قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والعشرون

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والعشرون

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والعشرون

المرء يسعى ويتمنى ويحلم، يستطيع أن يتسلق لأعلي قمة على سطح الأرض، يستطيع ان يصل الي اعماق المحيط، يستطيع أن يسبح في السماء، ربما يستطيع أن يتحكم في حياة البشر لكن ما يقف امامه ويجعله عاجزًا هو القدر.
إن كان ما مر به هو حلم فهو بالتأكيد يهذي، السيارة التي اصطدمت بها ثم فرت هاربة وهو بقي محدقًا في جسدها كانت ك الجثة الهامدة، ك الورقة الخريفية تحركها الرياح أينما شاءت.

دمائها المُراقة ثم تجمع الحشد حولها، صراخ وعويل الجميع ثم ثانية، تتبعها ثانية وهو يجبر عقله بقسوة أن يفيق من تيبسه، يتذكر يوم انتحارها ثم اعترافه بما يجيش بصدره، اعترف بحبه بطريقة ملتوية، رباه أفق خالد انها ماتت، انتفض جسده بقسوة لم تمت لم تمت.

يرددها بهذي ليشعر بيد شخص يهز جسده المتخشب بقسوة، انه ذلك الشاب الحقير، لا يعلم ما حدث سوى انه ما إن رآها محمولة على المحفة متجهين بها إلى الغرفة التي ستحدد مصيرها خر قواه وارتمي ارضًا،
يستوعب ما يحدث له
يحاول ان يفق ويصبح متزنًا
لقد كان منذ قليل يتشاجران كأي حبيبين
يتشاجران، والمشاجرة دفعتها لأن تصدمها سيارة.

اطبق شفتيه المرتعشة بقوة وغطي وجهه بكفيه المرتجفتين، هو السبب، ربما ما كان عليه أن يأتي، ربما ما كان عليه أن يتصرف بعدوانية، او يظهر غضبه في وجهها، الدماء التي تسيل بغزارة حتى لطخت قميصه ارعبته، دماؤها هي، نظر إلى الدماء التي جفت في قميصه ثم عاد النظر إلى كفيه التي يوجد بها دماؤها، رباه هي، التي في الداخل هي لما لا يفيق، لما لا يستوعب تلك الفاجعة، كان يريد ان يتزوجها وإنجاب أطفال كثيرة يشبهونها كثيرًا بخصلاتها الثائرة وبشرتها السمراء الجذابة.

قلبه ينبض بعنف صارخًا يكاد أن يقتلع من قفصه الصدري، عيناه ذابلتين خاويتين بشدة، قلب عيناه نحو الذين بجواره طفل صغير يبكي بقوة ويحتضنه ذلك الذي تشاجر معه مرتين.

اغلق جفنيه بقوة وهو يتذكر حينما اصبحت بين ذراعيه، نبضها كان ضعيف للغاية، ساكنة بين ذراعيه بطريقة مؤلمة، لم يكن يتوقع أنه سيؤذيها بتلك الطريقة، ما كان قادرًا علي أن يفعلها، هي نجمة القطب الخاصة به، ارتعشت شفتيه وهو يتذكر شفتيها التي استحالت للزرقة المخيفة وشحوب وجهها للون ابيض اخافه كاد أن يسقطها ارضًا لكنه شد اعصابه المتلفة حتى تصل للمشفى بسلام، فتح جفنيه واغرورقت مقلتيه وزمرديته المشعة كانت خضراء داكنة، احمر وجهه بقوة وهو يجذب خصلاته البندقية بقوة.

- خالد
استفاق على نداء ابن عمه الذي لبي نداءه بسرعة قصوى، هب من رقدته على الأرض لينظر إلى ابن عمه نظرة ذات مغزى ثم التفت إلى زوجته التي ترتجف حرفيًا بين احضان زوجها، نظر نحوه بلوم وعتاب شديدين ثم همس بصعوبة
- سارة يا إلهي، لم استطيع انقاذها
نكس رأسه ارضًا وهو يشعر بيده علي تربت علي ظهره
- اهدأ ستصبح بخير
نظر إلى ابن عمه بقوة وعيناه كانت كالجمرتين المقتدة، ارتمي علي المقعد بوهن وغمغم بخواء.

- لقد كانت غارقة في الدماء ولم يخرج احدًا حتى الآن
في تلك اللحظة تحديدًا شعر ب التي بجواره ازدادت ثقلاً علي صدره قفز قلبه هلعًا وهو يثبت خصرها بقوة وهمس بألم
- ليان
لم يتلقى ردًا منها، ربت بخفة على وجنتيها وهو يفيقها، يشعر بانه يسير على صفيح ساخن وهو يصرخ هادرًا
- طبيب هنا رجاءًا.

استجاب عدة ممرضات وطبيب وهما ينقلونها علي المحفة، القي زين عدة عبارات قبل أن يلحق بزوجته، نظر خالد إلى اثره بشرود وقبضة باردة اعتصرت قلبه، لقد سقطت الضحية الثانية
الى متى؟، الي متي سيستمر بتعذيب الاخرين بدون قصد منه؟، الى متى؟، أخفي وجهه بين كفيه وهو يردد ابتهالات وادعيه في حفظ سارة، نجمة القطب الخاصة به.
- عمو.

همس بها يامن بشحوب وهو يتذكر حينما عاد ورأي مشاجرة الشاحنة بين عمه وحبيب صديقته، هي ترفض أن تعلنها صراحة وهو يعلم انه يحبها، عض شفتيه حينما هرول خلفهم يرى كيف سينتهي ذلك الشجار ودون سابق انذار رآها اصطدمت بالسيارة وحبيبها كان يحتاج لصعقة كهربائية ليفيقه من تصنمه، استجاب دعائه حينما أتى عمه بسرعة وهو الذي انتشلهم من صدمتهم، ربت كريم على ظهره وهو يهتف بصمود
- هتكون كويسة يا يامن.

ارتجف حينما رن هاتفه لينتسل الهاتف من بنطاله ليقول بشرود
- بابا بيرن هشوفه
هز رأسه ايجابًا ليعود النظر إلى الجسد الذي يرتجف بقوة بأسف، يا إلهي يحبها، يحبها بقوة، لا لا يحبها هناك شيء اكبر بينهما بل أعمق، اغلق جفنيه وهو يدعي الله ان ينجي محبوبه ذلك العاشق ليستمع إلى صوت خاف مرتجف
- لا تعاقبها يا ربي بسبب اخطائي.

كان يسير ملتفتًا يمينًا ويسارًا باحثًا عن غرفة العمليات وبجواره زوجته التي تهون عليه قليلاً. بقدر صدمته وذهوله منذ سماعه للخبر إلا انه هرع بقوة وهو يستند بقوة على عصاه الخشبية.
الجلسات العلاجية التي تلقاها بعد عمليته ساعدته كثيرًا على أن يعود للسير على قدميه، تيبس جسده ما إن رأي رجل وطفل جالس على المقعد وآخر مسجي علي الارض هرع بقوة وهو يتحدث بغلظة
- سارة بنتى حصلها ايه؟

تفاجيء خالد من وجوده، هل هاتفه زين؟ اللعنة عليه، نظر اليه وعيناه ك الجمرتين فاقده معنى للحياة قائلا بهمس
- في الداخل لا اعلم لما لم يخرج احدًا
زفر إبراهيم بحدة وهو يراه هنا، كظم غيظه وهو يقول بتوعد
- ان حدث لها شيئًا بسببك صدقني لن تجد ما يسرك
كبحت سعاد دموعها وهي تتمسك ساعد زوجها قائلة بهدوء
- ابراهيم اهدا علشان نفهم حصل ايه؟
أطرق رأسه ارضًا وهو يشير بأصبع الاتهام نحو خالد الصامت.

- مش كفاية ليان كمان جاي في سارة، لا انا مش هسكت
ساعدته على الجلوس في المقعد وهي تقول برزانة تكاد تحسد عليها الان
- ابراهيم اهدا علشان ضغطك ميرتفعش.

نفخ إبراهيم بضيق وهو ينظر اليه بنظرات متوعدة، ارتجفت شفتيه وهو يضغط انامله بقوة على عصاه الخشبية مرددًا بضع الهمهمات، ربتت سعاد علي مرفقه وهي تنظر الي خالد وحالته المزرية كرجل فقد النطق والشعور عما حوله ينظر إلى باب الغرفة بأمل ثم يعود ينكس رأسه للاسفل، دمعت عيناها لتزيلهم بسرعة لن تبكي، يجب ان تكون صامدة زوجها علي وشك ان يقتل الرجل البائس على الاقل تستطيع ان تفصل العراك القادم بينهما
-تيته سعاد.

همس بها يامن وهو يمسك كفها بهدوء، نظرت سعاد إليه بأهتمام وهو يستطرد قائلاً
- عمو اللي هناك معملش حاجه هي كانت خناقة بسيطة بين عمي وهو بس
ثم ارتسم على شفتيه ابتسامة باهتة ورماديته الكئيبة تعصفان حزنًا
- عمو قالي انها هتكون كويسة وانا واثق فيه
كبحت دموعها بقوة وهي تحتضن الطفل الصغير بين ذراعيها وعيناها معلقتان بشرود نحو خالد.

يدور ذهابًا وايابًا في الرواق وكل عضله في صدره تهتز خشية وتوترًا، اللعنة عليه لما أجاب على الهاتف وهي بجواره، مجرد حديث خالد الغير مفهوم لم يلتقط سوى اسم ساره وما أن أغلق الهاتف اضطر لاخبارها، كانت عنيدة وصعبة المراس وهي تخبره انها ستأتي معه بل تناست كليًا موعد الطبيب المزعوم، اغلق جفنيه بأسى ثم فتحهم باضطراب حينما رأي الطبيب يخرج بهدوء من الغرفة
- كيف هي؟

تأفف الطبيب من ذلك الإنجليزي وهتف بأختصار
- لا تقلق سيدي الجنين بخير
اتسعت عيناه ذهولاً من تأفف الطبيب ليجز على اسنانه صائحًا بغضب
- اللعنة عليك ما بالي بالطفل الان اتحدث عن زوجتي كيف هي وما وضعها؟
اغمض الطبيب جفنيه يائسًا وهو يخلع نظارته الطبية
- زوجتك بخير لا تقلق مجرد هبوط في ضغط الدم لكنها بخير الان
ثم بدون كلمة أخرى غادر ليتوجه نحو المريض الآخر الذي ينتظره في غرفته، غمغم ساخرًا
- ما بال هذه المشفي؟

تبعها خروج الممرضة وهي تتحدث ببساطة وانجليزية ركيكة عن احوال زوجته ثم غادرت بهدوء، جمع شتات عقله وتجهز بدنيًا لرؤيتها، وقبل ان يضع كفه علي المقبض شعر بأيد تضغط علي سرواله حدج بقوة نحو القامة الصغيرة ليقول بعبوس طفيف
- من أنت يا فتى؟

لما يشعر أنه يشاهد مسلسل درامي انجليزى ممل؟ اين المصريين؟، لما اختارت تلك العائلة الإنجليز؟! الا انهم اشد وسامة وخطورة وجاذبية؟! هو ايضًا وسيم صاح بها ساخرًا دون أن ينبس ببنت شفة ثم عدل لسانه وهو يقول ب انجليزية متقنة
- اتيت بصحبة عمي، أخبرني هل شقيقة سارة بخير؟
ضيق زين جبينه بعبوس طفيف لذلك الفتى الصغير ويبدو أنه يعلم العائلة جيدًا ليرد بأقتضاب
- نعم بخير
وقبل أن يدلف قاطعه بمرح.

- لقد اخبرتني سارة انها تحمل طفلاً لذا ان كانت فتاة تحمل صفاتك ك عيون زرقاء سأخذها اما ان كان ولد نستطيع ان نصبح اصدقاء
تيبس جسده لبرهة وهو يستوعب ما يقوله ذلك الصغير، شمله في نظرة متفحصة الصبي لم يتجاوز العاشرة مؤكد لم يتجاوز ذلك العمر، زفر بحدة
- الا يكفي ذلك الطبيب الأحمق من اين اتيت؟
استمع الى عدة شتائم بالانجليزية ليرد بلا مبالاة
- لقد اخبرتك، ثم لقد اتى والدي سارة وهما يوبخان صاحب الشعر البندقي.

اتسعت عيناه هلعًا وهو على علم جيد بعلاقة ابن عمه وحماه المتوترة لينفلت من بين شفتيه شتيمه نابية وهو يشعث شعره قائلاً
- يالهي لقد اخبرتهم ليان
ثم تابع ببصره إلى صاحب العيون الرمادية ليهتف بلهجة حادة امرأة
- هل اخبرتهم شيئًا عما حدث؟
بقدر لم يعجبه نبرته الحادة الجافئة وكأن خادم له، الا انه يعذره هو الآخر متوتر للغاية يلاحظ ذلك من توتر شفتيه علي فترات قصيرة ليردف بمشاكسة.

- لا تقلق يا صديقي لم اخبرهم لكن انتبه ان اصبحت فتاة سأتزوجها
أنهى عبارته بتصميم قوي جعل زين تتسع اعينه زهولاً منه ومن جرائته في الحديث معه، رباه لم يعلم جنس الجنين بعد! وذلك الذي لا يصل لخصره يخبره ببساطة انه سيأخذ صغيرته القادمة منه، علي جثته حقّا.

زفرات حارة، تجعد الجبين، نظرات تُحرق من المجلس، مزيج من التوعد والغضب وأعمقها حزن شديد، تلك النظرات يبعثها الاب الي القابع على الأرض وحواسه كلها نحو باب الغرفة، تمسكت سعاد ب ذراعه قائلة بهدوء
- ابراهيم براحة عليه، انت مش شايفة مدمر ازاي؟ استهدي بالله ان شاء الله خير.

حدجها بنظرة نارية ليعود النظر مرة أخرى إلى الباب بأمل، تثاقلت أنفاسه حينما خرج الطبيب من الغرفة نازعًا القناع الطبي بملامح هادئه لينتفض ابراهيم وهو يهتف بلهفة
- طمني يا دكتور
نظر إليهم بهدوء وهتف بعملية
- حضراتكم مين؟
- انا مامتها.

- رغم الدم اللي نزف بغزاره بس اتكتبلها عمر جديد متقلقوش هي بخير احنا خيطنا الجرح والحمدلله محصلش نزيف داخلي حالتها مستقرة حاليًا هتقعد في العناية المركزة لمدة ٢٤ ساعة علشان نطمن عليها
عقد ابراهيم ملامحه وقد تراخت انامله على عصاه الخشبية ليسرع كريم الواقف على مسافة بعيدة الى مساندته بينما همست سعاد بلهفة ودموعها تنحدر بحرية الى وجنتيها
- بنتي كويسة مش كده يا دكتور؟
ابتسم الطبيب بهدوء ورد بعملية.

- بخير يا حاجه عن اذنكم
اجلسه كريم علي المقعد ليعود إلى الذي ينظر نحوهم بقلق، لم يستوعب ولا كلمة مما قالها، رغم دروسه المكثفة لتعلم العربية لم يستطيع ان يفهم ما قالوه بل عقله شل كليًا عن الإدراك تمني ان يتقدم ويتساءل عن حالتها الصحية لكن من هو؟ ماذا يقرب لها؟، لا شيء حاليًا، اجفلت عيناه نحو ذلك الحقير وهو يقول متنهدًا براحة
- اهدأ يا رفيقي انها بخير.

انفرجت من شفتيه ابتسامة شاحبة ليخر ساجدًا وهو يزيح تلك الغمة علي صدره، انفلتت دمعات حارة من مقلتيه وهو يردد بهذي كلمات غير مفهومة والآخر يشاهده ب ذهول، لم يتوقع أن يجده يبكي وامام الجميع؟! توقع أن ينزوي ويأخذ بقعة غير مرئية ليخرج جميع مشاعره، بُهت للحظات وهو ينظر الى ابن اخيه الذي غمز بعينيه وهو يضم كلا كفيه على شكل قلب ابتسم بخفه وهو يستمع إليه يهتف بحنق
- اتعلم لو كنت في زمن آخر كنت قتلتك.

قطب حاجبيه وذهول طفيف اعتري ملامحه من هيئته الجامدة عكس انهياره منذ ثوانٍ ليهز كلا كفيه وهو يقول بمشاكسة
- اهدأ يا ثور، حسنًا سأغادر الآن وسأتي غدًا مع يامن
وذلك المشهد لم يختفي عن انظار سعاد وهي تراقب الرجلين بجمود لتعود إلى تهدئة اعصاب ابراهيم المنفلتة وهي حقًا تود من يهدء من روعها منذ ان سمعت ب نبأ ابنتها.

كان منتظرًا أن تفيق وهو جالس بترقب علي الفراش بجوارها يمسك كفها بقوة يقبل اناملها برقة هامسًا بدفء إلى بضع كلمات عن موقف الصغير ذو العيون الرمادية الماكرة ورغبته بالزواج ب ابنته، قبل باطن كفها وهو يشعر بتمللها لتفتح قهوتها بأعين ناعسة وسقف الغرفة مختلف كليًا عن سقف غرفتهما، شعرت بهمساته وصوته الدافئ وعطره كان له الأفضلية بتهدئه روعها ليضرب عقلها صاعقة وهي تهمس بشرود
- سارة.

ثم حاولت أن تنتفض من مضجعها ليعيدها إلى الفراش بهدوء وهو يقول باطمئنان
- اهدأي عزيزتي انها بخير
رمشت أهدابها الكثيفة عدة مرات ك علامة لعدم التصديق لتتجمع الدموع وهي على حافة الانهيار
- حقًا؟
قبل جبهتها بدفء مزيلاً دموعها بانامله
- نعم لا تقلقي
ودون سابق إنذار وضعت اناملها اسفل معدتها قائلة بضياع
- وطفلتي؟

غشاوة رقيقة حاوطت مقلتيه و ذكرى يوم المشفي لا تبارح عقله، قبلاته وكأنها المرة الاخيرة واسفه واعتذاره وهي ما زالت تحت تأثير المخدر لم تعي لما يقوله، دفن وجهه في ثنايا عنقها وهو يغمغم بهدوء
- بخير لا تقلقي.

استغرق عدة لحظات وهو يحاول ان يمنع ارتجاف شفتيه مطبقًا اياهم بقوة، وانامله تتشبث بقوة على خصرها والأخرى تداعب خصلات شعرها الناعمة، ازال حجابها منذ فترة وظل يتأملها لدقائق لم يحسبهم ل تفاصيل وجهها الهادىء، رقتها وحلاوتها وهالة مضيئه منبعثة من وجهها كان أول ما صدمه منذ رؤيته لها لأول مرة، اشتدت أنامله بقوة وهو يهمس بصوت خشن
- لا تعلمين كيف كنت اشعر وانا اراكي مغشي عليك بين ذراعي.

تفهمت ما يحاول ان يصل اليه، صمتت ولم تعقب مخصصه له مساحة لأن يفيق من صدمته هو الآخر، لمست باناملها خصلاته الكستنائية المشعثة والمرتخية على جبينه لتهبط بأناملها على لحيته المهذبة وشاربه قائلة
-هل أتى بابا؟
هز رأسه وهو ينظر ب رمادية كئيبة نحو مقلتيها وتوتر عضلات وجهه من لمساتها ليقول
- نعم يوبخ القبطان كثيرًا.

ظهر تعابير الأسى علي وجهها وهي تهبط بأناملها الي نحره تتحس عرقة النافر الذي ينبض بقوة مرسلاً قشعريرة خفيفة الي جسدها وعيناه الرمادية تنقشع بهدوء ليحل زرقاويه الراقية
- وهو؟
اغمض جفنيه للحظات وهو لا يعلم لما تداعبه الآن وفي المشفى؟! اناملها تتحرك بجرأة ادهشته الي عنقه ثم تهبط بخبث الي صدره البارز من فتحة قميصه صعودًا وهبوطًا بأنامل شاردة وهو، أعانه الله حقًا.

همس بعنف وتثاقلت انفاسه ليلفح موجات حارة على وجهها
- صامت حالته كما رأيته من قبل مزرية للغاية
ابتسمت ب خفه وكأنها لا تعلم اذا ارادت عائلة الحديدي شيئًا لن يعرقل احدًا أن يأخذوا ما يريدونه أزاحت اناملها بقوة منتفضة حينما وضعت كفها بلا وعي على مضخته الثائرة، نظر اليها بقوة لتشيح عيناها بخجل نحو الباب الذي انفتح فجأة و تدلف منه سعاد التي زفرت براحة على حالة ابنتها الاخرى
- بنتي.

همست بصدمة وعيناها تتوجه نحو زين بعتاب
- ماما
قابل نظرتها بأخير جامدة قائلا
- كما اخبرتي عائلتك عن شقيقتك اخبرتهم عما حدث لكي
قبل باطن كفها برقة وهمس بنعومة
- سأعود بعد قليل لياني.

تصاعدت حمرة طفيفة الى وجنتيها وهو يهتف اسمها المدلل امام والدتها، لترفع ب بصرها إلى والدتها التي تنظر اليها بنظرة ذات مغزى تعلمها جيدًا، جمدتها نظرة والدتها لتعبس ملامحها فجأة وكأنها تذكرها او تفيقها ان قربه هنا لأجل محدد، حقًا أيرحل؟!

كان جالسًا على المقعد مسندًا مرفقيه على فخذيه ويده اليمني تبعثر خصلات شعره البندقيه ليشعر بأنه لم يعد بمفرده رفع بصره نحو ابن عمه ليبتسم بسخرية لاذعة
- ماذا هل تريد اضافة شيء، انت الاخر؟

ابتلع غصة مؤلمة في حلقه، منذ قليل كان مراقبًا اياها من النافذة أنابيب ومعدات ضخمة تمر بجسدها الضئيل، لم يثق بذلك الطبيب كليًا ليسرع بمهاتفه طبيب في لندن يسأله عن اعراض إصابتها وعندما اخبره عن احتمالية تعرضها لاصابة فقدان ذاكرة كان علي وشك ان يسقط صريعًا
استند زين بجذعه على الحائط وهو يعقد ذراعيه صائحًا
- لم تخبرني انك هنا؟
اشاح ببصره عنه غير مستعدًا لأن ينشب عراك مع ابن عمه الان، رد باقتضاب.

- لقد اتيت في الصباح
ثم رفع ببصره نحوه وقال بنبرة تحذيرية
- هل أخبرت ايضًا السيد زيدان لتكتمل الرابطة؟!
ود زين للحظة ان يسمع ابي بدلا من السيد زيدان، يتكلم امام الجميع مع والده برسميه ولكن حينما يكونان بمفردهما الله اعلم ما يحدث، رفع مكنبيه ورد بلا مبالاة
- في الواقع نعم
ثم استطرد ببرود
- سيأتي غدًا
زفر خالد بحرارة غير مستعدًا لأن يتلقي توبيخ والده وكأنه طفل في العاشرة من العمر ليردف بسخرية.

- اللعنة كل المصائب تأتي تباعًا
هتف زين بجمود وهو ينظر الى ساعة معصمه للساعة التي تخطت منتصف الليل
- الن تغادر؟
ضغط علي شفتيه بقوة وهو يغرس انامه في راحة يده كي لا يلكم وجه ابن عمه، ألا يعلم ماذا تعني الراقدة على الفراش له؟ الجميع يعلم لكن والدها لا يعلم، بل يعلم لكنه غير مكترث اطلاقًا
- سأظل هنا حتى تستيقظ
- لا اظن أن السيد إبراهيم،
قاطعه بعنف وهو يشدد انامله بقسوة علي خصلات شعره البندقية.

- لا آبه به اطلاقا بسببه لكانت اصبحت زوجتي منذ شهور
لم يعقب على حديث ابن عمه وهو يعلم أنه في مزاج سيء، يبدو ان السيد ابراهيم لعب على وتر حساس وحينما شعر أنه يريد إفراغ شحناته السيئة، لن يتردد ل يفرغها في اول شخص امامه، سمعه يقول بهدوء
- اذهب واهتم بزوجتك.

عيناه تفشيان عمقه النابع من قلبه علي حال كلا ابنتيه غير مستعد كليًا بأن يسلم ابنه اخرى لعائلة الحديدي، غير مستعد أن يلقيها إلى التهلكة، دماءهم الغريبة ولعنة تصيبك حينما تقترب منهم وكأن هناك حبائل وهمية تقيدك، لا تستطيع أن تقطع تلك الحبائل ولا انت بقادر على العيش بدونها، كونك مقيدًا لكن تشعر بروحك معه وبمغادرته تغادر روحك، لم يكذب زوج ابنته حينما اخبره انه امتلك روح ابنته وهجرها عنه سيعذبها هي اولاً قبل ان يعذبه هو الآخر، كاد ان يفتك به لكن نظراته الخاوية وهمساته وتوسله علي وجود زوجته بجواره لفترة حملها سيكون حلا مرضيًا للطرفين، مسح دمعة حارة وهو ينظر إلى حالة ابنته الأخرى لن يكذب ان الاخر يريدها بشدة ويشعر بأن هناك كيمياء خفية بينهما لكن ابدًا لن يكررها هتف بها بتصميم ليشعر بيد حانية علي كفه وصوت يهمس بهدوء.

- ابراهيم
استطردت بهدوء
- كفاية كده يا ابراهيم صحتك مش هتستحمل
اخشوشن صوته وهو يراقب ابنته التي تشع وتضج حيوية راقدة ك الجثة الهامدة علي الفراش
- واسيب بناتي هنا
تمسكت كفه بهدوء وهي تري رفضه الجلي علي قسمات وجهه
- ليان معاها جوزها وانا هنا.

تنهد بحرارة وهو يطرق بعصبية على عصاه الخشبية اكثر ما يكرهه الشعور بالعجز كما حدث الآن ومنذ اكثر من اربعة أعوام جذب نظره ذلك المتحذلق وهو يتقدم بلهفة نحوهما أو نقول بمعني أدق نحوها هي، تجعدت ملامحه وهو يقول بتهكم
- وده طبعًا راشق
نظرت من خلف كتفيها الي الرجل المنشود لتتنهد بحرارة وهي تقول بهدوء
- سيبه يا ابراهيم انت مكنتش كده لما سيبت زين يرجع ل ليان.

رمش أهدابه عدة مرات وهو يستمع إلى نبرة زوجته المعاتبة، أليس هي من وافقت على عودته إليها بعد كل ما حدث؟ أتعاتبه الان وتستجيب لنداء ذلك المتحذلق بل تقف في صفه
- وانا مش عارف من أمتي بقيتي متعاطفة معاه؟
تنهدت سعاد بسأم ثم هتفت بنبرة ذات مغزى وهي تسترق النظر نحو الآخر الذي ينظر بشحوب نحو النافذة الزجاجية الفاصلة
- رفضته علشان كان صريح معاك وقالك علي حياته السابقة قبل ما يفوق من اللي فيه.

زفر بحنق وهو ينظر الي خالد بنظرات مشتعلة ولو كانت النظرات تحرق لأحرقت خالد من موضعه
- مش وقته يا سعاد بعدين نتكلم في الموضوع ده
علما أنهما لم يصبحا مفردين بسبب وجود زين وهو يهتف بنبرة هادئة
- سيد ابراهيم وسيدة سعاد هيا سأعيدكما إلى المنزل لا تقلقا سأهتم بالوضع هنا، يجب عليكما الراحة يوجد عدة ساعات قليلة حتى أذان الفجر
همست سعاد وهي تتمسك ساعده
- يالا يا ابراهيم انت مخدتش الدوا النهاردة.

استسلم مرغمًا وهو يحدج خالد الغير مبالي اطلاقًا ليعود النظر نحو زوج ابنته وهو يسير بجوارهم بهدوء وعقله يهمس بنبرة تهدأ نيران ولوعة قلبه ستصبح ابنته بخير، ستصبح ابنته بخير.

أفتقدك،
أفتقدك أكثر من أي وقت مضى
أكثر من اهتمامك برسوماتك
بشغفك بالموسيقى والروايات
أفتقدك،
ك اشتياق الأعمي للضوء
والأصم إلى الصوت
واليتيم إلى حضن الأم
كل الافتقاد في العالم أشعر به
أكثر من إعجابي ب ابتسامتك
وعشقي لشعرك الطويل
ولعيناك حين تداعبها الشمس
أفتقدك،
لأنك ملجأي ومدينتي
لأنك وطني ومأمني
ولا أفهم كيف اخبرك عن ما أشعر به
فأنا في المنتصف
أتأرجح وأتمايل
بين القلق الترقب من رحيلك
أفتقدك،.

فلا تعاندي، فلا تيأسي
فلا تستسلمي، فلا تغادريني
يا نجمتي القطبية
شعر بوجود يد تربت على ظهره ليلتفت بملامح كئيبة وشكل مبعثر الي والده، يود البكاء والصراخ والثوران في آن واحد
الصراخ في وجه الطبيب، الثوران للممرضة الحمقاء التي لا تسمح له برؤيه نجمته، البكاء بجوارها هي متمسكًا بكفها
- ستصبح بخير بني.

أغمض جفنيه وهو ينظر الي النافذة الزجاجية الفاصلة بينهما وكأن حدود واميال عليه ان يقطعها لوصولها وليس بضعة امتار قصيرة
- ابي لقد مر ثلاثة ايام دون ان تفق
ثم اغلق جفنيه وارتعش فكه وهو يهمس بنبرة ابحه
- لا اعلم ماذا سيحدث لي ان حدث لها شيء؟

بهت وجه زيدان وهو لأول مرة يرى حالة ابنه المزرية من أجل فتاة، رفع بنظره الي زين الجالس بجوار زوجته التي عاندت بالخروج من غرفتها قابل نظراته بنظرة اخري ذات معنى ليعود النظر اليه قائلاً
- لن يحدث لها شيء، مؤشراتها الحيوية بخير ولا يوجد ضرر جسدي سوى من رضوخ في جسدها وذراعها اليمنى المكسورة
لم يستمع إلى حديث والده وكأن صبره منذ ثلاثة أيام قد نفذ، نظر الي والده وهتف بتصميم
- سأذهب اليها.

اتسعت اعين زيدان وهو يراه يسير متجهًا نحو الغرفة
- امجنون انت؟!، هذا ممنوع
ونبرته كانت جامدة، قوية وهو ينظر الي والده
- لا يوجد شيء ممنوع ل خالد الحديدي.

عناد، وقوة العزيمة، وعدم الاستسلام، وعدم وجود شيء يدعي بالمستحيل ل عائلة الحديدي المتجذرة في أفرادها، كأن الابن يذكر أبيه صفاتهم ليرمق زيدان ابن أخيه الذي هز رأسه ايجابًا ثم عاد يتحدث بخفوت لزوجته، اغمض زيدان جفنيه بيأس وكأنه يستطيع أن يعوق طريق ابنه!

الأمر تم بسهولة بعدة وريقات نقدية باهظة بتغير الممرضة ثم عدة وريقات أخرى للممرضة الجديدة مقابل عدة دقائق قصيرة تكاد تحسب، ما ساعده ان الممرضة اسدلت الستائر الداكنة على النافذة الزجاجية ثم همسها الخافت مخبرة اياه عن عدد الدقائق بل الثواني المحسوبة له ثم ببساطة غادرت المكان بهدوء.

حدق بها لبرهة وهو ينظر الى وجهها الذي استحال لون ابيض شاحب ورائحة المعقمات منبعثة بقوة في الغرفة جعله غير قادر علي ان يلتقط نسمة من عبيرها الشرقي، جفنيها المنغلقين ك ستار عازل من رؤية قهوتها الدافئة، ذراعها اليمني المحاطة بجبس ابيض ورأسها الملفوف به رباطة بيضاء، ارتعش كفه بقوة ونبضات قلبه الثائرة يجعله يتمسك بحذر كفها الايسر الخامل، همس مترددًا
-نجمتي.

صمتت للحظات متخيلاً ردها الجافيء وهي تخبره بأسمها وعدم تجاوزه لحدوده، شهقة مؤلمة خرجت من شفتيه وهو يتمسك كفها بقوة ضاغطًا بأنامله ك محاولة ان يبث الحياة داخلها وهو يقول.

- حدثيني حبيبتي أيعقل أن تغادرني؟، لن اسمح لك نجمتي، من سيرقص لي ها أخبريني؟، من سأشاكسه ساره؟ هل ستحرمينِ من ضحكتك الفاتنة ونظراتك المشاكسة، هل ستمنعني ساره من رؤية تورد وجنتيك؟، ألن أراك عروس ساره وترتدين الفستان الأبيض لي؟!، اجيبيني من فضلك لا تعذبيني، لا تغادري سارة بعد أن ظللت ابحث طوال سنين عمري عن مرساي الدافيء، الا تريدين ان نكون معًا؟، الا تبادليني نفس شعوري نجمتي؟!، يا نجمة القطب الخاصة بي اجيبيني حبيبتي، عودي سريعًا لاني اموت بدونك اقسم اشعر ان روحي تنسحب ببطء وانا اقف عاجزًا، اعدك انني سأحاول التحكم في تحكماتي بك اعدك أنني سأتعلم ضبط النفس والا اغضب بسرعة، لكن هذا لا يعني انى لن الكم من حاول الاقتراب منك يجب أن القنهم درسًا عن عدم النظر لما ليس لهم، هيا نجمتي افيقي سريعًا لنتحدي كلانا من يمنعنا من ان نبقى معًا، والدك يكرهني بشدة لكني اعذره لانني السبب، الجميع هنا ينتظرونك لقد قابلت منذ قليل شاب يدعى شهاب يخبرني انه اخيك الاكبر ارأيتي سارة لقد اصبح يوجد محاربين يتصيدوا لي ويكبحوا عزيمتي، عودي من فضلك عودي لا استطيع ان اواجههم بمفردي.

كمية المشاعر الجياشة التي خرجت من شفتيه وهو يتحدث بسخرية ثم حزن عميق يتغلغل حلقه ثم عودته للضحك بألم، مناجاته لحبيبته الراقدة على الفراش وهو يستسمح عطفًا لها للعودة لوعيها مرة اخرى، عزيمته وقوته الواهية وهو يخلل أنامله بين اناملها ب صمت، صمت خانق اجثم انفاسه منتظرًا ردها، منتظرًا حركة او ايماءة من رأسها والجواب أتاه من صوت اخر يهمس بهدوء
- الوقت انتهى ارجو المغادرة.

نظر اليها مرة اخيرة وهو يرفع كفها يلثمه بدفء ثم صاح بجمود للممرضة
- حسنًا
قام من مجلسه بتكاسل وروحه متعلقة بها، لا يشعر بجسده الذي يسير بتراخي و روحه الهامدة، عاد عدة خطوات نحوها وهو يلثم جبينها متنهدًا بحرارة
- احبك، احبك كثيرًا ساره
وقد صرح القبطان اخيرًا بحبه، لكن هل من رد؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة