قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع

الصعود من بئر عميق لتسقط في آخر قد يكون أعمق منهُ، ولكنك آمنت أن بئرًا عن بئر قد يختلف، الأهم هو التخلص من الأول وإن كان الثاني هو السجن الأبدي..
هذا هو شعوري الآن، س ألقي بنفسي في حفرة أخرى أسميتها خلاصي، من أجل أن أستطيع التخلص مما وقعت فيه بدون إرادة، فقد كُتب عليّ الوقوع دائمًا.

في مصر لا يحتاج الخبر لوقت طويل كي ينتشر فيه، بضع ساعات وقد يكون جموع الشعب يعلمون ما حدث بدون مبالغة، وساعد في ذلك وسائل التواصل الإجتماعي التي استخدمها الكثير استخدامًا خاطئًا.

هذا ما حدث مع وتين، نقلت وسائل الإعلام المختلفة أخبارًا وأكاذيبًا حول فساد زيجتها رجل الأعمال صاحب الماركة الشهيرة في عالم الأزياء والموضة نائل حليم، وقد أضافت ثريا بعد البهارات الفاسدة لطبختها الخبيثة، حيث أدّعت محاولة وتين الفاشلة في الإستيلاء على أموال زوجها ولكن الزوج البرئ قد كشف مخططها وسلبها أملاكها گعقاب رادع لها..

كُل أنواع السب والقذف والألفاظ النابية قد طالتها من رواد ما يسمى ب (السوشيال ميديا)، الجميع يعبر عن رأيه في شأن لا يخصه ولا يعلم عنه سوى الوجه الكاذب فقط!.
وتناقلت وكلات الأنباء هذه الشائعات أيضًا، ف أصبح الأمر بمثابة العلكة المعطمة في أفواه الجميع.

من هنا استطاع بدر أن يصل لبعض ما حدث، حيث وقع في يده مجلة شهيرة تهتم بهذا النوع من الأخبار وعلم ما حدث من نائبة، لم ينتظر كثيرًا، وأوفض إليه وقد ضاق ذرعًا مما يحدث حوله وهو لا يفهم منه شيئًا، ولكن لسوء الحظ لم يكن متواجدًا، فقرر أن يذهب إليه منزله إن تطلب الأمر.
كانت ثريا بنفسها في استقباله، ف هي تميز بدر عن الآخرين وتضعه في مكانة رفيعة كونه ينتمي لعائلتها..

أجلسته مجلسًا حسنًا وأمرت بإعداد وجبة الغداء ليتناولا سويًا، ولكنها قابلت ذلك بعبوس وجهه وهو يسألها: - أنتي تعرفي حاجه من اللي حصلت بين نائل ووتين ياطنط!؟
تجهم وجه ثريا وهي تجيب ب اقتضاب: - بلاش السيرة دي يابدر، لو هتكلم مع نائل فيها أنا بقولك بلاش.

ف ترك بدر المجلة على المنضدة وهو يعبر عن مدى امتعاضه مما حدث: - انتي عارفه أن وتين عمرها ما هتبص لفلوس نائل ياطنط وفي كدب في الموضوع، إزاي حاجه زي تحصل ونائل يخبي عني!

وفي هذه اللحظة دلف عليهم نائل وهو يردف ب انزعاج: - أنت جاي عشان نتكلم عن وتين يعني يابدر!، سيبك من المواضيع التافهه دي وخلينا نتغدى سوا، بقالنا كتير معملناش كدا.

نهض بدر ليبقى منتصبًا، وعلى وجهه تعابير الغضب قد تجلت وسحب المجلة ليشهرها عاليًا وهو يقول: - تافهه؟!، ده مفيش جرنال ولا مجلة ولا موقع مش بيتكلم عن حكايتكوا!
تأففت ثريا بقنوط وهي تترك المكان: - أنا هشوف الغدا خلص ولا لأ، عشان مش عايزة أسمع سيرة البت دي في بيتي
وغادرت..

ف أقدم بدر عليه وهو يسأله بإستجداء: - مستحيل يكون الكلام ده صح أنا عارف وتين كويس، فهمني يانائل إيه اللي حصل بينكوا يخليك تاخد كل اللي هي تملكه!؟

ف تنفس نائل بصوت مسموع وهو يجلس قائلًا: - حوار قديم بخلصه
زادت إشارات الإستفهام مع هذه العبارة التي فتحت أبوابًا جديدة للتعجب: - يعني إيه؟!، ولما هو في بينكوا حوارات قديمة أتجوزتها ليه!
فكان جوابه مباشرًا: - عشان أقدر آخد اللي أنا عاوزه.

ابتعد بدر للخلف قليلًا وهو يتطلع لوجهه الذي يحفظه عن ظهر قلب، هو الآخر أحس بتغيير جذري به، ليس ذلك المُحب الذي كان يهيم شوقًا وحبًا منذ أشهر منتظرًا لحظة تجمعه بحبيبته.
ومع كل ذلك الذهول حاول أن يتوصل لأصل الحكائة: - يعني انت أتجوزتها انتقام؟! مثلت عليها وعليا وعلى الكل!، أنا مش مصدق إنك ممكن تعمل كدا.

- أنا خبيت عنك انت بالذات عشان عارف إنك كنت هتعارضني وتقف في وشي، سيبك من الحكاية دي يابدر وسيبها لي أنا هخلصها بنفسي، ملكش دعوة بيها.

ف لم يستطع كبح غضبه أكثر من ذلك وهو يصيح: - إزاي ماليش دعوة، أنت ناسي إن كاميليا تبقى صاحبة وتين؟!، هتقول إيه عليا دلوقتي؟! متورط معاك!

ف ضحك نائل عندما تذكر علاقتهم وردد: - أنا كده فهمت اللي مزعلك، عمومًا أنتوا مالكوش أي علاقة بينا، أنت بأيدك تبعدها وتبعد نفسك عن الحوارات دي.

قذف بدر المجلة أرضًا وردد بإنفعال قبل أن يغادر: - أنا غلطان إني جيت أتكلم معاك
لم يحاول نائل أن يستوقفه أو يتحدث إليه الآن، فهو على دراية بطباع بدر وخصالهِ ويعلم إنه لا ولن يرتضي هذا الأمر.
لذلك قرر أن يتركة لبعض الوقت حتى يخمد الموضوع قليلًا.

قضاء الوقت في شُقتها التي انتقلت إليها مؤخرًا ب حي الزمالك الراقي لم يكن بالأمر الهيّن..
كلما ستتخطى هذه الأعتاب ستتذكر ما فقدته، ولن تنسى قط هذا السوء الذي طال بها من أكثر إنسان أحبتهُ، ولن توجد فرصة للمسامحة، ف هناك أخطاء لا تقبل الغفران ولا يجبرها أعتذارًا أو ما شابه.
كانت حبيسة غرفتها أغلب الوقت، لا تخرج سوى لقضاء حاجتها ثم تعود لتحتبس نفسها من جديد..

حاولت داليدا أن تهون عليها ولكن دون جدوى، ف جراحها غائرة في صميم قلبها.
دلفت عليها مساءًا، فأذ بها تقف أمام النافذة المُطلة على الشارع، شاردة بعمق، حتى إنها لم تشعر بوجودها.
فوقفت جوارها وهي تردف: - الجو النهاردة حلو عن اليومين اللي فاتوا، إيه رأيك ننزل نشم شوية هوا مع بعض ياتينا؟

ف أجفلت جفونها وهي تطلق زفيرًا حارًا و: - مش عايزة
كانت نظراتها الحزينة متسلطة على ابنتها الوحيدة التي كُتب عليها دفع ثمن جريمة هي بريئة منها، بل وإنها لم تكن جريمة أيضًا.
فكرت هل تصارحها بما علمت أم لا، ولكنها لم تستطع حتى البوح، ف الأمر جمّ ثقيل وجسيم، صمتت كي لا تزيد من نيران قلب وتين، ف كفاه ما طاله من احتراق.
ربتت على كتفها وهي تسأل: - روحتي ل رحيم زي ما قولتي؟

ف أجابت بصوت خالي من الروح: - آه، روحت المكتب ومكنش موجود، والمصنع بقاله 3 أيام مش بينزله
ثم سحبت شهيقًا عميقًا و: - بكرة هروحله المعرض يمكن ألاقيه
تشككت داليدا في قابلية رحيم لمساعدة ابنتها، ولكنها هي أيضًا قليلة الحيلة ولا تملك وسيلة أخرى لأسترداد الحق الذي أُخذ بالحيلة، ورغم ذلك صرحت لها بشعورها: - أنا حاسة إنه هيرفض، بس مش قادرة أقولك بلاش.

ف ابتسمت وتين بسخرية و: - مبقاش ينفع بلاش ياماما، أنا حتى مستقبلي المهني بيضيع
ثم التفتت تنظر بداخل عينيها، . لترى داليدا ب بؤبؤيها نيرانًا مُسعرة وهي تهتف بنبرة مقهورة: - حتى الأتيلية بتاعي وبيت الأزياء مش هقدر أشغله عشان مفيش سيولة تغطي الشغل، أنا حاسة إن الدنيا قفلتها عليا مرة واحدة بعد ما كانت الحياة كلها في إيدي، ليه كل ده يحصل ياماما، ليه؟!

وبدأت دموعها تنهمر بغزارة وهي تصرخ ببكاء يفطر القلوب: - ليه يعمل معايا كدا، أشمعنا أنا!؟، أنا عمري ما آذيته
هي الأخرى قلبها يتمزق لمصاب وحيدتها، ولكن لا تستطع التحدث في كل الأحوال، فقط عانقتها وحاولت أن تكون عضدًا لها في وقت لا يوجد لديها حائط تحتمي به، وحتى ذلك العمّ المزعوم، كأنه غير موجود بالمرة..

ترك فرد الأمن حقيبتين كبيرتين بداخل أعتاب ال?يلا ثم خرج، بينما نظر نائل للحقائب بفتور وهو يردد: - دي الشنط اللي كنت مسافر بيها، فيها الخير إنها بعتتهم
وقفت والدته تتطلع إليه وهو يفتح إحداهن وهو يردد: - في حجات كتير كانت نقصاني سيبتها هناك و...

قطع صوتهِ مع أول نظرة ألقاها على محتوى الحقيبة، ثم تفحص أشيائه جيدًا ليجد جميعها ممزقة أربًا أربًا ولا يصلح التصليح في أي شئ، مسح بلسانه على شفته السفلى وقد انفرجت شفتيه ببسمة عابثة، حينما قالت ثريا باستهجان: - واحنا كنا هنتوقع إيه منها غير تصرفات الهمج دي
صفق نائل الحقيبة ب انفعال يحاول أن يواريه، ثم قال: - عادي، ده ميجيش حاجه جمب اللي حصلها.

ثم وقف منتصبًا و: - خلى أي حد ييجي ياخد الشنط دي يتصرف فيها
ثم سلك طريقه نحو الدرج الذي سيقوده لغرفته مباشرة، لا يعلم لماذا يضيق صدره هكذا وكأن فعلتها أزعجته، حتى وإن كانت بسيطة، هو لم يعتاد بعد على تصرفها الفج والخشن والقاسي منها، لم يرى سوى عشقًا أغدقته به، والآن سوف تريه وجهًا آخر كما تعهدت له.

((عودة بالوقت السابق))
ولجت وتين لأول مرة إلى غرفة نائل بعد خطبتهم، كانت تلك هي الدعوة الأولى من ثريا لهم، فقضيا سويًا يوم عائلي لطيف لا ينسى، وأخيرًا أصعدها للأعلى كي ترى غرفته..

تأملت منضدة الزينة، ثم التقطت أحد زجاجات العطر ونثرت منها على مرفقها تحديدًا تشممتها وهي تطبق جفونها باستمتاع، لتجد ذراعي نائل يطوقانها من الخلف، انكمشت وهي تشعر بنفسها ملتصقة به، ووجهه مدفون بين شعيرات رأسها المموجة الناعمة، فأطبقت جفونها وهي تقول: - نائل عيب كدا، ماما وطنط تحت
- زوجة المستقبل وحقي أعمل اللي انا عايزه معاها.

تحرجت وهي تحاول أن تنسل منه و: - في المستقبل أوعدك هسيبك تعمل اللي انت عايزه
أفلتها، ولكن كي يتمكن من عناقها وجهًا لوجه، بحث عن شفتيها ليقبلها فكانت تتهرب عابثة معه إلى أن أشعلت نيران رغبته فيها، فلم يتركها إلا بعد أن نال منها قُبلة مسروقة لم يستطع إستكمالها عقب أن استمع لصوت طرقات على الباب...

((عودة للوقت الحالي))
الآن هو ينظر إلى تلك البقعة تحديدًا، والتي شهدت موقفًا لا ينسى بينهما، يستشعر وكأنها بين ذراعه فعلًا الآن، وتعمق في استشعاره حتى أحس بحماقته، وعاد يجبر نفسه على قبولها گعدو لم يمسسه بسوء من قبل..
تنفس بمعدل أسرع وهو يتقدم من المرحاض، تاركًا أي تذكار لها خلف ظهره كي يمضي في طريق اختاره لنفسه.

صباحًا آخر، لم تيأس فيه وتين من محاولاتها البائسة لمقابلة رحيم..
ولكنها قررت اليوم أن تغير وجهتها، ستذهب إليه حيث عُقر داره، كي لا يكون له فرارًا من مقابلتها.
عدد أثنين من ال?يلال قام رحيم بدمجهم ليكون منزلًا كبيرًا فخمًا يقل عن القصور في حجمها وطرازها التقليدي، فقد كان حديث التصميم راقي البناء والمظهر..

وصلت بسيارة الأجرة أمام البوابة، ونظرت إليها من خلف نظارتها الكبيرة تستعيد بعضًا من المشاهد السابقة، زفرت زفيرًا طويلًا وهي تترجل عن السيارة و: - خليك هنا من فضلك
ومضت نحو البوابة..
گالعادة كانت خالية من أي حراسة، فهو گشخص لا يحبذ هذه النوعية من المظاهر والقيود..
ضغطت على زر بجوار البوابة، ف انفتحت لها وظهر من خلفها رجلًا أربعيني العمر، رمقها بتفحص قبل أن يردد: - أهلًا ياوتين هانم، خير؟!

تقدمت وتين، وكادت تتعدى عتبة المنزل، لولا إنه أشار لها لتتوقف: - صاحب البيت مش موجود ياهانم
فتراجعت خطوة، ليتقدم هو منها، شملها بتدقيق وهو يسأل بشكل في: - جاية ليه يابنتي؟!
فأجابت دون تردد: - محتاجة أشوف رحيم ياعم صفوت
هز رأسه بالسلب و: - مش هنا، عيزاه ليه؟! هو اللي حصل مكنش كفاية؟!
أطرقت وتين رأسها بتحرج و: - لو سمحت مفيش لزوم للكلام ده، أنا عايزاه ضروري، قولي ألاقيه فين
- معرفش، عن أذنك.

وتركها دالفًا للداخل، ثم أغلق البوابة في وجهها متعمدًا إحراجها، لتتراجع هي للوراء بدون توقف، ثم استقلت السيارة مسرعة من جديد، وانتقلت لتبحث في مكان آخر، لن تتركه، ولن تترك الأمر قبل أن تراه وتقابله مهما كلفها الأمر، تدري أن الأمر سيكون صعبًا، وقد يرفض مقابلتها كما خمن الجميع، ولكنها لن تسأم، ف الموضوع هو حياتها.

وقفت سيارة الأجرة أمام بوابة النادي، وترجلت عنها وتين لتنصرف، وخطت هي نحو بوابة الدخول، ليستوقفها رجال الأمن: - مدام وتين، إشتراك حضرتك في النادي أتلغى مش هنقدر ندخلك
أتسعت عيناها غير مصدقة ما تسمع، فهي من أهم الأعضاء بالنادي ولن تسمع قط كلمة گهذه، حملقت فيه ثم صاحت: - أنت اتجننت؟! ازاي تقولي أنا الكلام ده!

ذمّ فرد الأمن شفتيه وهو يبرر: - أنا عبد المأمور ياهانم، وتعليمات الإدارة كانت واضحة بمنعك شخصيًا من دخول النادي.

ابتعدت قليلًا وهي تتوعده بسبابتها: - أنا هندمك على اللي عملته أنت واللي أمرك، كلكوا هتندموا
كانت سيارة إحداهن تخرج من الإتجاه الآخر ليشهدن الفتيات اللاتي يركبن بها على ما يحدث من فضيحة، فقالت إحداهن: - دي وتين!، بتعمل إيه هنا بعد ما جوزها فضحها في كل حته
فأجابت الأخرى والتي كانت تجلس خلف المقود: - مش كانت طالعة بيه السما!، آديه نزلها لسابع أرض.

وأنفجرت ضحكاتهن وهن يبتعدن عن مقر النادي، فوصلت أصواتهن لها، مما أشعرها بالضيق أكثر وأكثر، تحس وكأنها شخص آخر لا مكان له هنا، هبط للأسفل ولن يصعد من جديد، لم تخسر مالها فحسب، بل خسرت مكانتها الإجتماعية في الوسط الذي نمت فيه.

أخبرت رفيقتها كاميليا بما حدث، فقررت أن تواعدها بالخارج بدلًا من ساحة النادي، وكانت صدمة الأخيرة لا تقل عنها، خاصة عقب أن تصفحت الصحف وقرأت ما قيل عن رفيقة عمرها، يبدو وإنها لا تدري بعد، وإلا ماكانت تلك حالتها، ولكنها شعرت بشئ مريب، نظرات الكثيرين والكثيرات وكأن هناك مالا تعرفه، حتى صرحت لها كاميليا بما رأته عبر المواقع الإلكترونية.

ضربت وتين الهاتف بسطح الطاولة التي تجلس عليها بالمقهى ثم صاحت بصوت منفعل: - الندل، عمل كدا قبل ماانا أفضحه في كل حته
نظرت كاميليا حولها بتحرج، ثم لفتت انتباهها قائلة بصوت خفيض: - وتين إحنا في الكافيه، وطي صوتك
فلم تتأثر وتين بتحذيرها وتابعت: - كذب، كل ده كذب وافترا، وأنا مش هسيبه يتهنى كتير باللي عمله فيا
وترقرقت دمعتين منها وهي تتابع: - مش كفاية اللي عمله معايا؟ كمان بيشوه سمعتي ويعملي فضيحة زي دي!

وقفت فجأة وهي تسحب حقيبتها بإنفعال، حاولت أن تستوقفها ولكن: - أستني بس ياوتين رايحة فين، مش هسيبك وانتي في الحالة دي
ف دفعتها وتين بدون قصد وقد بدت على حافة الإنهيار وهي تردد: - لازم ألاقي حل، لازم
وإندفعت لتخرج من المقهى مستقلة أول سيارة أجرة، وهي تعلم إلى أين ستذهب.

يبدو أن الحظ حالفها اليوم، عقب أن قضت يومان تحاول مقابلته وتبوء محاولاتها بالفشل..
وقفت وتين أمام معرض السيارات الشهير والتابع ل رحيم نصار لتجد سيارته مصفوفة أمام المعرض..
ترددت قبيل خذه الخطوة كثيرًا، ولكنها مجبرة على ذلك.
خطت بخطى متأكدة نحو باب الدخول، دفعته وولجت، وعندما رآها المسؤول عن المعرض وقف جلسته و: - أهلًا ياوتين هانم، رحيم بيه فوق وانا بلغته إنك سألتي عنه امبارح.

ثم قادها نحو الدرج المؤدي للطابق العلوي: - هو في مكتبه فوق، أتفضلي معايا
وسارت خلفه، كلما اقتربت من مواجهته، كلما تسارعت نبضاتها وأحست إنها ستتراجع عن ذلك في أي وقت، ولكنها صمدت وتماسكت لئلا تتراجع، وكلما شعرت برغبتها تلك، تتذكر توعد نائل بإستردادها وتسترجع ما حدث معها بالأيام الماضية، فتعود جسارتها وإقدامها على ما تفعل.

سحبت شهيقًا حبسته في صدرها وهو يشير إليها بالدخول، ثم ذفرته على مهل وهي تخطو أول خطوة بغرفة مكتب رحيم.
كان يقف أمام النافذة الزجاجية موليها ظهره، ودخان سجائره يتطاير من حوله كأنه لم يكف عن التدخين منذ وقت..
قميصهِ الأبيض الملتصق بجسده الرياضي وبنطالهِ الرمادي الفاتح بجانب حزام الخصر الأبيض، مازال أنيقًا منسقًا كما عهدته..

تلجم لسانها فلم تجد عبارة مفيدة تقولها، أجفلت جفونها تنتظر أن يرحمها من مشقة البدء ويبادر هو، ولكنه بقى متسمرًا هكذا حتى لم ينظر إليها، تجولت عينها بالغرفة سريعًا، لتقع عيناها على تلك الجريدة المفتوحة على مكتبه، والتي ظهرت فيها صورتها وخبر شائع عنها عقب تشويه نائل لسمعتها.
إذًا هو على دراية تامة بما حدث، ولكن هل يصدق؟!

انتبهت لصوته الخشن المتأثر بدخان سجائره وهو يتسائل: - هتفضلي ساكتة كتير؟، أكيد مبقالكيش يومين بتدوري عليا عشان تسكتي
ألتفت إليها أخيرًا، ف لمحت بسهولة وجهه الممتعض ونظراته الحانقة الغاضبة، كما أن مظهره قد تغيير قليلًا، للأوسم أو الأفضل أو الأجمل، لا تدري الوصف المناسب تمامًا.
تقدم منها وهو يتفحصها، ثوبها الأسود الضيق والأنيق والذي يتماشى مع نظارتها القاتمة، لمح كل شئ بنظرة واحدة..

بطرفي أصبعيه نزع نظارتها عن وجهها، ليتبين له تلك القطرة التي تقف على أعتاب جفونها تكاد تسقط منها..
وبأصغر أصبع لديه ألتقط هذه الدمعة ودفنها في راحتهِ كي لا يراها أحدًا مهما كان، ثم أردف: - نسيت أباركلك
ثم نظر بإتجاه الجريدة وابتسم بسخرية وهو يتابع: - ولا الجواز معجبكيش!
كانت تدري إنها ستواجه هذه النبرة وهذا الوجه وهذه التعابير التي تشعرها بالقهر أكثر كونها احتاجت له..

ولكنها مجبرة على ذلك، لم تجد كلمات تستطيع قولها له، بينما أطال هو انتظاره وختم قائلًا: - وبعدين!، أنا ابتديت أزهق
ف استجمعت وتين شجاعتها ورفعت بصرها لتواجهه و: - أنا جيالك عشان تساعدني
ف ارتفع حاجبيه وهو يرد ب: - أنا؟!، أنا هساعدك انتي؟ بأمارة إيه؟ وليه، ومقابل إيه؟

نظراتها تستنجد به، گالسكين يمزق ضلوعه وقلبه، ورغم إنه سيساعدها بدون أن تطلب، إلا إنه تعمد إذلالها أكثر، ف لن ينسى قط ما حدث له بسببها وإن نست هي، سيظل يذكرها ب أثمها..
لم يحيد عيناه الصارمتين عن عيناها اللامعة وكأنه يتلذذ برؤية الندم فيهما، بينما كانت هي جامدة الشعور، حتى لم تتأثر مما قال، فقد نالت جرعة مكثفة جعلت قلبها يجف..

لم تجد جدوى من النظر إليه بهذا الصمت اللعين، ف أخفضت نظراتها وهي تقول: - هتساعدني، أنا متأكدة
ف ابتسم ابتسامة مستخفة و: - عايزة تقولي واثقة في نفسك يعني!
خطوتين تفصلا بينهما، قطعهما بخطوة واحدة، ولم يطيل الصمت: - موافق، بس بشرطين.

ازدرت ريقها بتخوف مما سيطلب مقابل ذلك، حتمًا سيكون شيئًا غاليًا بقدر ما يحمل من ضغينة بداخله، ف أومأت رأسها بالموافقة و: - آ، أنا موافقة على أي حاجه، ب، بس ترجعلي كل اللي راح مني
أومأ رأسه بالإيجاب و: - متفقين، هرجعلك كل اللي راح منك، وأنا ليا 70 ?.

صُدمت صدمة شديدة، فلن يبقى لها شيئًا من الأساس، ولكنها لا تحمل خيارات أخرى تنتقي منها، لقد تلاعب بالتوتر الحساس في الموضوع، ويدري دراية تامة إنها ان ترفض، وكيف ترفض وهي لا ملاذ لها غيره!
سرت سخونة وتوهج في جسدها وهي تطرق رأسها لأسفل قائلة: - موافقة، إيه تاني؟

أمتدت يداه لتلمس وجهها، ف انتفضت وهي تعود خطوة للوراء فرارًا منه، ولكنه حتى لم يسمح بذلك، فقد أطبق على ساعدها ليثبتها في مكانها، وبنظرات جامدة گالجليد أردف: - أنتي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة