قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

تحرك ركب الأميرة في طريقه الوعر عبر الجبال ليصل إلى وجهته بأمان دون أن يتعرض لها أي أحد.

كان على رأس الركب قائد الجيش جاد نيجرفان، ورغم الصلابة البادية على وجهه، إلا أن قلبه كاد أن يقتلع من بين ضلوعه لفراقها.

ظل يأخذ أنفاسا عميقة ليحبس عبراته ويمنعها من الإنهمار. فهو كقائد – وكرجل – لا يليق به البكاء. ولكن من أجلها فقط هو على إستعداد تام لفعل أي شيء...

لكز جواده بخفة، وإلتفت برأسه لينظر نحو الفرسان الأشداء الذين تولوا تلك المهمة، وإنتقاهم بعناية، وهتف قائلا بصوت قاتم:
-الغابة على مسافة قريبة، استعدوا، فهناك يكمن الخطر
رد عليه أحدهم بثقة: -اطمئن سيدي جاد نيجرفان، فأعيننا تراقب المكان جيدا
رفع جاد رأسه عاليا، وأشار بيده وهو يأمر بصرامة: -أرسلوا الرماة أعلى تلك البقعة!
-حسنا سيدي.

أضاف قائلا بصوت متجهم: -تأكدوا من وجود أعين لنا تسبقنا بخطوات لتنبهنا في حال وجود فخ ما
-كما تريد
سلط جاد أنظاره على العربة لعله يختطف نظرة سريعة من أميرته الحسناء، ولكنه لم ير سوى المربية. فتنهد بيأس، وتابع متابعة حركة الجميع.

أسدلت فاليري الستائر على النافذة بعد أن تطلعت برأسها للخارج قليلا، ثم احتضنت بيدها كف الأميرة آنيا الملقى على حجرها، وتشدقت بحنو:
-القائد جاد يبذل ما في وسعه لحمايتك، حقا إنه من أكثر الفرسان إخلاصا للملك
ردت عليها آنيا بفتور: -لا يهمني الأمر
أخذت فاليري نفسا عميقا، وزفرته برفق قائلة: -أميرتي. أعلم أن الأمر صعب، ولكنها مشيئة الملك!

إحتقن وجهها أكثر وهي تردد بحدة: -مشيئة الملك، مشيئة الملك، اصمتي فاليري، لا أريد أن أسمع!
ثم سحبت كفها، وضمته إلى يدها الأخرى. وضغطت على أسنانها بعنف.
هزت فاليري رأسها حزنا عليها، وحاولت أن تلطف من الأجواء، فأردفت قائلة بهدوء حذر:
-مولاتي، أنت فقط مستاءة من قرار الملك، ولكنه حقا يحبك، وآآ...
قاطعتها آنيا بصوت غاضب وهي تحدجها بنظرات نارية
-كفى فاليري، أنا غير مهمة له. دعني وشأني.

ابتلعت ريقها بتوجس وهي تشير بكفيها: -حسنا. اهدئي مولاتي، لا داعي للإنفعال!
ساد الصمت بينهما لعدة دقائق، وظلت الأميرة آنيا محدقة بنافذتها الصغيرة. والعبرات متجمدة في عينيها الخضراوتين.

تنهدت فاليري بإحباط من أجلها، وغمغمت بحزن: -آه لو أستطيع أن أعيد إليك البسمة. ولكني مثلك عاجزة!

راقب أحد الرماة بمنظار مكبر الطريق المؤدي إلى الغابة، ثم إلتفت برأسه للخلف ليقول بهمس للمحارب المرابط خلفه:
-الطريق خالي سيدي
ربت المحارب على كتبه قائلا بصرامة: -استمر في مراقبته، وإن لمحت الركب أبلغني فورا
أومأ الأخير برأسه وهو يقول: -سمعا وطاعة
عاد المحارب إلى قائده الأمير عقاب، وأردف بجدية: -نحن في الإنتظار، لا جديد إلى الآن.

إلتوى فمه بإبتسامة قاسية وهو يرد عليه: -تريث، فجاد ليس بالغباء ليخاطر بحياة أميرته في العراء، لابد أنه سيسلك أحلك الطرق ليصل إلى هنا. أنا متيقن من حدسي.

تشدق المحارب بضجر وهو يشير بيده: -ولكن نحن ننتظر منذ ساعات بعد أن قتلنا رماته، وآآ...
قاطعه الأمير عقاب بإصرار: -حتى لو انتظرنا لأبد الدهر، فلن أتحرك قبل أن أعلق رأس الأميرة على نصل سيفي!

هز المحارب رأسه موافقا: -كما تريد سيدي
سأله عقاب بصوت قاتم وعينيه تنطقان شررا: -هل أخفيت جثث الرماة؟
ابتسم له وهو يجيبه بقسوة: -نعم. وكما ترى سيدي، فالكل يرتد زي فرسان الملك شيروان
وضع الأمير عقاب يده على كتفه، وضغط عليه قائلا بمكر: -هذا جيد، فالحرب خدعة!

مرت عدة ساعات والركب قد انتقل من الطريق الوعر بين الجبال إلى طريق ممهد عبر وادي الظلام – كما يطلق عليه – ليتجه منه إلى الغابة.

انتبهت حواس القائد جاد نيجرفان بشدة، فالمنطقة المقبل عليها مكشوفة، ويسهل على الرماة قنص فرسانه منها. وهو يريد تجنب أي فرصة للإعتداء على الركب.

تحرك بجواده للأمام، وأمر أحد فرسانه بصوت متصلب: -انتبه جيدا، ولا تدع أي شاردة أو واردة تمر دون أن تتوخى حذر منها
أجابه الفارس بثقة: -لا تقلق سيدي جاد، لقد أرسلت أعيني منذ برهة، والوضع مستقر وهاديء
عبس القائد جاد بوجهه محذرا بحدة: -لا تنخدع بهذا الهدوء، فربما يسبق العاصفة
-حسنا.
سأله مجددا وهو يرفع بصره عاليا: -هل وضعت رماة أعلى تلك التلة؟
-نعم.

أخذ جاد نفسا عميقا، وزفره متسائلا بصرامة: -هل تأكدت بنفسك؟
توترت الفارس وهو يجيبه: -لا، ولكني أرسلت آآ...
قاطعه جاد بنبرة شرسة وهو يحدجه بنظراته النارية القاتلة: -اذهب وتأكد فورا
هز رأسه إيجابا: -حسنا سيدي القائد
ثم لكز جواده، وانطلق به في إتجاه التلة. وتابعه القائد جاد نيجرفان بعينيه، فقلبه ينبئه بأن هناك شيء ما خاطيء.

أمسكت فاليري بسلة الطعام، وانتقت منها قطعة خبر طازجة، ثم رسمت على ثغرها ابتسامة ناعمة وهي تقول:
- أتريدين تناول تلك القطعة؟ لقد خبزتها من أجلك أميرتي!
نفخت آنيا بإنزعاج مجيبة إياه ب: -فاليري، لا أريد أي شيء!
هتفت مربيتها قائلة بإصرار: -ولكنك لم تأكلي منذ فترة، وأخشى عليك آآ.
قاطعتها بصوت محتد يحمل التوبيخ: -لا أريد، ألا تسمعين!

أطرقت فاليري رأسها في حزن، وقالت بصوت شبه مختنق: -لا تغضبي مني أميرتي، أنا فقط خائفة عليك
شعرت آنيا بتأنيب الضمير عقب عبارتها اللاذعة معها، لذا وضعت يدها على ذراعها، وضغطت عليه برقة وهي تتنهد بآسى:
-سامحيني فاليري، أنا في مزاج سيء
هزت فاليري رأسها في تفهم قائلة: -أعلم هذا، وأقدر مشاعرك
رسمت آنيا على شفتيها إبتسامة زائفة، وهمست بنعومة: -حينما أجوع سأخبرك، ولكن لا شهية لي بأي طعام الآن، اتفقنا!

وضعت فاليري قبضة يدها على يد الأميرة، ورمشت بعينيها قائلة: -حسنا
تنهدت آنيا بعمق، وابتلعت غصة مريرة في حلقها، ثم أشاحت بوجهها مجددا لتنظر عبر النافذة الصغيرة. وزاد لمعان عينيها بعبراتها. وقاومت رغبتها في البكاء.

في حين راقبتها فاليري بحسرة وأسف. وأعادت الخبز في مكانه بالسلة...

ركض الرامي في إتجاه محاربي جيش السلطان أسيد قائلا بصوت لاهث: -أحد فرسان الملك شيروان يقترب
رد عليه المقاتل بإبتسامة شيطانية: -حسنا! عد أدراجك واختبيء
ثم أشار للأمير عقاب بإشارة بإصبعيه ففهمها الأخير على الفور، وصاح بلهجة آمرة تحمل القوة:
-اختبئوا في أماكنكم، لقد حانت اللحظة
وبالفعل امتثل المقاتلين لأوامر قائدهم وأميرهم، تواروا عن الأنظار.

في نفس التوقيت وصل الفارس إلى أعلى التلة، وتلفت حوله بحذر ليتأكد من وجود الرماة التابعين له في أماكنهم، ولكنه لم يجد أيهم. فتوجس خيفة. وترجل عن جواده، ثم أشهر سيفه، وسار بحذر.

وفجأة اخترق درعه سهم قاتل جعله يشهق بصدمة.
وقبل أن يسقط صريعا صاح بأخر أنفاسه: -إنها مكيدة!
إلتقط صراخه آذان الفرسان بالأسفل، فدب هرج ومرج للحظة بين صفوفهم، ولكن انتفض القائد جاد نيجرفان بجواده عاليا ليصيح بإستبسال:
-الكل يستعد. ستبدأ المعركة الآن!
دب الرعب في قلب فاليري، بينما انكمشت الأميرة آنيا في جلستها، وتسائلت بخوف: -م. ما الذي يحدث؟

ردت عليها فاليري بنبرة مرتجفة وهي تضمها إلى صدرها لتحميها: -لا أعلم أميرتي
حاولت آنيا أن تبتعد عن أحضانها لتقول بصوت خائف: -سأتطلع من النافذة لأرى آآ...
قاطعتها مربيتها بفزع واضح في نبرتها: -لا. ابتعدي عنها كي لا يصيبك سهم ما
ثم شعرت الاثنتين بزيادة سرعة العربة، وإستمعتا إلى صوت القائد جاد صائحا:
-اتجهوا إلى الغابة، احتموا بالأشجار.

خفق قلب آنيا بشدة، وحدقت في فاليري بنظرات فزعة، ثم تشدقت بهلع: -هل كان والدي على حق؟ أنا. أنا مستهدفة!
لقد هربت شجاعتها الزائفة مع صهيل الخيول، وصياح الفرسان بالخارج.
أدركت أنها أضعف من ادعائها للقوة والحزن. هي لم تعتد على تلك المشاهد في حياتها، ولم ترى بعينيها. واليوم هي تقف في وسطها. وحياتها على المحك...

انتفضت كلتاهما في المقعد بعد إرتطام العربة بصخرة ما، فشهقت فاليري بصوت مرتعد:
-لطفا يا الله!
سمعت كلتاهما صوتا يأتي من الخارج قائلا بصراخ: -احموا العربة!
بينما أضاف أخر: -احذروا السهام، إنها مسمومة!
زادت إرتجافة فاليري، وضمت آنيا أكثر بذراعيها، وغمغمت بفزع: -إنها خيانة، لابد أن هذا ما حدث!
ردت عليها آنيا بتوتر: -لن ننجو. لن ننجو!

أحاطتها فاليري بذراعيها أكثر لتبث إليها الطمأنينة، وهمست بخفوت: -لا تخافي مولاتي، فالقائد جاد نيجرفان معنا، وسيفديكي بروحه
ترقرقت العبرات في عينيها، وأردفت قائلة بصوت مختنق ومتقطع: -لقد ظننت السوء بوالدي، واعتقدت أنها مزحة، ولكنه كان محقا. هل. هل سيغفر لي أبي؟

ردت عليها بغصة: -نعم هو يحبك، وسيسامحك!
استمعت كلتاهما إلى صوت صليل السيوف، وصراخ المقاتلين، فصرخت آنيا بفزع: -أنا خائفة!
مسدت فاليري على شعرها، وهتفت بنبرة شبه هادئة: -اهدئي، لا داعي للذعر، سننجو من هذا.

وفجأة اخترق سهم مشتعل النافذة، فأشعل النيران بالستائر الزيتونية، فصرخت آنيا بفزع، وتراجعت مبتعدة للخلف، بينما كافحت فاليري لإنتزاع الستائر دون أن تحترق يدها. ولكنها فشل، فألقت بالمياه الموضوعة بسلة الطعام عليها لإخمادها.

احتدم القتال بالخارج، وقاتل القائد جاد نيجرفان بشراسة كل من حاول أن يقترب من العربة.

فقطع الرؤوس، ودك الأعناق، وذبح بلا رحمة محاربي السلطان أسيد.
ما لم يتوقع حدوثه هو استخدامهم للسهام المشتعلة بالنيران، وكذلك المسمومة للتخلص من فرسانه، فهتف أحد فرسانه بتوجس:
-أخشى أن نقتل مسموين، وليس بحد السيف!
رد عليه بغلظة وهو يكز على أسنانه: -لا تتفوه بهذا، فقط احمي نفسك والعربة.

ضاق الخناق على جاد نيجرفان، وتكالب عليه المحاربين، واقتربوا من ركبه، فأدرك خطورة الأمر، فتراجع بجواده نحو العربة، وصاح بقلق:
-أميرتي، هل تسمعيني؟
اقتربت آنيا من النافذة، وهتفت بنبرة مرتجفة: -نعم
رمقها بنظرات جادة وهو يضيف بجمود: -اريدك أن تفعلي ما أمرك به، أتسمعين؟
دبت رعشة قوية في أوصالها، وابتعلت ريقها متسائلة برعب: -م. ماذا تريد؟

تلفت حوله، ومن ثم سلط أنظاره عليها ليتابع بجدية بالغة وهو يشير بعينيه: -ليس هناك وقت كاف، عند المنعطف القادم اقفزي من العربة، واختبئي خلف تلك الشجيرات، وسأبتعد أنا بالعربة وأضلل محاربي أسيد، وبعدها سأعود من أجلك.

نظرت إلى حيث أشار، وردت عليه بصوت مرتعد: -ولكني خائفة
أسند يده على العربة الراكضة، وابتلع بمرارة تلك الغصة العالقة بحلقه، فهو يخشى فقدانها، وخسارتها للأبد. والأمل الوحيد في نجاتها هو بتضليل أعدائه. لذا أخذ نفسا عميقا، وزفره على عجالة، وأردف قائلا بقوة ليبث في روحها المذعورة الثقة:
-لا تخافي غاليتي، ستكونين بأمان هناك.

تشبثت آنيا بأصابعها المرتعشة بفتحة النافذة، وحدقت في قائدها بخوف واضح في عينيها. وأضافت بنبرة متلعثمة:
-ربما. ربما أضل طريقي، أو. أو لا تجدني فيها، بالغابة دروب كثيرة!
رمقها بنظرات عاشقة، وهتف لها بصوت حازم: -سأعثر عليك، وأعيدك إلي، لا تقلقي
رغم القوة البادية في كلماته إلا أنه كان في أشد حالته ضعفا، هو يحثها على تركه بالرغم من رفضه لهذا الحل الجبري.

هزت آنيا رأسها معترضة لتقول بهمس: -أنا. أنا لا أستطيع
حدجها بنظرات قوية، وصاح بها بعزيمة: -بلى تستطيعين، من أجلي ومن أجل أبيك الملك، اقفزي
لمعت عينيها بشدة، واختنق صوتها وهي تسأله بتوسل: -ستعود جاد؟ حقا ستعود من أجلي؟
تلمس بأصابعه الخشنة أصابعها الناعمة، وضغط عليهم قليلا ليشعرها بوجوده معها أينما كانت، ورد عليها بصوت رخيم رامقا إياها بنظرات عميقة:
-نعم، أعاهدك أن أعود،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة