قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس عشر

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس عشر

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس عشر

شكراً لأنك أحببتني
ومن وجودك حرمتني
وبمنتهى الرّقة تركتني
وبنفس الدّقة ذبحتني
شكراً لأنك أحببتني
فهجرتني فآلمتني
فقتلتَ قلبي، لا والله بل قتلتني.
فقدان ذاكرة مؤقت أصابها، ومضات سريعة تمر في ذاكرتها عن ما حدث ليلة أمس، ليلة أمس!
إذا ما حدث حقيقة، حتى آخر ثانية ظنت أن ما حدث مجرد حلم، او حلم على هيئة كابوس.

فتحت جفنيها بخمول وهي تمرر بعينها على النائم بجوارها يضم جسدها بحميمة ورفق، لاحت ابتسامه ساخرة وهي تقلب بعينها نحو أنحاء غرفتها، رأت ثوبها المفضل ملقي علي الأرض، تتذكر ذلك الثوب جيدًا لقد اهدتها لها الجدة في إحدى زيارتها لها الي القرية، برغم ما فعله زين إلا إنها مواظبة علي زيارتها كما طلبت منها.

تأوهت بوهن وهي تشعر بخدر في جميع انحاء جسدها، ألقت بوجهها نحوه مرة أخرى وهي تراه نائم بعمق، كيف يستطيع أن ينام بكل ذلك العمق بعد ما فعله، بالله كيف يحتضنها بكل ذلك الرفق بعد ليلة امس، كيف له الحق بأن يدفن وجهه في عنقها، كيف له الحق أن يناما سويًا في فراشها هي، منزلها هي الخالي من اي عبق من رائحته.

ازاحت يده بهدوء وهي تنهض من فراشها بخطوات هادئة نحو المرحاض، القت نظرة عابرة اليه قبل ان تغلق باب المرحاض.
نظرت إلى هيئتها المزرية في المرآة، أغمضت جفنيها ودوار عنيف يتخبط في عقلها، تمسكت بالمغسلة جيدًا وهي تفتح جفنيها مرة اخرى
ليست هي، من في المرآه العاكسة ليست هي، بل شبحًا.

شعر مشعث، كدمات زرقاء وأخرى تحولت للون لأرجواني منتشرة بتفرق اسفل جيدها، دققت النظر الي شفتيها المتورمة من اثر سحقه، غشاوة رقيقة شوش بصرها لتفك ازرار قميصه بأنامل مرتعشة واصوات شهقاتها تكتمها بعنف، سقط القميص على الأرض لتغمض جفنيها بقوة وهي تمتنع من رؤية المزيد ب، بخجل!

توجهت أسفل الصنبور ليتساقط رذاذ المياه على جسدها، لن تبكي، لن تبكي هنا، أغلقت الصنبور بأيدي مرتعشة لتسحب مئزر وتغطي به جسدها ك علامة لماذا؟!، لا تعلم مجرد حماية، اخر ذره قوة أو جمود، ربما!

توجهت نحو الغرفة مرة اخري وهي تجده يحتضن وسادتها بين ذراعيه، هزت رأسها يائسة وهي تتوجه نحو طاولة الزينة تخفي آثار ما حدث ليلة الماضي بآلية شديدة، تكاد تحسد نفسها على تلك الصلابة التي اتخذتها حتى تلك اللحظة، ارتدت ثيابها واخذت جميع متعلقاتها وبين كل دقيقة وأخرى تلقي بنظرها عليه، ألتلك الدرجة مستغرق في النوم وكأنه لم ينم دهرًا!، كان في الماضي يستيقظ مبكرًا حتى من أقل همسة، أو حركة تصدر في الغرفة.

هزت رأسها يائسة للمرة التي لا تعلم عددها وهي تغلق سحاب حقيبتها السفرية وتتوجه نحو الباب بخطوات ثابتة محددة نحو وجهتها التالية.
طرقات علي باب مكتب سيد زيدان استرعى انتباهه، أمر الطارق بالدخول لينصدم من وجود هيئة أخرى غير التي يعلمها قام من مقعده على الفور وهتف بصدمة
- ليان.

ابتسمت بألم وهي تخلع نظارتها القاتمة لينصدم من عيناها التي تنظر نحوه بخواء. هيئة غريبة لم يعتاد عليها من قبل، اغمض جفنيه وهو يتوعد له، ذلك الثور الآخر من المؤكد دمر آخر ورقة رابحة له، فتح جفنيه لينصدم وهي تعطيه ورقة
- ايه ده؟
- ورقة استقالتي.

وكأنه لا يعلم ما هي، كان يخشي من أن تحدث تلك اللحظة امامه، لكن يبدو أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، طوي الورقة ووضعها على سطح مكتبه، نظر من النافذة الزجاجية، قال بغموض
- مكنتش متوقع انك هتستسلمي بالسهولة دي
فرت دمعة هاربة وأدتها سريعا باناملها وهي تقول بسخرية مغلفة بألم
- واضح ان بعد كل اللي حصل لسه زي ما انا.

ابتلع مرارة في حلقه وهو لا يعلم لما مكتوب علي الجميع من يقترب من العائلة تُصبه لعنة عائلة الحديدي، شعر بها تتحرك نحو الباب ليهتف بصوت خفيض
- ليان
استدارت نحوه وهي تنظر اليه بجمود، جمود سيتحول بعد ثوانٍ قليلة إلى انفجار، ثوران، غضب، نوبة بكاء
تساقطت دموعها بأريحية وهي تهتف بصوت مرتجف.

- شكرًا علي كل حاجه، كنت الايد اللي بتساعدني وبتشجعني علشان اقدر اتغلب على كل سقطة، بس للاسف انا مش هقدر اكمل، ورقة طلاقي توصلني في اقرب وقت وانا واثقة انك هتساعدني في طلبي الاخير
هز زيدان رأسه بإيجاب، لتنظر نحوه بامتنان ونظرة مودعة، تحركت نحو الباب لتدير المقبض بهدوء، انتهى كل شيء، كل شيء. جمودها المكتسب، اقنعتها الزائفة، عملها، الأشخاص، البلدة، زواجها،.

تمتمت بقهر وهي تضرب بقوة على موضع قلبها اطلقت زمجرة تخرج من أعماق، اعماقها التي تحولت إلى أشلاء
-بكرهك، بكرهك.

- هند
سمعت صوت نداء جدتها لتلبي النداء وهي تقتحم غرفتها بلهفة قائلة
- ايوا يا تيته
قطبت الجدة حاجبيها بشدة وتساءلت بتعجب وهي تراها مرتدية منامتها المنزلية
- ايه ده انتي مش رايحة الشغل
هزت رأسها نافية لتجلس على الفراش قائلة ببساطة كأنها تلقي خبرًا سمعته في المذياع
- لا استقالت
شهقت الجدة بجزع و همست بقلق
- ايه حصل
ضمت كفيّ الجدة بين يديها وقالت ببساطة.

- المدير الجديد بجد قرف عشتي ومستحملتش فقررت اسيب الشركة وحاليا اتقدمت طلب لكذا شركة ويا مسهل
نظرت الي عين جدتها المتفحصة وبها بعض الخبث مثل عينيه، ازدردت ريقها بتوتر وقالت بمزاح وهي تمسد عنقها بتوتر
- بتبصيلي كدا ليه
ابتسمت صباح وهي لا تصدق تحول وجنتي هند الي حمراء متقدة، يبدو ان هناك رجل في حياتها وهي اصبحت تخجل ان تتحدث معها مثل السابق، ضحكت صباح وقالت بخبث
- عينك بقت غريبة عن الأول.

توسعت عينا هند وهي تنتفض من الفراش قائلة بتوتر ونفي كاذب
- انا، لا لا اكيد في حاجه دخلت عيني
غمزت الجدة بمكر وقد ازداد يقينها أن المدير الجديد الذي تسبه كل ليلة وكل ساعة ما هو الا عاشقها الذي تخفيه عنها
- هو انا قولت ان عينك حصلها حاجه، بقول ان عينك اتغيرت لونها ووشك بقي يحمر بطريقة غريبة عكس الاول
اخفت وجنتيها سريعا وهي تبعثر شعرها قائلة بصوت عالي
- الدوا، ازاي نسيت الدوا، ثواني اجيبهولك.

ركضت تسابق الريح لتبتسم صباح قائلة في خفوت
- ماشي يا بنت حسني
امسكت مسبحتها وهي تتلو بعض الادعية والاذكار كعادة كل صباح لتمتم في خفوت
- يارب يا رب.

شياطين تحوم حوله، شياطين من الإنس وليس من الجن، احلام متفرقة، ذكريات طفولة مع لحن هادئ مخيف تعبث الرهبة للقلوب.
لكل انسان له ماضي، لكل انسان له شيطان، لكل انسان له نزعة للشر،
لك كامل الحرية أن تستسلم لشياطينك او تحاربها لأخر نفس يتردد في داخلك، هو من اختار محاربة الشياطين حتى هزمهم ب ضراوة ووحشية، لم يستسلم لمصيره لم يستسلم لقدره، حارب وكافح حتى أصبح ما أراد أن يصبح عليه.

يتذكر يوم مجيئه لمكتب اسماعيل الرافعي أم نقول والده!، كلا الأحوال لا تفرق كثيرًا يبدو انه يريد ان يمارس أبوته معه بعد مرور اعوام اصبح لا يحسبهم!
- خير
رفع اسماعيل حاجبه وقال مستهجنًا
- واضح ان درية معرفتش تربي ابنها كويس
زمجر بوحشية وهو ينظر إليه بتوعد و عينيه الصافيتين تتحول إلى بركان ناري مشتعل
- متجبش سيرة امي على لسانك انت فاهمني.

لم يهتز جفن اسماعيل بل جلس بكل اريحيه وهدوء وهو يلقي آمرًا كما يلقي على موظفيه بكل غطرسة وعنجهية
- عزيزة بنت سيادة الوزير اتفقت معاهم علي خطوبتك بيها اجهز علي اخر الاسبوع عشان هنروحلهم
صمت خيم المكان ثم ما لبث أن أطلق سالم ضحكة صاخبة وهو يقول
- بتهزر ولا بتهرج
تألقت شرارة داكنة في مقلتي اسماعيل وهو يقول بخشونة معنفًا
- ولد.

ايعنفه؟!، بعد كل تلك السنوات وهو اصبح يفوقه طولا وعرضًا يوبخه ك طفل صغير، جز على أسنانه بغيظ وهو يشتم بين أسنانه كي لا ينفجر به، ابتسم ببرود قائلاً
- اسف يا سيادة المستشار بس انا مليش دعوة بالاتفاقات اللي بتحصل، انا وانت منتهين متجمعناش الا علاقة واحدة بس اسمك اللي جنب اسمي مش اكتر
رفع بصره بترفع وقال بتهكم واضح
- لسه مصمم على خطوبتك مع اللي اسمها سارة إبراهيم
ابتسم بين ضروسه التي تصطك بعنف وقال.

- اعتقد دي حياتي و انت ملكش اي حق تتدخل فيها بعد ما قررت بنفسك وكامل ارادتك بعدت عننا، متحاولش تمارس ابوتك بعد الوقت ده
رنين هاتف أخرجه من شروده، ضغط زر الإجابة وقال بمرح
- صباح الخير
ردت بحبور شديد صارخة في وجهه بسبب صوت الضجيج
- ايه الاخبار؟
لم تمهله ثانية وهي تهمس بغنج معاتب
- انت وحش ومضايقة جدًا ومش مسمحاك يا سالم علي اللي عملته
هم بالرد لتقاطعه للمرة الثانية قائلة بصوت متلهف
- هتطول.

انتظر لثواني كي يعلم أتدعه يتحدث ام تثرثر كعادتها، زفر براحة وقال
- شهرين بس وهرجع
مطت شفتيها بعبوس وهتفت بتبرم
- طويل جدا ثم مين هيلعب معايا ببجي
ضحك مجلجلاً وهو يسير في شقته الضيقة قائلاً بمشاكسة
- يامن معاكِ
ضربت بكف يدها الحرة علي جبهتها وهي تتذكر شيئًا ما لتقول
- عيد ميلاد يامن قرب وبفكر اروحله
- سارة
سمعت صوته العابس، لتمط شفتيها بضيق وهي تهمس بحذر.

- متتقلبش دراكولا كده، انا الصراحة اترددت وسألت بابا بس هو رفض علشان كده جيتلك وطلبت منك تتوسطله
اغلق جفنيه وهو يزفر بحنق، ألهذا سبب مكالمتها! مرر أنامله على خصلات شعره القصيرة بيأس، إلى متى ستنضج الى متى! الى متى ستهاتفه ويكون محور حديثهم عن شيء خاص بهما فقط ليس لها واشيائها الخاصة، توقع انها قررت ان تفرج عنه قليلا وتزفه خبر زفافهم أو خطبتهم؟!

سمع صوتها الملح قائلة بعاطفة شديدة وهي تلقي آخر ورقة رابحة لها
- بلييز يا سالم نفسي اشوفه بجد بقالنا شهور بنلعب مع بعض ومتقبلناش
فتح جفنيه وقال بهدوء
- طيب طيب هشوف الموضوع ده
قفزت بمرح وهي تظفر بنجاحها لتحقيق طلبها الذي كان معضلة بالنسبة لها، تمتمت بامتنان وهي غير عابئة بالنظرات الفضولية حولها وهي في المرحاض الملحق بالسيدات
- حبيبي يا سالم، هلحق اطير بقي علي المعرض وبعدين هكلمك علي الواتس لما ارجع.

اغمض جفنيك لثانية وتخيل أسوأ كوابيسك، ستجدها مفزعة أليس كذلك، ربما لن تستطيع ان تتحملها او ربما تصاب بنوبة قلبية، لذا كل ما عليك فعله هو أن تبقي عينيك مفتوحة، تحمل المفزع والمروع امام عينك لأن صدقًا عزيزي ما في خيالك هو أفظع من الحقيقة.
عينان محمرة بقوة، جسد متهاون يتخبط ك ورقة خريف متساقطة تجرها الرياح أينما شاءت، قلب متألم، مفطور، عقل اصبح لا يعمل، روح انسحبت عن الجسد.

لقد فارقت الحياة، نعم كم هي صعبة لحظة الفراق، عندها تنتهي الكلمات وتكتفي الدموع بالتعبير، حزن القلب، ودمعة العين، واسترجاع كل الذّكريات، الذّكريات هي الشيء الّذي يبقى لدينا بعد الفراق، ذكريات سعيدة أم حزينة لا يهم.
رن بتهاون علي باب صديقه لينتظر عدة ثواني كأنها دهرًا وحينما فتح صديقه الباب، استمع لشهقه ثم ما سارع ان اقترب منه بلهفة
- خالد ما بك؟

نظر اليه بتألم وعيناه الزمردية الكئيبة يعصفان بلون ترابي داكن، همس في خفوت
- ماتت
ازدرد ريق بكر بتوتر ليسحب ذراع صديقه الى المنزل قائلا بهدوء
- تفضل صديقي.

سار بجواره بقله حيله وهو حتى الآن يتذكر منذ ساعات قليلة ماذا حدث، كان سيزورها للمرة الثانية كان سيضع اللوم عليها وليس على الجد المتوفي منذ سنوات عديدة، هي من استسلمت واختارت مفارقة زوجها، هي الطرف الخائن، هي الأضعف في تلك العلاقة لم تحارب حبها، هي سبب تعاسته، استمع الى صوت بكر وهو يقول بصوت هادىء
- حسنا اخبرني.

لم يشعر بمتي جلس على الأريكة ولا بكوب القهوة التي في يديه، كل ما يتذكره هو انه نظر الى وجهها للمرة الأخيرة
همس بصوت مختنق وصراع داخلي يموج به.

- ارادتني ان اسامحها بعد ما فعلته بي، اخبرتني انه سيكون اللقاء الأخير لكن لم أتصور أن يحدث ذلك بسرعة، اصبحت الان عاجزًا لا اعلم ماذا افعل، في الصباح هاتفني الطبيب واخبرني انها ماتت وحينما انتهيت من الإجراءات جئت اليك، لم اكن اتصور انها سترحل بتلك السرعة كان يوجد لدي الكثير من الاتهامات الكثير من الاسئلة الكثير من العتاب ولكن كل ذلك رحل برحيلها، قلبي اصبح مشتت بكر
ربت بكر بلطف على ذراعه قائلا ً.

- اهدأ صديقي اهدأ
- حديثها لا استطيع ان انساه بسهوله، لقد تعبت حقًا
- هل اخبرت آليا او السيد زيدان
هز رأسه نافيا وهو يشعث خصلات شعره بشرود
- كلا، يكفي ما هو به، آليا لا تستطيع المجيء مرتبطة بأشياء كثيرة في إيطاليا.

لعدة دقائق ظل ساكنًا وهو يخضع مقارنة بسيطة بينه وبينها، هي وقعت في الحب وهو ايضًا، هي استسلمت مع أول عقبة في حياتها وهو ايضًا، اذا هو يسير على نهجها، عاد الى موطنه خائب الرجا مع ظهور أول عقبة في طريقه للوصول إليها،
عند تلك النقطة انتفض من مجلسه علي الفور وهو يتوجه نحو الباب، جعل بكر يقوم من مجلسه وهو يصيح بتعجب
- الى اين تذهب؟
رد في تعجل وهو يفتح باب الشقة ويسير في الرواق
- سأذهب للحاق بالاخري.

امسكه بكر قائلا في خفوت وهو يرى حالته التي تبدلت من الأنكسار والضعف الي القوة والصلابة، ازدرد ريقه بصعوبة وهو يرى تحول عيناه الي لون فيروزي لامعة بوهج اجفله للحظة
- من يا رجل؟
تنهد بحرارة وهو يزيح يد بكر التي تعرقله عن مهمته
- نجمتي
هز بكر راسه بقلة حيلة وهو يتوجه نحو شقته
- من ماذا مصنوع ذلك الرجل؟!

- فؤاد ايه اللي حصلك ده؟!
صاح بها زيدان بجزع وهو يرى الضحية رقم اثنان أمامه، ضحك فؤاد بمرح وهو يضع الكيس المحتوي على قطع ثلج على وجنته المتورمة بألم قائلاً بمزاح
- متقلقش يا استاذ زيدان، مجرد اتوبيس صغير هجم عليا بليل
زفر زيدان بحدة وهو يرى ذراع فؤاد اليسرى المصابة ووجه الذي تحول زينه من الكدمات الحمراء والزرقاء، همس بتساؤل
- هو مش كده.

هز رأسه ايجابًا وما زال هو يمرر الكيس علي وجنته الأخري قائلاً بتأوه
- ايده تقيلة حبتين، اخدت علقه مووت محترمة، هري فيا ضرب ولا كأنه بينفض سجادة
كتم زيدان ضحكة منفلتة من طريقة حديثه ليسحب هاتفه بهدوء ببعض عبارات للسكرتيرة، اغلق الهاتف ثم همس معتذرًا
- اسف
حمحم فؤاد بجدية وهو يقول بحذر
- بتعتذر علي ايه بس يا استاذ زيدان، هو الصراحة مرضاش يسيبني غير لما عرف من جاري اني دكتور نفساني
اتسع اعين زيدان زهولاً.

- اتهجم عليك في الشقة
- نينجا يا باشا
همس بها فؤاد بألم ثم تابع بجدية
- بس تمام الحمدلله رحت المستشفى جبست دارعي علي شويه مسكنات وحقن وبقيت زي الفل وعشرة
إن اخبره احد ان زياد من فعل ذلك حتمًا لن يصدقه، لكن ابنه عاشق، عاشق حد النخاع وغيرته عمته، اردف بهدوء
- فؤاد، حبيتها مش كده.

توقف للحظات وهو لوهلة يشعر بالخزي، الرجل الذي ائتمنه على فتاة يعتبرها كأبنه له وقع في حبها، هو حتمًا لم يكن يقصد ذلك، مهنته على مدار السنين هي معالجتها وتخطي العقبات التي استوقفتها لا أن يقع في حب مريضته، لكن قلبه ليس عليه بسلطان، همس بتوتر
- اكدب عليك يا استاذ زيدان لو قلتلك لأ، انا مقدر موقفه وغيرته والا كنت عملت تصرف تاني
ربت زيدان على ذراعه السليمة بهدوء.

- انا مش عارف اشكرك ازاي علي المجهود اللي عملته معاها من ٣ سنين
رد بعملية طبيب وهو يستقيم واقفًا وحكايته هنا تنتهي، أدى مهمته على أكمل وجه عليه الان الخوض مع حكاية جديدة وأشخاص جدد
- انا عملت واجبي ك دكتور قبل صديق، عن اذنك
سار بضع خطوات حتى توقف أمام الباب، ليستدير على عقبيه وهو يقول
- استاذ زيدان، ياريت تبلغ اعتذاري ل ليان
هز زيدان رأسه بهدوء التفتت إلى النافذة وهمس بحنق
- كل شيء اتهد في لمح البصر.

شاردة تنظر الي النافذة تتذكر تحديدًا يوم نجدتها من براثن العصابة،.

بيث هي العامل الأساسي لإنقاذها اخبرتها بشماتة ان ميشيل يريد التخلص منها وطفلها حينما يأخذ ميشيل ما يريده من زوجها، طوال تلك الفترة لم تستطيع ان تتناول شيئًا وإن أكلت تتأكل بعض اللقيمات فقط، كانت محاوطة في الظلام من كل جانب لتستمع فجأة الى صوت تبادل إطلاق النار وكأن حرب العالمية الثالثة أقيمت خارج الغرفة المحبوسة بها، لم تنتهي الذخائر ولم يستسلم اي الخصمين، بعد فترة ليست بقليلة توقف اطلاق النيران لتشعر بمن يفتح الباب الحديدي والصدمة كانت جلية حينما رأت رجلاً ضخمًا يتبعها خلفها بيث، أغمضت جفنيها استعدادًا للهلاك لتتذكر صوت بيث وهي تخبرها بلهفة.

- سيأخذك كريستين الي رجال زوجك، كوني قوية وصامدة من اجل طفلك
لم تفهم كلمتها تحديدًا رغم شعورها بألم اسفل معدتها، وبعدها حاوطها الظلام من كل جهة...
أفاقت من شرودها على صوت ليلي
- ليان
-ماذا؟
همست بها بصوت متحشرج لتقول ليلي بحنو
- هيا انه طعام العشاء
حمحمت ليان بأحراج وهي تتجه معها نحو طاولة الطعام
- انني محرجة حقًا على وجودي هنا ليلتين لكنني لم أجد غيرك اعلمه.

- هل انتي مجنونة ليان ما بك يا مختلة، أنسيتي انكِ اويتني في منزلك بدل الجلوس مع الكلاب الشاردة
جلست علي المقعد وهي تعبث بشوكتها في الطبق، نظرت ليلي الي آنا بغضب وهي تراها متسخة اليدين بسبب الألوان
- آنا توقفي عزيزتي ماذا قلت لكي لا تأتي الى هنا ويدك متسخة
اعتذرت بلباقة إلى ليان قبل أن تقبض علي آنا من ملابسها
- دقيقة وسأعود.

ليلي الوحيدة المقربة لها في الغربة، كانت ستعود إلى موطنها لكن العم زيدان اخبرها ان تبقى بضعة أيام في لندن قبل أن تعود للموطن، وحينما خيرها ان تكون في قصره أو اي فندق كانت ستختار اي فندق لولا تدخل ليلى وإصرارها على المكوث في منزلها كون أن زوجها في رحلة عمل
عادت ليلى وهي تحمل صغيرتها قائلة بتعب.

- اتعلمين تلك المشاغبة لا تستمع إلى حديثي تستمع الي حديث والدها وتصبح بين ذراعيه كالقطة، لا اعلم اين كان عقلي حينما قررت ان انجب
- حفظك الله لها
تذمرت آنا بعبوس
- أين الطعام؟
- اجلسي عزيزتي هنا
شردت نحو الطعام الذي لم تتمسه قط لتجفل من لمسه ليلي وهي تقول بعطف
- ليان تناولي طعامك من فضلك.

تأفف يامن بضيق وهو يري تحول مناسبة عائلية الى مناسبة اجتماعية، العديد من الأشخاص السمجة وأطفال رغم انهم يقاربون في عمره لكنه لم يتقبلهم ابدًا، جلس على المقعد أمام باب الفيلا المفتوح على مصراعيه وهو ينظر الي الضيوف بملل حتى الآن لم تأتي اي واحدة منهما، رغم أن سارة قد أخبرته في الصباح انها ستأتي وجده اخبره ان هند ستأتي.

تهللت اساريره ما أن رأى سارة امام الباب تلتفت يمينًا ويسارًا بين ذلك الحشد بحثًا عنه، انطلق كالمدفع نحوها وهو يصيح بصوت مرتفع جذب انتباهها
- سارة
استدارت نحو مصدر الصوت وعلي شفتيها ابتسامة رائعة، اول مرة تراه على الحقيقة رغم مرور الشهور وهي تتذكر معرفتها به من خلال لعبة ببجي السؤال الذي يدور في خلدها هو اسم العائلة آل الهندي ، نفضت أفكارها جانبًا وقالت وهي تنحني حتى أصبحت في موازية لطوله قائلة.

- يامن، كل سنة وانت طيب يارب الهدية تعجبك
احتضنها بقوة رد فعل ادهشها وهو يهمس بامتنان
- بجد اتبسطت جدا انك جيتي، تعالي اعرفك على جدو
لم تستوعب للحظة وهي تجد انها تجذب بقوة وتسير بين الحشد، قالت بصوت عالي لعله يستمع
- استني براحة يا بني
لم يرد توجه بها إلى الحديقة الخلفية واقترب من جده الجالس مع عجائز من عمره
- جدووو.

صاح بها يامن بقوة جعل مرتضي يقوم من مجلسه ما إن رأي معه فتاة شابة، ابتسم مرتضي حتي اقترب يامن ويده متشابكة في يد سارة وقال مُعرفًا
- هي دي سارة
ابتسم مرتضي وهو يصافح سارة صديقته في عالم الافتراضي قائلا بود
- اهلا بيكي ي بنتي
- اهلا يا فندم
استأذن بلباقة وهو يعود مرة اخرى الى اصدقاؤه، ظل يامن يدور برأسه يمينًا ويسارًا حتى وجد هند تسير بهدوء متجه نحو مرتضي
صاح بتعجل وهو يمسك كف سارة.

- تعالي اعرفك على المزة اهي هناك
- مزة!
لم يدعها تستوعب ما تقوله لتجده يسحبها بقوه لا تعلمها وهو يقول
- متنصدميش زي جدو
اقترب منها و خلفه سارة، لتقول هند وهي تزفر براحة ما إن وجدته امامها وهي تقدم العلية المغلفة قائلة
- كل سنة وانت طيب
- شكرا
- صراحة اترددت جدًا في الهدية بس يا رب تعجبك.

حديث يدور بين يامن وهند وسارة في عالم آخر، تدقق النظر إلى التي تحادث يامن، لم تصدق ان التي امامها تشبه شقيقتها كثيرًا لكن يوجد بعض الاختلافات في طريقة ثيابها وتحررها عكس شقيقتها
هزها يامن بعنف وهو يقول
- سارة، سارة
استفاقت سريعًا وهي تهتف قائلة بأعتذار ل هند التي ترمقها بتعجب
- ها، اسفه، بس انتِ شبه واحدة اعرفها
قطبت هند حاجبيها بتعجب قائلة
- بجد؟!، تعرفي في حد قالهالي قبل كده.

همت هند بمتابعة حديثها لتجد صرخة من يامن وهو يقول
- تيشيرت من محمد صلاح، شكرا جدًا جدًا بجد
ثم لم تلبث حتى وجدته يحتضنها بقوه وهي تشعر برأسه عند معدتها تحديدًا، هبطت لمستواه لتتفاجأ به يرتمي بجسده في عناق عميق وترها لثانيه ثم مالبثت ان بادلت عناقه وهي تربت على خصلاته الكثيفة المرتبة بعناية
- علي فكره انا بحبك جدًا.

همس بها بجوار اذنها، لم تكن خبيثة او مخادعة، او نبرة مجاملة، كانت تخرج من أعماقه، زلزلتها كلماته البسيطة لتلقي نظرة أخرى نحو مرتضي الذي نظر نحوها بامتنان بسبب حضورها، لولاه لم وطئت ذلك المنزل، ولم تكن ستأتي إلى المنزل إلا بعد أن اخبرها عن توتر العلاقة بين الأب والأبن.

- متشكر جدًا
همس بها مرتضي بامتنان وهو لا يعلم أي عبارة توفي حقها، ردت بلطف وعيناها تمرران بتفحص وتحمد من عدم وجود التنين المجنح حتى الآن
- علي ايه بس يا استاذ مرتضى انا معملتش حاجه
- مساء الخير
عضت شفتيها بقهر من صوت التنين الخشن الرجولي صادرًا خلف عنقها، تماسكت اعصابها جيدًا وهي تستدير اليه قائلة في خفوت
- مساء النور
ودت الأنسحاب الآن لتجد رجلا يسحب السيد مرتضي ببعض الأعمال، استأذن بهدوء.

- خمس دقايق وهرجعلك
هزت رأسها بإيماء لتصطدم عيناها بعينه اللامعة بوميض فضي اربكها للحظة، ارسل قشعريرة لذيذة الي جسدها، سبت نفسها وسبت عقلها الذي يخفق بقوة وقالت بصوت جامد
- بتبصلي كدا ليه
- ببص ازاي
صاحت بتهكم وهي تقلب عيناها ببرود متحاشية النظر إلى وسامته الفجة
- نظراتك ولا كأنك بتتحرش بيا
- قريب اووي هتعجبك
امتقع وجهها بحمرة قانية وهي تهتف بحرج
- انت ازاي كده.

هي غبية، غبية للغاية، لما وقفت معه، استدرات تغادر بخطوات مهرولة، لقد أدت مهمتها التي كلفها السيد مرتضى ستعود الآن المنزل، كف غليظة امتدت الي ذراعها جعلتها تشهق بعنف وهو يديرها اليه بقوة، كادت ان تصطدم بصدره في ثانية لولا ان ثبت جسدها بذراعه الأخري صاحت لتسبه وجدته يبعد ذراعيه في حرج وقال
- اسف وشكرا.

نظر الى عيناها الفضوليتين ليتابع بأسف وعيناه تمران على فستانها المحتشم الذي لا يظهر اي شيء منه، وخصلات شعرها التي احكمت وثاقها جيدًا زفر براحة علي هيئة ملابسها التي ارضته
- اسف على اي فعل متدني عملته معاكي، وشكرا علي الهدية وإن كان علي الاستقالة ف انا وافقت عليها
ابتسامة شقت طريقها، تبعها ضحك ساخر وهي تقول بسخرية.

- غريبه، اتوقعتك هتديني كلمة حقيرة كده او كده، مثلا وعلي العموم الهدية ل يامن واعتذارك غير مقبول أستاذ راشد
استدارت مرة أخرى للمغادرة إلا ان يده منعتها قائلا بصوت خافت
- هند
وااااه من هند التي خرجت اول مرة من شفتيه، أغمضت جفنيها وهي تحاول ابعاد تلك الكلمة التي تغلفت بسحر
- تتجوزيني
تيبست أطرافها وخفق قلبها بقوة حتى كادت ان تشعر بالاختناق، تحلم هي صحيح!

التفت نحوه بجمود بعد أن أفاقت من تلك الغيبوبة الوردية وقالت بنبرة لاذعة
- ده بقي عشان الطفل ما يعيش طول حياته بدون ام ولا علشان اشباع رغبات سيادتك
قطب حاجبيه بضيق وهتف بتعجب
- افندم!
انفلتت عدة ضحكات ساخرة وهي تقول بشراسة.

- دلوقتي بس عرفت ليه كنت بتبصلي بإشمئزاز وسخرية من اول ما اشتغلت مع حضرتك، فاكرني السكرتيرة الحقيرة اللي بتشتغل بس علشان الفلوس ولما لقت راجل عجوز قالت تقلب منه اللي حيلته بس ازاي و ليه ابن يقدر يدافع عن ممتلكاتهم العملاقة، وطبعًا لما السكرتيرة الحقيرة لقت انه مفيش فايدة من العجوز قالت ترسم على ابنه وطبعًا ملقتش غير الحفيد هو اللي يقدر يحل مشكلتها.

ايعقل تلك هند، تلك القطة الوديعة تحولت إلي نمرة شرسة، عبوس طغي علي ملامحه وهو حتى الآن يلعن نفسه علي تفكيره بها كما قالت هي والسؤال هنا يطرح نفسه، ما الذي غيرها؟، وكيف علمت صراعاته الداخلية
- انتِ بتقولي ايه؟
صاح بها بحدة لترد هي ببرود وهي تكتف ذراعيها
- بقول اللي كنت بتحاول توصلهولي بفعل او بنظرة او بكلمة جارحة
- مين قالك الكلام ده؟
غشاوة شوشت عيناها وهي تهمس بصوت متحشرج.

- صاحبك اللي خلاك تيجي هنا وتعيش مع والد حضرتك، تعرف هو الوحيد اللي كان بيبصلي بشماته ولما بعت ورقة استقالتي سمعت منه كلام عمري ما اتخيلت اني اسمعه، عن اذنك
استوقفها مرة اخري وهو يضم جسدها بين ذراعيه مدحضًا اي محاولة للفرار منه مرة اخرى، نظر الى عيناها المتألمة وجسدها الذي يرتجف بين ذراعيه وقال بصوت هامس
- هند اسمعي
منعته وازاحت ذراعيه بهدوء من خصرها قائلة بصوت متحشرج.

- من فضلك علشان منخليش الناس تبص علينا، كل اللي عاوزة اقوله اني انا مش حقيرة للدرجة ديه، ربنا يعلم قد ايه استاذ مرتضي وابن حضرتك بحبهم زي عيلتي اللي فقدتها ويمكن اكتر
- انا
قاطعته وهي تهتف بإنهيار وتمسح عباراتها الخائنة من علي وجنتيها.

- مش هقولك غير حاجة واحدة بس، عيلتك اهم من الفلوس، انا للأسف اتحرمت من دفا الاب والام وانا صغيرة ارجوك متكررش نفس غلطة بابا وماما لطفلك، ابنك محتاج ليك الفترة دى أكثر من أي وقت، خليه يشغل ولو ساعة او اتنين كل يوم من يومك
اغمض جفنيه بقسوة وهو يسب صديقه ويسب كل شيء، هو يريدها يعترف بذلك، يريدها بجواره، عائلته الصغيره تحتاجها بقوة، همس بهدوء وهو يحاول ان يمد بأنامله الى وجنتيها إلا أنها منعته.

- هند انا
أخذت نفسًا عميقًا وهي تحرك بؤبؤ عيناها نحو المكان الهاديء وعدم وجود اعين فضولية، هزت رأسها ساخرة وهي تقول
- اما انا متقلقش السكرتيرة الحقيرة هتبعد عن حياة حضرتك نهائي.

تغادر حياته بعد أن اقتحمتها بكل صلف وعنجهية، ألن يرى تورد وجنتيها مرة اخرى، سيرها المتعثر بكعب الحذاء العالي، والتنورات السخيفة التي تذهب لُب عقله، وشعرها الثائر بقوة في اشد لحظات جنونها، رائحة عطرها التي تزكم انفاسه تجعله يتخبط ويتيه وكأنها ألقت لعنة شرقية جعلته يستسلم لها ويقع في سحر تلك الشرقية.

جذب ذراعها بقوة ليرطدم جسدها بجسده، سمع تأوه خافت لترفع عيناها نحو بريق فضيته اللامع بقوة اخافتها، شعرت بجسدها اصبح هلامي من نظراته الهائمة، حاولت مرارًا وتكرارًا أن تشيح بعيناها عنه لكن لم تستطيع أن تقطع التواصل البصري بين دفء عينيها وفضيته اللامعة جعلته يقترب اكثر وهو يدنو برأسه نحو رأسها هامسًا بصوت خشن
- بحبك، تتجوزيني.

أين أنتِ يا من جعلتيني لليل أشتكو
وفي النهار لم أجد بقائي أو فكري
وفي ساعات الغروب أشعر بخوفي
وفي لحظات الشروق أنتظر أملي
فهل تكوني شمسي وقمري؟
اشتقتك ليلة وبعض من نهارها
استوحشت وجودي بعيداً عنك يا قرة عيني
أجيبي العاشق الولهان المُتيّم بك.

كان جالسًا في مكتبه شاردًا في زوجته التي تركت منزلها في الصباح الباكر منذ خمسة أيام، شعر بكل فعل وكل حركة تصدر منها بداية من تمصلها الهادىء بين ذراعيه حتى خروجها من الغرفة، كان هو وقتها هائمًا بعبق رائحتها المتشبع في فراشها عكس فراشهم البارد، ليلة دافئة اعادت ذكرياته وشوقه وولعه وتوق العشق اليها، طريقته خاطئة يعلم لكنه لم يملك سوى تلك الطريقة، والآن هي أصبحت حبيسة الجدران في منزل ليلي، يهاتف ليلي صباحًا ومساءًا يسألها عن شرقيته الجافئة، فزع من دلوف عمه كالإعصار.

- ماذا فعلت لها؟!
نظر إلي عمه ببرود متأصل في جذوره
- عمي أرجوك لا داعي للحديث الآن
لكن العم لم يتوقف بل تساءل بإصرار
- ماذا فعلت ب ليان؟!
زفر بحنق وهو يشعث خصلاته الكستنائية قائلاً بنفاذ صبر
- زوجتي عمي، لا تنسي هذا، لذلك لا أقدر على أذيتها.

اغمض جفنيه وهو يتذكر هيئتها حينما خرجت من المرحاض كانت على شفا جرف نحو الهاوية، يتذكر سيرها وكأنها شبحًا وليست تلك الدافئة التي تشع بهجة ورقة في سيرها، خبط العم بقوة على سطح المكتب وقال بعصبية
- رائع، رائع حقا، الفتاة جاءت لي منهارة، ووعودي لوالديها انها ستبقي معي في امان وحماية بجواري
انتفض من مجلسه وصاح بصوت حانق
- اي امان وحماية وهي بجوار زوجها
غمغم زيدان بغضب
- جاءت لي تطلب الطلاق.

- لن أطلقها ابدًا ما دام لي نفس اتردده
صاح بها زين برفض قاطع جعل زيدان يكرر سؤاله مرة اخري وهو يخشي الأمر الذي يطرأ في ذهنه علي مدار يومين
- ماذا فعلت لها لكي تأتي لها منهارة
نظر إلي زيدان ببرود وصاح بكل عنجهية وصلف
- خصوصياتي لا اخبرها لأحد مهما كان
- وضربك المبرح لفؤاد
اسودت عيناه قتامة وهو يتذكر ذلك الطبيب الواقع في حب زوجته.

- تقصد ذلك الطبيب المختل، لم اندم لثانية واحدة وهو يغازل زوجتي ويكن لها المشاعر.

يتذكر يوم هو هجم عليه في منزله كالملثم وهو يضربه بكل عنفوان وغضب متذكرًا نظراته الولهة ل ليانه، بل يعترف ويقر انه وقع في عشقها، ماذا يريد منه عمه أن يفعل وهو يسمع لمختل كلام ثارت به أوردته لحد الجحيم، لم ينقذه من براثنه سوي قدوم جاره الأحمق لتبدأ لحظة الأعتراف والمواجهة وهي ان ليان طوال ثلاثة أعوام تخضع لعلاج نفسي لتخطي مرحلة عقباتها، مرحلة فقد الجنين ومرحلة التخلص من التعلق به،
غمغم زيدان بشراسة.

- كان من الممكن ان يسجنك
- لن يقدر، لانه يعلم انه اخطأ حينما فكر ان يأخذ شيء ليس من حقه
صاح زيدان بعصبية
- لا تدَّعِي شيئًا ليست من عاداتك
- أي إدعاء انظر الي، انني اعشقها بل متيم بها ولن اخجل من قولها امامك او امام العالم أجمع، هي لي ستظل لي حينما اموت، هي تملك قلبي وانا املك روحها، من لا يغار لا يعشق
زفر زيدان بحنق وقال
- حقًا وجنونك وتهورك وتصرفاتك كالثور ماذا تدعي ذلك!

- دعنا نكن صريحين انني لست ثورًا بل القبطان، عذرا سأغادر الآن
هتف بها بنفاذ وهو يأخذ متعلقاته خارجًا من غرفة مكتبه، صاح زيدان بسخط وهو لا يعلم كيفية كبح جماح ابناءه اللذين اصبحا ثيرانًا
- احمق غبي مثله.

- عزيزتي لا تقلقي اعدك تلك الأيام سنمرح.

غمزت بها علياء بمشاكسة ل للجثة المتحركة امامها، تتذكر ليلة أمس حينما عادت إلى موطنها بعد انتهائها من عملها في إيطاليا طلب منها والدها أن تأخذ عطلة وتصطحب معها ليان، لم تصدق ما آلت اليه الامور وهي منذ اشهر كانت ليان تشع حيوية وثقة وتسير متبخترة الآن ما تراه هو شبح، هزت رأسها نافية وهي تشيح الأفكار السوداوية جانبًا، امامها عدة أيام قليلة لجعلها تتحسن قليلا وهما في رحلتهم البحرية، نظرت الى الوفد المكتظ الذي يعج بالسائحين صاعدين للسفينة لتسمع صوت ليان الهادىء بإبتسامة هادئة.

- آمل ذلك
قرصتها سارة بقوة وعيناها تشع بالحيوية بسبب اول رحلة بحرية لها، قالت بمرح
- متبقيش بنت باردة عايزة ايه اكتر من كده بحر وهواء علي رأي ليلي مراد
عبست علياء بعدم فهم
- سارة، ماذا تقولين؟
تراقص حاجبي سارة بمشاكسة وهي تسحب ذراع ليان متجهتان نحو المصعد قائلة باستمتاع
- اغني
صاحت علياء بصخب وهي تعدل قبعتها البحرية التي أخذتها من شقيقها قائلة
- حسنا يا فتيات هل انتن جاهزات للاقلاع.

ردت سارة وهي تتخذ وضع التحية الرسمية قائلة بمرح
- هاي هاي كابتن.

هزت ليان رأسها ساخرة من المجنونتان التي اصطحبتهما معها الي رحلتها التي ستقضيها قبل عودتها إلى الموطن دون عودة مرة اخرى الى هنا، العم زيدان استطاع ان يجلب سارة معها في رحلتها، كانت تلك المفاجئة التي اخبرها حينما اصر بكل قوة على أن تأخذ عطلة بحرية قبل العودة الى مصر، كم القبلات والعناق هي وشقيقتها لا حصر لها، بكاء، معاتبة، فرحة، هزت رأسها وهي تفيق من دوامتها قائلة.

- حقًا لا اعلم لما جلبت مجنونتان معي
سارت الفتيات نحو الغرف المخصصة لهم حتي فتحت ليان باب غرفتها، لترتمي على الفراش بوهن قائلة
- لا احد يتحدث معي سأخلد للنوم حتي المساء
وضعت علياء حقائبها في الغرفة المجاورة لتعود مرة أخري وقالت بجزع حينما استمعت لأخر جملتها
- حقًا ستقضين الليالي حبيسة الجدران
هزت سارة راسها بحركة ذات معنى قائلة
- دعي الفتاة ترتاح آليا
حركت كتفيها بلا مبالاة وهي تخرج من الغرفة قائلة.

- كما ترغبين
- ليان
همست بها سارة بقلق لتهتف ليان بوهن
- انا كويسة محتاجه انام شوية، روحي ل علياء علشان متنسناش اكتر من كده
طبعت قبلة دافئة على جبينها قبل أن تخرج من غرفتها
- طيب يا حبيبتي.

أغلقت باب الغرفة وهي تتنهد بقلة حيلة قابلتها علياء والتي بدلت ثيابها الي فستان صيفي ذو الوان هادئة وتضع قبعة من القش فوق رأسها، سارت الفتيات نحو المقهي كانت سارة تنظر إلى السفينة العملاقة بأعين منبهرة وهي لا تصدق تلك السفينة كانت عبارة عن قرية ذكية متحركة فوق سطح المياه يوجد بها صالة رياضة وحمام نسائي المعروف ب سبا هذا غير وجود حمام سباحة كبير و، الخ والسياح يلهون بمرح، مع سماعها الي صوت صفارة السفينة بدأت تتحرك السفينة ببطء بين امواج البحر الهادئ.

جلست سارة على المقعد أمام الساقي وبجوارها علياء التي قالت
- ماذا تريدين؟
- ارغب عصير كوكتيل
وجهت أنظارها نحو الساقي وقالت بهدوء
- اجعلهم اثنين من فضلك
ابتسمت علياء بمحبة وقالت بإعجاب صريح
- اتعلمين لما أركِ منذ فترة طويلة سوى التحدث عبر الواتس آب، لكن دعيني اخبرك انك اصبحتي في غاية الجمال
- اووه عزيزتي آليا أشكرك علي مجاملتك وانتِ ايضًا رائعة كما انتي
- شكرًا لك.

وضع الساقي المشروب لترتشف سارة باستمتاع، تأوهت بصوت خفيض وهي تشعر بطعم الكوكتيل الطازج الذي سلب لُب عقلها، اقترب منهما فتاتان تريدان صور سيلفي مع علياء معذرة مع العارضة المشهورة عالميًا آليا الحديدي، استأذنت علياء بلباقة
- اسمحي لي بضع دقائق
هزت رأسها بالإيجاب
-بالطبع تفضلي.

تنظر الي الجميع بشرود وهي ترتشف العصير بتلذذ شديد، تلقت دعوة من السيد زيدان الي عطلة خيالية بحرية، وبالطبع الأمر مر بسهولة كون ان السيد زيدان هو من طلب من والدها
- مرحبًا نجمتي.

بصقت العصير في وجهه، رمشت بأهدابها عدة مرات وهي ترى صاحب أعين الزمردية يخلع نظارته القاتمة بتقزز وهو يسحب محرمة يمسح بها العصير الذي تناثر علي قميصه الابيض، شهقت بعنف وهي تغطي ثغرها على الفضيحة التي سببتها للقبطان، ابتلعت ريقها بتوتر وهي تنظر الي نظراته الزمردية المتوعدة لتشيح كفها عن ثغرها قائلة ببلاهة
- خالد..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة