قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

أعد قائد الجيش جاد نيجرفان تجهيزات الركب الخاص بالأميرة آنيا من أجل تهريبها من المملكة دون أن يعرف أي أحد بهذا.

لم يكن الأمر سهلا عليه، فإبتعاد رمز الحب والبراءة عن القصر الملكي سيترك فراغا كبيرا لديه. ولكنه أمر حتمي ولابد منه.

كذلك استمر السلطان أسيد وولده الأمير عقاب في تضييق الخناق على جيش الملك شيروان. وتعاقبت الخسائر الجسيمة على الأخير واحدة تلو الأخرى. وبات عاجزا عن الدفاع بقوة عما يخصه.

تنهد السلطان أسيد قائلا بثقة وهو ينتصب في جلسته على عرشه: -قريبا سينتهي شيروان، وسأقف على أنقاض مملكته!
ابتسم له عقاب نصف إبتسامة وهو يردف بجمود: -نعم يا أبي. وسأشهد معك على تلك اللحظة!
ضيق أسيد عينيه، ومال على ابنه وسأله بخفوت: -هل أعيننا تراقب أميرته؟
أجابه ابنه بهدوء دون أن تطرف عيناه القاسيتين: -نعم، ومازالت حبيسة المملكة.

أرجع السلطان أسيد ظهره للخلف، وتابع قائلا بجدية: -عما قريب سيضطر إلى تهريبها
حدق عقاب في الفراغ أمامه، وكز على أسنانه ليقول بشراسة: -نعم، وحينما يفعل هذا سيجدنا في إنتظارها
كور أسيد قبضته بقوة، وصاح بتلهف: -كم أنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر
إستدار عقاب برأسه ناحية والده، ورد عليه بتوعد صريح: -ستأتي يا أبي. ستأتي!

قضت آنيا لياليها المتبقية في مملكة والدها تبكي بحرقة على فراق من تحب.
رفضت أن تتناول الطعام أو أن تخرج للحديقة الخاصة بها أو حتى تمارس أنشطتها اليومية البسيطة، وإكتفت بالمكوث في فراشها تبكي وتنتحب لعل والدها يرأف بها ويستجيب لرغبتها في البقاء معه. ولكن دون جدوى.

صرخت بمرارة وهي تدفن رأسها في وسادتها الناعمة: -اتركيني لأموت، دعيني وشأني
توسلت لها مربيتها المخلصة فاليري من أجل أن تعتني بصحتها وتتناول الطعام قائلة بإستعطاف:
-مولاتي الأميرة، أنت تقضين على حياتك
صاحت بها آنيا بتشنج: -ابتعدي فاليري
اقتربت منها مربيتها، وانحنت للأمام قليلا، ومدت يدها بالصحن نحوها، ولامست ذراعها برقة بكفها الأخر وتوسلت بصوت عذب:
-تناولي فقط قدرا من هذا الحساء، إنه المفضل لديك.

دفعت آنيا الصحن بقوة بكف يدها، وألقت بمحتوياته على الأرضية وهي تصرخ بإهتياج: -لا أريده!
انتفضت فاليري فزعة في مكانها، وصاحت بخوف: -أوه
صرخت آنيا بصوت منفعل وهي تدفن وجهها بين راحتيها: -دعيني أموت، فلا أحد يهتم لرغباتي، أنا نكرة هنا
أسندت مربيتها كفها على كتفها، وربتت عليه بحنو وهي تتوسلها برجاء: -لا تقولي هذا، أنت الغالية على قلوبنا
أغمضت آنيا عينيها لتبكي بحسرة قائلة: -اتركيني لشأني!

هزت فاليري رأسها في أسف على الأميرة التي ذبل وجهها وزاد شحوبه، وتناقص وزنها بدرجة ملحوظة. وتورمت عينيها من كثرة البكاء، كما تشكلت الهالات السوداء أسفلهما.

تنهدت بعمق لتضيف بهمس: -أه يا بنيتي!
تابع قائد الجيش جاد نيجرفان أحوال آنيا بشغف واضح في نظراته.
ولم يكف عن سؤال فاليري عنها. وكانت الأخيرة تبلغه برفضها لكل مباهج الحياة، فينفطر قلبه أكثر حزنا عليها.

صاح بها بقوة وهو يصر على أسنانه: -أرغميها على تناول الطعام، لا تتركيها تستسلم للموت
ردت عليه بنبرة مرتجفة قائلة: -أنا أبذل قصاري جهدي معها، ولكنها ترفض
أضاف قائلا بإصرار وهو محدق بها بجمود: -أجبريها على الأكل، لا تدعيها أبدا
-سأحاول مجددا
رقق جاد من نبرته ليتابع بنعومة وهو ينظر لها بحنو: -فاليري، انت كأمها الملكة، اهتمي أكثر بها لأجلي.

ابتسمت له ابتسامة باهتة لتجيبه: -اطمئن هي أغلى ما عندي، وسأرعاها دائما
كذلك كان يمكث أسفل نافذتها المطلة على الحديقة الخاصة على أمل رؤيتها ولو للحظة. وحينما يتأخر الوقت يضطر أن يرحل متحسرا دون أن يملي عينيه منها.

القرار كان مجحفا، ولكنه من أجل سلامتها.

إزداد الحصار والهجوم على مملكة شيروان ضراوة، وباتت قاب قوسين أو أدنى من التعرض للإقتحام. فأمر ملكها بتهريب الأميرة فورا.

وبالفعل وضعت عربة ملكية عند نهاية السرداب السري. ووقف إلى جوارها عدد من الفرسان وعلى رأسهم قائد الجيش جاد نيجرفان والذي إنتقى بنفسه صفوة رجاله لحراستها طوال الطريق.

عاونت فاليري آنيا في إرتداء فستانها الحريري ذي اللون الزيتوني بعد أن ربطت المشد الصدري بإحكام حولها، ولم تبد الأخيرة أي مقاومة. فقد أتخذ القرار. ولا مجال للمجادلة أو الرجوع عنه...

وبحنو واضح مشطت لها فاليري شعرها الكستنائي وعقدته كعكة كبيرة، ثم وضعت على رأسها وشاحا حريريا من اللون الأبيض. وضغطت على كتفي الأميرة برفق، ومالت على أذنها لتهمس لها:
-سأرافقك غاليتي، لن تكوني بمفردك
نظرت لها آنيا بحزن عميق في عينيها، وقالت بخفوت: -لا أريد الرحيل، كيف أترك حياتي هنا وآآ...
-بنيتي!
قالها الملك شيروان بصوت أبوي حاني
جفلت آنيا من صوته، وأطرقت رأسها في إنكسار ولم تتحدث.

أشار الملك شيروان بيده للمربية لتفسح له المجال ليتحدث مع ابنته على إنفراد، فإمتثلت الأخيرة له، وأحنت جسدها قليلا احتراما له وهي تسير مبتعدة خارج الجناح الملكي.

وقف الملك شيروان خلف ابنته، وتنهد قائلا بحرارة: -أعرف أنك تبغضين الرحيل عن المملكة، لكنه من أجل حماية حياتك
إستدارت لتواجهه، وهمست بحنو وهي تتكأ برأسها على صدره: -حياتي بدونك يا أبي لا تساوي
ضمها والدها بعاطفة قوية بذراعيه، ومسح على رأسها، ثم أبعد وجهها قليلا، وأمسك بطرف ذقنها بإصبعيه، وتابع قائلا بصوت خشن:
-أعلم هذا، لكني لن أتحمل اعتداء أي أحد عليك.

تنهدت بعمق وهي ترمقه بنظراتها الراجية: -أبي. دعني أبقى إلى جوارك، أساندك وأقدم لك الدعم وأدافع مثلك عن المملكة، أليست هي بيتي؟ أليست حياتي هنا؟

أومأ برأسه موافقا، وبرر موقفه بجدية ب: -نعم، ولكن وجودك الآن خطر، ربما يقتلك أحدهم، أو يأسرك العدو
هزت رأسها معترضة، وهتفت بثقة اكتسبتها منه: -لن يحدث طالما أنا إلى جوارك، سأدافع عن المملكة مثلك، سأفديها بروحي وأحمي شعبي!

ابتسم لها إبتسامة باهتة، وأردف قائلا: -أقدر شعورك حبيبتي
زادت نبرة صوتها إصرارا وهي تقول: -ليس شعورا فقط، أنا قادرة على فعل هذا
زفر بضيق وهو يرخي ذراعه عنها، ثم إنتصب بكتفيه، وعقد كفيه للخلف، وتشدق قائلا بهدوء حذر:
-لأجلي بنيتي، لا تصعبي الأمر، فقط ارحلي الآن، وأعدك أن أعيدك للمملكة حينما تستقر الأوضاع!

هتفت بإصرار أشد وهي تتحرك لتواجهه: -أنا لا أريد الابتعاد
رمقها بنظرات جامدة، وتحول وجهه للصلابة فجأة، ثم صاح بصرامة مخيفة: -انتهى الأمر آنيا، سترحلين الآن
انتفض جسدها على إثر صوته، وابتلعت ريقها بخوف واضح، وهمست بإستعطاف: -ولكن، آآ.
وضع يده على كتفها، وضغطت عليه بأصابعه الغليظة، وأردف قائلا بجمود: -سأفتقدك كثيرا. انتبهي لنفسك!
اختنق صوتها، وتوسلته له وهي دامعة العينين: -أبي. لا تفعل بي هذا.

أدار الملك شيروان رأسه مبتعدا عن وحيدته، وصاح بصوت جهوري: -فاليري، فاليري
ركضت خلفه وهي تجرجر أذيال فستانها، وهتفت بصوت منتحب: -اصغ إلي يا أبي
ولجت المربية فاليري إلى داخل الجناح، وانحنت رهبة من الملك، وأخفضت رأسها قائلة بنبرة مرتجفة:
-أوامرك مولاي الملك!
أشار بإصبعه محدجا إياها بنظرات قاتمة: -اصطحبي الأميرة للخارج
ردت عليه بخفوت: -كما تشاء سيدي.

تابع قائلا ببرود، وكأنه شخص أخر: -سيرافقكما الحرس حتى العربة، وأنت فاليري احرصي على أمن وسلامة الأميرة
-لا تقلق مولاي.
ثم سلط أنظاره على ابنته ليختطف بعض اللحظات الأخيرة معها، ولكنها رمقته بنظرات معاتبة، فلم يتحملها هو، وأشاح بوجهه بعيدا عنها حتى لا ترى في عينيه ندمه على قراره القاسي، وكذلك تمزق روحه لإبتعاد فلذة كبده عنه.

بخطوات متثاقلة وبطيئة جرجرت فاليري أميرتها نحو السرداب السري، وسارت كلتاهما خلف بعض الحرس حتى وصل الجميع إلى نهايته.

كان القائد جاد نيجرفان يمتطي جواده، وحينما رأى حبيبته - والتي يعشقها في صمت – تظهر من الخلف، تهللت أساريره، وخفق قلبه طربا لرؤيتها. ولكنه صدم لحالة الشحوب والذبول التي آلت إليها.

ترجل عن جواده بخفة، واقترب منها، ثم أردف قائلا بصوت خشن: -كيف حالك أميرتي؟
نظرت له آنيا بحزن دفين، ولم تنبس بكلمة. وتوجهت نحو العربة الملكية لتركبها.

لحقت بها مربيتها فاليري، وركبت إلى جوارها، فأغلق أحد رجال الحراسة الباب.

أعتصر قلب جاد آلما على حزن أميرته و البادي بصورة جلية على جميع ملامحها وتصرفاتها التلقائية. وتنهد بحرقة تحمل الآسى. وحاول ألا يظهر اضطراب مشاعره أمام الجميع، ولكنه ظهر أكثر عصبية وإنفعالا مع فرسانه حينما صاح بهم:
-استعدوا للإنطلاق، لا أريد أي خطأ وإلا ستذبحون على نصل سيفي
-اطمئن سيدي القائد.

تابع قائلا بحدة وهو يشير بسيفه: -هيا. سننطلق من خلف المروج وعبر الغابة حتى نصل إلى البر الغربي، ومنه سنسير قرابة الشاطيء ونصعد أعلى الجبال.

-حسنا سيدي!
وضع سيفه في جرابه، ثم امتطى جواده بمهارة، ودار به قائلا: -كونوا على أهبة الإستعداد لأي شيء.
-كلنا مستعدون!

على الجانب الأخر، أرسلت إشارة سرية عبر الحمام الزاجل تعلن عن تحرك ركب الأميرة. فإستعد مقاتلي جيش السلطان أسيد للهجوم عليه.

دار عقاب بجواده، وصاح بقوة وهو يشهر سيفه للأعلى: -اقتلوهم جميعا بلا رحمة. فقد آن الآوان لوضع المسمار الأخير في نعش الملك شيروان!

ثم إلتفت برأسه للجانب وتابع بقوة مخيفة: -وأبلغوا مقاتلي السلطان بالهجوم فورا على أخر حصون المملكة.
-سمعا وطاعة أيها الأمير
لكز عقاب جواده بقدميه لينطلق بسرعة الريح للأمام، ولحق به مقاتليه، فقد تم نصب الشرك للإيقاع بالأميرة، وذبحها،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة