما: -وهل أنا من قبل الخيانة؟
ردت عليه بنبرة نادمة: -لقد. لقد خدعتني!

صاح قائلا بصوت جهوري غاضب وقد نهض عن عرشه: -وأنت تلقيت المقابل منذ زمن! مسكن فخم، وقطع من الأراضي الخصبة لعائلتلك! وماشية لا حصر لها!

ثم أشار بإصبعه نحوها ليتابع بغلظة: -أم أنك نسيت أصولك التي تنتمي إلينا؟ وعهدك الذي قطعتيه للولاء من أجلنا؟
ابتلعت غصة في حلقها، وأجابته بخفوت: -لم أنس، وأنت وعدتني بعدم إيذاء الأميرة!
لكزها المقاتل بعنف في ظهرها وهو يعنفها قائلا: -تحدثي بأدب يا امرأة مع السلطان
تحدث السلطان أسيد بهدوء حذر: -وأنا عند وعدي معك، لم أؤذيها
هتفت بنبرة مرتجفة وهي دامعة العينين: -ولكن ولدك! الأمير عقاب!

هز كتفيه في عدم مبالاة، وتابع قائلا بفتور: -هو حر في تصرفاته
صاحت بصراخ وهي تحدجه بنظرات حادة: -لم يكن هذا وعدك لي، أنت كاذب مخادع!
ضربها المقاتل بقسوة على ظهرها، ثم أمسك بها من فكها، وإعتصره بقبضته قبل أن ينهال عليها بصفعات شديدة على صدغها، وهتف بها بصوت حاد بعد أن تركها:
-تأدبي، وإلا قطعت لسانك!
ثم عاود ركلها بقدمه في بطنها، وظهرها...
إنكبت فاليري على وجهها لتصرخ مستغيثة: -أوه! الرحمة!

أشار السلطان أسيد للمقاتل بكف يده ليتوقف عن ركلها، ثم اقترب منها، ووقف قبالتها، ورمقها بنظرات ساخطة. و تشدق قائلا:
-وأنا سأكون رحيما معك فاليري، فقط لأجل أمك وصيفة زوجتي الملكة!
سألته بنبرة هلعة وهي شاخصة لأبصارها: -ماذا ستفعل بي؟ س. ستقتلني؟!
أشار لمقاتليه بعينيه القاتمتين، وهتف بصلابة: -ألقوها خارج القلعة للضباع والسباع، لا حاجة لي بها الآن! فإن نجوت فهنيئا لك بالحياة!

هزت رأسها بصورة هيسترية، وصاحت برعب: -لا. لا تفعل بي هذا، ليس بعد ما قدمته لأجلك
هدر السلطان أسيد بنبرة آمرة: -خذوها من هنا!
جذبها المقاتلين من ذراعيها ليسحل جسدها بشراسة على الأرضية، فزاد صراخها، وتوسلاتها. ولكن لم يعبأ بها أحد.

وقف الملك شيروان أمام جثمان قائده جاد نيجرفان المسجى أمامه بعد ان أبلغه أحد فرسانه بمصرعه، ورمقه بنظرات معاتبة، ثم أدار رأسه ناحية الطبيب وسأله بصوت حزين:
-ومتى فارقت روحه جسده؟
أجابه الطبيب بخفوت: -لقد مات بالحمى يا سيدي، فالخنجر الذي طعن به كان مسموما، ولم نستطع انقاذه.

أضاف الملك شيروان قائلا بحسرة: -لقد ضاع كل شيء للأبد. خسرت ابنتي وفقدتها، وقتل قائدي المخلص، وذهبت مملكتي أرجاء الريح، أي فاجعة أسوأ من هذا!

تنهد الطبيب بأسف، وأردف قائلا مواسيا إياه: -اصبر يا مولاي، نحن معك وآآ...
قاطعه بنبرة مليئة بالشجن: -كفا حديثا لن يسمن أو يغني من جوع، فماذا بعد الهزيمة سوى الأسر والعار؟
ثم تراجع مبتعدا، وطأطأ رأسه في أسف جلي. وغمغم بحسرة: -سأعلن خنوعي واستسلامي لأسيد. لن أكبد مملكتي فقدان عزيز جديد!

أطل الأمير عقاب برأسه من الفوهة بعد أن عجز عن إيجاد أميرته الشقراء، فرأها تسير بخطوات بطيئة وحذرة على الحافة الرفيعة.

إتسعت حدقتيه الغاضبتين في إندهاش. فلم يتجرأ أحد من قبل على صعود تلك الحافة، والنجاة من الموت.

صاح بنبرة مخيفة: -توقفي!
إرتجف جسدها على إثر صوته، وإرتعشت ساقيها هلعا منه. وواصلت السير.
زادت حدة الهواء، وعصف بشعرها محدثا غيمة حول عينيها.
حاولت إبعاد خصلاتها عن وجهها، وإلتفتت برأسها للجانب لتتأكد من إبتعادها، ولكنها شهقت بصراخ حينما رأته يصعد على الحافة ليلحق بها...

فخفق قلبها ذعرا، وتسارعت دقاته. وأسرعت في خطواتها دون إكتراث، فإلتفت ساقها حول ذيل فستانها المتهدل، وتعثرت، ولم تستطع الحفاظ على إتزانها، فترنحت بشدة، وهوى جسدها بلا سابق إنذار للأسفل.

صرخ عقاب بإسمها بقوة مخيفة: -آنيا
بينما أغمضت هي عينيها لتحجب عن عقلها رؤية نفسها وهي تلقى حتفها، واستعادت في ذاكرتها ومضات سريعة من حياتها في مملكة أبيها، من ضحكات والدتها صوفيا، من دفع المربية فاليري لها على الأرجوحة، من حمل الملك شيروان لها على حجره، ومن إبتسامة ونظرات القائد جاد نيجرفان لها.

لم يكف فمها عن الصراخ المذعور حتى ارتطم جسدها بأمواج البحر العاتية بقوة، فتجرعت المياه المالحة بكثافة، فإختنق حلقها، وسعلت بحشرجة مخيفة قبل أن تخور مقاومتها تماما، ويغوص جسدها في قاعه السحيق...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة