قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

إلتف قادة كتائب الجيش حول المائدة المستديرة، وحدقوا بقائدهم الأعلى الأمير عقاب الذي كان لايزال صامتا بعد أن تولى بنفسه دفن جثمان أخيه، ولكن من يمعن النظر في قسمات وجهه يتمكن من قراءة عمق الشر الذي ينتوي فعله بمن قتله.

رفع عقاب وجهه للأعلى، وحدج الواقفين بنظرات حادة وهو ينطق بصوته الآجش مشيرا بحد سيفه نحو خريطة ما:
-هذه هي حدود مملكة شيروان، وأنا أريدها لي!
هز أحد قادته رأسه متسائلا بجدية: -بماذا تأمرنا مولاي؟
بينما أضاف أخر بصوت قوي: -نحن قادة جيشك، وفي إنتظار تعليماتك!

هتف عقاب قائلا بصوت صارم وهو يشير بسيفه: -دمروا الأخضر واليابس، لا تتركوا منزلا إلا وهدم على رؤوس أصحابه. أريد أن يعرف الجميع بجحيم الأمير عقاب.

سأله أحدهم بفضول ب: -وماذا عن النساء والأطفال؟
أجابه بصوت قاتم وهو يرمقه بنظرات ساخطة: -خذوهم أسرى وجواري وعبيد، وبيعوهم في الأسواق، فمقتل الأمير غازي لن يمر مرور الكرام!

ثم حدق أمامه في الفراغ، وتابع قائلا بصرامة: -فمن يعبث مع عائلة السلطان أسيد يستحق الموت!
هز رأسه موافقا وهو يجيبه بجمود: -كما تشاء سيدي
ثم وقف القادة بإنتباه له، وأدوا له التحية العسكرية، وإنصرفوا واحدا تلو الأخر.

نظر السلطان أسيد إلى ابنه بإعجاب جلي. ثم هتف قائلا بتفاخر: -عقاب!
إستدار هو برأسه نحوه، وعبس بوجهه وهو يجيبه بإيجاز: -مولاي السلطان
اقترب منه أسيد، ووضع يده على كتفه، وسأله بإهتمام: -هل فكرت في خطة الحرب؟
رد عليه دون تردد ب: -نعم، وسأبدأ فيها فورا
رمقه والده بنظرات حادة وهو يأمره قائلا: -لا تدعهم يفرون بعد الذي اقترفوه في حق أخيك.

رفع عقاب سيفه للأعلى، وأجاب بنبرة شرسة: -سأذبحهم على حد نصلي يا أبي، سأجعل شيروان يأتي راكعا إليك طالبا السماح، وعندها سأقتلع رأسه، وألقي بها في النهر لتأكلها الأسماك!

ضغط السلطان أسيد على كتف ابنه، ونظر له بنظرات حزينة، وأضاف قائلا بجدية: -لم يتبق لي إلا أنت يا عقاب!
رد عليه عقاب بثقة دون أن تطرف عينيه القاتمتين: -لست كإخوتي مولاي، فلا تخشى علي، أنا والموت رفاق!
إبتسم له إبتسامة باهتة وهو يتابع قائلا: -أعلم هذا جيدا، فقد كنت أبعدك عن أمور الحرب لأني أعرف مدى قسوتك فيها، وأنك لن ترحم من يقع في قبضتك!

كز عقاب على أسنانه بقوة، وأردف قائلا بجموح: -أنا جحيمهم المنتظر يا أبي، سأنتقم وأقتل حتى تهدأ دمائي الثائرة!
أومأ أسيد برأسه موافقا، ثم تحرك خطوة للأمام. وتشدق ب: -ليس لشيروان أي ابناء، فقط ابنته الوحيدة، أميرته!
رد عليه عقاب بصوت متوعد بعد أن سلط أنظاره المميتة عليه: -ستبكي دما على أبيها، أعدك يا مولاي!

إستدار السلطان أسيد برأسه نحوه، وسأله بصوت شبه محتد: -وماذا ستفعل بقائد جيشه البغيض جاد نيجرفان، ذاك الذي ذبح أخويك غازي وساري؟

هتف عقاب قائلا بنبرة تهديد وهو يشير بيده: -سأعلق رأسه على باب قلعة شيروان قبل أن أجلس على عرش ملكها!
إلتوى فمه بإبتسامة مغترة، وهز رأسه وهو يقول: -أنت حقا ابن أسيد!
إستشاطت عينيه أكثر ببريق مرعب، وأردف قائلا بقوة: -نعم فأنا ابن السلطان الأصغر عقاب!

حك الملك شيروان طرف ذقنه، ثم رفع بصره في إتجاه قائد جيشه، وتشدق ب: -أخشى أن تسوء الأمور، فعقاب ليس كإخوته!
إنتصب جاد بجسده، ورد عليه بثقة بالغة: -لا تقلق مولاي الملك، سيلحق بأقرانه قريبا
أشار له الملك شيروان بإصبعه محذرا: -لا تستهين به! فالأخبار تنبؤنا بما لا يحمد عقباه
تقوس فم جاد بإبتسامة متغطرسة، وتابع قائلا بزهو وهو يضع يده على مقبض سيفه:
-مولاي، هو مجرد رأس أخرى ستذبح بسيفي.

تنهد الملك شيروان بإنهاك وهو يضيف: -أكثر ما يزعجني، أني أعرف القليل عنه، لم يشترك في أي معركة من قبل، ولكنه كان يتولى تدريب أمهر المقاتلين، وأنت رأيتهم بعينيك!

لوح جاد بيده قائلا بجدية: -محاربي مملكتنا قادرين على دحر أي معتد
هز الملك شيروان رأسه وهتف بحسم: -خذ حذرك، وأمن حدود المملكة جيدا!
أجابه دون تأخير وهو يحني رأسه بخنوع له: -سمعا وطاعة
ثم رفع عينيه للأعلى، وتفرس في ملامح وجه الملك، وأردف قائلا بتردد: -آآ، مولاي
سأله شيروان بإهتمام وهو يتطلع إليه: -ما الأمر؟
تنحنح بصوت خشن ثم رد عليه بهدوء حذر: -أريد أن. أن أرى الأميرة آنيا، فهل تسمح لي؟

أخذ الملك شيروان نفسا عميقا، وزفره على عجالة، وهتف قائلا على مضض: -جاد، لقد وعدتك من قبل أن أزوجها لك، ولكنك ترى الظروف الآن!
نظر إليه برجاء وهو يتابع بنبرة مصرة: -مولاي! أنا أطلب فقط رؤيتها
تنهد في إحباط، ولوح له بيده قائلا بضيق: -حسنا، ولكن لا تلمح لها بشيء
إبتسم قليلا وهو يجيبه بإمتنان: -أمرك مولاي الملك!
ثم أولاه ظهره، وإنصرف وعلى ثغره إبتسامة عريضة تظهر فقط مع ذكر اسمها...

وقفت آنيا أمام المرآة تتأمل حالها، وبدى وجهها متشنجا للغاية، وفغرت شفتيها للأسفل بطريقة مرعبة، وهتفت قائلة بصوت مختنق:
-كفى فاليري، سأختنق!
جذبت فاليري الأربطة الخاصة بالمشد الصدري على أشدها، وحاولت عقدهم معا، ثم مالت برأسها للجانب لتنظر إلى إنعكاس صورة آنيا في المرآة، و أجابتها بصوت شبه متشنج وهي تعض على شفتيها:.

-أميرتي آنيا، لابد أن يكون المشد على أخره، مازال هناك مساحة صغيرة، سأجذبها وأعقد الأنشوطة.

شهقت آنيا بصوت مرتفع ب: -لا أستطيع التنفس فاليري، من فضلك أرخيه قليلا
هزت فاليري رأسها معترضة وهي تهتف بإصرار: -أوه، لا يمكن، وإلا سيفسد تصميم الفستان
ردت عليها آنيا بتذمر وهي تضع يديها على صدرها: -بل أنا من تفسد أنفاسي. آه، ليتني أرتاح منه
تنفست فاليري الصعداء بعدما تمكنت من عقد الأنشوطة، وإرتسم على ثغرها إبتسامة إرتياح وهي تهتف ب:
-حسنا، لقد إنتهيت!
زفرت آنيا من الضيق وهي تقول: -أووف، أخيرا.

إستدارت فاليري برأسها للخلف، وفرقعت بإصبعيها في الهواء، وصاحت بصوت آمر: -يا خادمة، أحضري فستان الأميرة
أسرعت الخادمة نحوها، ومدت يديها بفستان حريري مطوي من اللون البني الماهوجني. وقالت وهي مطرقة الرأس:
-إنه هنا، تفضلي!
تناولته منها فاليري، ثم قامت بفرده، وإبتسمت وهي تردف ب: -مولاتي، إرتديه من فضلك
نظرت آنيا إلى الفستان بإنبهار جلي في حدقتيها الخضراوتين. وفغرت شفتيها للأسفل قائلة بإعجاب:.

-أوه، كم هو رائع بحق!
ثم تلمسته بأصابعها الرقيقة، ووضعته على وجنتها لتشعر بملمسه الناعم عليها.
أضافت فاليري بإبتسامة: -إنه من الحرير الطبيعي، لقد أحضره الملك خصيصا لك
هزت آنيا رأسها بسعادة، وردت بحماس: -نعم. أعلم هذا، كم أحب والدي كثيرا
ثم أحتضنت الفستان بذراعيها، وتمايلت بجسدها في مرح. فوضعت المربية فاليري كفيها على كتفي الأميرة، وأدارتها بخفة للخلف، وتشدقت بصوت هاديء:
-وهو يعشقك أميرتي.

ثم قامت فاليري برفع الفستان للأعلى، وألبسته للأميرة، وتأكدت من تناسق أطرافه البيضاء المنكمشة مع طرفي كتفيها. ثم عقدت شريطيه للخلف، وجذبته لأسفل خصرها ليبرز تناسق جسدها المشدود. فبدت رائعة الجمال.

حدقت آنيا في نفسها في المرآة، وتغنجت بجسدها في سعادة، ومدت يدها لتلتقط المشط، وصاحت بحماس:
-سأمشط شعري بنفسي!
جذبته منها فاليري، وهتفت بإعتراض وهي عابسة الوجه: -لن يحدث. أنا موجودة هنا لأفعل عنك كل شيء
قطبت آنيا جبينها بشدة، ومطت فمها لتهتف بتذمر: -فاليري، أتركي لي مساحة من الحرية
وضعت فاليري إصبعيها على طرف ذقن الأميرة، وهمست لها بحنو: -في بيت أميرك سأتركك.

أمسكت آنيا بكفها، ونظرت لها برومانسية، وأجابتها بإحتجاج: -لا لن تتركيني!
ثم ضمتها إلى صدرها، فلفت المربية فاليري ذراعيها حولها، وتابعت قائلة بجدية: -سأخذك معي فاليري!
إبتسمت لها فاليري وهي تبتعد عنها قائلة بخفوت: -حسنا!
ثم أجلستها على المقعد، وقامت بتمشيط شعرها الكستنائي بتمهل، وتنهدت في فرح، فقد أحبتها بصدق وكأنها إبنتها.

وما إن إنتهت من عقص شعرها كعكة، ووضع التاج الصغير أعلى مقدمة رأسها حتى هتفت بجدية:
-والآن هيا بنا إلى الحديقة!
نهضت آنيا من على المقعد، وسألتها بإهتمام: -ومتى وقت الطعام؟
أجابتها فاليري بهدوء وهي تفرد تلك الثنية في فستان أميرتها: -حينما يأمر الملك!
أومأت آنيا برأسها وهي تقول بخفوت: -حسنا. هيا بنا!

لاحقا، جلست الأميرة آنيا على الأرجوحة التي تحبها بشدة، ووقفت خلفها فاليري وبدأت في دفعها برفق، فإبتسمت هي لها بإمتنان، ورمقتها بنظرات ناعمة. وهمست قائلة:
-إسردي لي قصة الأرجوحة!
ردت عليها فاليري متسائلة بهدوء: -ألا تملين أميرتي؟
هزت رأسها معترضة، وقالت بإصرار وهي ترفع رأسها لتنظر نحوها بعاطفة بائنة في عينيها:
-لا، أنا أحب سماعها كثيرا
إبتسمت لها فاليري وهي تجيبها بإيجاز: -حسنا.

ثم أخذت نفسا عميقا، وزفرته على مهل، و أردفت قائلة بصوتها الحنون: -كانت الملكة صوفيا تعشق تلك الأرجوحة، وتمنت أن يأتيها فتاة حينما كانت حامل بك.

حدقت آنيا أمامها، وتمايلت بجسدها مع الأرجوحة وهي تغمغم بخفوت: -أها
تابعت فاليري حديثها الشيق قائلة بحنو: -و كنت أدفعها مثلما أدفعك الآن حتى حانت لحظة ميلادك
أغمضت آنيا عينيها لتستمتع أكثر بصوتها العذب وهي تسرد لها تلك الكلمات التي تحب سماعها عن والدتها الراحلة، وهمست متسائلة بصوتها الرقيق:
-وماذا بعدها؟

في تلك اللحظة لمحت فاليري قائد الجيش جاد نيجرفان وهو يدلف إلى داخل الحديقة الخاصة، فأومأت برأسها إحتراما له، فأشار لها بكف يده لتكمل حديثها. بينما تأمل بإهتمام بائن في عينيه بتلك الأميرة الشقراء وحالة الهيام الآسرة التي تبدو عليها وهي تتمايل مع الأرجوحة.

اضطربت فاليري لوهلة من حضره، وتابعت بإرتباك: -آآ. أنجبتك الملكة صوفيا، وأسماك الملك شيروان آنيا
فتحت آنيا عينيها الناعستين فجأة، وإستدارت برأسها نحو مربيتها وهي عابسة الوجه، ثم رمقتها بنظرات معاتبة قائلة بضيق زائف:
-لقد اختصرت القصة يا فاليري؟!

أشارت فاليري بعينيها للأمام، فحدقت فيها آنيا بحيرة، فرفعت مجددا حاجبيها للأعلى، فإلتفتت الأخيرة برأسها حيث أشارت، فوجدت جاد نيجرفان يقف قبالتها بشموخه مرتديا حلته الحربية، فعضت على شفتها السفلى بصورة عفوية، وتوردت وجنتيها قليلا. وأجفلت عينيها في حرج منه.

إبتسم هو لحيائها، وتشدق قائلا بصوته الرخيم: -معذرة على تطفلي!
ردت عليه فاليري بهدوء حذر وهي مطرقة الرأس: -تفضل سيدي القائد!
توقفت فاليري عن دفع الأرجوحة، وعقدت كفيها معا، بينما اقترب جاد منها، وتسائل بصوت خشن:
-كيف حالك أميرتنا العزيزة؟
أجابته بصوت خجل وموجز وهي تتحاشى النظر نحوه: -بخير!
أشار بكفه نحو الأرجوحة وهو يتسائل بصوت جاد: -هل تسمحي لي؟

نظرت هي إلى حيث يشير، فمطت شفتيها قليلا، وتنحنحت بخجل، ثم أجابته بإستسلام:
-احم. تفضل
إبتسمت لهما فاليري، وانحنت بجسدها للأمام قائلة: -أعتذر منكما، سأذهب لتفقد أحوال الخدامات
هتفت بها آنيا بتوتر: -لا تتأخري فاليري!
-حسنا مولاتي.!
ثم هزت رأسها، وإنصرفت من الحديقة...
زاد إرتباك آنيا، وتوترت كثيرا بعد أن بقيت بمفردها مع جاد.
وبدأت تشعر بصعوبة في التنفس بإرتياح، فحضوره الطاغي أثر عليها كثيرا.

فهي ترى فيه القوة الممزوجة بالشجاعة والإقدام، ولكنها تخشى خشونته وعنفه اللذين لا حدود لهما.

حاولت أن تضبط أنفاسها المتوترة. وأغمضت عينيها في حرج منه.
بينما تأملها جاد بنظرات والهة، ودار حول الأرجوحة بتمهل شديد.
كم ود أن ترى في عينيه شغفها الحقيقي بها، ولكنه يعلم خجلها من تلك الأمور. كم يعشق جمالها الفتاك وبرائتها المهلكة. فهي من تربت أمام عينيه، ومن عشقها منذ نعومة أظافره، ونضجت معالم الأنوثة بها لتأسر قلبه وتسلب عقله. وتزيد من لهيب الشوق إليها. نعم فهي عروسه المنتظرة.

وضع هو أصابعه الخشنة على كفها الرقيق الناعم، وتلمسه بحذر، فدبت قشعريرة قوية في جسدها، وإنتفضت في جلستها، وزادت حرارة وجنتيها، وأبعدت كفيها عن أصابعه. ثم قام بدفع الأرجوحة قليلا.

وإلتوى فمه بإبتسامة مشاكسة وهو يقول: -هل تحبين أن أزيد؟
ردت عليه بتوتر وهي تهز رأسها نافية: -لا. هذا جيد
أخذ جاد نفسا عميقا، وزفره بحرارة شديدة، ثم تنهد قائلا بصوته الرخيم: -أتعلمين يا أميرتي أنك جوهرة تلك المملكة؟
ردت عليه بخفوت وهي تحاول ضبط أنفاسها: -أها. أبي يقول لي هذا كثيرا!
أضاف هو قائلا بحماس: -لقد شهدت مولدك، ومنذ وقتها وأنا آآ...

توترت هي بشكل ملحوظ من حديثه معها، فحاولت أن تغير مجرى الحديث قبل أن يمتد لشيء تخجل منه، فقاطعته بصوت شبه جاد رغم إرتباكه:
-هل. هلا دفعت الأرجوحة قليلا؟
ابتسم لها قائلا بخفوت: -حسنا!
دفع جاد الأرجوحة قليلا، ورقص قلبه طربا وهو يرى حبيبته تقبل عليه فيخترق عبيرها أنفه فيثيره أكثر.

طال صمته، وتوترت هي أكثر، فسألته بجدية محاولة التغلب على هذا الشعور المربك:
-أخبرني، كيف حال الجيش والجنود؟
سألها بإستغراب وهو محدق بظهرها البض: -أتهتمين لتلك الأمور؟
ردت عليه بهدوء ب: -ليس كثيرا، ولكني أحب أن أكون مطلعة على جديدها!
تنهد بقوة، وأجابها بصوت جاد: -حسنا، الحرب كعادتها تحصد الأرواح، وترمل الزوجات، وتيتم الأبناء.

أصابها الإحباط عقب كلماته الأخيرة، وشعرت أن عالمها الوردي ربما يكون مهددا بتبعات الحرب إن طرقت أبوابهم.

فزمت شفتيها قليلا وهي تقول بحزن: -لماذا لا يسود السلام وتنتهي الحرب؟
أجابها بصوت حاسم وهو يرفع رأسه للأعلى: -لأننا في غابة مولاتي، البقاء فيها للأقوى، و لا يمكن أن نسمح لأحد بأخذ ما نملكه، وإن فرطنا في حماية ما يخصنا، فسنخسر كل شيء!

شعرت آنيا بدوار رهيب يجتاح رأسها، وبصعوبة بالغة في التنفس، فهتفت بصوت متقطع:
-أنا. أنا أشعر أني آآ...
توقف جاد عن تحريك الأرجوحة، وإنتفض مرتعدا في مكانه، ودار حولها، وجثى على ركبته أمامها، ثم سألها بتوجس وهو يتفحصها:
-ما الأمر مولاتي؟
وضعت كف يدها على مقدمة رأسها، وردت عليه بهمس وهي مغمضة العينين: -لست بخير
أمسك جاد بكف يدها، وربت عليه متسائلا بخوف واضح: -أميرتي آنيا، ما بك؟

ردت عليه بصوت ضعيف وأكثر خفوتا: -لا. لا أستطيع آآ، آآه
ثم ترنح جسدها للخلف، فأسرع جاد بالإمساك بها بذراعيه وجذبها نحو صدره ليمنعها من السقوط، وأسند رأسها على كتفه، ثم وضع يده على صدغها، وضربها بخفة قائلا برعب:
-أفقي أميرتي. ما بك؟
لم تجبه آنيا، فقد فقدت وعيها، وشحب لون وجهها بدرجة مخيفة، فخفق قلبه بقوة، وصاح بعنف وهو ينظر أمامه:
-فاليري! فاليري!

ركضت المربية فاليري نحوه بعد سماعها لصراخه المخيف، وشهقت مذعورة حينما رأت الأميرة آنيا غائبة عن الوعي، وتسائلت بهلع:
-ماذا حدث؟
أجابها بحيرة وهو يحاول أفاقتها: -لا أعلم.!
نظرت هي إلى شفتيها التي بدأت تصطبغ باللون الأزرق، وصرخت بفزع: -أوه، إنها تختنق!
جحظ بعينيه مصدوما وهو يتسائل بإندهاش ب: -ماذا؟ كيف يمكن أن تختنق؟!

دارت فاليري حول الأرجوحة، ووقفت خلف الأميرة، ثم مدت يديها نحو فستانها، وأسرعت بفك أنشوطة الفستان قليلا، ثم أرخت أربطة المشد بأقصى سرعة، فشهقت آنيا بصوت مسموع لتلتقط أنفاسها، ولكنها لم تفق من إغماءتها.

تنهدت فاليري بإرتياح وهي تهتف: -حمدلله إني فهمت سبب إغماءتها
سألها جاد بتوتر بادي على قسمات وجهه وهو محدق بالمربية: -أليس الأمر خطيرا؟
ردت عليه فاليري بهدوء وهي تشير بكفيها: -لا سيدي، لا تقلق، ستفيق بعد لحظات!
-حسنا
تنفس جاد الصعداء، وقبل رأسها بعاطفة جياشة، وهمس في أذنها: -أنا معك حبيبتي، دوما موجود لأجلك، ولن أسمح بحدوث مكروه لك!

وضع هو ذراعه أسفل ركبتيها، ولف ذراعه الأخر حول ظهرها، ونهض عن الأرضية حاملا إياها بين ذراعيه، وتابع هامسا:
-روحي فداك أميرتي،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة