قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر

فرار!
وهل عرف الصقر معنًا للفرار يومًا؟!
بالطبع لا، ولكن عندما يتجسد امامك أقتراب اكبر مكروهاتك ومخاوفك من القادم، تترجى الفرار ليسحبك معه!
إلتفت لها بهدوء ما قبل العاصفة ليهمس:
دارين!
ولم تعطيه هي الفرصة للنفور او الابتعاد او غيره، قيدته بذراعيها كما قيدت عشقها عليه على أمال كاذبة!
ليبعدها عنه بعد ثواني مرددًا بغضب:
إية ده يا دارين، مش هتبطلي بقا الحركات دي.

ابتسمت بهدوء لتهمس بعدها بنعومة توازي هيئتها المهندمة:
الله، أنت وحشتني أوي يا سليم
لوى شفتيه متهكمًا:
ماتشوفيش وحش ياختي
وهنا تدخلت جميلة متنحنحة ببعض الهدوء:
أزيك يا دارين
استدارت لها مغمغمة بود لا يليق بها:
أنطي، انا تمام إنتِ عاملة إية وحشاني جدًا يعني
ابتسمت جميلة ابتسامة صفراء متمتمة:
إنتِ اكتر يا حبيبتي
تصرفات دارين لم تحلو لها ابدًا هذه الفترة...

حركاتها التي تقيد بها سليم واغواءتها الفاشلة كانت كعرض مسرحي لم يروق لها فقررت مسحه الابدي!
استدار سليم وهو يقول بجدية:
عن اذنك يا خالة، أنا طالع ورايا شغل كتير
استوقفته دارين مسرعة:
إية ده هو انا لحقت أقعد معاك يا سليم، مش كفاية مابتسألش عليا خالص
تأفف وهو يجيبها ببرود:
أنا بشتغل مش بلعب
اما هي فكانت تحترق من ذاك التجاهل، هي لا تعشقه حد الموت ولكنها ترغبه..
وهذا يكفي في عُرفها لتحارب من أجله!

لا تعرف متى ستتمكن من أمساك مقاليد حياته، كاملة!؟
ليس الان، ولكنها ستتمكن، قريبًا!
إنطلق متجهًا لغرفة سيلا بهدوء، قلبه يدعو أن تكون هدءت ولو قليلاً...
نادت جميلة دارين لتقترب وهي تهمس بهدوء مع ابتسامة مجاملة:
أقعدي يا دارين نتكلم، بقالنا كتير ما دردشناش مع بعض
اومأت دارين بابتسامة:
صح يا خالتو فعلاً
سألتها جميلة بنبرة ذات مغزى:
إنتِ جيتي لوحدك ولا إية؟
هزت رأسها نافية:.

لأ انا جيت مع يوسف أخويا، لأنه بيعمل شغل هنا وانا كمان كنت محتاجة أغير جو ف قولت أجي واشوف سليم بالمرة
سألتها مرة اخرى بجدية:
امال هو فين يوسف ماجاش معاكِ لية؟
اجابتها بفتور:
محتاج يخلص شغل ضروري اول ما يخلصه هيجي يسلم عليكم
اومأت جميلة موافقة:
طب يا حبيبتي أطلعي ارتاحي إنتِ وبكرة نكمل كلامنا
ثم سألتها:
طبعًا عارفة اوضتك؟
اومأت دارين مؤكدة بابتسامة واسعة:
أكيد يا أنطي
...

كان سليم مازال واقفًا امام الغرفة التي تقطن بها سيلا، التردد لا يتركه ابدًا!
يدلف لتجربة لم تسطر بها بداية مفهومة!؟
تجربة لطالما كان يخشاها ويكرهها؟!
أم يأسر قلبه وعقله بصمتًا ايضًا كان يكرهه!
حسم أمره والسلطة كانت للقلب، ليطرق الباب بخفوت، وبعد دقائق تهندم ملابسها وحجابها الذي تدهور من كثرة البكاء فتحت الباب لتجده هو!
ظلت تنظر له ببلاهة قبل أن تهمس:
سليم!

وهمسة واحدة بأسمه من بين شفتاها الوردية كانت كفيلة لتمحي قطرات تردد شغوف!
دلف ليغلق الباب خلفه، فنظرت له بتوتر قبل أن تسأله:
في أية أنت عاوز حاجة؟!
الان فقط ادرك لمَ جاء هنا..
لما أطاع قلبه وتقدم غير مبالايًا بتحذيرات عقله!
هو يريد قربها، وهذا ما يعرفه، على الأقل حاليًا!
اقترب منها اكثر وفجأة جذبها من ذراعها نحوه ليلصقها به، ثم سألها بهمس مماثل:
لسة زعلانة وبتعيطي مش كدة؟

حاولت الفرار من بين أسر ذراعيه وهي ترد متلعثمة:
لا، مش آآ مش زعلانة أبعد شوية
هز رأسه نافيًا وراح يقول مداعبًا:
تؤ تؤ، إنتِ لسة زعلانة وأنا لازم اصالحك، ماتعودتش ازعل حد مني بردو
هزت رأسها نافية بسرعة:
لا لا صدقني انا مش زعلانة خالص، مين قال أني زعلانة اصلاً!
وهذه المرة لم يمنع ابتسامته الهادئة من الظهور، وكيف يمنعها وقلبه داخليًا يبتسم بفرح..

يبتسم على طفلة غضبت قليلاً ولكن قلبها لم يعد به مكانًا للغضب!
مد يده يتحسس وجهها الناعم بأعين متلهفة، يتلمس كل أنش بوجهها وهي مغمضة العينين، تحاول الفرار منه ولكنه ربطها بسلاسل خفية! وصل لشفتاها التي يتوق لها، تحسسها بشغف وهو ينطق ؛
مش عارف إية اللي بيحصل لي لما بكون معاكِ
فعليًا لم يكن يكذب في حيرته، في شغفه في القرب لسبب مجهول!
أصبحت رغبته في قربها تسري بين دماؤه كشيئً يسكر روحه القاسية..

وهي كانت مغيبة بين يديه، تبحث عن رد فعل قوي لموقف هكذا بين جنبات عقلها ولكن فشلت!
لم تتعرض يومًا للمسات أثرت عليها هكذا! لم تدري أين ذهبت قوتها وردها اللاذع!؟
واخيرًا ابتعد ليتركها تتنفس الصعداء من قرب كاد يزهق روحها من كثرة تأثيره..
لينظر في عيناها مباشرةً وهو يردف:
إعملي لي قهوة وهاتيهالي في أوضتي
هزت رأسها نافيةً دون تردد:
هعملها وابعتهالك مع أي حد
كاد يقترب وهو يسألها:
لية؟

عادت للخلف تغمض عينيها وهي تهمس بضعف:
أبعد بقا وأرحمني
اقترب اكثر حتى أصبح امامها يبادلها الهمس الملتاع:
مش أما ترحميني إنتِ وتسيبيني أرجع لطبيعتي
ودلوف دارين كان من جعلهم يلتفتوا بصدمة!
بينما وزعت دارين نظرها بينهم، لتلك الفتاة العادية، ولكنها ذات تأثير خاص!
لمعان بين بحريها البنيان بشرة بيضاء كثوب ناقي...
وجسد مرسوم حرفيًا ليعطيها نكهة الجذب!
وأشارت نحوها وهي تقول لسليم بنزق:.

هو ده الشغل اللي سيبتني عشانه يا سليم؟
اقترب منها قليلاً وهو يسألها بخشونة:
وإنتِ مالك، حد عينك واصي عليا؟
اجابته مزمجرة:
ليا طبعًا، بما إني خطيبتك يبقى لازم اعرف إنت إزاي تسيبني عشان البت دي!؟
خطيبته!
وقعت كلماتها على روحها كصوت الرعد الذي زلزلها داخليًا..
كيف خطيبته وهي قاربت على شهرًا كاملاً لم تراه يحادثها يومًا؟!
كيف ولم يتحدث عنها مرة؟!

لا يهم الشكليات، ولكنها بالنهاية خطيبته اختارها زوجة وانتهى الامر!
أستفاقت على صوته الحازم وهو يرد:
ملكيش دعوة وإعدلي لسانك أحسن لك يا دارين، ويلا إطلعي شوفي إنتِ رايحة فين
كادت تعترض متذمرة:
بس يا سليم
ولكن قاطعها بصرامة لاذعة:
ماسمعتيش أنا قولت إية، اطلعي يلااااا
اومأت وهي تسير متجهة للخارج، تتمتم بحقد وغضب:
ماااشي، بس و رحمة امي ما هسيبك تتهنى بيها يا سليم!

بينما نظر سليم لسيلا التي بقيت متجمدة بمكانها، ليناديها بهدوء:
سيلا!
نظرت له نظرة ولأول مرة لم يستطع فهمها..
برود، أم غضب، ام لامبالاة وغيظ؟!
ولكن غالبًا كلاهما معًا!
اجابت بوجوم:
نعم
سألها:
مالك؟
وردت بنفس الهدوء البارد:
مليش خالص، روح صالح خطيبتك عشان ماتحصلش مشكلة بينكم بسببي
اقترب منها مرة اخرى فعادت للخلف وهي تشير له:
لو سمحت امشي بقا.

وهذه المرة كان الفوز لقسوته المعتادة التي قاربت على التحول معها ل شظايا قسوته
لينصرف دون كلمة اخرى كأعصار صعب عليه التوغل لمنطقة يريدها!

وأشرقت الشمس تملئ الأرض بأشعتها الذهبية، تململ ياسين في فراشه ليحاول النهوض وجفناه يغادرا بعضهما!
ولكنه - اسفًا - لم يحظى بنومه هنية، لم ترتاح اعماقه حتى في الفترة المخصصة لها!
حلمًا، لا لا بل كابوسًا شنيعًا حلق بين زهور أمنياته الكثيرة ليلاً لينشر بينهم القلق والخوف منه!
...
نادين تقف على حافة هاوية طويلة، ترتدي فستانًا طويلاً من اللون الأسود يغطيها حتى كاحليها..

والظلام سيد الموقف، ظلام لا يبدو له اولاً من اخر!
خصلاته الناعمة كانت ثائرة على عيناها الحمراء بهمجية محببة..
وتبكِ وتنوح وهي تلوح له، تطلب المساعدة من اعماقها بصوت مكتوم!
ملامحها أوحت بما رغبت حروفها التعبير عنه...
ويريد هو التقدم نحوها، يريد التمسك بها قبل أن تسقط في حافة اللارجوع!
ولكن شيئً ما يكبل يداه..
يقف امامه ويمنعه، نظر خلفه ليجدها هي ماهيتاب تنظر له نظرة لن ينساها يومًا ولو كانت مجرد حُلم!

ويحاول النطق بأسمها، الصراخ بها حتى ينقذها من السقوط!
ولكن لم ينجح وهو يراها تسقط رويدًا رويدًا لتبتسم ماهيتاب بانتصار!
...
عاد من شروده ليمسح على وجهه عدة مرات وهو يخبر قلبه بتأني
لن يحدث شيئ، هذا مجرد كابوس ليس إلا ..
نهض من فراشه ليتجه لمرحاضه يغتسل ويتوضئ ليؤدي فريضته..
وبعد قليل كان قد إنتهى فاتجه للأسفل بخطى هادئة وقد عزم على التوجه لسليم على الفور!
بدت والدته شاردة هائمة بالأسفل وكأنها تنتظره..

فألقى التحية بود حقيقي:
صباح الخيرات يا حجة، عاملة اية
ابتسمت نصف ابتسامة وهي ترد:
الحمدلله تمام
ضيق عينيه متساءلاً بتوجس:
مش باين يعني، مالك يا زوزو
تنحنحت وهي تشير له ليجلس بجوارها ؛
مفيش يا حبيبي عايزة اتكلم معاك اقعد هنا تعالى
جلس بجوارها يسألها:
خير يا ماما قلقتيني؟
تنهدت قبل ان تبدء الحديث بما لا يروق له بالمرة:
أبوك..
سألها بتوجس:
ماله بابا؟ منا شوفته امبارح كان تمام
اومأت متابعة بجدية:.

راح عزم ماهيتاب وأهلها على العشا عشان نحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح
جحظت عيناه بصدمة!
لولا انه أبيه لكان أعتقد أنه يعشق تلك الفتاة!
ما به يسرع بأجباره على الزواج ممن لا يخصها القلب بدقاته؟!
بل تكتم دقاته وهي بجواره فيختنق!
نهض وهو يصيح بغضب:
إزاي بابا يعمل كدة، هو انا طفل بيحدد جوازي من غير ما يقولي حتى
حاولت تهدأته بخفوت:
ده لسة بليل يا ياسين هيحددوا
كز على أسنانه بغيظ قبل أن يتابع:.

هو لية مصمم على ام الجوازة دي، لية مصمم يربطني بواحدة مش بكن لها اي حاجة ولا حتى اعجاب، عايز يدمر حياتي عشان مصالحه مع أبوها!؟
نهضت وهي تقترب منه بجدية:
يا حبيبي ماهيتاب أي حد يتمناها، بنت أدب وجمال وحسب ونسب و...
زمجر فيها باهتياج:
اي حد يتمناها بس مش أنا يا امي مش انااا اللي متمنيها
كادت تعترض إلا انه قاطعها بجدية خشنة:.

قولي للسيد الوالد إني مش هحضر العزومة دي، ومش هتجوز ماهيتاب، وهخطب قريب جدًا اللي قلبي أختارها
قال كلماته الاخيرة وهو ينسحب، عازمًا على كون نادين زوجته في أقرب وقت!

وإنتهى العزاء لمن مازالت على قيد الحياة!
انتهى ذاك العزاء الذي أعلن وبوضوح دمار قلوبًا لطالما كَنت عشقًا فطريًا ل سيلا...
وانتهت معه رقية فانهارت!
تحاصرها الموجات الحزينة الشاقة من كل زاوية من زوايا حياتها..
تحاصرها حتى باتت تشعر انها لن تتركها!
حتى اصطدمت بصخرة الألم الفوق المحتمل فتحولت لشظايا مُحطمة وحطمتها معها!

كانت في المرحاض الخاص بغرفتها، تحديدًا تغمس جسدها بين المياة الباردة في ال - بانيو - علها تسترخي قليلاً فتستطيع النسيان!
كلمات مجدي مع ذاك الخبر كانت كأشواك مميتة إلتفت حول روحها أرادت زُهقها!
اصبحت تبكِ وهي تغمض عيناها، تبكِ بقهر وهي تزيل قناع القوة والتماسك المزيف!
وفجأة شعرت بيداه الخشنة التي تحفظ لمساتها عن ظهر قلب..
قشعر بدنها قبل أن تلتفت له بشهقة قصيرة:
خضتني يا مجدي.

ظهرت شبح ابتسامة على ثغره ليرد:
سلامتك من الخضة
أبعدت يده لتهمس ببرود ثلجي:
إية اللي جابك دلوقتي!؟
رفع حاجبه الأيسر مغمغمًا بضيق:
هو حرام أجي اشوف مراتي لما تكون محتاجاني ولا إية؟
إلتفتت له تهتف بحدة:
وإنت عرفت ده دلوقتي، معرفتش أن عزاء اختي اتعمل وخلص وأنت محضرتوش، كأني مش متجوزة اصلاً
نظر للأسفل بخزي قائلاً:
كنت مشغول في الشغل ماحستش بنفسي لإن بقالي يومين مابروحش، ده غير إنك مقولتيليش، ده انا عرفت صدفة.

زفرت قبل أن تردف ساخرة:
طب يستحسن تمشي لإن أبويا وخصوصًا جدي مش طايقك لانك محضرتش وكأنك مش فرد من العيلة يعني
رمقها بنظرات مغتاظة فتابعت بجدية:
بالعافية إمبارح أقنعتهم إن والدتك تعبانة جدًا جدًا وإنك مش هتقدر تحضر وبتعتذرلهم كتييير
نظرت له ثم قالت بفتور:
على العموم يلا اطلع بقا عشان أقوم ألبس
منحها ابتسامى عابثة قبل أن يرد:
ماتقومي هو أنا ماسكك، ده انا زي جوزك بردو.

وفي المقابل كانت نظراتها حادة كسيف قاطعًا لأي أمل بالعودة للسابق..
فتنحنحت قائلة بنعومة حادة:
لأ، إطلع برة الأول يلا لو سمحت بقا
وقيد وجهها بين يداه، يحاصرها بنظراته الكاشفة لها، ليهمس بما قد يذيب جليدها الثلجي:
رقية إنتِ محتاجاني دلوقتي، أنا مستوعب سيلا كانت إية بالنسبالك، أستسلمي شوية بقا، شوية بس
وبالفعل كادت دموعها لتنجرف لنبع حنان حلق في الأفق امامها...

هي الان بحاجته فعليًا، تحتاج لحضنًا دافئًا يحتويها بين يديه!
ولكنها لن تستسلم، ابدًا مهما كان الثمن، هي لطالما كانت رقية القوية المتينة ولن تصبح غير ذلك!
وشعرت بشفتاه تحوم على كتفيها العارين، ويداه تجول في جسدها بحرية، فشهقت وهي تحاول إبعاده:
مجدي مينفعش
لم يكن معها بالأساس، روحه متعلقة بحبيبته فقط والتي هي بحاجة لحنانه الان!
بحاجة لرحلة عشق تأخذها في طياتها فلا تتذكر ذرة واحدة من الحزن!

وحملها عنوة عنها ليمسك المنشفة يلفها حول جسدها بعشوائية..
وهمسة بجوار اذنها:
هششش، النهاردة ليلتنا بس، هننسى الدنيا ومافيها، هننسى كل حاجة بتقهرنا، هننسى كل مشاكلنا وهمومنا
واسترخت بين ذراعيه، وإن كانت محاولاته لتخفيف مثقال حزنها على هيئة - رغبة زوجية - فلا يهم!
ستحاول النسيان كما قال لها، وستفعل إن عاونها القدر!
ووضعها في وسط الفراش، وهو فوقها ينظر لها بنظراته المتيمة عشقًا..

ازاح بيده خصلاتها الثائرة لسمع قولها:
إحنا الاتنين بنغلط في حق بعض، ومازلنا، إحنا الاتنين مفكرين إن التاني غلطان، أحنا بنعااااند بس
وأسكتها بشفتاه التي إلتهمت شفتاها بشغف، قبلة كادت تسحب روحها معها في سبيل العشق..
وتشعر بدقاته تعزف على أيقونة عشقها، وتكتم صوت اعتراضها بصخبها!
ابتعد بعد قليل لحاجته للهواء، ليقول بصوت لاهث:
إنسي كل حاجة النهاردة، إفتكري إن انا جمبك وبس!

ومرحلة اخرى تُدون في مدونة عشقهم - الغريب - ألا وهي اللامبالاة في المشكلات ...!

امممم، يا ترى جبت لي أخبار زي الناس ولا كالعادة.

قالها احدهم وهو يجلس في حديقة منزله الفاخر يضع قدم فوق الاخرى بملابسه التي تليق بمستواه الاجتماعي العالي، وأصابعه السمراء تقبض على سيجاره الكبير، وعيناه تتفحص ذاك الذي يقف امامه بهدوء ليجيب بثقة:
طبعًا يا فهد بيه، جيبتلك كل الاخبار عنه
رمقه بنظرة متلهفة:
هاا قول
زفر قبل أن يرد بجدية مناسبة:.

اللي عرفته يا باشا إنه زي ما تقول كدة ملوش غالي، عايش كدة مرسخ حياته للشغل وبس، طبعه قاسي مع كل الناس، معندوش الا واحدة بس في حياته اللي بيحبها شوية
سأله مستفهمًا:
مين دي؟
خالته يا باشا، هي اللي مربياه يعتبر من وفاة أهله، تعتبر هي كل حياته
سأله مرة اخرى بخشونة:
وخطيبته؟
اومأ وهو يسرع للرد:
اه، عرفنا إنها جت لهم امبارح يا باشا، زيارة يعني
تابع اسئلته كقاضٍ يستعد للحكم الحتمي بالموت على عدوه المنتقم:.

ومين البنت اللي دخلت عليكم الأوضة لما كنتوا هناك؟
أشار له بلامبالاة:
لا دي طلعت حتت خدامة ملهاش لازمة يا باشا
اومأ موافقًا وقد ظهرت أبتسامة خبيثه تلوح على ثغره الأسمر موازية عيناه التي تموج خبثًا لرجلاً خبرته الشيطانية طويلة، ليس بشابٍ في منتصف الثلاثينات من عمره:
تمام، يبقى رقم واحد، خطيبته المصونة!

طفلاً في الثامنة من عمره، زهرة متفتحة في بداية حياتها، زهرة قُطفت في وقتًا مبكرًا، جدًا، كان يلهو في حديقة منزلهم الواسعة تحت أشعة الشمس التي تغطي معظم الأماكن في صعيد مصر!
تقدمت منه والدته التي زمجرت فيه بغضب يناسب طفولته:
إية ده يا سليم، مش قولنا ماتلعبش وتبهدل هدومك كدة؟
اومأ وهو يعتذر ببراءة:
معلش يا امي، بنسى علطول
ابتسمت له بحنان امومي فطري:.

طب يلا يا قلب ماما عشان تفطر بقا وتروح تشوف بابا في المسجد
اومأ سليم بحماس وهو يمسك يدها:
ايوة يلاااا
أمسكت يده وساروا متجهين للداخل مرة اخرى، ولكن فجأة جُرحت والدته من احدى الزهور الخشنة فتأوهت بألم:
آآه إيدي
أمسك يدها بلهفة متساءلاً:
مالك ياماا؟
نظرت له بعثب مرددة:
حبيبي ماتتكلمش زي الناس اللي عايشين هنا، أنت صعيدي بالأقامة، لكن أصلك لا
اومأ وهو يقترب من الزهرة مغمغمة بضيق:
دي اللي عورتك صح؟

ابتسمت برقة لطفلها الحبيب وهي تهمس:
خلاص يا قلبي ده جرح صغنن خالص
ولم يبالي وهو يقطتف تلك الزهرة ليرميها ارضًا بغل، فصاحت فيه والدته:
لية كدة يا سليم؟
اجاب دون تردد:
عشان جرحتك، شيلتها خالص
ملست على وجهه بحنان، ولم تدري لمَ وجدت نفسها تقول ببعضًا من الجدية:
أوعى تكسر حد يا سليم في يوم من الأيام، أوعى تقسى مهما حصل، اوعي تكون قاسي يا سليم ماتخليش حاجة تغيرك يا حبيبي.

وفجأة، دوى صوت الطلق الناري لتسقط هي ارضًا والدماء من حولها تتدفق بغزارة، فشهق سليم صارخًا:
ماااامااااااا لااااا لااااا.

هب منتصبًا يستيقظ بفزع من ذاك الكابوس الحقيقي...
المشهد الذي يتكرر كل يومان تقريبًا، لا يتركه فيعذبه ولا يتركه سليم فيتذكره دومًا بحزن توغله!
مسح على شعره عدة مرات وهو يهمس:
أديني بقيت قاسي يا أمي والدنيا غيرتني أوي
تنهد وهو ينهض متجهًا للمرحاض ليغتسل كعادته ثم يتوضئ ليؤدي فريضته بخشوع تام...
وما إن انتهى وكاد يهبط بهدوء سمع صوت صراخ يأتي من الأسفل، فركض مسرعًا للأسفل بهلع...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة