قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن

في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، واشنطن
خبر مقتل ميشيل أدى إلى زعزعة افراد المافيا وهم يتلقون خبرا بموت من احدي اهم واخطر بشر مطلوب في جهاز الاستخبارات البريطانية
خبر موته كانت بمثابة وجود فريسة جديدة للصحفيين من انحاء العالم، انتشرت اخباره وتصدرت الصحف الأولى في الصحف الأمريكية والبريطانية.

كان يجلس على أريكته باسترخاء شديد وهو يتناول قدح قهوته بتلذذ، يمسك بيده الجريدة وهو يتفحص ما تقوله الصحافة واكثرها ارتكزت على ان وجود أعداء كثيرة له لم تضع البؤرة علي المشتبهين بهم ومن الجدير بالذكر ان اسمه لم يتصدر في الصحف بجانب اسماء رجال الاعمال، لذلك ما زالت الشرطة تسعى للتعرف على القاتل خصوصا انه لم يترك اثرا له.

بريق أسر عصفت زرقاوته وهو أخيرا يتنهد براحه، بمن زاح عنه الثقل كان يجثم صدره، انتفض من مجلسه وهو يتوجه نحو المرحاض، يتأمل هيئته في المراه، هيئة اكتسبها منذ أربعة أعوام، لحية مهذبة وشارب أعطاه جاذبية تفوق جاذبيته الاسرة، يتأمل حدقتي زرقاوته بكثب.

ينتشر هالات سوداء أسفل جفنيه مما يدل علي وجود ليالي مؤرقة، بريق زرقاوته يخف تدريجيا حتي تحولت إلي نظرات منكسرة، مشروخة، أنين في قلبه كان دائما يستطيع التغلب عليه بوحشية، لكن الأن!

توغل بخبث ك كائن خبيث معدي بث سمومه في أعضائه حتى انتشرت كليًا في جسده، مناعته التي يستمدها من عقله انهارت، وحصونه الجليدية ذابت، وفؤاده يلحن ويطرب شجنًا على الفراق، اليس هو من قرر البعد الم يزجر قلبه بأنه لن يندم! اليس هو من نزع الحياة من احشاء روحه!
-لا سعادة تدوم ولا حزن يدوم.

تمتم بها ساخرا وهو يبتعد عن المراه متوجها نحو غرفته، يلتقط جواز سفره ولوازمه ويسحب حقيبة سفره الموضوعة على الفراش ليقرر العودة إلى موطنه يكفي سنوات الهجر التي قضاها في تلك البلدة.

ما هو الحب؟
لا يوجد في الحياة ما يسمى حبًا بل هو ضوء قوي يسلط علي عينيك لوهلة تصيبك بالعمى، ذلك هو الحب من منظورها
مجرد علاقة رائعة وتناغم جسدي مبهر تحت ما يسمى الحب.
حب ك روميو وجوليت، قيس وليلي، كل ذلك من وحي الكاتب فقط، فقاعة وردية تخدر عقلك لثواني لتسحبك لعالم آخر كأنك تصعد رحلة الي السماء ثم فجأه تنفجر تلك الفقاعة وتسقط نحو الأرض.

صفت سيارتها في موضعها في المرآب وهي تترجل منها حاملة حقيبتها، كعب عالي الطول مدبب اكسبها طول مثالي كعارضات الأزياء وجسد ممشوق ممتليء في مواضعه الصحيحة حافظت عليه من خلال تمارين والنظام الصحي الذي تتبعه، نقرت بهدوء على المصعد ليفتح بعد برهة، دلفت اليه وهي تضغط على رقم الطابق ما قبل الأخير، هزات خفيفة تطرقها علي ارضية المصعد، ذو ملامح ثابتة ووجه نضر مشبع بالحمرة، بدأت منذ فترة طويلة تتعلم من ليلي كيفية وضع مستحضرات التجميل على وجهها، دققت النظر نحو مرآة المصعد لتشرد نحو ذكري منذ اربعة سنوات...

لم تكن ستكون هنا لولا ابيها الثاني زيدان الذي عرض عليها وظيفة رائعة هنا، لم يكن عنصريًا بدأت بمجرد وظيفة عادية لتحصل على ترقيات الي ان وصلت الي منصب جيد يحسدها غيره، هو العامل الأساسي لتكوين شخصيتها الجديدة، استطاع أن يلملم حطام أنثي وجعلها امرأة عملية فقط تفكر بالعقل غير سامحة للقلب أن يفكر ولو بالخطأ.

مكوثها هنا لم يكن سهلاً كان شاق خصوصًا انها تتعامل مباشرة مع الأنجليز وليس بفئة معينة مقصورة، نظرات الاتهام ونظرات الشك و الاحتقار و الأفظع من ذلك كله تلقته بهدوء والسبب..!

حجابها الذي يبين أنها مسلمة ورغم طلاقتها في التحدث بالإنجليزية وبشرتها المشبعة بحمرة خفيفة كل ذلك يدل على أنها عربية، أغلقت جفنيها عدة لحظات وهي تضغط بقوة على حقيبتها، توقف المصعد للطابق المنشود لتخرج منه بهدوء وتسير بكل ثقة وخيلاء تعطي حديث طفيف لسكرتيرة السيد زيدان ثم تتابع طريقها إلى ممر طويل المؤدي الى مكتبها
- صباح الخير سيدة ليان.

توقفت عن السير وهي تستدير إلى رجل بدين قصير عمره يتراوح بين الأربعون والخمسون، هزت رأسها بتحية هادئة وهي تستنشق رائحة طعام ذكي
-صباح الخير سيد خان، اشتم رائحة زكية تصدر من العلبة
ضحك الرجل بخفة وهو يقدم لها العلبة
-انه جولاب جامون صنعته زوجتي خصيصًا لك عندما اعجبك المرة السابقة.

شكرته في هدوء وهي تأخذ العلبة، سيد أحمد خان هو الشخص الهندي المسلم الوحيد الذي يعمل في هذا الطابق، يعتبر من ثاني أفضل الأشخاص الذين قابلتهم في لندن، عائلته ظريفة وهادئة للغاية، يمتلكون مطعم هندي علي بعد شارعين من منزلها، تقضي دائمًا معظم وقتها هناك بدلا من مكوثها في المنزل.

-حسنا سيد خان بلغ السيدة خان تحياتي وأخبرها أنني سأزورها مساء الجمعة وايضا شكرا علي الطعام حقا منذ ان تذوقت القطمة الأولى وقعت في غرام ذلك الطبق
هز رأسه بتحية هادئة
- بالهناء والشفاء يا سيدتي
خفت نبرتها مشاكسة
-سأخفي تلك العلبة واعود اليك قبل ان يأتي السيد زيدان.

طرقات هادئة على باب مكتبه انتشله من شروده، ليسمح الطارق بالدخول، دلفت بكل ثقة وهي تبتسم بعملية
-صباح الخير يا سيدي
هتف بلغته الأم وهو يشير نحو المقعد
-اقعدي يا ليان عايزك في موضوع
- ايوا يا فندم
- برده
صاح بها بعتاب جعلها تهمس معتذرة وهي تجلس علي المقعد مقابل مكتبه قائلة مصححة
- عمي، صمت هنيهة قبل ان تتابع: اتفضل حضرتك
صاح بهدوء وهو ينقر بقلمه علي سطح مكتبه الزجاجي
- اظن انك محتاجه فتره راحة
-بس.

قاطعها قائلاً
- بعد اذنك خليني اكمل، بقالك قد ايه تشتغلي معايا؟
- اربع سنين
وكأنه لا يعلم ذلك، بل اراد فقط توجيه نقطه معينه، حك طرف ذقنه مغمغمًا
- ومن الاربع سنين اخدتي قبل كده اجازة
- لا
- يعني المفروض اجازتك علي مدار الأربع سنين تكون اربع شهور.

لطالما كان دائمًا العمل هو افضل شيء لفقدان ذاكرتها المؤقت، تعمل بجدية والتزام لتوجيه نقطة معينه لبعض الأعين الحاقدة، ليست هنا من أجل واسطة أو اسم العائلة الملصوق بأسمها حتى وإن كان في الماضي بل سعيها هنا للعمل، تثبت جدارتها وجديتها في العمل تحت نظرات العم الفخورة، ربما هو وضعها علي اول الطريق الصحيح لكنه كان المرشد دائمًا بل مثل الصديق الوفي في بلد الغربة.
همست بهدوء
- بس انا فعلا مرتاحة كده.

همس بسخرية مبطنة
- صدقيني لو انتي فاكره ان اللي بتعمليه ده علشان تنسي احب اقولك انك منجحتيش
ظهر الأرتباك لأول مرة لمحياها، لطاما كان هو يتنجب دائمًا الحديث عن الماضي، لكن يبدو وكأنه ضاقت به الارض ذرعا لينبش في ذكريات حزينة دفنت منذ وقت طويل
هتفتت بتأتأه وهي تشيح ببصرها عن مرمى عينيه الثاقبتين
- انا
صاح بجدية وهو يقوم من مجلسه متوجهًا نحوها.

- خلاص انا قررت هتاخدي اجازه يعني اجازه من الشهر الجاي هي عيلتك موحشتكيش ولا ايه؟
همست بحنين وغشاوة رقيقة أحاطت عيناها وأدتها بسرعة وهي تزيله بأناملها
- جدا
جلس على المقعد امامها وهو ينحني بجذعه قليلا مشبكًا أصابعه قائلا
- طب ايه!
هل يطلب منها الحل! إذا كانت هي حتي الآن لا تعلم ما هو الحل قالت بصدق
- حاسه اني لسه مش علي ارض صلبة ومتأكده كمان اني لو شفت بابا وماما هضعف وده اللي مش عايزاه حاليًا.

هتف بلهجة جادة
-عايزه ايه؟
هزت كتفيها بلا مبالاة وهي تسترد جمود وعيناها ما زالت تتحاشى النظر اليه
- اكتسبت جمود وبرود بس لسه مجرد قشرة ضعيفة هتتشال بسهولة
- وال،
قاطعته بأبتسامه عريضة وهي تنظر اليه بجمود و، ثقة!
- انا كنت هطلب اجازة لمدة اسبوعين علشان لحاجة اهم.

أعجبه صلابتها رغم ضعفها، تستطيع أن تقف صلبة حتى وإن طُعنت في فؤادها، ذلك التغير من الضعف للقوة خلال ثوانٍ كان ك مجهود جبار استطاعت ان تكسبه خصلة من خصلاتها خلال عيشها في موطن الأنجليز.
ابتسم بهدوء متسائلاً
- اللي هو؟
- دعوة لمعرض سارة اكدتلي ان حضرتك من اول الحاضرين وخصوصا انك تابعت ودعمت رسوماتها بعد رجوعها من القرية لحد الان
اختتمت عبارتها وهي تمد له بظرف ليلتقطه بهدوء وهو يفتحه قائلاً.

- ده الشهر الجاي
ابتسمت متابعة
- مضبوط
تألقت عيناه بوميض قائلا بإعجاب
- وانا واثق انه هيكون اول سلم لنجاحها.

تأففت في كل مرة علي يومها الملعون بدئًا من الصباح حتي الآن، حتى انها بدأت تصرخ دون وعي منها امام مديحة بل تشعر أنها بعد قليل ستشذب شعرها بقوة وتبقي فقط زيارة ممتعة لمشفى العباسية
طبيعتها هادئة دائمًا، مطيعة، ليست من تلك التي تمتلك القدرة الكافية لتوجيه الأوامر وكأنها صاحبة سلطة، حتى وان وصلت لأعلي شيء مساعد مدير ألا إن صلاحيتها محدودة أو شبه معدومة، لكن راضية مقتنعة بقسمتها ونصيبها.

صرخت بهدر للمرة العاشرة أمام وجه مديحة
- يا مديحة الأوراق مش كاملة، فين اوراق شركة مش ممكن أنا أعرف كل واحدة شغلها
وكأن مديحة بدأت تخشى منها وهي ترى تلك العينين المرعبتين أمامها، تبًا لذلك الجار الغبي عكر نهارها وافسد متعتها في عملها الذي تعشقه لحد الهوس، رأت عدة اهتزازات طفيفة من حدقتي مديحة وهي تهمس بخفوت
- خمس دقايق يا فندم وهيوصل لمكتب حضرتك.

زفرت براحة متنهدة لتعطي بعض السلام الداخلي لجسدها، اهدأي تحكمي في انفعالاتك ألقى بتلك الثائرة امام صاحب الوجه الكريهه وليس أمام زملائك
- طيب
دارت على عقبيها وهي تطرق بعنف بكعب حذائها والذي لأول مرة لم يعاندها تلك المرة يسير باعتدال دون اعوجاج، هل سمعت صوت كسر الكعب...!

تلف الحذاء الجديد، هزت رأسها يائسة وهي تغلق باب مكتبها بعنف مدوي ارتجت لها أرجاء الشركة المصقولة، خلعت حذاء كعبها ورمته بلا مبالاة ك لاعبة محترفة نحو سلة المهملات الذي يبعد عنها على بعد ثلاثة ونص متر تحديدًا سجلت الهدف ببراعة لتتوجه ببطء وهي تكاد تلمس بأنمالها علي أرضية المكتب الباردة بفعل مكيف الهواء، جلست على مكتبها وهي تخرج من الدرج علبة مخملية يوجد بها حذاء آخر بكعب مرتفع تسميه لوقت الزنقة ارتدته بهدوء وهي تغلق جفنيها عائدة برأسها للخلف.

- القهوة يا استاذة
صوت استاذ سعيد قرر قطع الصمت والسلام النفسي، وضعه علي سطح المكتب بهدوء وابتسامة هادئة بادلته فورًا واختفت اي معالم متشنجة من وجهها فورًا
- تسلم يا استاذ سعيد
طرقة أخرى من باب المكتب وكانت مديحة صاحبة لقب المنقذة حاملة الملفات قائلة
- الأوراق
ابتسمت قائله بهدوء وعملية حاملة عدة ملفات اخري بجانبهم ذلك الملف تحديًدا
- تمام يا مديحة شكرا.

لا يهم تلك النظرة المندهشة أو المصعوقة التي خرجت من مقلتي مديحة ما يهمها الأوراق التي ستبعثهم ك كل يوم الى مكتب السيد مرتضى، تسير بما يسمي بالهرولة وطرقات حذاء كعبها يصدح اركان الشركة بنغمة مميزة خاصة لها، طبيعي وهل يوجد سيدة رزينة تركض قبلاً بحذاء كعب عالي يدك الأرض دكًا؟!، نداء عالي بأسمها استرعى انتباهها وهي تلتفت للخلف ثم الأمام وما زالت بنفس سرعة سيرها، ويا ليتها لم تلتفت مرة أخرى للأمام ليحدث ما يسمى اصطدام بحائط جداري امامها وعيناها تشوشت كليًا وقبل أن ترحب الأرض بحفاوة فوجئت ان الحائط الجداري لم يكن سوي بشري وهو من يمسك ذراعه التي عملت كالكماشة بذراعها الأيمن والأخرى يكاد يجذب خصرها بخبث نحوه، والأوراق..! تبعثرت وتطايرت كأوراق المقصوصة في حفل عيد ميلاد.

- اوتش
همست بها بألم وهي تحاول الابتعاد عن ذلك البشري العجيب الذي أنقذها من الفضيحة لا محالة
- مش تفتحي
صوت عميق خشن استرعى انتباهها لترفع بعينها نحوه واصطدمت بمقلتين رماديتين مخيفتين مثل صاحبهما، انكمشت فجأه وهي تبتعد عنه بعنف قائلة بصوت لاذع، فاليوم اصبح يوم عالمي لها وربما احتفالا خاصًا بدل من الملل و الروتين اليومي الذي تفعله
- افندم انت ازاي تتجرأ تكلمني بالأسلوب ده.

وحينما هم بالرد تفاجئت برؤية رب عملها، لتلقي بنظرة إليه ثم الي رب عملها، اللعنة هل هذا ابنه؟، هو ابنه يشبه، يشبه كثيراً، لذا اليوم هو طردك من العمل لا محالة
همست بارتباك جلي وهي تنكمش حول نفسها كالقط الذي يختبيء بين أزقة دافئة بعيدًا عن هواء الشتاء القارص!
- استاذ مرتضي!

مكانة حساسة تمت اختياره بمفردها، مع اقتراب الربيع بدأ جميع المصممين في ابتكار كل ما هو ليس مألوفًا علي وجه الطبيعة والتصاميم تعود الي أصل الطبيعة، عدسات كاميرا وفلاشات تجزم كل عارضة انها ستصابها بالعمى، جسد نحيل وقامة طويلة وفستان ترتديه من مصمم أحمق لا يعلم ما هو الفن وحاسة الأبداع لكن للأسف شهير، ومع كعب حذاء مرتفع أصبحت عارضة ملفته لعدسات المصور، يلتقط كل انش مبرزًا جمال الفستان أو صاحبة الفستان..!

ابتسامه موؤدة، سير معتدل وقامة مشدودة تسير على خط طويل لعين لا ينتهي لتعود مرة اخري الي خلف الكواليس، استمر العرض عدة دقائق لينتهي بظهور جميع العارضات وهي العارضة الأساسية بجوارها ذلك المصمم الشهير الأحمق، ربما عداوة نشبت بينهما جعلتها تكرهه وتكره تصاميمه أو أن الجميع لا يعلمون الذوق ولكنها مجرد آلة لعرض الملابس، تنهدت بضجر حينما انتهي عمل أشهر عديدة خلال دقائق محسوبة.

خلعت الفستان وألقته جانبًا لترتدي مئزرها وهي تتوجه نحو غرفة التجميل لتلاحظ تجمهر زميلاتها نحو شخص لم تحدد ملامحه، هل يعقل المصمم؟!، كلا رأته منذ قليل يدلف الي غرفته، من إذا هل ممثل مشهور؟، كلا لم يحضر احدا معروفين عالميًا سوي بضع مشاهير على اول مصعد النجاح.

ودون سابق إنذار التمع في عقلها اسم تعلمه جيدًا كان صاحب تجمهر هذا من قبل وحينما بعث غمزة ماكرة من مقلتيه الزمردية همست بدون تصديق وهي تبعد تلك الفتيات وتحتضنه بحميمية قائلة
- لقد علمت انه انت
ضحك بصوت رجولي جذاب جعلها تسمع تنهيدات زميلاتها الحارة، زجرتهم بعنف وكأنها أنثى غيورة، بالطبع تغير أليس شقيقها؟!، سحبته بقوة وهي تتوجه نحو ركن هادىء جعل خالد يتمتم بمكر.

-ماذا افعل النساء يلتفتن حولي ولكني لا اختار النجوم اختار قمرها
رفعت حاجبها الأيسر بعدم تصديق لتكتف ذراعيها قائلة
- جرب حيلة أخرى يا سيدي القبطان، ما سبب قدومك هنا؟
- اشتقت
رد ببساطة دهشتها جعلتها تسترسل بشك
- لي!
نفي رأسه سريعًا وهو يطبع قبلة دافئة علي وجنتيها قائلا بعبث
- كلا اشتقت للفتيات
نفخت وجنتيها بغيظ
- حقًا لا اعلم الى متى تنوي التوقف عن العبث مع الفتيات
صاح خالد بدهشة ظاهرية.

- هل اصُبتِ بداء الجدة؟
- ماذا؟
لف خصلة من شعرها البندقي حول إصبعه وهمس بمرح
- ايتها الأجنبية حديثك اصبح مثل جدتي التي اخذت خصال الشرق
ردت بلا مبالاة وهي تشيح يداه التي بدأت تتوغل بخبث ل تخريب شعرها كما يفعل دائمًا
- وكأن عصبيتك وغضبك الذي لا حدود له من صفات الغرب؟!

ضحك خالد بقوة وهو يعترف حسنًا رغم كونه غربيًا إلا هناك بعض الخصال المتجذرة به لم يستطيع أن يقتلعها حتي الآن وكأن هناك لعنة شرقية متصلة به حتى الممات وإن أبي هو؟!
- حسنًا لقد امسكتِ بي هيا بنا سأصطحبك لعشاء فاخر
رفعت اصبع السبابة هامسة بشك
- نحن فقط لا يوجد احد بيننا.

قطم اصبعها وهو يتذكر المرة السابقة حينما اتى اليها، كان أول عرض يحضره لها وقتها اعجب بزميلتها وأراد أن يتودد إليها علي حساب شقيقته، همس بنبرة مغوية
- نحن فقط لا تقلقي لن يوجد فتيات تلك الليلة
صفقت يدها وهمست بنبرة ساخرة
- رائع تطور مذهل في تلك العطلة، منذ متي امتنعت عن النساء؟
- من مدة لن تستطيعي عدها ايتها الفاشلة في الرياضيات
تمتمت بتبرم
- احمق.

اشاحت بجسده بعيدا عنها لترتدي ثيابها، سمعته يصيح قائلا بنبرة عابثة
- هيا سينيوريتا لا تتأخري لدي موعد هام بعدك
وردها لم يكن سوى أنها قذفت في وجهه فستان لا تعلم من صاحبته، لترى ما سبب سر الزيارة المفاجئة لها!

مع اقتراب يوم معرضها أصبحت متوترة، عصبية، تكاد تجذب خصلات شعرها بقوة وهي تمر لأول مرة تحت حالة ضغط عصبية مفرطة، اغلقت باب غرفتها بهدوء وهي تستلقي على الفراش بوهن، وذلك السالم ستقوم باقتلاع رأسه من موضعه من كثرة بروده وهدوئه معها، وقبل أن تغلق جفنيها كي تتمتع بنوم هانيء بعد تلك الليالي المفرطة جذب انتباهها صندوق كبير مخملي موضوع على مكتبها، قامت بتراخي وكل عظمة من جسدها تأن وجعًا وهي تفتح العلبة بنفاذ صبر وعصبية، شهقة خافتة خرجت منها وهي تنظر الي الفستان الأسود، لقد أخبرت شقيقتها عن اعجابها لذلك الفستان منذ ما يقارب الشهران، ابتسمت بسعادة وهي تتلمس الفستان هامسة.

- ليان
صوت حمحمة شديدة جذبت انتباهها وصوت رقيق يهتف بحزم
- نحن هنا
دارت على عقبيها نحو مصدر الصوت وعيناها تتألقان ببريق وهي تجد شقيقتها أمامها بعد منذ فترة طويلة قررت مكوثها في الخارج، سارعت بمعانقتها وهي تهتف بعتاب ودموعها تهدد بالانهيار
- جيتي امتي وحشتيني جدا يرضيكي تسيبيني كل المدة ديه وانا محتاسة في المعرض لوحدي.

لأول وهلة تقر أن ما فعلته خاطيء كل تلك الأعوام من المفترض أن تقيم مع عائلتها، وما فائدة البكاء علي اللبن المسكوب؟!، تجربة اربعة اعوام في الخارج وتجاربها مع الأشخاص من شتي بقاع العالم اكسبتها خبرة، ربتت علي رأسها قائلة بمكر
- معاكي خطيبك
سالم اول ما نطقته في خفوت، هتفت بصدق وهي تتذكر مجهوداته الجبارة خلال الفترة الفائتة
- تقريبًا هو بيبذل جهد اكتر مني
نظرت ليان للفستان قائلة
- ها ايه رأيك في الفستان؟!

- يجنن بجد تسلم
ثم تابعت قائلة
- بس ايه الشياكة والحلاوة يا ليان هانم
كانت تنظر إلي التغيرات الجبارة التي حدثت معها بداية المستحضرات التجميل الي الكعب الحذاء العالي المدبب الذي ترتديه
هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة
- اقل حاجه عندنا
- يا جامد انت يا واثق
صمت هنيهة قبل ان تستطرد بتساؤل وعيناها تبحثان عن حذاء
- فين الشوز؟!
- شوز ايه؟!
نفخت وجنتيها قائلة وهي تضع يديها علي خصرها
- اللي مع الفستان.

اصطنعت ليان عدم المعرفة، لتصيح ساره بنفاذ صبر
- ليان
نظرت اليها باستمتاع وهي تحرك حواجبها ببراءة
- ايه! نسيته
هزت سارة قدميها بنفاذ صبر قائلة
- وهي ديه حاجة تفوتك برده اطلع يا لي لي بالشوز
- مفيش شوز
الحدة لن تأتي مع ليان تعلمها عنيدة مثلها، اقتربت منها قائلة بمشاكسة وهي تقبل وجنتيها
- ليان، لي لي، لياني بليز بقي.

تصنمت وهي تشعر بنسيم بارد يتخلل مسامها من كلمة كانت ذكرى من شخص، نبرة خشنة كانت تقشعر جسدها من قولها، تتذكر قبلات دافئة، موجات حارة رغم بروده كل تلك الذكريات المدفونة عادت على قيد الحياة من مجرد اسم!
نظرت الى شقيقتها بتشوش هامسة
- انتي قلتي ايه؟!
- ليان
هزت رأسها نافية وهي تقول
- لا مش ديه اخر كلمة
قطبت سارة حاجبيها بعبوس وهي تستطرد
- لياني، اول مرة اقولها مش كده!

رجفة أعمق وهي تشعر انها تسقط في بئر سحيق لا قرار له، تلألأت الدموع من مآقيها وهي تهمس ساخرة
- كان بيقولهالي
- مين؟
تستجمع اسمه ببطء، كلما همت بقولها تشعر بشيء يعرقل لسانها، اسمه ليس بتلك الصعوبة، مجرد ثلاثة أحرف فقط، ثلاثة فقط، ما بك كي تتأثرين من مجرد اسمه، واخيرا قالتها
- زين.

ثلاثة حروف قالتها وكأنها قطعت اميال في صحراء جرداء، ثلاثة حروف قالتها وكل حرف يحمل معني، تهدجت انفاسها وهي تحاول الافاقة من تلك الدوامة لتفيق على صوت سارة وهي تقول متعجبة
- هو بيتكلم عربي؟!
ردت ساخرة
- لأ هو الأسم الوحيد العربي اللي قالهولي
ضحكت سارة وهي تهتف بمشاكسة
- سيد زين طلع رومانسى اوووى يا لي لي.

تداركت سارة أنها سارت في منحدر خطير، خصوصا تقلبات وجه شقيقتها والضيق البادي علي قسمات وجهها، كل ما تعمله انهما انفصلا لكن لماذا ومتي لا تعلم، وحينما قررت ان تسأل والديها قالا انهما لم يتوافقا لذا فضلت الصمت وعدم التطرق للحديث معها حين مهاتفتها كل يوم، قررت تغير مجرى الحديث قائلة
- بس قوليلي انتي عملتي ايه مع ماما؟

كانت مقابلة كارثية بمعنى ادق، هي من اصرت مكوثها هناك رغم كل شيء، أصرت وعاندت ليرضخ والديها بإستسلام، سحبت نفسًا عميقًا وزفرته على مهل قائلة
- عارفة ست الكل اضايقت شويتين تلاته بس بقينا صافي لبن
- وبابا؟!
- بابا مش عارفة اعمل ايه معاه، هو الوحيد اللي عارفني لو قلت له اني كويسة مش هيصدقني، وكلامه معايا قل جدا
هزت سارة راسها وقالت بمشاكسة
- اسمعي يا بنتي علي رأي المغني العظيم اللي باعنا خسر دلعنا.

ابتسمت في خفوت على حركات سارة المضحكة قائلة
- عظيم، طب يالا وريني كده الفستان بدل ما يكون فيه حاجة علشان نلحق نضبطه
التقطت سارة الفستان وانطلقت صوب الحمام قائلة
- فوريرة.

انحسرت ابتسامتها شيئا فشيء حتى حل محلها البرود، لتدير بجسدها نحو السطح العاكس وهي تفكر، مجيئها هنا زعزع شيء بداخلها، حنين ودفء قام بتحطيم البرود الذي كسي ملامحها، أغمضت جفنيها لعدة ثواني لتفتح جفنيها وقد اكتسبت صلابة كافية لتستطيع إمرار تلك الزيارة المعدودة على خير.

معلومات عن طفلته اخذها بالصدفة البحتة من شقيقته، طفلته اصبح لها معرض خاص بلوحاتها المزاجية، لن يكون كاذبًا انه ذهب الى شقيقته ليلتقط اخبارًا عنها، أخبرته أنها بعثت بدعوة خاصة لها ومع الأسف لن تستطيع الحضور لأن ذلك اليوم ستكون في إيطاليا، ازدادت بسمته تألقًا وهو يحزم حقيبته التي سيذهب بها إلى بلد سوف تطأه قدماه لأول مرة رغم كونها موطنه الثاني بعد لندن.

اندفع الأدرينالين في أوردته بأثارة وهو يحاول تخيل كيف أصبحت بعد أربعة اعوام، هل ما زالت كما هي ناعمة؟!، هل ازدادت اغرائًا؟، هل تحولت تلك الطفلة الى فتنة؟!
كتم تأوه خفيض يخرج من اعماقه وحمم بركانية تتوغل صدره حتى اغمض جفنيه وهو يبعد تلك اللعنة الشرقية، اهدأ خالد ما بك ليست أول امرأه تراها، بلي امرأه شرقية مغوية وهو يجزم انه لم يمسسها بشر قط ولن يكون سواه، ستكون ملكه سواء شاءت أم أبت.
- الى اين تذهب؟

صوت بكر المستنكر قطعه وهو يقسم بأكثر الأيمان غلاظة أنه لن يتركها بعد تلك المدة التي تعذب بها كل ليلة بمفرده بقبلاتها الدافئة التي تثلج صدره
رد بهدوء وهو يحمل حقيبته على ظهره متوجهًا خارج منزل صديقه
- مصر
غمغم بكر بدهشة
- هكذا فجأه دون سابق انذار
توقف خالد عن السير وهو يتلفت نحو صديقه صائحًا بضيق
- بكر توقف لست والدي لكي اخبرك بتحركاتي رغم انني لا افعلها بل شخص خائن يخبره.

تلجلج وتلعثم وكل ذلك تحت نظرات خالد المرتقبة كالصقر الذي ينظر إلى فريسته
توتر جسد بكر وهو يصيح بحدة
- ماذا يا رجل لا تنظر الي هكذا
- اعترف
- بماذا؟
كما تصنع خالد الجمود رغم مقلتيه التي اصبحت كالجمرتين تصنع هو البلاهة، زفر خالد يائسًا
- لا تظنني احمق كي لا أعلم انك تخبر أبي عن تحركاتي وعلاقاتي بالنساء
صاح بكر مستسلمًا من محاصرته صديقه
- لا تنظر الي هكذا والدك هو من ابتزني وجعلني اخبره دون ارادة مني.

رفع حاجبيه بدهشة ليدور على عقبيه متوجهًا نحو الباب صائحًا وكل حرف يخرج من شفتيه كعلامة للتهديد والوعيد المبطن
- حسنًا يوجد لدي اعمال الآن لكن عند عودتي سأحاسبك على كل حرف أخبرته به
سيطر بكر علي ارتعاشته وهو يفكر اين سيوجه اللكمات القاضية إليه المرة المقبلة، ازدرد ريقه بتوتر نحو ذلك الثور الهائج قائلاً بهدوء مرتعش
- متى ستعود؟

اظلمت تعابير وجهه واسودت عيناه قتامة كبئر سحيق لم يصل اليه الضوء وهو يصيح بحذر
- ليس من شأنك وان أخبرته بأي شيء صدقني لن اخبرك بشيء آخر هل هذا مفهوم؟!
خرج من الشقة وهو يسير في ذلك الرواق ليسمع صوت صديقه يصدح بصوت مرتفع
- مفهوم سيد القبطان.

استدار نحوه وهو ما زال يتابع سيره بطريقه عكسيه يرفع اصبع السبابة والوسطي كعلامة التحية ليستدير على عقبيه متوجهًا نحو المصعد ليستقله، نظر إلى جواز سفره مفكرًا هل ما يفعله صحيحًا أم خاطئًا؟!، ظهوره أمامها بعد تلك المدة هل سيكون ذا اثر ايجابي أم سلبي؟!

زفر بحدة وهو يمرر أنامله على خصلات شعره البندقية التي استطالت، اللعنة عليه لم يأخذ معلومات كافية من شقيقته عنها لا يريد أن تشك به اخذها صدفة لم يكذب، ولم يكلف رجلاً بجلب له معلومات عنها
هل ارتبطت بشخصًا ما؟!، هل تحب شخصًا!، هل تزوجت؟!

هز رأسه نافيًا من كثرة الأسئلة التي عصفت بعقله كطالب يخشى اسئلة الامتحانات النهائية، كلا لم ترتبط ولم تتزوج هو متأكد من ذلك مائة بالمائة، لقد اخبرها أن تنتظره وعند تلك النقطة ليس متأكدًا منها تحديداً.
مع توقف المصعد إلى الطابق الأرضي خرج من المصعد وهو يخرج من البناية يستقل سيارة أجرة تتوجه به إلى المطار وقد قرر عدم الانسحاب كالمرة السابقة سيتابع طريقه قدمًا وليري نتيجة اختياره تلك المرة!

جاء اليوم المنشود، جميع معارفها وأصدقائها والرسامين الذين تعلمت على ايديهم اتوا، حضور فاجئها لتخبرها ليان أن السيد زيدان أوصي بالصحافة عنها، توردت وجنتيها بخجل من كثرة الصور التي يلتقطها المصورين لتستدير على عقبيها وتتوجه نحو شقيقتها التي بادرت بحماس وفخر ينطلي من مقلتيها اللامعة
- اقبال حلو في أول يوم
تمتمت بارتباك
- انا جسمي بيترعش فين بابا وماما.

ضحكت ليان برقة وهي تشير بأصبعها إلى مسافة بعيدة نسيبًا عن التجمهر
- قصدك عصافير الكناري اللي واخدين جنب هناك
صمت هنيهة قبل أن تتابع
- جمدي قلبك كده ها احنا بنطلع اول سلمة من درجات النجاح، مش كده ولا ايه يا دكتور
استدارت للخلف تحت اشارة من ليان لتقابل الذي خلفها وهو يحمل باقة مليئة بالورد الجوري الأحمر، اشتعلت وجنتيها خجلا وهي تأخذهم ليتنحنح بحرج
- مساء الخير.

علمت ليان انه يريد أن يختلي بها قليلاً، همست مشاكسة وهي تتلاعب بحاجبيها ل سارة
- مساء النور، هروح اشوف ماما
كانت تتأمل وسامته الفجة وخصوصًا ارتدائه الملابس الكلاسيكية، تمتمت بمرح
- ايه كل الناس ديه يا سالم صحفين وفضائيات ولا كأني رسامة عالمية
عبوس طفيف تجلي وجه وهو يقول
- هو انت مش واثقة في نفسك
- انا حاسة اني،
قاطعها سالم قائلاً بيأس وهو يكرره على مسامعها.

- لا حرام يا سارة ديه هتبقي عاشر مرة اللى هتقوليه، انا لسه مبتدأه رغم شهادات اللي اشتغلتي معاهم في المعرض أن لوحاتك ممتازة ده غير انك فعلا رسامة متميزة جدًا والرسامين الكبار يحسدوكي على اللي وصلتيه في الفترة القصيرة دي
همست بحرج وهي تضم الباقة نحو صدرها كدرع حماية لها
- متعرفش انا من غيرك كنت ممكن اعمل ايه
مرر بأنامله علي خصلات شعره وهو يهتف مزهواً
- هتضيعي من غيري مثلا
رفعت حاجبها بمكر وردت بهدوء.

- ماشي هعديهالك
احاط ذراعيها دون أن يلمسها وهو يحثها على السير معه قائلاً بجدية
- طب يا فنانة يلا بقي الصحفيين منتظرين حضرتك
تمتمت بارتباك خفيض وهي تراه يسير مبتعدًا عنها متوجهًا خارج المعرض لتضع الباقة على احدى الطاولات وتذهب وراءه
- وانت هتروح فين؟
همس بحنان وهو يمسك كف يدها ويضغط عليه بخفة يخبرها أنه معها
- هعمل كام مكالمة واجيلك متقلقيش مش هسيبك في يوم مهم زي ده.

احتقن وجهها بالحمرة وهي تهز رأسها ايجابًا وهي تجد نفسها محاصرة مع أحد الصحفيين رغم ردودها الثابتة كانت مقلتيها تبحث عن شقيقتها او اي فرد من عائلتها أو شهد
اتسعت حدقتا عينيها صدمة لترمش بأهدابها عدة مرات غير مصدقة من أمامها، لم تعبأ بالصحفي الذي يتحدث معها كان نظرها متمركز نحو نقطة معينة، ارتفعت نبضات قلبها وهي تهمس بأسم تناسته مع مرور الزمن
- خالد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة