قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

قفز الأمير عقاب - بلا تردد ولا أدنى لحظة تأخير - خلف أسيرته الشقراء.

وبمهارة حرفية إستطاع أن يغوص في الأعماق لينتشل جسدها قبل أن يغرق تماما فيفقدها للأبد.

سحبها بذراعها نحو أقرب حاجز صخري.
تنفس الصعداء أنها حينما قفزت كانت بعيدة عن النتوءات الصخرية الحادة، فلم تتحول إلى أشلاء.

استخدم قبضتيه في رفعها على تشكيلات الصخور العريضة، ثم إستند براحتيه عليهم ليصعد هو الأخر إلى جوارها.

تمدد بجسده، وظل صدره يعلو ويهبط لاهثا بصعوبة بعد هذا المجهود الكبير.
أدار رأسه في إتجاهها، ورمقها بنظرات قوية وهو يردد بصوت متقطع: -لقد تفوقتي على ألد أعدائي خصومة في غباءهم!
اعتدل في جلسته، وتنفس بعمق، ثم زحف نحوها ليتفقدها.
كانت أنفاسها شبه منتظمة، لكن وجهها كان باردا وأكثر شحوبا.
لاحظ إرتعاشة جسدها، وإستكانة غير طبيعية فيها.

فرك وجهه براحته، وحدق فيها بتفحص، وتابع بإنهاك: -لن تموتين الآن! ثقي بحديثي!
انحنى بجذعه عليها، ومرر ذراعيه أسفل جسدها، ثم حملها، ونهض بحذر من على الأرضية الصخرية. وسار بخطوات شبه بطيئة عليها حتى تمكن من الوصول إلى بداية بوابة سرداب صخري مدفونة بين الصخور. فتلك البوابة السرية لا يعرف بوجودها إلا قلة قليلة. فتوارى بداخلها ليعود إلى داخل القلعة الحصينة...

طوى السلطان أسيد الورقة التي كان يقرأها، وإلتوى فمه بعنجهية جلية وهو ينتصب في جلسته على عرشه.

ثم رفع رأسه لينظر إلى الفارس الذي يجثو على ركبته أمامه إحتراما وإجلالا له. وأردف قائلا بتعالي:
-أبلغ مولاك الملك شيروان أني سأدرس الأمر
هز الفارس رأسه بخفة وهو يجيبه قائلا: -حسنا
أضاف أسيد قائلا بإبتسامة متسلية: -كذلك أخبره بأني أحمل له مفاجأة صغيرة نظير عرضه المغري
قطب الفارس جبينه بإندهاش، ونظر بحذر نحو أسيد الذي تابع بثقة: -مفاجأة ستسعده، وتجعله يأتي راكضا إلي!

سأله الفارس بفضول وهو يطالعه بنظرات غامضة: -ما هي مولاي السلطان؟
رد عليه بنبرة أقرب إلى فحيح الأفعى: -أبلغه أن ابنته لا تزال حية.!
ثم صمت لثوان قبل أن يضيف بنبرة تحمل التهديد بين طياتها: -إلى الآن!
اتسعت حدقتي الفارس في صدمة، وعجزت حواسه عن إستيعاب تلك المفاجأة الغير متوقعة.

ألقى السلطان بخاتم ما كان بحوزته في وجه الفارس، وأضاف بصوت خبيث: -اعطها لسيدك!
مد الفارس يده ليتقلط الخاتم، ثم تفحصه بنظرات سريعة قبل أن يطويه في قبضة يده، وأومأ برأسه بهدوء.

-انصرف!
قالها السلطان أسيد بقوة وهو يشير بيده، فإمتثل الأخير له، وسار متراجعا بخنوع حتى ولج خارج القاعة الرئيسية.

ثم تمطع بذراعيه، ونظر حوله متباهيا بقوة ابنه، وبذكائه المفرط الذي أوقع بأشد خصومه، وجعله يأتي إليه ذليلا، مستسلما وراكعا من أجل نيل رضائه...

مرت عدة أيام والأميرة آنيا في حالة إعياء شديدة. جسدها الهزيل يرفض التماثل للشفاء، وكأنها فقدت أي رغبة في الحياة رغم متابعة طبيب متخصص لها...

نحولها وذبول وجهها بصورة مزعجة أثارا قلق الأمير عقاب، فإضطر إلى نقلها من البرج إلى جناح الجواري الملحق بالقلعة.

وأمر بتخصيص مخدع لها بعيدا عن بقية النساء حتى لا يختلطن بها، وأسند مسئولية رعايتها إلى كبيرة الوصيفات ( داليدا ). تلك السيدة البدينة ذات الوجه البشوش.

سهرت الوصيفة داليدا على تمريض الأميرة الهزيلة. واهتمت بها كثيرا.
وتولت إعطائها الدواء في ميعاده، وأشرفت بنفسها على تقديم الطعام المناسب لها لإطعامها.

كان الأمير عقاب يزورها ليلا في مخدعها، يجلس قبالتها بالساعات يراقبها بتمعن شديد، كالأفعى التي تنتظر لحظتها المناسبة لتهجم على فريستها فتغرز أنيابها السامة فيها فتقضي عليها بلا رحمة.

ولكنها كانت ساكنة، كالجسد الخاوي من الحياة.
ساعات طوال أتاحت له الفرصة لتأمل ملامح وجهها الجميلة دون مقاطعة. حتى باتت قسماتها محفورة بعمق في ذاكرته.

ظنت الجواري أن الأمير عاشق لتلك الغريبة التي انضمت إليهن. فشرعن بالغمز واللمز بالسوء عنهما. خاصة أنه كان يظل معها لفترات طويلة، ولم يعد يقرب أيا منهن.

لم يدر عقاب أن تلك الأميرة قد إستحوذت على تفكيره بصورة أقرب للهوس. فلم يشعر بإعتزاله لكل شيء مما إستدعى قلق والده السلطان فأرسل في طلبه، فذهب ابنه إليه. وجلس إلى جواره في ساحة التدريب. وراقب بنظرات زائغة المقاتلين المهرة وهم يتبارزون فيما بينهم ببراعة.

لاحظ والده شروده، فسأله بغموض: -بماذا تفكر؟
أجابه بفتور وهو يتحاشى النظر نحوه: -لا شيء
أردف السلطان قائلا بجدية واضحة: -أرى أنك فقدت قدرت على التركيز منذ إنشغالك بتلك الشقراء
انتبهت حواس عقاب، وإحتدت عينيه بشدة وهو يردد بصوت شبه منفعل: -ماذا تقول أبي؟
-ألا ترى نفسك؟ لم تعد كما كنت، أظن أنك فقدت براعتك!
قالها السلطان أسيد متعمدا إستفزازه وهو يشير بيده نحوه.

لم يعقب الأخير، بل نهض عن عرشه الملاصق لأبيه، وحدجه بنظرات مخيفة قبل أن يتجه لحافة السور الخشبي الذي يفصل مقاعد القادة العلوية عن الساحة القتالية.

ثم بخفة ومهارة عالية وثب من عليه ليقف على قدميه في وسط الساحة.
إندهش الجميع من فعلته المباغتة، ولكن تعالت الصيحات المهللة والمشجعة له...
استل عقاب سيفه من غمده، وركض بسرعة عالية نحو المقاتلين، وبدأ في مبارزتهم بشراسة حتى أسقط غالبيتهم، ثم إلتفت نحو والده، ورمقه بنظرات حادة، وصاح بصوت غليظ وهو يلهث:
-أرأيت أيها السلطان؟
إلتوى فم أبيه بإبتسامة قاسية، وهز رأسه بإعجاب.

شهق الملك شيروان مصدوما وهو ينتفض مذعورا من مكانه. ثم أمسك بتلابيب الفارس التابع له، وهزه بعنف وهو يصرخ فيه بعدم تصديق:
-ابنتي حية؟
هز الفارس رأسه وهو يجيبه بنبرة جادة: -نعم مولاي!
سأله الملك شيروان بتلهف جلي: -هل. هل رأيتها؟
حرك رأسه نافيا، وهو يتابع بحذر: -لا. ولكن السلطان أسيد أبلغني بهذا!
صمت لوهلة ليخرج الخاتم من جعبته، وإستأنف حديثه قائلا بقلق: -و. وأعطاني هذا الخاتم!

اتسعت حدقتيه في رعب كبير وهو ينظر إلى ذلك الخاتم المميز الذي كانت ترتديه زوجته الراحلة الملكة صوفيا، ومن بعدها أهداها إلى ابنته الوحيدة لترتديه.

هتف بذعر واضح في نبرته: -يا إلهي. إنه خاتم صوفيا! أوه!
وضع يده على رأسه، وأضاف بهلع: -ابنتي. ابنتي حية وفي. وفي قبضتهم! ماذا أفعل؟
تنهد بحسرة وهو يقول: -يا ليتك كنت معي جاد نيجرفان، كيف سأتصرف وأستعيدها منهم؟!

بدأت الأميرة آنيا تستعيد عافيتها إلى حد ما. وإستجابت للعلاج والرعاية المتواصلة.

فتحت عينيها بتثاقل شديد وهي تحرك رأسها للجانب. فوجدت عينين واسعتين تطالعنها بنظرات حنونة.

بدت شبه واعية وهي تحاول تذكر ما حدث. فعقلها كان كالصفحة البيضاء.
تشكلت إبتسامة عريضة على ثغر الوصيفة داليدا، وهتفت بنبرة مرحة: -عودا حميدا أيتها الجميلة!
ثم مسحت بكفها المليء بالشحم على جبينها، وأولتها ظهرها لتتجه نحو النافذة وتزيح عنها الستائر الحريرية ليتسلل ضوء النهار للمخدع...

رمشت آنيا بعينيها عدة مرات لتعتاد على تلك الإضاءة القوية، في حين أكملت داليدا بصوت حماسي:
-سأحضر لك الطعام، وتلك المرة ستتناوليه بمفردك
-م. من أنت؟ وأين أنا؟
قالتها آنيا بصوت ضعيف وواهن وهي تتابع تلك الغريبة بنظراتها.
إلتفتت لها داليدا برأسها، وأجابتها بجدية: -أنت عزيزتي في قلعة أقوى الرجال، السلطان أسيد! وقد جاء بك الأمير عقاب قبل عدة أيام إلى هنا.!

ثم إستدارت لتتجه نحو باب الغرفة وهي تغمغم بهدوء: -سأسرد لك كل ما أعرفه لاحقا، والآن سأحضر الطعام
اتسعت حدقتي آنيا برعب واضح وقد تسلل إلى عقلها ومضات سريعة مما حدث معها.
زاغت أبصارها، وخفق قلبها بقوة. وتلاحقت أنفاسها وهي تردد بصوت مذعور: -لابد أن أهرب من هنا قبل أن يعرف ذلك الشيطان بأمري من تلك البدينة!
أزاحت الغطاء عنها، وأنزلت ساقيها المرتجفتين للأسفل.

تأملت ثيابها الخفيفة التي تستر جسدها وهي تتحسسها بخوف. فدبت في أوصالها إرتجافة قوية.

كانت ترتدي فستانا حريريا من اللون السكري الباهت. يتلائم مع بشرتها الشاحبة، وياقته الطويلة تغطي عنقها. ولكنه يكشف عن ذراعيها الهزيلين.

تسللت على أطراف أصابعها لتكتشف المكان من حولها. واقتربت من باب الغرفة، وأطلت برأسها للخارج لتختلس النظرات.

كان هناك حائلا حريريا من اللون النبيذي يمنعها من رؤية المكان بوضوح، ومع هذا سمعت أصواتا خارجية أنثوية غير مفهومة، وضحكات رقيعة لبعض النساء.

عادت مجددا للداخل وهي تردد مع نفسها بقلق: -الطريق مسدود بالخارج، ماذا أفعل؟
عفويا وقعت أنظارها الخائفة على النافذة. فأضاء عقلها مجددا بتلك الفكرة الجنونية، وهي القفز منها. هي فعلتها مرة، ولن تتردد في فعلها مرة أخرى.

ركضت مسرعة في إتجاهها، وتسلقتها بحذر، ولكن كانت المفاجأة أن تلك النافذة تطل على باحة خلفية واسعة مزدانة بالشجيرات الصغيرة.

إحتارت فيما ستفعله، وتمتمت بقلق: -كنت أظنها كسابقتها، ماذا أفعل الآن؟
تأملت الباحة بنظرات دقيقة، وتابعت مع نفسها بإصرار عنيد: -لن أبقى هنا مهما حدث، سأهرب أولا، وأبحث بنفسي عن مخرج من ذلك الجحيم!
ازدردت ريقها بتوتر جلي، وأكملت خطتها المتواضعة في الهرب و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة