قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الأول

إشتد وطيس المعركة، وإحتدم القتال بصورة مميتة، وإرتفع صوت صهيل الخيول وصليل السيوف وهي تتلاحم معا. كما تناثرت الأغبرة حول الجميع، فبدى المشهد حادا للغاية.

وقف هو بين الجميع على ظهر جواده – وقدميه تركلان في الهواء - ليصيح بصوت هادر ومرعب:
-لا تتركوا لهم الفرصة، أبيدهم عن بكرة أبيهم، وارفعوا راية النصر للملك شيروان.

أجابه أحد الفرسان المحاربين إلى جواره: -سمعا وطاعة سيدي جاد!
ثم لكز جواده بقدمه لينطلق مخترقا صفوف المقاتلين ليفتك بهم دون رحمة...
إرتسم على ثغر جاد – القائد الأعلى لجيش الملك شيروان – إبتسامة إنتصار جلية بعد أن تمكن من حصار أحد أهم معاقل عدوهم الأول.

ولكن سريعا ما تلاشت تلك الإبتسامة حينما وجد تلك الأعين الثاقبة تحدجه بنظرات شيطانية، فأخذ نفسا عميقا، وحبسه في صدره، ثم كز على أسنانه بقوة، وصاح بصوت هادر:
-سأقتلك يا بن أسيد، سأريق دم فرد أخر منكم!
ثم شهر سيفه عاليا، وإنطلق بجواده نحوه. وبدأ في مقاتلته بشراسة واضحة.

على مدار عقود كانت المعارك دائرة بين أشد الممالك قوة وعظمة للظفر بتلك الأراضي الخصبة وضمها إلى نطاقها لزيادة مساحتها، وفرض سطوتها على شعبها البسيط، والتنعم بخيراتها. وعلى إثر تلك الحروب الحامية إنهارت ممالك بتدميرها وتحول شعبها لأسرى وعبيد. ومحيت ممالك أخرى من على وجه الأرض. حتى إنحصر القتال بين مملكة الملك شيروان ديجوار، ومملكة السلطان أسيد الغازي. وتناوب الإثنين القتال لإحتلال تلك البقعة المتبقية. ولم يتمكن أحدهما من ضمها كاملة إلى مملكته.

وإمتدت الحرب بينهما لسنوات. وعلى أثرها خسر السلطان أسيد ولده الأكبر ساري، وتولى بعده قيادة الجيش الابن الأوسط غازي الذي كان بارعا في فنون القتال، ولكنه لم يكن بمهارة قائد جيوش الملك شيروان. ذلك الفارس المحارب الذي يدعى جاد نيجرفان، والذي فنى عمره في الحفاظ على تلك المملكة من أي معتد غادر، فإعتبره الملك شيروان إبنه الذي لم يلده. وتعهد له بتزويجه ابنته الوحيدة – آنيا - حينما تصل إلى ذروة الشباب ليضمن بقاء المملكة موحدة وتحت حكم قوي. ووعده جاد بقتل أشد أعدائه خصومة، والإتيان برؤوسهم أسفل قدمي ملكه حتى ينتهي منهم جميعا. وأوشك على تحقيق هذا.

ترجل جاد عن صهوة جواده، ووقف يرمق غازي بنظرات قاتلة، ثم إلتوى فمه بإبتسامة شرسة وهو يقول:
-أرني مهاراتك يا بن أسيد
حدجه غازي بنظرات أشد قساوة وهتف قائلا بحدة: -أنت لم تجربني بعد!
رد عليه جاد بقوة متحديا إياه: -ستلحق بأخيك، نصل سيفي مشتاق لعنقك!

ثم هجم عليه بشراسة، وضربه بسيفه في مواضع عدة، ولكن تصدى له الأخير بكل ما أوتي من قوة، ولكن باغته جاد بضربة حادة أوقعته على الرمال. فتراجع خطوة للخلف ليتابع بجموح:
-حتى وإن قتلتني، فسينتقم أخي لنا
سلط جاد أنظاره الثاقبة عليه ليجيبه بصوت واثق: -سأذبحه هو الأخر بنفس النصل!
ثم رفع سيفه عاليا وهوى به على صدر غازي فصرخ الأخير بصوت حاد: -عقاب، خذ بثأر أخيك!

وقام جاد بعدها بذبحه من عنقه لتنهمر دمائه بغزارة ملطخة الرمال بحمرتها الداكنة. وهدر قائلا بصوت جهوري:
-قتل أميركم بحد سيفي، والبقية ستأتي على يدي، لن أرحم أتباع مملكة الغازي، سأتي برؤوسهم جميعا، فأنا جاد نيجرفان قائد جيوش الملك شيروان!

إنتبه من حوله لما حدث، فصاح أحد الفرسان بصوت مرتفع: -قتل الأمير غازي، قتله قائد الجيش جاد نيجرفان
إنتشر الخبر بين صفوف الجيش، وحدث الإضطراب بين المقاتلين، فإستغل محاربي جيش الملك شيروان الفرصة، وضيقوا الخناق على مقاتلي السلطان أسيد، وحاربوهم بضراوة، وأوقعوا منهم الكثيرين. فأصدر قائد الجناح الأيسر لجيش السلطان أسيد أمرا بالإنسحاب فورا لحمايه مقاتليه...

فهتف جاد قائلا بإصرار شرس وهو يشير بسيفه للأمام: -اقتلوهم، وطاردوا من فر منهم في أعالي الجبال!

على الجانب الأخر، صدح صوت ضحكاتها الرقيقة والعابثة وهي تلقي بقطرات المياه الدافئة في وجه مربيتها فاليري التي تفرك ظهرها البض بذلك السائل المنعش، فتلوت بجسدها محاولة تجنب لمساتها وهتفت قائلة بنعومة:
-كفى!
أزاحت فاليري خصلات شعرها الذهبية لجانب ظهرها، وقالت بجدية: -أوه آنستي آنيا، لا تتحركي!
إنكمشت بجسدها أكثر إثر لمستها، وعبثت قائلة: -فاليري! جسدي يؤلمني، لا حاجة لك لدعكه بخشونة!

إبتسمت لها وهي تجيبها بصوت هاديء: -هناك بقعة متسخة لابد أن أنظفها
ردت عليها آنيا بتذمر وهي عابسة الوجه: -أوه، كل يوم تجدين تلك البقع، لماذا أشعر وكأني تسلخين جلدي!
مالت فاليري برأسها للجانب لترمقها بنظرات حانية وهي تتابع بخفوت: -صغيرتي، أنت أميرة ولابد أن تكوني جميلة
زمت آنيا شفتيها الصغيرتين وهزت كتفيها قائلة بإعتراض: -لا داعي للإستحمام لأبدو هكذا.

إبتسمت لها فاليري لتقول بهدوء: -أعلم صغيرتي، ولكن لتزداد بشرتك إشراقا
ثم استمرت في فرك جسدها رغم تذمرها، فألقت آنيا بالمياه مجددا للخلف وهي تضحك بدلال مثير...

فإبتسمت الخادمات الأخريات المتواجدات بالمرحاض الملكي، وتبادلن النظرات الخجلة. ثم أشارت فاليري بعينيها لإحداهن لتحضرن المنشفة الواسعة، ثم فردتها أمام المغطس لتقول بصوت شبه آمر:
-هيا أميرتي قبل أن تمرضين!

إستندت آنيا بكفيها على حافة المغطس، ونهضت بحذر لتقوم الخادمة بلف جسدها به. بينما أمسكت هي بخصلات شعرها الكستنائي المبتلة، ووضعتها على كتفها الأيمن. وتنهدت بحرارة. ثم رمقت فاليري بنظرات آسرة من عينيها الخضراوتين وأردفت قائلة برقة:
-أحبك فاليري، فأنت تذكريني بوالدتي الراحلة
مسحت فاليري على وجنتها بنعومة، وأضافت قائلة بصوت أمومي حاني: -وأنا كذلك صغيرتي!

ثم أخفضت رأسها لتتابع بصوت حزين: -فالملكة صوفيا أخذت قطعة من قلبي بوفاتها!
أمسكت آنيا بكفها، وضغطت عليه بأصابعها الرقيقة وسألتها بخفوت: -وماذا عني؟
إبتسمت لها قائلة وهي ترمقها بنظراتها المتفحصة
-أنت تملكين القطعة الأخرى أميرتي!

آنيا. تلك الشقراء الجميلة ذات الثماني عشر ربيعا هي الابنة الوحيدة للملك شيروان. والتي توفيت والدتها الملكة صوفيا قبل عدة سنوات لتتركها لأبيها ليرعاها بمفرده، فأولاها الإهتمام الأول والأكبر في حياته. وقامت المربية فاليري - خادمة والدتها - بتربيتها كما كانت تتمنى ملكتها الراحلة.

ورثت آنيا عن والدتها أغلب ملامحها الجميلة. العينين الخضراوتين، والشعر الأشقر الناعم كأمواج البحر، والبشرة البضة الناعمة. والشفتين الدقيقتين. والأنف المحدد ملامحه، والعنق المثير. والجسد الممشوق، والخصر الرفيع...

أما عن أبيها فورثت إحدى أهم صفاته العند والكبرياء.
لم تختبر آنيا مشاعر الحب من قبل، ولكنها كانت متعلقة بأبيها الملك شيروان بدرجة كبيرة. فهو كل عائلتها، ومن بعده مربيتها فاليري.

وكانت على إستعداد تام لفعل ما يأمرها به دون تردد.
ولكنها لم تعلم بمسألة التخطيط لتزويجها من قائد جيوشه جاد، و الذي يكبرها بخمسة عشر عاما، حيث تكتم الملك شيروان على هذا الأمر جيدا حتى يتأكد من التخلص من جميع أعدائه، فيضمن حماية مملكته من بعده وكذلك إبنته الغالية.

على أعلى تلك التلة، راقب أحد الحراس ذلك الفارس الذي أتى راكضا من على بعد في إتجاه القلعة الحصينة.

-افتحوا البوابات!
قالها أحد الفرسان بصوت جهوري قوي وهو يركض بجواده في إتجاه القلعة الرمادية الشامخة التي بنيت على أعلى قمم الجبال، وتحصنت بسور صخري طبيعي، وكذلك سور مبني ليضمن حمايتها من أشد وأخطر الأعداء.

إلتفت الحارس إلى زميله، ودقق النظر في هوية ذلك الفارس، ثم هتف بصوت جاد بعد أن رأى شعار الأفعى محفور على درعه المعدني، وكذلك مقدمة كتفه:
-ادخلوه، هو من فرسان السلطان!
ولج الفارس إلى داخل القلعة الحصينة، ثم ترجل من على جواده، وتسائل بتلهف: -أين السلطان أسيد؟
أجابه أحد الحرس بنبرة جدية: -إنه في ساحة التدريب على القتال مع الأمير عقاب!

ركض الفارس مسرعا في إتجاه الساحة، فرأى السلطان يجلس على عرشه ويتابع ذلك القتال الدموي الشرس بإعجاب شديد. فإتجه نحوه، ثم إنحنى خنوعا له، وجثى على ركبته وقال بصوت لاهث:
-مولاي السلطان
أشار له السلطان أسيد بإصبعه لينهض عن الأرضية، وسأله بجمود وهو يتفرس ملامحه:
-ما الأمر؟
إبتلع الفارس ريقه، وأطرق رأسه للأسفل في حزن، ثم أجابه بصوت متقطع: -لقد. لقد جئت لأبلغك ب. آآآ...

قاطعه السلطان أسيد بنفاذ صبر متسائلا: -تكلم يا هذا! ماذا تريد؟
أجفل الفارس عينيه، ورد عليه بصوت حزين: -لقد قتل الأمير غازي يا مولاي!
جحظ السلطان أسيد بعينيه في صدمة، وهب واقفا عن عرشه، ثم هتف قائلا بصوت محتد بعد أن أمسك به من تلابيبه:
-ماذا تقول؟
لم يرفع الفارس عينيه عن الأرض، وتابع قائلا بخزي: -ذبحه جاد نيجرفان في المعركة، وخسر جنودنا تلك الجولة.

دفعه السلطان أسيد بقوة للخلف، وترنح جسده للحظة، ثم ألقى بجسده على العرش، وأردف قائلا بحسرة:
-قتل ولدي الثاني على يد شيروان، قتل ولدي الثاني ولم أخذ بثأر أخيه البكري!
ثم إلتفت برأسه للجانب، وصاح بصوت مخيف: -عقاب، قتل أخيك الأمير غازي!
توقف القتال في الساحة، وساد صمت رهيب في أرجاء المكان، وتعلقت الأعين كلها بذلك الشاب الفتي ذو الجسد القوي والبشرة القمحية، والأكتاف العريضة، والعضلات البارزة من عضديه.

إستدار عقاب برأسه ببطء ناحية والده السلطان، وإلتصق بوجهه المتعرق خصلات شعره السوداء، وكادت عينيه البنيتين تخرجان من محجريهما بعد أن سمع تلك العبارة الأخيرة...

رأى الجميع في نظراته شرا مستطرا. وبدى مخيفا وهو يصر على أسنانه البيضاء بشراسة...

ثم هتف قائلا بقوة أجفلت القلوب وأرعبتها وهو يكور قبضته في الهواء: -لن أترك فيهم شخصا إلا وإقتلعت قلبه بيدي تلك!
ثم سلط أنظاره المميتة على والده، وتابع قائلا بتهديد صريح: -هذا وعد مني أبي السلطان، سأنتقم لأخوي، وأمحو مملكة شيروان عن تلك الأرض، فأنا الأمير عقاب ابن السلطان أسيد، ولست كغيري، فأنا لن أرتاح حتى أتذوق دمائهم الحارة في فمي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة