قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والعشرون

اللحظة التي يحالفك فيها الحظ تحس وكأنك تمتلك الدنيا، شعور لا يضاهيه آخر، گ الفوز في لعبة بنك الحظ مثلًا.
لم يعيش يومًا گهذا منذ زمن لا يدري كم هو، والآن هو على مرأى ومسمع من نائل أيضًا، وهذا الأمر جعله ينتشي أضعافًا مضاعفة.

وقف نائل يتطلع لهذا المشهد الذي يحرق في كبده وابتسامة صفراء تطفو على سطح وجهه، حتى إنه صفق برزانة مع جموع الحاضرين لحين نزلت وتين عن المنصة برفقته ومرت بينهم تتلقى تبريكات الجميع..
وقفت على طاولتها وهي تقول بابتسامة كاذبة: - إزاي تحطني في موقف زي ده من غير ما تقولي!

كان قد سبق عبارتها ممسكًا بكفها، ورفعه ليقبله من جديد قُبلة أعمق وأقوى ثم أردف: - المفاجأة كانت هتبوظ، وبعدين متنسيش إني خدت منك الموافقة من يومين.

أحادت وتين بصرها عنه وقد بدأت تستشعر ملمس كفه الدافئ، ولكن ثمة شعور آخر طغى عليها الآن، لم تنفك تفيق من صدمة المفاجأة بإعلان خطبتهم لتجد نائل على بُعد مسافة معينة منها ويقترب بخطى واثقة، شددت أصابعها المدفونة في كف رحيم ليشعر ب اضطرابها المعروف سببه، فهمس لها لتهدأ: - شششش
وقف قبالتهم و: - مساء الخير
وأشار للنادل ليحضر أمامه: - أتنين برتقال فريش.

أحس رحيم ببوادر استفزاز من ناحيته، ف نظر نظرة واحدة لأحد رجاله وسرعان ما تحرك على الفور لإخلاء القاعة من المصورين والصحفيين تحسبًا لأي موقف طارئ أو أي إشكال قد يقوم به هذا الأخرق، راقب نظراته المتمعنة فيها وفي تشابك كفيهما بينما هي في أوج توترها وارتباكها، حتى أتى النادل ووضع أمامهم كؤوس العصير، ف تناول نائل أحدهم وكاد يقدمه لها لولا يد رحيم التي أمسكت بالكأس وهو يشكره بفتور: - شكرًا.

وبدأ يتجرع منه إجباريًا رغم إنه يكره البرتقال كرهًا شديدًا ولكنه تحمل ذلك مقابل أن لا يرى احتكاكًا بينهما، لم يترك نائل الأمر هكذا، بل مد لها يده بالكأس الآخر و: - نصيبك تاخدي كوبايتي
هنا في هذه اللحظة قبض رحيم على يدها لتفهم مغزى فعلته، ف أجابت ب اقتضاب شديد وهي تشيح وجهها عنه: - بطلت اشرب عصاير.

فقال ببرودة لا تخفي حقده: - كنت جاي ابارك على مناسبة واحدة، لكن حظي حطني في مناسبتين، عمومًا هديتي هتوصل بعد شوية.

وابتسم بسخافة: - وانا جاي بنفسي النهاردة عشان أكون موجود وانتوا بتستلموا الهدية
فهم رحيم هذه النظرة على الفور، نظرة ماكرة تخفي خلفها الكثير، استقبلها رحيم بترحاب قائلًا بمقصد معين: - ربنا يقدرني وأقدر أردها
ف ربت نائل على ذراعه وهو يرد ب: - ملهوش لزوم، أصلًا ده واجب قديم وانا بخلصه، يعني كدا خالصين
واتسعت ابتسامته وهو يشملهما بنظرة خاطفة: - Congratulations مبروك.

أدار ظهره إليهما منتويًا الرحيل، ف ألتفت رحيم برأسه إليها نصف التفاته وسألها: - فين تليفونك؟
ف انتبهت لعدم وجوده معها لفترة طويلة: - جوا شنطتي في عربيتك
أخرج مفتاح سيارته من جيب سترته السوداء الرسمية و: - خليكي هنا، لحظة وراجع.

وشرع بالخروج من القاعة ليكتشف ما هي المصيبة الجديدة التي أتى بها نائل، تفحص الحقيبة الصغيرة وأخرج هاتفها المحمول، ليلمح هذا الذي يبرق بداخلها، مد يده يلتقطه فإذ به خاتم زواجها، سرت اهتزازه قوية في صدغيه وهو يضخ عصبيته في أسنانه المطبقة على بعضها البعض، ثم قذف به بطول ذراعه وهو يصيح: - لحد أمتى هيفضل ورايا!
على صوت رنين الهاتف بين يده، فنظر لشاشته وأجاب ب انفعال: - أيوة.

ف صاحت داليدا بصوت مستغيث: - المعرض اتحرق ياوتين، اتحرق كله
كانت وتين تخرج من باب هذا المبنى الفاره بخطى سريعة محترسة من أجل حذائها المرتفع حتى وصلت إلى سيارته المصفوفة على بعد أمتار وهو بجوارها، وسألت بأنفاس متهدجة: - في حاجه حصلت يارحيم؟

كان مازال يفكر في هذه الأثناء بهذا الموقف الذي حاصره في هذه الليلة تحديدًا لتفسد سعادته التي كانت كاملة منذ قليل، ويفكر فيما سيقوله لها تحديدًا بعدما ظنت إنها الفائزة الوحيدة وها هي تخطو نحو أبواب الخسارة...

وضعت كاميليا المشروبات الباردة والحلوى على الطاولة المستطيلة ثم رفعت حجابها الزيتوني الرقيق والمتدلي على كتفها وهي تعتدل في وقفتها وجلست بالقرب من والدها حيث كان يتحدث إلى بدر، كانت ترتدي ثوب ناعم من الستان السادة، فقط مطرز من أكمامه ب لآلئ بيضاء صغيرة بنفس تطريز طرحتها..

كما حضر الجلسة عمتها الكبرى من أجل أتفاقيات الزواج الروتينية، أظهر بدر نواياه الحسنة وقبل بكل ما قيل له مستعدًا لإتخاذ خطوة جدية الليلة وبدون تأجيل مرة أخرى.
وبعد انتهاء كل هذه الأحاديث التي لا تحمل أي أهمية بالنسبة ل بدر بادرت العمة قائلة: - يبقى نتوكل على الله ونقرا الفاتحة
فأكد حسني موافقته قائلًا: - على بركة الله.

وكأن الزهور تفتحت في وجهها مع رفعة الأكفف لقراءة الفاتحة، تراقصت أضلعها ببهجة حول قلبها الراقص السعيد وهي تقرأ فاتحة الكتاب الكريم مُعلنين بداية الخِطبة، كان عيون بدر متسلطة على هذا التورد اللطيف في وجهها وعلامات الحبور الجليّة، ابتسم وهو يخفض بصره نحو يده و: - آمين.

لم تتوانى العمة في إعلاء صوتها بالزغاريد ابتهاجًا بهذه المناسبة السعيدة، وهمّت تُقبل كاميليا وتتمنى لها السعادة حينما كان حسني يصافح بدر بحرارة، وأخيرًا انتقل ليقف بجوارها، أخرج علبة مخملية طويلة تحمل إسوارة رقيقة وخاتم يشبهها، ثم برر: - دي هدية صغيرة بمناسبة الفاتحة
ثم نظر صوب حسني يستأذنه: - ممكن ألبسهالها
فبادرت العمة: - طبعًا.

بسطت يدها اليمنى، فبدأ يضع الأسوارة ويغلقها جيدًا على معصمها مستمتعًا بملمس بشرتها الملساء وقد لاحت بسمة طفيفة على ثغرة تحكم فيها وهو يضع الخاتم، وأثناء نظره المباشر لداخل عينيها قال: - مبروك عليا
وباستحياء مستحب أخفضت بصرها الأسفل تنظر لهديته القيّمة، ل يُثار بداخلها الندم على ما فاتها.

وبمجرد توقف سيارة رحيم أمام المعرض المتفحم كانت وتين تهبط من السيارة متعجلة وتسرع نحو المعرض متجاهلة ضيق فستانها، كان وجيه يجلس على عتبات المعرض برفقة بعض الشباب العاملين متحسرًا على هذه الخسارة ورجال الإطفاء يتجمعون لمغادرة المحيط.

وقفت وتين أمام هذا الصرح الذي جهد والدها طوال سنوات فيه، وكأن كل هذه السنوات تحولت لغبار ممزوج بهذا الرماد المحترق، ازدردت ريقها وهي تقبل عليهم، وقف وجيه بصعوبة غير قادر على التماسك، وأطرق رأسه بأسف: - ملحقتوش، جيت لقيته متفحم كدا والنار بتاكل منه
أحست وتين بدوار خفيف يشوش رؤيتها، فأطبقت جفونها وهي تهمس: - هو اللي وراها، وكأنه بيقولي برضو مش هتنتصري.

كان رحيم هو الوحيد الذي يفهم معنى ما حدث، فقد كان هذا الرد المقابل لحرق ال?يلا خاصته، أي إنه يؤلم رحيم من المنطقة التي تؤلمه وتؤذيه وتين.

كادت تصعد عتبتي المعرض لولا إنها منعها: - رايحة فين؟، مش شايفة المكان عامل ازاي
فقالت والنشيج يغطي صوتها: - عايزة أشوف المعرض لآخر مرة
ف استنكر كلامها: - لآخر مرة!؟، على أساس إن اللي اتكسر ده مش هيتصلح!
فضغطت على رأسها بقوة وهي تصرخ صرخة جعلت الجميع يلتفت للنظر نحوها: - برضو مش هيسيبه بسهولة، مش هيسيبهولي.

نظر رحيم صوب وجيه و: - بكرة هبعت المهندس يشوف المعرض ويقولنا نعمل إيه، ياريت تكون موجود معاه
- حاضر
كانت تتحرك بهيستريا وهي تفكر فيما هو قادم، يبدو إنه لن يتوقف هنا وسيكون للأمر توابع أخرى، أمسك بها رحيم محاولًا تهدئتها وهو يقول: - وتين، أهدي شوية وكل حاجه هترجع لمكانها.

نظرت إليه بتحسر وكأنها لا تصدق، لم تعد تصدق أي شئ على الإطلاق، وكيف تصدق وسط هذا الكمّ من الصدمات، حتى عندما أحبت اكتشفت إنه شيطان، فكيف لها بعد كل ذلك أن تعود الحياة كما كانت لطبيعتها!

بُهت وجمد بمكانه، لا يصدق هذه الصدمة التي صعقته الآن گصفعة مفاجأة.
حمحم فضل محاولًا أن يصدر صوته بعد ما سمعه مرددًا: - يعني إيه؟! بترجع في كلامك ووعدك ليا!
كان نائل يتحرك يمينًا ويسارًا وجسده مرخي على المقعد وهو يتحدث بفتور شديد: - مش انا اللي رجعت، بنت أخوك هي اللي خدت المعرض مني، أكيد مكنتش هسيب أمي محبوسة عشان يعجبك!

ثم ثبت مقعده الضخم وهو يرمقه بنظرات محتقنة متابعًا: - روح بقى خد حقك من بنت أخوك، ولا اتشطر على خطيبها الجديد
عبس وجه فضل أكثر وبدت عليه العصبية بعدم فهم: - انت بتقول إيه! خطيب مين انا مش فاهم حاجه؟

ف ابتسم نائل بسخرية وصوت ضحكته المستفزة ظاهرًا: - يعني كمان بنت أخوك الوحيد مستغفلاك! ولا عرفتك لما اتطلقت ولا استأذنتك لما اتخطبت! عيب والله، عيب لما تتخطب لرحيم قدام الناس كلها وأخبارهم هتنور بكرة وانت آخر من يعلم.

گالذي سقط على رأسه دلوًا من الثلج جعله يتصلب في مكانه غير شاعرًا بما حوله، وقف عن جلسته وقد أصبحت الدماء تكاد تُفجر عروقه من فرط الحرارة، وبهدوء شديد ومريب في آن..
أحس نائل وكأنه أشعل فتيل قنبلة خطيرة ستنفجر عما قريب، سيفيده هذا الإنفجار كثيرًا، فهو يحتاج لكل لحظة ضعف ستضربها، وكونه واثقًا إنه الأقوى يزيد من شعوره بالنشوة حين الظفر.

أول ما استيقظت عليه في هذا الصباح الكئيب هو إعلان خطبتهم التي تفاجئت هي بها..
دلفت داليدا عليها وهي تمسك بجهاز التابلت معتقدة إنها لم ترى الخبر، ولكنها وجدتها مستيفظة منذ الصباح وترتدي ملابسها أيضًا، فقرأت عليها الخبر مباشرة: - ومع احتفالية افتتاح أحد معارض السيارات التابعة للمهندس رحيم نصار، أحتفل أيضًا بخطبته لسيدة الأعمال وتين الصباغ في مشهد أثار الجميع، حيث كانت الخطيبة السابقة له و...

- بس ياماما، شوفت الخبر مش محتاجة اسمعه كمان
نزعت داليدا نظارة القراءة خاصتها وعقبت ب: - حاجه زي دي لازم تكون متوقعة بعد ما انتي وافقتي بنفسك
وانتبهت إنها تبدل ثيابها ف سألتها: - رايحة فين بدري كدا؟
- رايحة اقابله، عايزني في مسألة بيقول إنها مهمة جدًا
رفعت شعرها وعقصته بدون اهتمام، ثم وضعت سترتها البيضاء على ذراعها تمسك بها وهي تخرج: - النهاردة هشوف معاه إيه موضوع الخطوبة اللي جه فجأة ده!

أحست وتين بوجود خطب ما عندما اصطحبها سائق رحيم لهذا المكان الذي لم تستطع تحديد هويته بعد، ولكنها تذكرت للتو عندما أوصلها للمقهى الموجود على الطريق الصحراوي، قد يكون الأمر متعلقًا بشئ ما يريد التحدث عنه.
وصلت لهذا المقر الغريب ثم وجهها السائق لقرع الجرس، ف استجابت لما قال متلهفة لمعرفة ما يحدث خلف هذا الباب..
فتح رحيم بنفسه بعد قليل من الوقت، ثم أشار لها لتدخل و: - تعالي ياوتين.

دلفت بخطى متأدة وهي تنظر حولها، يشبه منزل واسع منفرد من طابقين وخاوي من أي شئ يدل على ماهيته، أصاب الظن عقلها وأعتقدت إنه يسرع بالتجهيز لزواجهم قبل أن تفكر في الأمر ثانية، أطبقت جفونها قبضة قوية وعادت تفتحها من جديد وقبل أن تفتح فمها بكلمة سبقها هو: - إيه رأيك في المكان؟
فرددت بنبرة يشوبها رعشة خفيفة: - جميل.

أمسك برسغها وسحبها معه نحو واجهه زجاجية تطل على النيل مباشرة من جهة هادئة ساكنة، ثم نظر إليها وسأل مرة أخرى: - وإيه رأيك في ال view المنظر من هنا؟
- حلو
وقررت أن تقول ما تريد دفعة واحدة: - رحيم أنا لسه مش مستعدة عشان آ...
فقاطعها مدركًا مخاوفها: - لازم تكوني مستعدة، ده هيكون أهم وأكبر حدث في حياتك خصوصًا بعد الظروف اللي مريتي بيها.

سيطرت الفكرة على عقلها أكثر وتمكنت منها مخاوفها أكثر وأكثر: - أنا مش رافضة بس عايزة شوية وقت عشان آ...
- مينفعش نضيع وقت إحنا أولى بيه
تنهدت لعدم استطاعتها مواجهته أكثر من ذلك و: - رحيم سيبلي فرصة اتكلم
ربت على ساعدها بلطف متابعًا: - سيبيني أنا أخطط بالنيابة عنك ياوتين، مفيش غير الحل ده اللي هيخرجك من الأزمة النفسية اللي انتي جواها.

ف ابتلعت ريقها متخيلة نفسها بفستان الزفاف وفي أحضانه، زوجة للمرة الثانية في أقل من ستة أشهر، نفضت رأسها من هذا الهاجس العنيف و: - مش عايزة، لو عملت كدا ده هيزود الأزمة مش هيعالجها
ف قصد متعمدًا أضافة الكلمة التي ستخمد كل ما عانت منه اللحظات الماضية: - موهبتك هي اللي هتخرجك من كل ده
- موهبتي؟!

قالتها بشدوه وقد توقف عقلها عن العمل، بينما رد هو مبتسمًا: - آه موهبتك، مجرد ما تفتحي بيت الأزياء بتاعك تاني كل اللي فات هتنسيه
أضاء عقلها فجأة وكأنها استطاعت التخمين، وعادت تنظر حولها بنظرة أكثر دقة وإمعان: - قصدك إن ده آ...
- بيت الأزياء الجديد بتاعك، أحلى وأكبر من اللي بعتيه، ولما تفتتحيه بمجموعة جديدة من تصميماتك هتعرفي ليه أنا اختارت تبيعي القديم.

انبعج فمها بابتسامة عريضة غير مصدقة ما هي فيه الآن، ستعود لممارسة نشاطها من جديد، ستنسى آلامها مع أول خط ستخطّه لرسم أولى تصميماتها الجديدة، كله سيمر.
التفتت حول نفسها وهي تستكشف مكان عملها الجديد، ضحكت بهيستريا وهي تقف أمام الواجهة ترى النيل بنظرة أخرى مختلفة، وهمست: - مش مصدقة نفسي، يعني هرجع افتح الأتيلية تاني؟ هعمل عروض أزياء وارجع لحياتي الطبيعية!

كان يتطلع لسعادتها وداخله حبور غير طبيعي برؤيتها هكذا، افتقد هذه الضحكة التي تؤسره، التي تغير مجرى اليوم بالكامل، نظرته لها الآن نظرة تستحق التحليل، لا يفهمها سوى دارس محترف، التفتت تنظر إليه بامتنان و: - شكرًا يارحيم، بجد شكرًا.

فرط حماسها جعلها تقدم على عناقه، على شد ذراعيها كي تطوق رقبته، تمكن الذهول منه وبقى لحظات يحاول استيعاب ما فعلته هي بنفسها وبأرادتها، إنها أقرب إليه الآن من أي مرة، تلمسه ويحس قلبها ونبضاتها القريبة منه.

لم يتوانى في تطويق خصرها بذراعيه وضمها إليه، أطبق جفونه تاركًا السحر يتخلل أعماقه، أحست وتين بتماديها في لحظة فرحة مرت بها، ف ذمت شفتيها وهي تتحرك رويدًا، ولكنها وجدت إنها قد التصق بها تقريبًا، حمحمت لتلفت انتباهه ولكنه قد أصبح في عالم آخر بالفعل، لا يرى سواها ولا يريد غير ذلك.

- رحيم!
- همممم
ربتت بأصابعها على كتفه و: - ممكن تبعد
فتح عيناه ليجد الحلم قد انتهى سريعًا ولم يطول گباقي الأحلام، انسحب للخلف بهدوء ودفن أصابعه بين شعيرات ذقنه يمشطها وهو يتهرب من الموقف: - لو عايزة من بكرة الترتيبات تجهز عشان تبدئي معنديش مشكلة، والديكورات مش هتاخد وقت.

نظر لساعة يده و: - انتي اتأخرتي، يلا عشان اوصلك
واستبقها حيث الباب، مازال يعنّف نفسه ويؤنبها على الإستسلام لها هكذا، ولمشاعره التي تفيض بلا توقف، لو إنه يتحكم في هذا القلب قليلًا!
نفخ بضيق استشعرته هي بعد أن أجلسها بالأمام وراح يستقل مكانه ولكنها لم تعقب، مازالت سعادتها طاغية على أي مشاعر أخرى قد تفسد يومها، وهذا ما جعله ساكنًا، رؤيتها على هذه الحالة التي أصبحت نادرة.

ترجل رحيم عن سيارته بعد أن أوصلها للمنزل بسلام، كان سيشرع بالدخول عبر البوابة، لولا هذه الضربة المباغتة الغادرة التي أتته من الخلف، وكأن شيئًا حادًا ضرب رأسه مرتين متتاليتين حتى سقط فجأة وقد أصيب بألم مبرح وشاشة سوداء قد أغمت عيناه..
شعر بأيادي تحمله ويوضع به في سيارة ثم تطير السيارة عن الأرضية تشق طريقها، كل حركة يسمعها ويحسها، ولكنه لا يقوَ على فتح عيناه أو التركيز في شئ.

توقفت السيارة وأنزلوه منها في مكان لا زرع ولا ماء، مكان يابس فقط لا يوجد حوله منطقة عمرانية أيضًا، ألقوه على الأرضية ثم انحنى أحدهم ليلقنه بضع كلمات: - أبعد عن البت إياها بدل ما نهايتك هتكون على إيدينا، دي أول مرة نعملها معاك، ولو استمريت في طريقك مش هتكون الأخيرة.

وركله في بطنه بقدمه ليصرخ رحيم متألمًا، ومن بعدها توالت عليه الضربات واللكمات القاسية التي أحسها وكأنها صواريخ تضرب جسمه، تلك الضربة التي تلقاها على رأسه جعلته لا يستطيع فعل أي شئ بعدها أو حتى الدفاع عن نفسه..
تلقى كمًا وفيرًا من الضرب حتى فقد وعيه تمامًا بعد أن كان شبه مُغيبًا، وحينها فقط تركوه هكذا هامدًا وتحركوا لمغادرة هذا المكان المهجور وهو ملقى هكذا لا صاحب له ولا سائل عنه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة