قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

ركض سليم للأسفل بهلع، لم يعد هادئ عند سماع الصراخ، لم يعد كما كان!
تمثل الصراخ بالنسبة له في عدادًا للخطر ليس إلا!
ووجد الصرخة كانت من سيلا!
كالعادة كانت من شخصًا يخشى عليه دائمًا!
وامامها تجلس دارين وعلى وجهها علامات الإنزعاج..
أقترب سليم من سيلا التي كانت تبكِ وهي تمسك بيدها بألم ويسألها بلهفة متوجسة:
إية اللي حصل في إية؟!
والأجابة كانت من دارين التي قالت بضيق مصطنع رسمته بين حروف كلماتها بمهارة:.

عملالي قهوة طعمها زي الزفت يا سليم، وغير كدة بتسيبهالي وتمشي، بكلمها بتتشخط وتتنتر عليا كأن انا اللي شغالة عندها مش هي!
كز سليم على أسنانه متساءلاً بغيظ:
اممم وإنتِ عملتِ إية بقا؟
رفعت كتفيها ترد بلامبالاة:
دلقت لها القهوة
إلتفت لسيلا التي تبكِ بقهر ينظر على يدها ليلاحظ أثار الحرق!
إحتدت عيناه وإشتعلت وكأن ذاك الحرق لم يكن إلا بجسده هو!
ليقترب من دارين صارخًا فيها بغضب أعمى:.

إنتِ مجنووونة، مجنوونة ولا شكلك كدة، عملتلك قهوة وحشة بتحرقيلها ايديها بيها؟
تأففت وهي ترمقه بنظرات مغتاظة:
ده بدل ما تزعقلها هي يا سليم عشان مابتحترمنيش بتزعقلي أنا؟
ضغطت على يده بقوة يحاول ربط أعصابه التي ستتلف حتمًا من كثرة التحكم بها!
من كثرة الغيظ الذي يسري بينها!
إستدار لسيلا التي قالت بشهقات متألمة كطفلة بريئة تدافع عن نفسها:.

والله العظيم ما عملت لها حاجة، أنا آآ اديتها القهوة لقيتها بتدلقها على إيدي
أندفعت دارين تبرر كاذبة:
بطلي كذب يا متخلفة إنتِ، اما إنك سوسة ومكارة، أكذبي دلوقتي ومثلي كويس أدامه يا حقيرة
وكأن المرآة وجههت على نفسها
تنطق بخطاياها وأفعالها هي الشنيعة!
مرآة الكذب عكست صورتها هي وليست تلك البريئة!
ولم يحتمل سليم كلامها الذي كان كسكين يمر عليه هو اولاً قبل أن يصل ل سيلا
فدفعها للخلف بقوة مزمجرًا فيها:.

اخرسي بقاا إنت وبطلي الشغل بتاعك ده، أمتى هتهدي وتعقلي من الجنان ده، بحركاتك دي مفيش حد حقير غيرك، توقعت إنك هتعملي اي حاجة بسبب افكارك الهباب عن اللي شوفتيه امبارح بس ماتوقعتش توصل للأذية ابدًا
ثم استدار لسيلا مغمغمًا بأسف وهو يتفحص يدها:
روحي خلي أي حد من الخدم يحط لك مرهم للحروق
نظرت له من أسفل اهدابها المبللة لتهمس:
أنا آآ ب
قاطعها بصرامة:
قولت روحي، إية مابتفهميش عربي؟
اومأت بانكسار مجيبة:
لا بفهم.

ثم استدارت متجهة للداخل، متجهة لمأواها ومسكنها الوحيد
لم تعد تفهمه ابدًا، تشعر بالتناقضات تسري بين خلاياه!
تارة تشعره حنون هادئ، وتارة يُوضح لها أنه قاسي وإن حاول تفتيت تلك القسوة!؟
متى سيُفك لغز حياته تلك؟!
متى سيعاملها بتلقائية!؟
ولكنها لن تنتظر اكثر، ستهرب حتمًا ودون تردد أو انتظار!
وهمسة شاردة في خلدها الحزين:
إية كنتِ مفكرة هيجي يعالج لك إيدك بنفسه عشان دافع عن الحق بس!؟

نهضت رقية من الفراش وهي تلعن إستسلامها المخزي، تلعن ضعفها أمام عشقًا كان كالأدمان لها!
تلعن محارب ضدها يهزمها بسلاح الاحتياج له، والعشق!
بينما جلس منتصبًا في فراشه يسألها بجدية:
مالك يا رقية؟
رفعت كتفيها بلامبالاة مصطنعة:
مفيش منا عادي اهوو
هز رأسه نافيًا بتصميم غاضب:
لا مش عادي يا رقية، دي مش عيشة كل ما هقرب منك هتلوي بوزك كدة كأننا بنعمل حرمانية مش جوزك!؟

وقد إنفجر غضبها من غضبًا وغيظًا تراه يتطاير من جوفًا خاطئًا، فصرخت فيه بانفعال:
لا والله وأنت عايزني أبقى أزاي، ابقى طايرة من الفرحة لأني في حضن جوزي حبيبي اللي بيعشقني انا بس، صح!
اومأ مؤكدًا:
ايوة لأن دي الحقيقة
وأزدادت شرارات عيناها الحانقة وهي تزمجر فيه بنفاذ صبر:
لأ يا مجدي لأ، الحقيقة إنك مش بتيجي هنا غير عشان رغباتك، أو زهقت من الهانم التانية بس.

- وعندما يكون الغضب ضبابة عامية أمام عينيك، وتسلك طريقًا خاطئًا من الأفعال، قد ترجو الندم أن يجدي نفعًا، ولكن، لن يستجيب -!
ولم يدري بنفسه وهو يصرخ بوجهها:
وإنتِ متوقعة الواحد هيجيلك غير عشان كدة يعني ولا إية، إنتِ فيكِ إية ولا عندك إية يخليني أجي لك غير كدة!؟
والصدمة لن تعبر عن ذرة واحدة من الصدمة التي احتلت كيانها...
لم التكن الصدمة من الكلام المسموم، ولكن كانت، من صاحب ذاك السم!

وجحظت عيناها وهي تهمس ببلاهة:
أنا يا مجدي؟
اومأ متابعًا بعصبية مفرطة:
اه إنتِ، أنا كنت دايمًا بحاول أراعي مشاعرك، لكن خلاص، طفح الكيل منك
وكادت تنهمر دموعها من عيناها التي تحجرت من الصدمة..
فأومات باستهانة:
صح أنت عندك حق، وأنا كنت متوقعة إية اكتر من كدة يعني
ولفت القميص الخاص بها على جسدها بعشوائية، لتتجه نحو المرحاض، والمياة تغمرها مختلطة مع بكاؤها الحاد!

بينما هو ظل يمسح على شعره الغزير عدة مرات بغضب أهوج هامسًا لنفسه:
اووف، انا عارف أن ختامها مسك، لازم نتخانق كالعادة!
وفتح ذاك الدرج يبحث عن دواءً لرأسه التي يشعر بها تكاد تنفجر...
ولكن أزداد أنفجارها وألامها ولم يقل وهو يرى ذاك الدواء - مانع للأنجاب -
وظل يحدق به للحظات، ترى هل كرهته لتلك الدرجة!؟
هل أصبحت تكره الأنجاب حتى لت تحتفظ برابطًا قويًا بينهم فيما بعد!؟

ليصرخ مناديًا بأسمها بانفعال حقيقي:
رقيييييييية
وفزعت هي بالداخل من صرخته التي ذبذبت الباقي من تماسكها امامه..
وبعد دقائق خرجت بمنشفة صغيرة تلفها حول جسدها..
لتجده ينهال عليها بالصفعات القوية دون توقف وهو يهتف بها بغل:
حيووووانة، بتقولي إنك مابتخلفيش لكن إنتِ اللي مش عايزة تخلفي، حقييييرة حيوانة
وهتفت بضعف:
لأ يا مجدي أنا آآ
قاطعها بعنف:
إنتِ حيوانة ماتستهليش ذرة حب من اللي كنت شايلهالك ابدًا.

ولم تدري تحديدًا لمَ تصرخ بصوت مكتوم، من ألامها الجسدية التي ما عادت تشعر بها من كثرتها!
ام من ألامها النفسية وفعلتها الشنيعة بحق نفسها قبله هو!؟
وعامةً، الأثنان أسوء من بعضهما!

جلس عزت في الصالون بمنزلهم، يتنهد بين كل حين والأخر..
هو رأى صورتها التي كانت - جثة هامدة - فيها، ولكن لم يدري ما ذاك الشعور الذي يعترض على تلك الحقيقة الخانقة!
وشعر بأحدى رجاله الأقربون يقترب ليتنحنح بهدوء:
عزت باشا، تسمح لي أقعد؟
اومأ عزت بهدوء مرددًا:
أقعد يا فهمي أنت مش غريب
أبتسم المدعو بفهمي - مجاملةً - ليسأله:
مالك يا باشا؟
هز الأخر رأسه نافيًا بتنهيدة حارة:
مليش يا فهمي، حاسس إني مخنوق بس.

سأله مرة اخرى متوجسًا ببعض الحزن:
عشان الست سيلا صح، ربنا يرحمها برحمته يا باشا
اومأ عزت بشرود:
يارب، المهم خير أنت كنت عايز حاجة ولا أية؟
إبتلع ريقه وهو يسأله:
كنت عايز أسأل حضرتك يا باشا
نظر له باهتمام:
خير يا فهمي
أكمل تساؤله بتوتر:
هتقول لنصار بيه على الحقيقة، إن أبن آآ..
قاطعه عزت بجزع:
هششش وطي صوتك يا حمار، الموضوع ده أتقفل من سنين ومش لازم يتفتح ابدًا
قال معترضًا بأشفاق:.

انا قولت بسبب تعب نصار بيه اللي بيزيد كل شوية أنت هتقوله، عسى تخفف عنه ألم الفراق
هز رأسه نافيًا بشرود تام:
مينفعش انا كدة هزيد عليه مش هقلل
سأله ببلاهه:
أزاي يعني يا باشا؟
قال بضيق واضح:
هصدمه بأنه عايش في كذبة بقاله سنين، حد كان مفكره ملوش وجود اجي فجأة اقوله ده عايش وماشاء الله عليه!؟
هز الاخر رأسه بتعجب:
براحتك يا باشا
فتنهد عزت وهو يهمس بأصرار:
مينفعش، مينفعش خااالص!

في غرفة جميلة تحديدًا على فراشها المتوسط، تسطحت بأريحية وكانت تمسك بالصورة التي تجمع افراد عائلة عدة..
دموع الاشتياق، والحزن والفرح تتجمع بين جحور عينيها في آن واحد!
وهزيمة يتردد صداها بداخلها ستُرمم تلك المسافة التي هُدمت بينهم حتمًا !
ظلت تتلمسها وهي تهمس بشرود:
هجمعهم تاني ومش هسيبهم كدة
اومأت مؤكدة بأصرار:
مش هقف أتفرج تاني وهنفذ وصيتك
وبتصميم صادق وواعد قالت:.

لازم عيلة القاضي تعرف إن ليهم أبن عاايش وموجود!
وفجأة دلفت دارين متذمرة وهي تقول بضيق:
شوفتي اللي حصل يا خالتو
سألتها جميلة ببعضًا من التوتر وهي تخفي الصورة:
اية اللي حصل يا دارين؟
لوت شفتاها متابعة في إستنكار:
بقا أنا اروح اشتكِ لسليم من الخدامة دي اللي اسمها بيلا ولا سيلا دي، ألاقيه بيبهدلني أنا بدل ما يبهدلها هي؟!
عقدت حاجبيها قائلة بصدمة مصطنعة:
اووه لا مش معقول إزاي سليم يعمل كدة
زمجرت دارين غاضبة:.

خالتو أنتِ بتتريقي إنتِ كمان
هزت جميلة رأسها متابعة بجدية:
خلاص يا دارين هبقى أتكلم مع سليم حاضر
ثم تركتها وخرجت وهي تتأفف من طفلة مشاغبة غير مرغوب فيها!
بينما كزت الاخرى على أسنانها بغيظ مغمغمة ؛
اكيد دي عملالكوا سحر، بس أنا بقا هعرف أتصرف لوحدي!

طرق ياسين باب منزل سليم وهو يهندم هيئته الجادة دومًا..
وبين طيات نفسه عزيمة واحدة ولكن قوية، وسينفذها حتمًا!
سيتزوج من دق القلب لها، من قرع شوقًا ولهفة لقربها، من كانت أجمل صورة بعيناه دومًا وأبدًا!
وفتحت له سيلا الباب بهدوء، ليسألها هو بجدية:
أستاذ سليم موجود
اومأت مؤكدة بهدوء:
أيوة مين حضرتك
اجابها بلين:
أنا ياسين الدكتور النفسي الخاص بالأنسة نادين
أشارت له للداخل وهي تهمس بحبور:.

أتفضل وانا هنادي سليم، بيه
وإنخفض همسها اكثر عن كلمة بيه وكأنها تخشاها بحق!
ونطقها لسانها بتلقائية جادة ملتزمًا بتلك القواعد الحتمة التي رسمتها هي لنفسها مع ذاك الصقر ...
دلف ليجلس بهدوء في الصالون خلفها، بينما اتجهت هي لغرفة سليم لأخباره
وجدته يجلس أمام اوراقه الخاصة بالعمل كعادته، فتنحنحت قبل أن تدلف:
ممكن أدخل
اومأ بجدية ؛
خير؟ في حاجة ولا إية، كمن إنتِ مابتجيليش إلا لو في مصيبة!؟

إهانة اخرى ملغمة بطعم الإهانة!
وهل تتوقع أن تخرج كلمات من الصقر يومًا دون أن تمر على فلتر الإهانة ؟!
نظرت للأرض وقالت بصوت مختنق:
الدكتور اللي اسمه ياسين بتاع نادين مستنيك تحت
اومأ موافقًا بجدية:
ماشي روحي حطي له حاجة يشربها وأنا جاي وراكِ
اومأت هامسة:
حاضر
كادت تستدير لتهبط، ولكن فجأة وجدته يمسك يدها، مثبتًا نظراته على عيناها التي كالعادة - دامعة - ليهمس بخشونة لا تناسب نظراته اللينة:.

كفاياكِ دموع مابتزهقيش منها
وما كان منها إلا الهرب!
وهل تستطيع فعل غيره اصلاً؟!
بالطبع لا، حصار الصقر لا تغادره سوى من ثقب واحد صغير يمنن عليها به!
بينما تنهد هو وهندم ملابسه سريعًا يسترجع هيئته الشامخة التي يفقدها مع تلك الطفلة ليتجه للأسفل...
ووجد ياسين يجلس بهدوءه المعتاد، فاقترب منه مرحبًا:
اهلاً نورت يا دكتور
ابتسم ياسين بحبور:
تسلم منور بصحابه
سأله سليم بهدوء جاد يلازمه في تلك الأوقات:.

الخدم جابولك حاجة تشربها ولا لا؟
اجاب ياسين ببساطة:
الحقيقة مشوفتش حد غير مدام حضرتك
ودق القلب معلنًا الانتصار، بالفعل هي خاصته، هي له ملكه على أي حال من الأحوال!
هي من تربعت على عرش قسوته فعدلته كما تشاء!
ونظراته كانت صَك ملكية صدر منذ فترة بحق تلك الجاذبة، وفي قانونه من أصبحت تحت خانة - المهمين - لا تنحدر منها، ابدًا!
وللغرابة اومأ بشبح ابتسامة قائلاً:
تمام، تحب تشرب اية عشان أقولهم يجيبولك؟

هز رأسه نافيًا ؛
لا متشكر، أنا جاي عشان الجلسة وعشان أتكلم معاك في حاجة
و سيلا تقف على بُعد مسافة منهم، والصدمة أساس بناءها!
كيف زوجته ولم يعترض؟! كيف ربطها به في ثوانٍ بكذبة لن تدوم!؟
كيف صمت عن المستحيل الذي زلزل كيانها حرفيًا وقابله بابتسامة وهدوء!؟
دوامة من الأسئلة عصفت برأسها حتى شعرت بالدوار فكادت تقع وهي تحمل الأكواب من هول ما يحدث!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة