قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

كان صامتًا طوال الوقت، كلا لم يكن صامتًا بل كان يطلق نارا ملتهبة من أنفه كل ثانيتين، انه تنين متوحش، عند تلك النقطة انفلتت ضحكة من شفتيها وأدتها سريعًا حينما استمعت الي زمجرة خشنة منه، اللعنة عليه لما وافق على إيصالها من الأساس أيريد متابعة بعض ما فعله في الشركة؟!
فظ غليظ اللسان متوحش تنين متحرش!، تراجعت لثانية وهي تلقي بطرف عينيها نحوه، ليس متحرش بالمعنى بل..!

توقفت افكارها ولا تعلم اي لقب تستطيع اعطاؤه له، لن توفي أي صفة له في حقه، هزت رأسها يائسة لتنتبه لصوته الخشن وهو يأمرها بالخروج
رفعت عيناها نحو الزجاج لتجد انها امام بنايتها، شكرته في خفوت دون أن يسمعها وهي تترجل وتغلق باب السيارة ب هدوء! صفعت الباب بعنف دون أن تعبأ حتى بنظرته النارية،.

سمعت صوت صرير عالي تبعه عاصفة رمادية هوجاء تعبر عن رحيله، سارت بضع خطوات صوب العقار وهي تتنهد براحة كونها استطاعت أن تأخذ لو بمقدار بسيط من ثأرها
انتفضت مجفلة حينما وجدت شبحًا أمامها لا تعلم من اين اتي او اين كان مختبيء، وضعت يديها علي صدغها وهي تهدأ من ضربات قلبها المتسارعة وثواني قليلة تنعم بهدوئها قبل قدوم العاصفة
جزت على اسنانها بغيظ شديد قائلة بحدة
- خير يا استاذ مُنصف.

كان متابعًا خروجها منذ الصباح الباكر حتى الآن، يعلم مواعيد عملها جيدًا يحفظه عن ظهر قلب، وإن تأخرت لا تزيد عن النصف ساعة او الساعة لكن الان ثلاث ساعات وحينما رآها تترجل من سيارة فارهة ولاحظ وجود هيئة رجل بجوارها كان ذلك كفيل بأطلاق شرر من النار
صاح بحدة كالأحمق
- مين الاستاذ اللي وصلك؟

جحظت عيناها وهي غير مستوعبة ذلك الشخص المجنون، من هو كي يصيح في وجهها، لم تسمح له بتخطيه حدوده سوى ذلك التنين، تأوهت بقوة وهي تعض شفتيها السفلي مانعة ذلك التنين من اقتحام مخيلتها في ذلك الوقت، في تلك اللحظة تحديدًا
أمسكت بحقيبتها جيدًا وهمست بحدة وهي تصعد الدرج
- وانت مالك يا بني آدم
تمتم بوعيد وهو يراها تصعد الدرجات
- حسابك تقل اووي.

هل يخبرها أحدًا ان ليلة امس لم تحدث مطلقًا؟!
هل يخبرها أحدًا ان ليلة امس قد محيت من ذاكرتها؟!
هل يطمئنها أحدًا أن بعد تلك المدة التي تعلمت بها الجفاء والصلابة والبرود لم تهتز ابدًا!
هل يوجد من يطمئنها؟، هل يوجد من يحفزها الآن!

زفرة حارة أطلقتها من شفتيها وهي تنتظر وصول المصعد للطابق المنشود، ثواني حتى خرجت من المصعد بكل ثقة وخيلاء اكتسبتهما منذ اربعة اعوام تحديداً متجهة نحو ابيها الآخر الذي يستطيع ان يجعلها مرتاحة، هادئة، باردة.
توقفت حينما وجدته يتحدث مع إيم اقتربت منهما بهدوء والقت سلام هادىء
- صباح الخير.

ردت ايم تحية الصباح بعملية ثم انسحبت ببطء لتترك لهم مساحة للحديث، راقب زيدان معالم وجهها المُجهدة رغم انه يرفع لها القبعة بسبب احترافها في ازالة كل تلك الجهود من خلال مستحضرات التجميل، اقترب يتساءل باهتمام
- ما بكِ؟
هزت رأسها وهي لا تعلم أتخبره ان ابنه جاء إلى بيتها، ام تخبره عن استسلامها الجسدي المخزي ام تخبره بطامتها الكبري وهي بكائها الهستيري ك حالتها منذ خروجه من حياتها!
ردت بعد تنهيدة حارة.

- بخير
منذ ليلة امس وهو يعلم أن ابنه لن يمرر ما حدث مرور الكرام، وعيده لها وللمسكين فؤاد سينفذه ويبدو انها لقت مقدار ضئيل من غضبه وثورته المتفاقمة، هز رأسه يائسًا وبعض الأمور تخرج عن سيطرته وخصوصا كذبها المفضوح أمامه تمتم متسائلا أو امرًا بمعني أدق!
- اجازة مش كده
ردت بصدق وهي تبتعد عن مرمى عينيه الثاقبتين
- الصراحة واضح كده اني هطلبها الفترة الجاية
غمغم بعبوس وهو يراقب تعبيراتها بأعين كالصقر
- طيب.

- صباح الخير
صوت الآخر لم يخترق اذنها فقط بل اخترق حاسة الانف وهي تشتم رائحة عطره النفاذة، فعلها متعمدًا ليجعلها تعلم حضرته ولو على بعد أمتار، قريب بشدة تشعر بزفيره الحار خلف عنقها والعم يشاهد ما يحدث بأعين غامضة قائلاً
- مرحبًا عزيزي
مال بخبث نحو اذنها وبصوت يسمعه العم هاتفًا
- كيف كانت ليلتك أمس عزيزتي؟! اتمني ان تكون رائعة.

التفتت برأسها نحوه لتنظر الي بؤبؤ زرقاوته الصافية مع وميض لامع، نظراتها ثابتة مع ارتفاع طفيف ل حاجبها الأيسر وهي تبتسم شبه ابتسامه ساخرة على شفتيها لتنقل ببصرها نحو زيدان قائلة بجمود
- سأذهب للعمل عن اذنكما.

سكر من رائحة عطرها الشرقي، تعمد الاقتراب منها كي يشتم رائحة العطر الذي زعزع كيانه للمرة الأولى، أغمض جفنيه لثواني معدودة وهو يشبع أنفه لرائحة عطرها لأطول فترة ممكنة، لفحة قوية أخرى ازكمت انفاسه ليعلم أنها غادرت
فتح جفنيه ليقابل أعين زيدان الغامضة هم يقول شيء ليقاطعه زيدان وهو يهتف بجمود
- ماذا حدث؟
غمز بعبث وهو يقول متجهًا لغرفته
- سأذهب للعمل.

- لا لا القاعة ديه خانقة ومش واخدة مساحتها
صاحت بها سارة وهي تهز رأسها برفض قاطع، زفر سالم بيأس وهو يقول
- ديه ١٥ قاعة نروحها واحنا بنقول يا خطوبة
لكزتها شهد بخفة وهي تري اقتراب الآخر للضيق والحنق
- اهدي يا سارة وركزي
عنفتها سارة وهي تنظر اليهم قائلة بحدة
- انا همشي.

رائها تغادر القاعة بقدمان تنفثان النيران، لأول مرة يراها هكذا، تبتعد عنه، تتحاشى مكالمته وحسابها على الفيس بوك الذي يراه دائما نشط بات مغلقًا، اصبحت الان بين فترات متباعدة تراسله.
تساءل وهو ينظر الى صديقتها
- مالها؟
القت نظرة عابرة إلى طيفها ثم هتفت
- مش عارفة حاسسها متذبذبة زي كأنها بتعاني من مرض الارتباط رغم انها خطوبة، صمتت هنيهة قبل أن تتابع بمزاح سخيف.

-هو انت قولتلها هتكتب كتب كتاب يوم الخطوبة ولا ايه؟
هز رأسه نافيًا قائلاً
- اطلاقا الموضوع هيكون طبعا بعد موافقة العيلتين وموافقتي انا وهي اولاً
جحظت عيناها للحظة وقالت بتصميم
- مينفعش مع سارة غير التدبيس صدقني
هز رأسه نافيا وهو يقول بغموض
- بس انا حاسس ان فيها حاجه تاني.

- دعوة زفاف أبنتك، مبارك سيد خان وهل هو شخص هندي ام انجليزي؟
هتفت بها ليان بسعادة حينما تلقت دعوة زفاف من السيد خان
رد خان بمرح
- بل شاب انجليزي مسلم لقد حدثت قصة حب رائعة في الجامعة لهم والفتاة تخبرني دون ادني حياء
ابتسمت مشاكسة
- يبدو انك من العائلة المحافظة
أومأ موافقًا
- بالطبع، لا تنسي تلك الدعوة تستطيعين جلب اي شخص معكِ
-وهل انا مسموح بذلك؟!

ظهر صوت الشخص الثالث بينهما فجأه في الحديث وما كان سوى فؤاد، ابتسم خان قائلاً وهو يعطيه بطاقة الدعوة
- وانت ايضًا سيد فؤاد
غمغمت عابثة
- جيبنا في سيرة القط
استأذن خان ليقوم بتوزيع دعوات الزفاف لباقي الزملاء قائلاً
- عن اذنكما
- بقيت تيجى كتير
قالتها حينما ابتعد خان عن الزاوية، تمتم فؤاد بعبث
- الشركة بتوحشني
رفعت حاجبها الأيسر وهي تهمس بنبرة ذات مغزى
- الشركة برده!
رد فؤاد وهو ينظر الى بطاقة الدعوة قائلاً.

- والمكتب بيوحشني وايم
ضحكة خافتة وابتسامة هادئة زينت ثغرها وهي للحظة تناست الليلة الماضية والآثار المترتبة عليها، الي الان لا تعلم ما يقصد بقوله انه علم الاجابة، اشاحت تلك الأفكار جانبًا وهي تقول
- لو فهمتك هتقولك يلا نتصاحب علطول
أردف فؤاد بتوجس وحركة مسرحية
- ايه! وانا رحت فين؟
- في خبر كان
صمت قليلاّ وهو يستعيد الجدية في نبرته
- هتروحي الفرح؟
ردت وهي تنظر الي البطاقة بأبتسامة.

- اكيد طبعًا وانت اكيد طبعًا راشق
عدل ياقه قميصه بزهو وهتف
- ولو اني مشغول بس هفضالك
- علي اساس انك مش فاضي طول الوقت وعلى اساس انك فجأه معزمتش نفسك عنده
قالتها بنبرة ذات مغزى وهي تري احتقان أذنيه، كح قائلا بجدية
- ايه الاحراج ده بس
هزت رأسها يائسة وهي تتوجه الي مكتبها لاحظت تتبعه لها لتتوقف عن السير وتستدير اليه قائلة بحزم
- مكتب استاذ زيدان هناك مش هنا.

أشارت بأصبعها نحو اتجاه المكتب المشار إليه، وكأنه لا يعلم اين مكتب السيد زيدان!، زفر بحرارة وهو يقول متنهدًا حينما رآها صفعت الباب أمام وجهه بوقاحة
- ماشي يا ليان.

غادر متوجها نحو مكتب زيدان وكل ذلك حدث أمام نصب عين زين الذي كان يشاهد ما يحدث كالمتفرج الذي يشاهد على التلفاز كل ما يفعله فقط الشعور بالضيق الغضب الثوران، لو كان بإمكانه فقط أن يجذبها امام الجميع ويصرخ أمامهم أنها له، ملكه فقط، زفر بحرارة وهو يعبث خصلات شعره بشرود
- لقد طالت المدة أكثر من اللازم.

- بقالك اسبوع مجيتيش ليه؟
هتفت بها مديحة وهي تستقيم واقفة من مقعدها، تنظر الى حالة هند المتعكرة المزاج، هزت هند رأسها وهي تهمس ساخرة
- والنبي يا مديحة متفكرنيش، بس واضح فيه تغيرات كتير حصلت من اسبوع
اومأت مديحة بإيجاب وهي تهتف بعملية
- استاذ راشد نقل الاوضه بتاعته في الدور الاخير.

جلست هند على المقعد بأسترخاء، ليس لكونه انه في الطابق العلوي بل لأنها اليوم ارتدت حذاء رياضي أسفل تنورتها العملية، راحة غمرتها كليًا وهي تشعر بالثقة تسترد لها شيئًا فشيء بدلا من منظرها المخزي من خلال الكعب العالي، صمتت قليلا دون أن تعقب لتتساءل
- بس مش حاسة ان فيه حاجة غريبة؟!

وقبل ان تهم مديحة بالرد عليها، انتفضت مجفله من صيحة التنين المجنح وهو ينفث النيران من أنفه صائحًا بصوت تكاد تجزم جميع من في الطابق سمع لهديره وربما سيتهشم كوب الماء الموضوع علي سطح مكتب مديحة
- انسة هند علي مكتبي حالاّ
استقامت واقفة وهي تنظر الي مديحة بتوسل لتقابلها وسيلة اطمئنان من الاخري وهي تحثها على متابعة السير نحو غرفة المدير الغاضب.

ضربت بقوة على سطح الأرضية وهي تغمغم يائسة وكل ما تود قوله وسبب مجيئها هنا ذهب في مهب الرياح
- يا ريتني ما قولت ولا جبت سيرته حتي.

كان يدور ذهابًا وايابًا وهو ينتظرها، أغمض جفنيه بقسوة وهو يصطك اسنانه بقسوة لا يعلم لما دائمًا يروداه شعور في دق عنقها او خنقها بسبب ثوبها وتنورتها القبيحة المهلكة لأعصاب أي رجل، مر فقط بالصدفة الى مكتب مديحة ليراها في وضع أشبه انها جالسة في منزلها، ماذا إن مر شخص ورائها بهيئتها الأنثوية الفتاكة، أفق راشد، أفق ما الذي تفكر به، يحاول قتل سؤال قلبه الذي صدر في لمح البصر ولكن خانته العبارة المتهورة إلى نفسه، جذب خصلات شعره الطويلة بجنون وهو يستند بكلا ذراعيه على سطح المكتب الزجاجي.

أفاق على صوت طرقات تنقر على باب غرفته ليصيح بصوت قوي بالدخول، رآها تترك باب الغرفة مفتوحًا لكن لم يعير ذلك الأمر انتباها كل جل همه هو فقط رغبته في معاقبتها بقسوة وهو يرى انصهار الشيكولا الذائبة في مقلتيها، سب عقله بقوة وهو يجلس على المقعد صائحًا بحدة للواقفة بانكماش
- اسبوع ماجيتيش الشركة انتى فاكراها وكالة من غير بواب.

اخفضت بصرها ارضًا متحاشية النظر إلى زوبعة مقلتيه الداكنة، هدأت من روعها وهي تهمس بجمود رغم كل خلية في جسدها ترتعش تحت اثر صوت انفاسه الهادرة
- بس انا بعت اجازة مرضية
- موصليش حاجه يا انسه
شهقة منفلته خرجت من شفتيها وهي تنصدم منه، أينعتها ب الكاذبة!، تطلعت الى عيناه الداكنة وهي تهمس بخفوت
- بس انا ك،
قاطعها صائحًا بكل صلف وغرور
- اتفضلي روحي استلمي مكتبك الجديد الانسة مديحة هتعرفك مكانه.

وبكل وقاحة وضع ورقة امامها لمكان عملها الجديد، التهمت السطور بأعين مشتعلة من الغضب، لترمي بالورقة على سطح مكتبه وهي تصيح بانفعال تخبط بكف يدها بقوة على سطح مكتبه
- الارشيف انت بتهزر صح
طرقات ناعمة علي باب غرفته لا يناسب جو الملحمي الداخلي المشتعل بالقذائف والقنابل الموقوتة، نظرت الي مديحة التي همهمت ببعض العبارات الغير مفهومة ليهتف راشد بجمود وهو ينقر بقلمه على سطح مكتبه
- عرفي الآنسة مكان مكتبها.

غادرت لكن لن ينسي نظرتها المليئة بالعديد من المشاعر، سخط، مقت، غضب، حقد، انكسار، شرخ، لكن نظرة متحدية جعلته يبتسم داخليًا وهو يستمتع برحيلها العاصف.
دلفت مديحة وهند الي المصعد وهي تطرق بعصبيه على أرضية المصعد، استندت بعصبيه علي جدار المصعد وهي ترمق مديحة نظرات ساخطة، قابلها ابتلاع ريق مديحة وهي تنظر في جميع الاتجاهات بعيدًا عن مرمى بصرها، انفجرت صارخة في وجهها
- كنتي عارفة من الأول.

همت بالحديث ليقاطعها صوت وصول المصعد إلى الطابق المنشود، خرجت مندفعة وكأن الشياطين تحوم حولها ونبرة متوعدة تنطلق بحزم
- والله ماشي.

ربما يبيع الانسان شيئا قد شراه
لكن لا يبيع قلباً قد هواه
عيناكِ جميلة جداً وضحكتك فاتنة
وقلبي يحبك ك سماء لا حدودَ لها
لا تسألني عن الندى
فلن يكون ارق من صوتك
ولا تسألني عن وطني
فقد اقمته بين يديك
ولا تسألني عن اسمي
فقد نسيته عندما احببتك
كنت انوي ان احفر اسمك على قلبي
ولكنني خشيت ان تزعجك دقات قلبي.

يدندن مع احدي الاغاني الرائجة في المملكة المتحدة التي تصدح من المذياع وعيناه تلمعان لأول مرة بوهج عاشق، يرتشف العصير الطازج وعيناه تشاهدان بملل علي اخبار اليوم، توجه نحو الأريكة وهو يجلس يتكاسل، وبصره يمر علي اركان الشقة المطبوعة بلمساته الذكورية الخشنة أغمض جفنيه لثانية وهو يتخيلها هنا
له، ملكه فقط
لمسة رقيقة
حضن دافيء
قُبلة تنفلت بها عقاله.

يحاول رسم مخيلته إذا وضعت لمساتها الأنثوية مع طفولتها المتأصلة بشخصيتها، مرح، بهجة، خفقة، شعث خصلاته البندقية الكثيفة لحالته الميؤوس منها وهو لا يصدق أنه وقع في شباك هوي امرأة شرقية، للحظة، لوهلة تمناها ان تكون امامه، امامه الكثير من الصعاب وخصوصًا ذلك البغل.

تهجمت ملامحه للضيق وهو يقبض بقوة على الكوب وعيناه الزمردية تعصفان بعاصفة داكنة هوجاء، ستكون له، سيسعي خلفها وسيكون طويل النفس إلى ان تصبح بجواره، يستطيع أن يحتضنها كما يرغب، يتمسك بخصرها بتملك امام الجميع، وربما ترقص له!

تهدجت انفاسه وهو يتذكر الثوب الأسود الذي نساه وسط خضم تقلباته، ارتخي جسده مسندًا برأسه علي الاريكة ورائحة عطرها تعبأ منزله، لم يكن يتصور هو بجلاله قدره ان يشتري عطرها الخاص الذي حفظه عن ظهر قلب بل ينثر العطر بأكمله اينما تواجد،
استفاق على رنين مزعج لهاتفه ليلتقط هاتفه الموضوع على الطاولة مغمغمًا برسمية
- خالد الحديدي يتحدث
- سيد خالد السيدة ايف علي وشك مفارقة الحياة وتطلب رؤيتك.

انقبض قلبه هلعًا لثانية وهو يستمع إلى صوت المرأة وكأنها آلة، أغمض جفنيه لثواني وهو يضع اصبع السبابة والابهام على مقدمة أنفه قائلا بوجوم
- شكرا.

نظرت اليه وعيناها تذرفان دمعًا قائلة بصوت مبحوح
- متتأخرش
تشعر وكأن هناك شيء مفقود من عدم وجوده، معتادة عليه في جميع افعالها، تمسكت كفه بقوة وهي لوهلة تمنعه عن السفر، تعلم انها زادت الوضع سوءًا بسبب آخر لقاء بينهم، لكن تتفاجئ به انه يخبرها انه سيسافر للخارج لكي يحصل علي بعض الشهادات السخيفة كلا لا تريد ذلك،.

ربت سالم وهو يهمس بحنان اعتادت عليه دائمًا منه وإن كان غاضبًا تشعر به متوارث صفة البرود من الغرب
- مع الف سلامه خلي بالك من نفسك كويس
هزت رأسها ايجابًا واذعان وهي للحظة تتمنى سؤاله سبب عن سفره المفاجئ، خانها لسانها وتبلد جسدها وانحسر قلبها علي ما تفعله له.
- اكيد.

راقبته يغادر ببطء ولم يتلفت لو لمرة واحدة، ذكرها بالآخر في ذكري ضائعة بين زوبعة عقلها، تمني نفسها أنه سيلتفت سيراها ويبتسم، انتظرت ومعدل الخذلان يتزايد شيئًا فشيء حتى قطعت الشك باليقين حينما اختفى، هزت رأسها يائسة وهي تلعن مشاهدتها الأفلام الهندية، لتستدير على عقبيها وهي تغادر من المطار بهدوء عجيب ببرود بسكون، آثارها هي شخصيًا!

أما زلتِ غضبى؟
إذن سامحيني،
فأنتِ حبيبةُ قلبي على أي حال،
سأفرضً أني تصرفتُ مثل جميع الرجال
ببعض الخشونهْ، وبعض الغرورْ،
فهل ذاك يكفي لقطع جميع الجسورْ؟
وإحراقِ كل الشجر،
أنا لا أحاول ردَّ القضاء وردَّ القدر،
ولكنني أشعر الآنَ،
أن اقتلاعكِ من عَصَب القلب صعبٌ،
وإعدام حبكِ صعبٌ،
وعشقكِ صعبٌ وكرهكِ صعبٌ،
وقتلكِ حلمٌ بعيد المنالْ،
فلا تعلني الحربَ.
-نزار قباني.

-سيدي هذا لا يجدي نفعًا، اتعلم منذ متى وانت هنا، يوجد اشخاص ينتظرون في الخارج
هتف بها الطبيب بجديه وهو يعدل نظارته الطبية ليلقي ببصره نحو المستلقي علي الصوفا وعيناه شاردتان نحو السقف
رفع زين حاجبه وهتف بغطرسة وببرود
-حضرة الطبيب، انني اعطيك مالك لذلك لا دخل لك هل ستتطول المدة ام لا
هز الطبيب رأسه ببطء وهو يقول بابتسامة باردة تماثل بروده
- هذا لا يعني اننا لم نتخطي بعض العقبات.

- تعلم سبب مجيئي لهنا ليس بسببها او الحاح عمي منذ فترة لذهاب لطبيب نفسي بل لأجلي اولاً ثم لها، تحملتني كثيرا دون أن أعطيها ولو جزء ضئيل من حقها
- ربما ما كان عليك الزواج منها وانت تعلم انك لست مستعدًا بعد.

اغمض جفنيه بأسي ونسمات خاوية تتغلغل فؤاده، محق، الطبيب محق في كل كلمة رغمًا عن بروده معه واعصابه الجامدة التي لا تتأثر مع إحدى نوبات غضبه، عاد ينظر للسقف بشرود وهو يجمع ابتسامتها الدافئة التي تلقيها له كل صباح
ابتسامة تصدر عن امل
عيون دافئة
حضن يجد به موطنه
يزيح عنه الالامه.

عاد يغمض جفنيه متأثرًا وهو يعترف بما يجيش في صدره، اعتراف نتج بعد محاولات كثيرة من الصمت والجمود، زيارته له كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير.

-حاولت كثيرا، ترددت في العامين قبل ان اقابلها أن اخضع لعلاج نفسي، لكن ظننت انني بخير لأظهر في حياتها، رغبتي لها كانت مجرد وجود حبيبة وصديقه معًا وأخت لي تعويضًا عن عائلتي، رؤيتي لها للوهلة الأولي تأكدت انها مناسبة لي، لكنني كنت اضغط عليها واضغط عليها حتى انفجرت
غمغم الطبيب بهدوء رزين
-ما زلت تحاول، لما لم تخبرها عن سفرك؟

-كنت تحت اثر الصدمة وتشوشت كليًا وانا اري الماضي يحدث في الحاضر وانا كما انا ما زالت متفرجًا لما يحدث حولي
توقف الطبيب قليلاً عن سؤاله ليقوم من مقعده وهو يغمغم بهدوء متجهًا نحو قارورة المياه
-هل تريد بعض الماء؟
هز رأسه نافيًا وهو يتابع بألم.

- كلا، لكن فترة راحة لنا كانت أنسب شيء حتى تعيد ترتيب افكارها وعدم تشويشها، في كل مرة تمر بعيدة عني حاولت الاتصال بها لكنني عاندت وقلت تستطيع ان تتجاوز بمفردها، كيف كنت جاحدًا لتلك الدرجة؟! ما زالت لا استوعب تلك النقطة ابدًا!
تجرع الطبيب الماء وهو يعود لمقعده مرة اخرى قائلاً
- حسنا سيد زياد اري كونك معترفا لما اقترفته افضل بكثير من إنكاره، موعد جلستنا القادمة تعلمها
- هل هكذا فقط؟!

همس زين متعجبًا وعيناه المنطفئة تجول حول السقف بشرود، يتذكر طعم شفتيها، الدفء الذي أحاط به من عناقها بقوة، كان كالغريق الذي يتشبث بآخر ذرة امل وهو يحاول بجعلها في أحضانه اطول فترة ممكنة، يدفن بوجه في ثنايا عنقها ويلقي وبالا من الاعتذار كي تخضع له، لكن اخبرته بالتوقف، طريقه ما زال طويلاً لكنه سيفعل اي شيء لاستعادتها،
مع نظرة الطبيب الهادئة استقام وهو يقول بغطرسة
- لن آتي مرة اخرى.

كل جلسة يخبره بتلك الجملة، هز الطبيب رأسه وهتف بهدوء
- كما ترغب
استشاط زين غضبًا وهو يضع قبعة يخفي بها خصلات شعره ووشاح يغطي بها معالم وجهه، لا يحتاج الآن وجود الصحفيين في حياته، يكفي انهم توقفوا عن نشر اشاعات له، هبط من المبنى وهو يسير في شوارع لندن بلا هدف، واضعًا كفيه في جيب بنطاله وعيناه شاردة وفؤاده معلق للباردة الجافية.

دلفت الي الملهي متخفية، خلعت البلطو الذي يصل إلى عنقها بأرتياح وهي تشكر الرب من عدم وجود أي شخص من الجثتين خلفها، اذًا لم يلحظوا اختفائها حتى الآن.
أصبحت تمقت عملها الذي يجعلها مقيدة الحدود، يمنع عنها وسائل الترفيه التي تخلت عنها بإرادتها، تعتبر تلك المرة الثانية لدخولها إلى حانة بعد آخر مرة أدت إلى مشاجرة عنيفة من شقيقها واحدي الشباب العابثين.

جمعت ثقتها الزائفة وعيناها تمران بهدوء علي ركن هاديء، صوت الموسيقى الصاخب لن يساعدها ولكن افضل من جلوسها بين اربعة جدران.
تقدمت نحو الساقي وعيناها تمران علي ساحة الرقص، الجميع ثمل، الجميع يتخلى عن كل شيء، الجميع يرقص بنشوة وشعار واحد يهتف، أنا حر .

تغاضت ببصرها عن مجموعة من اثنين يطارحون الغرام لتجلس على المقعد قائلة ببعض العبارات لعصير طازج بدون اضافة اي كحول بها، اوميء الساقي رأسه اذعانًا ليجذب انتباهها نحو شخص منخفض برأسه للاسفل ويداه تعبثان بشرود حول الكأس الممتلئ ويبدو أنها تجربته الأولي، لم تنتبه للساقي الذي وضع طلبها بل عيناها تتابعان بفضول الي الشخص المتردد تريد ان تعلم هل سيحارب شياطينه ام سيتسلم لها،.

اتسعت ابتسامتها اشراقًا وهي تراه يلقي بالمحتوى ارضًا ليعود يهمهم ببعض الكلمات الغير مفهومة للساقي، قامت من مقعدها وهي تتوجه نحوه حتي جلست بجواره قائلة بغنج و خصلاتها البندقية اليوم هادئة ليست ثائرة كما في العادة.
- اراك وحيدًا بدون رفيقة
رفع بصره بحدة نحو تلك الانجليزية الحاشرة بأنفها فيما لا يخصها وهتف بهدر
- ومن انتِ؟!

من لكنته علمت أنه ليس انجليزي، اتسعت ابتسامتها تألقًا وهي تقترب منه بخبث تضع يدها علي ذراعه الصلب، متأمله ملامحه الهادئة وعيناه المجهدتين بتقيم قائلة بصوت ناعم
- اعتبرني رفيقتك الليلة، أخبرني يا سيد من انت؟ او بمعني اصح هل هجرتك حبيبتك؟
أغمض جفنيه بتاثر وصوت تأوه خافت التقطته اذنيها رغم ضجيج المكان حولهما، انكسرت ابتسامتها وهي تستمع الى نبرته المتحشرجة
- منذ مدة اصبحت لا أحسبها.

ابتسمت بهدوء وهي تهتف بمرح
- اووه سيد العاشق هل تعلم نادرا ما أرى عاشقًا في إحدى الحانات
قست نظراته وهو يهمس بحدة وكأنه تذكر ان التي معه غريبة عنه
- هل انتي ثرثارة فى العادة؟!
كانت تدقق النظر إلى معالم وجهه، يبدو عربي، ضحكت بغنج وهي تعود رأسها للخلف قليلاً وكأنه القي دعابة مضحكة قائلة
- في الحقيقة لا ولكن يبدو من هيئتك انك عربي صحيح؟!
أومأ مجيبًا وهو لا يعلم سر إجابته على اسئلتها الفضولية
- نعم مصري.

حنين دب في اوصالها وهي تهمس بهدوء ترفع كفها مصافحة اياه
- مثير للأهتمام يا سيد عاشق، علي كلا الاحوال دعني اعرف عن نفسي آليا عارضة أزياء
ضم كفها بين كفيه وهو يجيب بهدوء
- يوسف مرسي
جوزيف ، اتسعت ابتسامتها وهي ترد قائلة بعبث
- تشرفت بك جو...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة