قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر

وصوت بكاءها العالي الذي صدح من خلف باب غرفتها، كان كسهام قاصدة تأنيبه بسمها، ولكن لم تنجح سوى في القليل!
وفعليًا هو طبعه ولا هيشتريه !
القسوة نبتة فطرية وُلدت معه، وكبرت مع مواجهته لهذه الدنيا التي تعلم منها القسوة حرفًا حرفًا...!
حسم قراره ثم طرق الباب، وبالطبع لن تستقبل أي شخص بقلبًا رحب ابدًا!
سترفض أي تدخل كما سترفضه هو حتمًا!
وفتح الباب بمفتاح المنزل الذي يبقى بحوذته دائمًا..

ليجدها تتكور في ركنًا ما في الغرفة تأخذ وضع الجنين وتبكِ بقهر!
قهر تشبعها بجدارة بعدما حاولت مرارًا وتكرارًا التغاضي عنه!
ولكن شعرت كأنه سراب لا يمكن الهرب منه، يجدك أينما حاولت الهرب منه!
وفجأة شعرت بمن يمسح دموعها بطرف اصابعه الخشنة التي لا تناسب نعومة لمسته..
نهضت وهي ترمقه بنظرات حادة مغتاظة، وحمراء من كثرة البكاء ثم هتفت ناحبة:
نعم جاي هنا لية، جاي تكمل جرعة إهانتك
هز رأسه نافيًا:
لأ، مش كدة أنا آآ.

قاطعته وهي تشير له بحدة:
أطلع برة عشان أشوف شغلي
أقترب منها قليلاً لتعود للخلف هي مسرعة بقلق مرددة:
ماتقربش مني
أجاب بثبات:
أما تهدي الاول كدة مش هقرب
عقدت ذراعيها لتتابع بصوت مختنق:
أنا هادية على فكرة ملكش دعوة
ولم يعرف لمَ شعر بتأثير دموعها على قسوته المتحجرة؟!
لمَ لام نفسه على عادة لديه مع الجميع!؟
أستفاق على صوتها الشبه باكِ:
اطلع بررررة بقا
هز رأسه نافيًا، ليقترب منها اكثر مغمغمًا بأسف:.

آآ أنا أ آآ ماتزعليش
يصعب عليه نطقها، يصعب عليه الأعتذار!
الصقر الذي لم يصيبه وباء الضعف والاعتذار يومًا الأن يحاول الوصول لذاك الوباء ولكن يفشل؟!
بينما هي أنفجرت في البكاء الحاد..
يهين ويهين ثم يأتي ليرطب!
أي كائن هذا بحق الله!؟
دفعته بقبضتها الصغيرة وهي تقول باهتياج:
اطلع برة مش عايزة أشوفك ومش عايزاك تعتذر، سيبني لوحدي
أمسك بيدها يثبتها على صدره ليستطرد بخشونة معهودة منه:.

الخالة جميلة هي اللي اضطرتني أجي اشوفك على فكرة
أبتعدت عنه ولم تكف عن البكاء ثم صرخت فيه:
لا ماتسمعش كلامها، أنا اصلاً مش عايزة أشوفك خالص، أنا بكررررهك، بكرهك يا سليم
تكرهه!
هل تكرهه فعليًا؟
سؤال تردد صداه بقلبه قبل عقله..
هل إزدادت إهاناته الغير مقصودة وقسوته إلى مرحلة اللارجوع؟!
هل تحول صبرها من إحتمال عميق لكره اعمق وأعمق!؟
ظل محدق بها وهي تبكِ، وشعوران مختلفان يتأججان داخله.

احداهم يخبره أن يحتضن صغيرته ليهدئ من ثورتها!
أن يخبأها بين ضلوعه فلا تنهار هكذا مرةً اخرى..
والاخر يخبره أن يعنفها أكثر على تلك الكلمة التي قالتها!
ووجد نفسه يهمس بخفوت:
بتكرهيني؟
اومأت مؤكدة بشراسة:
بكرهك وبكره نفسي اللي فكرت اعذرك مرة، وبكره اليوم اللي شوفتك فيه
كز على أسنانه وهو يغمض عينه هاتفًا:
متقدريش تكرهيني
دفعته مرة اخرى للخارج وهي تزمجر فيه بغضب حقيقي:
أطلع بررررة بقا وأبعد عني أنا مش عايزاااك.

وكأنه سمع كلمتها معكوسة فاقترب حتى لفحت أنفاسه صفحة وجهها البيضاء..
احدى يداه تقيد خصرها بقيدًا متملكًا تعرفه جيدًا!
والاخرى تمسك بيداها الصغيرة بين يده، ليهمس بجوار أذنها:
مش بمزاجك أبعد عنك أو لا، ولا حتى بمزاجي للأسف!
ثم ابتعد ليغادر دون كلمة اخرى تاركًا اياها في صدمتها تفكر في كلماته الغريبة!؟
ووجد خالته بالأسفل كما هي، تنتظره وتفضل عدم التدخل اكثر لترى رد فعل، وما إن رآته حتى سألته:.

عملت إية يا سليم
لم يرد عليها وأنما انطلق مغادرًا بصمت تام أقلقها!

وإنتهى مجدي من أغتساله، أنتهى من إفراغ همومه التي من الواضح أنها لن ولم تنتهي، وخرج بهدوء يتنفس الصعداء ويملأ رئتيه بالهواء الطلق..
أستعدادًا لأغراء تلك الخبيثة بالخارج!
وبالفعل خرج ليجدها تقف امام المرآة بكامل أناقتها المعهودة مؤخرًا..
ترتدي قميصًا من اللون الأزرق، قصيرًا جدًا لا يكاد يغطي فوق ركبتيها ذو فتحة واسعة عند منطقة الصدر...

ينظر للجهة الأخرى وهو يترجى عيناه ألا تستسلم لسحرًا من الأغواء يسيطر عليه فيعميه عن أوامر قلبه!
قلبه الذي يضخ بعنف، وخوف من رجلاً يُحارب بأقوى الطرق لهزيمته!
وبالفعل اتجهت هي نحوه لتتلمس صدره العاري وهي تهمس:
لسة تعبان يا حبيبي؟
اومأ وهو يبتعد عنها مغمغمًا:
اه وهنام دلوقتِ
ذهبت وراءه تحايله بدلال:
إية ده إحنا ملحقناش نقعد مع بعض يا مجدي
هو بالأساس لا يريد تلك الجلسة..

تلك الجلسة التي حتمًا سيخرج منها فاقدًا جزءً من عقله بسبب كثرة التأنيب!
رمقها بنظرات جادة وهو يستطرد:
وانا أقعد معاكِ لية أصلاً، ياريت ماتنسيش إحنا متجوزين لية من الأساس
اومأت هي مرددة بغيظ:
ولما أنت مش ناسي أن احنا متجوزين عشان نخلف، ياريت تفتكر إن بطريقتك دي عمرنا ما هنخلف
زفر بقوة قائلاً:
لا هنخلف إن شاء الله
تخصرت وهي تتمايل هاتفة بسخرية - غير خجلة - بالمرة:.

لا والله أذا كان انت مابتجيش جمبي إلا مرة واحدة يبقى أزاي بقا هنخلف، بالبلتووث ولا إية؟
إلتفت لها وهو يزمجر فيها غاضبًا:
إنتِ عايزة اية دلوقتِ، عايزة تتخانقي وخلاص صح
هزت رأسها نافية ببراءة مصطنعة:
لا طبعًا يا مجدي، هو أنا عشان بتناقش معاك تقولي إنتِ عايزة تتخانقي يعني؟!
رفع حاجبه الأيسر متهكمًا:
طب يلا ياختي مش وقت مناقشات عايز اتخمد، احسن وربنا اسيبلكوا البيت ده واقوم اغور
هزت رأسها نافية بسرعة:.

لا لا وعلى إية، الطيب أحسن، نام يا حبيبي نومة العوافي
ثم إستدارت لتسير متجهة امامها، عيناها تكاد تختلع وهي تراقبه..
تراقبه وتدعوا الله في سرها أن ينام وحالاً!
حتى أستقر على الفراش مغمض العينين، فتنهدت بقوة وهي تقول في خلدها:
هيييح، نام نام بالشفى ياخويا
ثم خرجت لتجد والدته تجلس كما هي، اقتربت لتجلس بجوارها، لتسأله الاخرى مسرعة بنزق:.

إية ده يابت إية اللي جابك دلوقتي، ده أنا قولت زمانك عايشة أحلى اوقات حياتك
مطت الاخرى شفتاها مغمغمة بخفوت:
وهو اللي مع ابنك دي هتشوف احلى اوقات غير في تربتها
حدقت بها الاخرى بجدية:
نعم!
هزت رأسها نافية لتستدرك نفسها:
لا طبعًا، أنا بقول يعني مفيش حاجة جايبة نتيجة، لا اغراء ولا غيره
سألتها مستفسرة:
طيب وحطيتيله البتاع على السرير
اومأت بدور مؤكدة:
ايوة طبعًا اول ما دخل الحمام.

تنهدت وهي تربت على يدها قائلة بحماس:
خلاص يبقى إطمني، مفعول الحاجة باتعة مسمع ماشاء الله
عقدت ذراعيها هامسة بغيظ:
أما نشوف الحاجة نيلة دي، ده انا حاسه إني لو جبتله الجني بذات نفسه يقنعه مش هيرضى، مش اعمله سحر بس!
هتشوفي ياختي هتشوفي
قالتها والدته وهي تنتبه للفيلم الرومانسي الذي تشاهده باندماج!
و - الغاية تبرر الوسيلة -
مقولة استُخدمت في الغايات الجادة البريئة!

ولكنها الان، طبقتها حرفًا حرفًا فغايتها للوصول لذاك المجدي، من المفترض أن تبرر وسائلها الخبيثة التي لا تنتهي..
ولكن الان...
استخدامها للسحر على زوجها كنوعًا من الاجبار للتوغل بداخله بجوار كرات دماء التي يسيطر عليها عشق رقية
لا يُبرر، إطلاقًا!

وصل سليم إلى المستشفى ليترجل من سيارته بهدوء وجدية لا يتخلى عنهم، يجوارهم كظله غضب وحنق من نفسه ومن تلك الطفلة التي ندمته فعليًا!؟
إتجه إلى الغرفة التي كانت تقطن بها نادين بخطى مسرعة..
ودلف بعد أن طرق الباب وسمع صوت ياسين الهادئ:
ادخل على طول
نظر لياسين بابتسامة صفراء هاتفًا:
أوعى اكون عطلتك عن حاجة
عطله!

لا ابدًا، والعكس تمامًا رغب في شكره بحرارة على وقتًا ممتعًا مر عليه كدهرًا جميلاً عاد على قلبه بنسمات رطبة هانئة!
وهز رأسه نافيًا وهو يجيبه:
لا خالص، ماتنساش إن ده شغلي اصلاً يا استاذ سليم
قال سليم بجدية:
لا لو على الشغل فهو في مساعدة تفضل معاها، لكن كون إنك عايز تساعدها ده حاجة تاني
اومأ ياسين ببعضًا من التوتر:
مش هتفرق كتير يعني
اومأ سليم وهو يقترب من نادين ليمسك يدها مقبلاً اياها بحنان وقال:.

إية يا حبيبتي عاملة إية دلوقتي؟
وبالطبع لم يجد ردًا فمسد على شعرها وهو يردف بهدوء:
يلا بقا عشان هتيجي معايا البيت يا نادو
سأله ياسين متدخلاً بجدية:
الجلسات النفسية هتجبها لي العيادة ولا إية؟
أجابه سليم بجدية لازمة مماثلة:
إنت تعالى البيت لها بدل ما كنت بتيجي الدار، اللي هيتغير الموقع بس
اومأ ياسين موافقًا:
تمام ماشي.

ونهضت نادين مع سليم متجهين للخارج، ياسين ينتظر، عيناه تقرع قلبها طلبًا لإلتفاته واحدة، نظرة تملئ خانة الصبر والشوق!
ولكن لم تفعل، هي لم تراقبه منذ شهور دون أن يشعر ابدًا!
هي لا تملك مكانًا، للعشق على الإطلاق!
وغادروا هم، ليتركوه هو تحت تأثير محط ذاكرته
فلاش باك
دلفت تلك المساعدة، وإن كان لسانها لم ينطق بالشك فعيناها كانت تموج بالشك القاتل نحو ذلك الوضع!
إستدار ياسين مسرعًا وهو يسألها:.

إنتِ آآ إنتِ إية آآ
سألته بريبة:
في إية يا دكتور؟ إية اللي بيحصل هنا!؟
رفع كتفيه يجيب متلعثمًا:
مفيش، يعني هيكون في إية
أشارت نحو نادين متساءلة:
أمال حضرتك كنت ماسكها كدة لية؟!
موضع الضعف الان لن يجدي نفعًا!
فليتماسك قليلاً، من أجلهما معًا..
ونظر لها بجدية ليقول ءة
فارق معاكِ كتير؟
رفعت كتفيها لتردف بلامبالاة خبيثة:
لا بس انا يعني قصدي إن لازم اكون معاها 24 ف لازم أكون عارفة إية اللي بيحصل معاها.

أشار لها بيده قائلاً:
أنا ونادين هنتخطب قريب، فمفيش داعي تخافي وهي معايا
نظرت له بتعجب لثواني قبل أن تومئ موافقة:
أوكيه يا دكتور ماشي
ثم استدارت لتغادر على وعدًا لنفسها بإخبار سليم، على الفور!

هبطت رقية بعدما إرتدت ملابسها المكونة من جلباب للمنزل وحجابها الصغير يخبئ خصلاتها الناعمة..
وجهها لا يخلو من مساحيق التجميل الي وضعتها على أمل ان تخفي أطياف الحزن التي تلوح بوجهها!
لتجد جدها يجلس بجوار أبيها، نظرت له ورسمت إبتسامة صفراء وهي تحييه:
حمدلله على السلامة يا جدي، أن شاء الله ما تزورش المستشفى تاني إلا في الخير
همس بحبور وهو يربت على رأسها:
تسلمي يا حبيبتي يارب
سألته رقية بهدوء:.

حاسس إنك احسن يا جدي دلوقتي؟
اومأ مؤكدًا بابتسامة صفراء:
اه الحمدلله بقيت أحسن
جلست بجوار والدها بعدما ألقت التحية عليه لتسأله بتوجس:
لسة معرفتوش حاجة عن سيلا بردو يا بابا؟
هز رأسه نافيًا بأسف:
لأ، خالص يا رقية
وغامت سحابة من الحزن العميق في أعين كلاهما ليتنحنح نصار بجدية حزينة:
بخصوص سيلا كنت عايز أقولكم
نظروا له باهتمام:
اتفضل يا بابا خير؟
تنهد قبل أن يقول بعزم منكسر:
سيلا، اتأكدت إنها، ماتت!

نظرت له رقية بصدمة قبل أن تصرخ باهتياج:
لاااااا مستحيل
زفر وهو ينظر للجهة الاخرى متابعًا:
للأسف المستحيل بقا حقيقة يا بنتي
سأله عزت بحزن وضيق معًا:
عرفت أزاي يابويا
ضغط على يده وهو يجيبه بجزع:
عرفت بالطريقة اللي عرفت بيها وخلاص، وياريتني ما عرفت
سأله عزت:
إية اللي هيحصل دلوقتي؟
هز رأسه بحزنًا تعمقه أكثر:
هنعمل، العزاء في اقرب وقت!

وصل كلاً من سليم ونادين الى المنزل، بالطبع دون تلك المساعدة التي اخبرها سليم أنهم لم يصبحوا بحاجتها في هذا الوقت..
وكان سليم يحاول فتح اي حوار يجذب إنتباه نادين ولو قليلاً..
فيجبر أطياف التركيز المتبقي لديها على التجاوب معه!
دلفوا بهدوء ليجلسا بجوار جميلة التي وجدوها تجلس باسترخاء في الحديقة، لتبتسم هي على الفور مغمغمة لنادين:
اهلاً اهلاً نورتي بيتنا يا نودي.

نهضت لتقبل جبينها بحنان فطري قبل أن تقول:
ماشاء الله عليها، جميلة وباينها رقيقة وحاجة هشة كدة
اومأ سليم مؤكدًا وهو يجلس:
اه طبعًا، وده اللي مخليني متمسك بيها كأني اعرفها من سنين مش شهور بس
اومأت جميلة بابتسامة صافية:
طب روح أنت وخليها قاعدة معايا شوية.

واجبره قلبه على السؤال بما على طرف لسانه:
فين سيلا؟
سألته بخبث دفين ؛
بتسأل عنها لية يعني؟
رفع كتفيه بلامبالاة مصطنعة:
عادي يعني كنت عاوزها تعملي كوباية قهوة مش أكتر
مطت شفتيها بعدم رضا:
ما ممكن أي حد يعملها لك يا سليم
زفر بنفاذ صبر:
لا يا خالة لا، هي اللي بتعرف تظبطها، هي فين؟
اشارت للداخل مردفة بهدوء ضاحك:
جوة اكيد مع دادة فاطيما
اومأ موافقًا بجدية:
ماشي أنا طالع.

وكاد ينهض متجهًا لها، ولكن فجأة وبأقل من الثانية كانت عقبة حياته الوحيدة والدائمة تتجسد امامه...
وصوت يعرفه جيدًا ينادي بهدوء مشوق:
سلييييييم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة