قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

والشك إنغرز بقلبه على الفور من رفضها!
ذاك الرفض الذي لم يكن يتمناه ابدًا، وذاك الشك الذي سيجعله يفعل اشياء لم يكن يرغبها!
وفي عُرف الصقر إن اجتاحه الشك اكثر من ثلاث فانتهى الأمر!
بينما كانت جميلة تنظر لها بشك ايضًا، وقد راودها شعور بالحقيقة..
هي لم تكن فاقدة الذاكرة، ولكن السؤال الوحيد الذي يسيطر على مقاليد عقلها
ماذا جلبها لهنا وبأرادتها؟!

بينما هي كانت تشعر أن التوتر والقلق أصبح جزءً لا يفترق منها..
نظراتهم المتوجسة تخترقها ودون تردد لتفتتها لمجرد شظايا تخشى قسوته!
واخيرًا أستطاعت النطق ؛
يعني اية مش هتروحي
رفعت كتفيها لتقول ببساطة:
يعني مش هروح لدكاترة!
شعر بداخله يكاد ينفجر من الغضب المكبوت ليسألها مرة اخرى ولكن بحدة بدءت في الظهور على محياه:
مش هاتروحي يعني اية هو لعب عيال!
هزت رأسها نافية لتجيبه بأصرار مزيف:.

لأ مش لعب عيال بس مش عايزة أروح
سألها مزمجرًا:
والهانم مش عايزة تروح لية بقا إن شاء الله؟
توترت اكثر حتى احمر وجهها كاللوحة كانت فرشاتها مصنعة من القلق والخوف ولكنها حاولت ان تجيبه بثبات:
أسباب خاصة بيا
لم يحتمل كبت غضبه فاقترب منها واصبح امامها في لمح البصر ليقبض على ذراعها النحيف بقسوة وقوة ألمتها بالفعل، فحاولت ابعاده وهي تقول متألمة:
آآه دراعي هيتكسر في ايدك
ظل يهزها وهو يسألها بما اشبه الصراخ:.

إنطقي مش عايزة تروحي لية خايفة من إية؟
والدموع كانت أسرع ما تكون في عيناها، دموع كالشلالات التي حُبست خلف سد الأصرار على عدم إظهار انهيارها امامه!
واخيرًا نطقت بصوت يقترب من البكاء:
مش خايفة من حاجة
وعاد سؤاله بنفاذ صبر:
امال ماعايزاش تروحي لأم الدَكتور لية بجى؟
هزت رأسها لتكمل كاذبة:
أنا بس مش عايزة افتكر، عايزة افضل فاقدة الذاكرة
سألها وكأنه القاضي هنا يسأل فقط:.

لية وإنتِ مين عرفك إن ماضيكِ مش هيعجبك عشان متفتكريهوش؟
هزت رأسها تردف صدقًا هذه المرة:
أنا حاسه إن الماضي زفت، مش عايزاه، نفسي امحيه من حياتي خالص
وكلماتها تلك المرة لم تكن بدافع الهروب من الطبيب قط..
وإنما كلمات خالدة بين جدران قلبها الذي أوشك على الإنكسار!
ليستمر هو ملقيًا بإهاناته وكلماته التي تقطر سمًا بوجهها:.

وأنا مالي، ماتنسيه ولا تغوري، المهم أتأكد إنك مش تبع الكلاب وإعملي اللي تعمليه إن شاء الله تموتي نفسك!
شعرت جميلة بقرب إنهيار سيلا فاقتربت منهم ممسكة بيد سليم التي تقبض على سيلا فقالت جادة:
خلاص يا سليم، بالهداوة مش كدة
هز رأسه نافيًا ليستطرد غاضبًا:
هداوة اية يا خالة دي هتجنني، أنا قولت لك إني شاكك فيها من البداية
اومأت لتقول بهمس وهي تبتعد عن سيلا التي كانت ترتعش شفتاها محاولةً لحبس دموعها:.

إنتَ قولتلها كلام زي السم يا سليم، كل ده عشان قالتلك مش هاروح للدكتور، طب ما تسيبها يا أخي
أبتعد عنها قليلاً، ليزفر قبل أن يقول بجدية شبه حادة:
لأ يا خالة ماينفعش، إفرض كانت منهم وجاية هنا عشان حاجة معينة، انتِ عارفة إن اعداء شغلي كتير؟
ربتت على كتفه، لتنظر أمامها بشرود، وقد تحدث شرودها فيما تتيقن منه فقالت:
أنتَ بتثق فيا يا سليم صح؟
اومأ مؤكدًا:
أكيد طبعًا يا خالة
ابتسمت وهي تتابع برقة:.

وأنا بأقول لك البنت دي مش من أعدائك، دي فعلاً المفروض مكانها هنا، معانا!
نظر لها مضيقًا عيناه بريبة وسألها:
تقصدي إية يا خالة
تنهدت قائلة بغموض لم يفهمه سليم قط:
أكيد هتفهم كل حاجة في وقتها يا حبيبي، المهم إنك ماتفقدش اعصابك مع البنت دي، دي طيبة أكتر مما كنت تتوقع، وسليم اللي انا اعرفه حليم وهادي مش بيتعصب بسهولة كدة.

اومأ ليزفر بضيق حقيقي عارم، ثم اقترب من سيلا التي كانت تقف كالصنم مكانها، وكأن كلماته كانت مسمار يثبتها بمكانها ولكن مصاحب بالألم الشديد!
فقال مشددًا لها على كل حرف:
يلا هنروح للدكتور دلوقتِ
لم يعطيها فرصة للاعتراض فسحبها من يدها للخارج بينما كانت هي مستسلمة لقدرها...!

ياسين!
قالتها فتاة تقترب من ياسين بنزق مصدوم..
أصبحت أمامه تمامًا، عيناها تكاد تختلع من مكانها لتخنق نادين تلك المسكينة التي كانت تجلس لا حول لها ولا قوة!
بينما همس هو ببلاهة:
إية ده ماهيتاب!؟
اومأت وهي ترفع حاجبها الأيسر مرددة:
أيوة ماهيتاب يا أستاذ خطيبتك، خطيبتك اللي أنت مكنتش بترد عليها بقالك يومين!
أغمض عيناه بملل، ذاك الصوت وذلك الكلام يشعره بالخنقة فعليًا!
هو بحياته لم يكن يرغبها!

كان في حياته كالسلاسل الحديدية تخنقه كلما اقتربت منه اكثر!
نظر لها بهدوء وهو يبرر كاذبًا:
معلش كنت مشغول في الشغل جدًا اليومين دول
نظرت لنادين التي لم تتخلى عن الصمت لحظة كأنه رفيقها الوحيد لتتابع بتهكم جارح:
مش فاضي عندك شغل ولا مطنشني عشان دي!
قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر لها من أعلاها الى امحص قدميها..
لو كانت نادين بوعيها الان وتلقيت تلك النظرة الجارحة لسقطت باكية من تلك الأهانة العميقة!

ولم تكن ماهيتاب بقليلة حتى لا تفعل ذلك..
هي ماهيتاب النجار أبنه أكبر رجل أعمال، خصلاتها المصبوغة تكاد تغطي نظرات عيناها التي تكاد تقتل الجميع..
وملابسها القصيرة تنم عن مستواها الاجتماعي العالي!
بينما صاح ياسين فيها بجدية تحمل بعضًا من الحدة:
اولاً اسمها نادين، ثانيًا دي مريضتي، يعني مش قاعد معاها بتسلى
اجابته بنفس النبرة المغتاظة:
أمال مابتردش عليا لية
صرخ فيها بنفاذ صبر بصوت بدء يرتفع رويدًا رويدًا:.

قولتلك شغل، زفت شغل
ظلت تزفر بقوة وهي مغمضة العينين، تحاول تهدأة نفسها الثائرة..
فهي تعلم جيدًا بل تحفظه عن ظهر قلب، إن غضب وثار عليها سيصبح كالاعصار لا يقف بوجهه اي شخص ابدًا!
اومأت وهي تسأله بشك:
متأكد يا ياسين أنه مجرد شغل؟
كاد يجيبها إلا انه سألها مضيقًا عيناه:
إية ده صحيح إنتِ بتراقبيني يا نادين؟
نظرت للأسفل تفرك اصابعها قبل أن تجيبه:
لا طبعًا، ولا عمري أفكر في كدة
فسألها مرة اخرى بجمود:.

امال ده اسميه أية؟
رفعت كتفيها لتقول ببراءة مصطنعة:
أنا بس قلقت عليك لما لاقيتك مش بترد عليا، ف قمت قولت أجي لك في الدار هنا، انا عارفة إنك اشتغلت فيه وسألت عليك برة قالولي في الأوضة دي
اومأ موافقًا ليقول لها بنبرة شبه آمره:
روحي دلوقتِ وأنا هخلص شغلي واتصل بيكِ نتقابل بليل
كادت تعترض إلا انه قاطعها بخشونة أنهت اعتراضها السخيف:
ماهيتاب، خلصنا ده شغل مش تسلية!

اومأت وهي تعض على شافهها السفلية بحرج وغيظ لتغمغم بعدها:
ماشي يا ياسين، هستنى اتصالك هه
اومأ ياسين بتأكيد:
خلاص يا ماهيتاب خلاص هتصل
استدارت وهي تشير لها لتذهب حانقة من جلوسه بمفرده مع نادين
بينما هو إلتفت الي نادين التي لم تتحرك بالطبع ليهمس بعدها:
أنا مش عارف انا بعمل كدة لية، زهقت!

كانت رقية تتوسط صدر مجدي العاري، تغمض عينيها عل ذاك الحلم الرائع لا تنتشله منها الحقيقة المريرة!
بينما هو لم تزول الابتسامة من ثغره، الفرحة غمرت قلبه المُظلم ولو قليلاً!
تنهد قبل أن يقول بهدوء مُهلل:
ياه، ماتتخيليش أنا مرتاح قد أية دلوقتِ يا رقية
ابتسمت هي الاخرى..
رغم تغاضيها عن كلمة مرتاح وليس سعيد ، تلك الكلمة التي اشعرتها انها يمكن ان تصبح مصدر للأرتياح فقط ليس اكثر!
ولكن هتفت بنفس الهدوء:.

وأنا يا مجدي بردو
سألها بهمس حنون:
إنتِ إية يا قلب مجدي؟
إبتلعت ريقها بصعوبة، لا تحب ذاك الحصار في كلامه..
حصار يجبرها على النطق بمدى عشقها له وقد تندم عليه لاحقًا!
شعرت بيداه تتلمس شفتاها، ووجنتاها تُحمر كأنذار للأجابة..
فقالت بصوت مبحوح:
مرتاحة
سألها مرة اخرى بمراوغة:
مرتاحة بس؟
وكأن الهاتف انقذها من اعتراف قد يجعلها في موضع ضعف
نعم ضعف، العشق يجلب الأسر.

الأسر الذي يجعلها تراه مع زوجته وتصمت، بسبب ذاك العشق!
ابتعد قليلاً ليمسك بهاتفه، توتر افترش على ملامحه السمراء لتلكزه رقية في كتفه قائلة:
في اية مالك ما ترد!
وضع الهاتف بجواره مرة اخرى ليقول بلامبالاة مضطربة:
لا لا تليفون مش مهم
سألته بشك:
مين؟
لم يرد فكررت سؤالها بجدية ظهرت في وقتها المناسب:
مين اللي بيتصل يا مجدي؟
بدور يا رقية
قالها وهو يتأفف من ذاك الهاتف الذي لم يكف عن الاتصال..

سألته وقد بدء الأمر يتضح امامها:
بدور مين، م..
وعجزت عن إكمال تلك الكلمة التي لم يسعفها لسانها لنطقها!
تلك الكلمة التي جهر قلبها باعتراض شديد على مجرد نطق كلمة ستجعله يُمزق حرفيًا!
ليومئ برأسه قبل أن يستطرد بصوت هامس:
اللي لسة متجوزها
ابعدت يدها عنه لتنهض، بالطبع ظهر الحزن والغضب والألم معًا على قسمات وجهها..
من مجرد إتصال!
أتصال اشعل في كل حواسها الغيرة الفطرية من درتها
امسك بذراعها ليسألها بجدية:.

رايحة فين يا رقية
عادت لطبيعتها لتصرخ بحدة:
هغور في داهية ملكش دعوة!
نظر للهاتف الذي طال اتصاله ليرد بغضب:
الووو نعم
...
اية ازاي ده!
...
حاضر حاضر مسافة السكة
...
سلام.

اغلق الهاتف لينهض مرتديًا ملابسه بسرعة وعينا رقية تترقبه وتخترقه..
ودت لو تحرقه قبل أن يذهب!

عاد عزت للمستشفى التي يكمن بها والده، ليدلف الي الغرفة...
وجد والده كما هو، شارد وحزين، وكأنه اقسم ألا يبتسم لتلك الدنيا بعد أن ذهبت هي منها..
اصدر أنينًا قصير وقد دمعت عيناه!
نعم كاد يبكِ بالفعل!
حبه لحفيدته فاق مجرد السير في اوردته، بل اصبح كالادمان يصعب التخلي عنه!
نظر لعزت وسأله بحزن يسيطر على نبرته:
ملاقتهاش بردو يا عزت؟
هز رأسه نافيًا ليجيبه بضيق:.

لا بردو يا بابا، مش عارف كأن الأرض إنشقت وبلعتها!
نظر الاخر امامه بيأس، ليتابع عزت وقد بدء الحزن يظهر في نبرته:
ولا تكون، تكون آآ ماتت زي ماقالوا لنا؟!؟
هز رأسه نافيًا لينهره بشدة:
لا يا عزت لا متقولش كدة
سأله عزت بنفاذ صبر:
امال تفسر اختفاء اسبوع ونص بأية يابويا؟
رفع كتفيه ليرد بقلة حيلة:
اكيد مسيرنا نلاقيها، ان شاء الله ندور عليها العمر كله!
اومأ عزت وهو يردف متمنيًا بصدق:
ان شاء الله.

وفجأة امره والده بجدية:
قوم هاتلي رقم المحامي بتاعي وهات التليفون
سأله عزت بعدم فهم:
لية يعني!
محتاجه
قالها وهو ينظر امامه بجدية صلبة ليقول عزت مستنكرًا:
محتاجه في المستشفى هنا؟
اومأ بأصرار ليستطرد متأففًا بنفاذ صبر:
ايوة يا عزت هو تحقيق يلا روح هاته
نهض عزت بهدوء وهو يغمغم بغضب:
كأن عزت ده عيل صغير ياربي
ثم اتجه للخارج بهدوء ليجلب له ما طلب، بينما الاخر كان يجوف بين محيط افكاره بحزن!..

كانت سيلا تجلس امام ذاك الطبيب الذي سيجعل كذبتها - الاضطرارية - حقيقة أمام الجميع..
حقيقة ستجعلها ترتجف لمجرد اقتراب الصقر منها، وعيناها حملت في طياتها رجاء حار بالطبع لم يلحظه، وخيوط أمل تنقطع امامها ما أن ترى معاملة الطبيب الودية لسليم!
وشيئً ما اقوى من الخوف يعتصر قلبها..
هي ستنفي ايًا كان ما سيقوله!
خاطبت نفسها هكذا ربما لتهدأة عقلها الهائج الذي كان يتخبط صرخًا بين جنبات عقلها!

واقتراب الطبيب ليجلس امامها كان كأقتراب الخوف والقلق اكثر..
بدء جلسته بسؤاله المعتاد:
أسمك اية؟
اجابته بثبات مزيف:
سيلا
سألها مرة اخرى مستفسرًا:
عرفتي أزاي؟
رفعت كتفيها تقول الحقيقة هذه المرة:
انا عرفاه كدة
اومأ ليبدء اسئلته وبالطبع هي تتقن كونها - فاقدة الذاكرة - وما إن انتهى حتى قال لها سليم الذي دلف لتوه:
يا دوك لو سمحت نعمل الأشعة بقا عشان نعرف
اومأ الطبيب مؤكدًا ليجيب برسمية:
حالاً اهو يا استاذ سليم.

وبعد فترة...
فترة مرت على سيلا كدهر، دهر يمر بمراحله البطيئة المعذبة فعليًا
كأنها فترة حرب ونظرات سليم كالسهام موجهه نحوها فيها!
مرت ساعتان وتمت الاشعة وظهرت النتيجة التي ستحدد مصيرها..
استسلمت للأمر الواقع وجلست مغمضة العينين صامتة..
وتقدمت جميلة تجلس بجوارها هادئة ساكنة..
وصدح صوت سليم متساءلاً:
ها يا دكتور اية النتيجة، فعلاً فاقدة الذاكرة ولا؟
نظر له بهدوء ليجيب بعدها وهو ينظر لسيلا نظرات ذات مغزى:.

فاقدة الذاكرة فعلاً، الأشعة اللي عملناها ع المخ وضحت كدة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة