قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن

أحيانًا يكون الظلام بداية لحياة جديدة، وإنكسار ما بعد السقوط مُقدمة لوقفة أخرى أكثر قوة، شمس ستشرق حتمًا بعد هطول غزير للمطر.
وقد تكون مآسي حياتك نعم، رُزقتها لتشعر بعدها بحلاوة تذكر الله مع كُل ضيق..
عندما ظننتها نهايتي لاح بمخيلتي والدي الراحل، عندما رسبت وكنت صغيرة في عُمر الرابعة عشر عامًا وهو يقول لي بثقة عمياء: - سقطتك تلك ستكون بداية لعودة أكبر، فقط ثقِ إنكِ تستطيعين فعلها.

هذا البريق الظاهر بوضوح وسط غيوم عيناها مكنّه من استنباط ما تفكر فيه وتشعر به عقب هذا الشرط الثاني، هي كانت تدري منذ البداية أن الأمر لن يكون سهلًا، ولن تنال مساعدته أو تحظى بها في ظل إنها ترفضه گشخص، عليها تتقبل حقيقة إنها احتاجت له في الأخير وستضطر بشكل أو بآخر للأذعان له، ولكن كيف؟

بالرغم من حدسها الذي صدق إلا إنها ما زالت مصدومة جاحظة بعيناها وهي تنظر إليه نظرة غريبة، لم يقطع هو صمتها، حتى إنه تركها تبتعد للخلف دون أن يقترب أو يتحرك قيد أنملة، وأخيرًا أجفلت وتين بصرها عنه، وتلجلج لسانها وهي تصرحّ قائلة: - رحيم أنا، آ...
فسألها بحزم شتت تفكيرها أكثر: - أنتي إيه؟!
فقالت دفعة واحدة دون تسمح لنفسها بالتردد: - أنا متجوزة، ولسه على ذمة جوزي.

كم إنه كرهها في هذه اللحظة التي قالت فيها تلك الكلمات وضربت بها وجهه، هو يعلمها جيدًا ولكن مفعولها أقوى حينما خرجت من لسانها.
تشنجت عضلات فكيه قليلًا وهو يضغطها بإنفعال، ثم ردد وهو يبتعد عنها متجهًا نحو النافذة من جديد: - عارف يامدام، مش محتاج تفكريني إنك اختارتيه بنفسك
ثم ابتسم بسخرية وهو ينظر إليها متشفيًا من جديد: - وياريت اختيارك كان صح!، أديكي جيالي طالبة المساعدة.

وبحنق بالغ بزغ في نبرته تابع: - وانا معنديش حاجه بدون مقابل
زفرت وتين مسيطرة على أعصابها وهي تسأله بعصبية: - يعني عايز مني إيه؟!
- أنتي اللي جاية بنفسك لحد عندي وانتي اللي محتاجاني مش انا، وأنا بفرض عليكي الضريبة، الرسوم يامدام.

وقبل أن تستكمل حديثها قاطعها: - انتي طالبة مني أقف في مواجهة نائل، هقف ازاي قدام واحد ومراته؟
ضغط على الوتر الصحيح باحترافية معتادة منه، جعلها تبتلع حتى كلماتها التي كانت تدخرها لأجل مواجهته، وتابع منتشيًا بهذه التعابير العاجزة التي تملأ صفحة وجهها: - أبسط رد هاخده دي مراتي، إيه دخلك بينا؟

ثم رمقها باستهجان وهو يذكّرها بفعلتها الشنيعة بحقهِ مرددًا: - أكيد مش محتاج أقوله إني كنت خطيب مراتك السابق!
هي مش كوسة، وأنا مش هقبل على رجولتي أسمع كلمة زي دي من واحد ميسواش في نظري، ولا عندك كلام تاني؟

ف انفجرت فيه وهي تقول: - يعني عايزني أعمل إيه؟! هه!
فلم يتمهل حتى ليجيبها: - تطلقي منه، وبعدها نتكلم
تقدمت منه خطوة وهي تحول الموضوع لنقاش لربما تخرج منه بنتيجة ترضيها رغم تأكدها من أن ذلك لا يحدث: - أنا جاية عشان تساعدني مش تقولي اطلقي، لو الموضوع كان مجرد طلاق مكنتش جيت لحد هنا.

- وانا مش هتدخل بين واحد ومراته وفي الآخر هطلع انا الغلطان، اللي عايز حاجه بيدفع تمنها يامدام، ولا فاكرة كل الدنيا هتبقى تحت رجليكي بأشارة منك!

أطبقت وتين جفونها وهي تردد بنبرة خافتة عن ذي قبل: - مش راضي يطلقني
وكأنها فتحت له باب آخر يستطيع الدخول منه لتنفيذ رغبته، وزع نظراته على عينيها، ثم شفتيها، ثم بشرتها التي دائمًا ما تحتفظ بنضارتها، وقال من بعد ذلك: - كدا يبقى في كلام تاني، قبل ما اساعدك ترجعي حقك مستعد اساعدك تطلقي منه.

ما هذا الأصرار الغريب الذي يدفعه لفعل أي شئ في سبيل تطليقها أولًا وضمانها معه!، إنه لا يثق بها مقدار العُشر حتى ليأمن أن تصدق في اتفاقها معه بعد تنفيذ المخطط الذي سيشرف هو بنفسه على تنفيذه.
على أي حال هي ليست في حالة تسمح لها بالرفض، ولن تتمكن من الاعتراض حتى، الأولوية لديها هي استرداد حقها وكرامتها ومكانتها التي سلبها إياها نائل وليته اكتفى، لم تطيل التفكير وإذ بها تجيب: - موافقة.

تأهبت حواسه وتحفزت وهو يسألها: - موافقة على إيه؟!
لم تدرك معنى السؤال تحديدًا والذي يختفي من خلفه سؤالًا أقوى، وبدون تمهل أجابت: - إني اطلق الأول قبل ما ترجعلي ثروتي ومصنعي والمحلات بتاعتي
فأوضح لها بشكل أكثر تدقيقًا: - بس انتي مردتيش على شرطي التاني!
تعلقت نظراتها على عينيه الحادتين اللاتي تنظران لها من أسفل حاجبين معقودين حينما بادر هو: - أنا مش هديكي الفرصة دي مرتين، هعرضها عليكي مرة واحدة بس.

أومأت رأسها بالإيجاب ليتابع هو بإصرار برز في نظراته: - اليوم اللي هتنتهي فيه عدتك، هتتجوزيني، وبأرادتك
ليته صفعها، أهون عليها من سماع شرط گهذا لم تكن تضعه في حسبانها بتاتًا..
هي تعلم جيدًا حدود طمعه فيها ورغبته المستميتة للحصول عليها، ولكنها لم تتخيل إنه سيكون بعرض الزواج، أي إنها ستتخلص من الحُفرة، كي تسقط في القاع الأعمق، وللأسف لا يوجد لديها خيارات أمام ما قال..

يستطيع رحيم قراءة ما يجول في ذهنها وهي تنظر إليه مصدومة هكذا، وتقريبًا هذا مبتغاه، تشتيتها ومنعها من التفكير في بديل لن يقبل هو به، فقط هي من ستكفيه، هي فقط ثمن هذا الإتفاق.

كانت جالسة يسيطر عليها الشرود، وفي حالة لا تسمح لها بالتفكير بشئ، نظرت نحو فنجان القهوة بالحليب الموضوع أمامها تحديدًا ثم نفخت بضيق وهي تُصرف بصرها لتنظر نحو واجهة المقهى في انتظار حضور رفيقتها وصديقتها وتين، ولكن طال انتظارها، وفي اللحظة التي تطاير فيها طرف حجابها عن كتفها وقبيل أن تهمّ لضبطه وجدت يدًا تمسك بطرفه وتضعه على كتفها، ف استدارت برأسها فجأة لترى بدر يقف جوارها تحديدًا، زفرت بارتياح مع رؤيته وسألت: - بتعمل إيه هنا؟

انتقل نحو المقعد المقابل ليجلس عليه وهو يسألها بضيق: - مش بتردي على التليفون بقالك يومين، ولا عارف اقابلك ولا اشوفك، في إيه ياكاميليا؟

نظرت كاميليا حولها بتوجس وهي تقول: - بدر من فضلك أمشي من هنا، وتين زمانها جاية ومش عايزاها تشوفك معايا
قطب جبينه بإستغراب و: - ده ليه؟!
ولكنه سرعان ما تفهم نظراتها الحارة التي تنظر بها له تلك وعاد يتابع بعد صمت قليل: - آها، عشان انا قريب نائل يعني؟!
أطرقت كاميليا برأسها و: - أيوة، أمشي من فضلك يابدر، كفاية اللي هي فيه.

تأفف بدر بانزعاج عقب أن حدث ما كان يخشاه، حتمًا ستصل ذيول هذا الأمر له أيضًا ولا أحد يدري ماذا سيحدث بعد، ارتكز بدر بعيناه عليها يسألها: - انتي مصدقة إني ممكن أكون عارف حاجه زي دي وساكت؟!
- عايز تفهمني إن أقرب واحد ليك مكنتش تعرف هو ناوي على إيه؟! ده انتوا زي التوأم الملتصق عمركوا ما فارقتو بعض.

فحاول الدفاع عن نفسه أمامها هي على الأقل، فالأمر برمته لا يعنيه منه سوى كاميليا: - كاميليا أنا فعلًا مكنتش اعرف، نائل خبى عني عشان عارف إني كنت هعارضه
عادت كاميليا تنظر نحو الباب و: - طب امشي من هنا دلوقتي، وتين حالتها زي الزفت ومش عايزاها تتضايق أكتر كفاية اللي هي فيه، بعدين نتكلم.

ضرب بدر على سطح الطاولة وهو يشيح بوجهه عنها، وقبل أن ينهض وجد النادل على رأسه و: - تحب تطلب حاجه يافندم؟
- لأ
ونهض عن جلسته وهو يردد بإنفعال: - براحتك ياكاميليا، أعملي اللي تشوفيه صح
وسار متشنجًا حتى خرج نهائيًا، وهي مرتكزة عليه بنظرات حزينة، لم تكن بتلك القسوة معه يومًا، ولكنها اليوم مضطرة لذلك، فالأمر ليس سهلًا كي تتقبله هي، فما بالك ب وتين التي عايشت كل هذا الزيف والكذب والضياع..

عادت تشرد من جديد وتحلق بعقلها بعيدًا، غير قادرة على تخيل نهاية هذا الأمر، بالكاد ستكون نهاية سيئة للغاية.

أين ستذهب، وأين المفر لها.
لم تجد مكانًا يحتضن آلامها ويخفي دموعها سوى ذلك الذي كان يومًا بيت أزيائها، هذا ما تبقى لها من كل تلك الثروة التي كانت يومًا تملكها، ذهب كل شئ وبقيت هي بوحدتها وفقرها الذي سيبدأ في الظهور، واسمها الذي تلوث وتلطخ بكلام مشين لا صلة لها به.

كان الضوء خافتًا للغاية عندما كانت وتين تجلس بمفردها منعزلة عن الجميع، ولا شئ يشغل بالها سوى ما تعيشه من بلاء ثقيل على كاهلها، وبين كل هذا التفكير تتردد أصداء صوته وهو يقول لها في نهاية حديثه: - مجرد ما تخلصي إجراءات التوكيل المحامي بتاعي هيرفع قضية خُلع، والنوع ده من القضايا مش بياخد وقت في الحكم.

بعد كل هذه المعاناة التي عاشتها معه، تشفق على نفسها وعلى المُدعى زوجها مما ستقدم عليه، فكرت مرارًا في العدول عن ذلك، فهي ما زالت قيد حُب هذا اللعين الذي تلاعب بها وجعلها دمية لتنفيذ مخططه الشيطاني الخبيث، ولو إنه شيطانًا ما فكر بتلك الطريقة، كيف انطلى عليها كل ذلك، حقًا كان بارع في تجسيد دور العاشق الذي وله بها وجعلها تؤمن بذلك لدرجة تحيل بينها وبين تصديق واقعها المجحف القاسي.

أطبقت وتين جفونها لتنسدل دموعها بحزن وضيق شديدين، بل بقهر أيضًا، لثمت وجهها بكفيها وراحت تشهق بمرارة فيهما وهي تنطق من بين شهقاتها المتواصلة: - مش قادرة أصدق، مش قادرة
صوت اهتزاز هاتفها الذي توهج من كثرة اهتزازه ظهرت لها الآن، ف كفكفت دموعها وهي تخرجه من حقيبتها، وإذ برفيقتها تتصل، زفرت وهي تردد: - نسيت خالص!
ثم أجابت: - أيوة ياكاميليا.

صمتت هنيهه وعادت تستطرد: - أنا آسفه مش هقدر آجي، فين!، أنا في البيت، لأ لأ متجيش، أنا بخير، هنام شوية وهبقى كويسه، لما اصحى هتصل بيكي، سلام.

ثم دست الهاتف من جديد، وقفت عن جلستها والتفتت حول نفسها وهي تنظر لهذا المكان الخاوي، كان من قبل يعج بالمكاتب ومجسمات المانيكان والأقمشة ولوحات تصميماتها الفريدة، كان المكان گالبيت الثاني الذي يأويها، والآن قد تحول لمكان فارغ ضيق يجثم عليها رؤيته هكذا، ورغم ذلك ما زال البقعة الأقرب إليها، مضت مستسلمة لقدرها، وقد وصلت لنقطة أن لا تفكر فيما قد يحدث بعد ذلك، في كل الأحوال لن يصيبها أكثر مما لحق بها من بلاء.

كان يرتشف من كأس يحوي مشروبًا أحمر اللون يُعد خصيصًا له، وكأنه خمر منزلي فاخر لا يُشترى وإنما يعد يدويًا ببضع مكونات بسيطة ومفعوله أقل بكثير من المشروبات المُسكرة من حيث إذهاب العقل والتركيز.

وبين لحظة وأخرى ينظر نائل نحو الهاتف المسنود على سطح الطاولة منتظرًا خبر هام من أحدهم ولكن طال انتظاره قليلًا، انتقل نحو الأبريق وسكب منه ملء الكأس وعاد يقف بداخل شرفة غرفته، يفكر أين كانت مختفية منذ الصباح؟

لا يوجد سبب لاهتمامه بأمرها من منظوره، ولكنه أقنع حاله إنه يحطاط ليس أكثر، فهي ليست الحمل الوديع الذي سينسى ويتعايش مع هذه الحقيقة، هي قطة لطيفة وجميلة، ولكنها تتسم بطابع الشراسة والإفتراس إن وجب ذلك، لذلك سيكون مرتكزًا ببصره وتركيزه وكل حواسه عليها مترقبًا الضربة الآتيه من نحوها.
تصدر نغمة يصحبها اهتزاز عن هاتفه، ف يسرع نحوه ويجيب بعجلة: - ها؟ عرفتي كانت فين طول اليوم؟

بدأت ملامح وجهه تتغير شيئًا فشئ، ورمشت عيناه غير متوقعًا هذا الجواب الصادم الذي تلقاه والذي لم يكن يتوقع حدوثهِ البتة: - بتقولي مين؟! رحيم!
وكأن مازال الشك بداخله ويود لو أن اعتقاده خاطئًا، فتسائل مجددًا وهو يتمنى أن ما حضر بعقلهِ يكون غير صحيح: - رحيم مين!؟
جمد مكانهِ ورأسه مشتط من فعلتها الجريئة تلك في حين إنها مازالت زوجته وتحمل كنيته: - رحيم نصار!

هل يتسبب هذا في حبوره أم أن الأمر كله عاديًا؟!
لا يدري، قبل مقابلتها كان ينتظر تلك اللحظة على أحر من الجمر، ولكن بعد رؤيتها بتلك الحالة، حتى هو أحزنه ما أصابها رغم ما يكّن داخله من حقد.

عاد رحيم ل ال?يلا خاصتهِ لا طاقة فيه لأي شئ، ليجد هذا الرجل الذي يحبه حبًا جمًا في انتظاره، استقبله صفوت متلهفًا لمعرفة إن كانت وتين قد وصلت إليه أم لا، ولكنه لم يرغب في البدء والتساؤل قبل أن يبدأ رحيم، ولم يطول انتظاره، حيث أفصح رحيم عن ذلك وبسرعة، وكأنه مشتاق للبوح: - وتين جت النهاردة، جاتلي المعرض
تنهد صفوت وهو يجلس أمامه في باحة ال?يلا الكبيرة و: - كنت متوقع دا بعد ما طردتها النهاردة.

اتسعت عينا رحيم بعدم تصديق وقال بإنفعال: - طردتها! وليه مقولتليش قبل ما تعمل كدا؟
- عشان عارف إنك مكنتش هتوافق وهتقابلها، افتكرت هيبقى عندها حصوة ملح ومش هتبص في وشك بعد اللي هي عملته معاك.

ضرب رحيم على يد المقعد وصاح بضيق: - برضو مكنتش تعمل كدا من غير ما ترجعلي، أنت عارف إني كنت مستني اللحظة اللي تجيلي فيها مكسورة.

ف أوضح صفوت ما يهفو على عقله: - وتين مجتش مكسورة عشان ترجعلك يارحيم، وتين جيالك عشان انت الوسيلة اللي هترجعها للي كانت فيه من تاني، انت الوحيد اللي هتعرف ترجعها لمجدها وللعز اللي كانت فيه، مش عشانك؟

وكأنه يتعمد الضغط على ذلك كي يفيق من غيبوبة اختار هو المكوث فيها، ولكنه كان گالذي يسكب البنزين على لهيب من نار فيزيده إضرامًا واشتعالًا، اندفع رحيم واقفًا عن جلسته وصاح فيه: - بس ياصفوت، بس..
تنفس بمعدل أسرع وقد ضاق صدره عليه أكثر و: - اللي يهمني إنها جاتلي وهتوافق على كل شروطي.

ومن هنا بزغ الغلّ والكره في صوته وملامحه وحتى نظراته: - وانا هعرف إزاي أذلها وأكسر مناخيرها، بس بعد ما ترجع تاني وتين الصباغ، عشان انا مش بحارب حد ضعيف.

ومن ثم غادر، تركه وصعد هذا الدرج الصغير متجهًا لغرفته، المكان الوحيد الذي يظهر فيه بدون أقنعة، بدون تظاهر بالقوة والقسوة والسلطة، فقط بوجه رحيم نصار، أوصد الباب وضغط بكفه على صدره المختنق، ثم شرع بنزع قميصه عنه بتشنج، ألقاه بعصبية ثم ضغط على رأسه التي ستنفجر من كثرة ما تحمل، حتى ضرب بمؤخرتها رأسه الحائط.

هي كانت الشئ الوحيد الذي تمناه، والشئ الوحيد الذي استعصى عليه الحصول عليه، مر الوقت بقدر ما مر ولكنه لم ينساها يومًا، ولم ينسى فعلتها كذلك، وكيف له أن ينسى وهي التي وشمت جرحها بقلبه فأصبح ينام به ويصحو به ويتنفس به، تمنى لو تأتي راكعة نادمة، والآن قد أتت منكسرة تقبل بكل شروطه، ولكنه لم يرتاح بعد، حتى بعد رؤية ما عاشته لم يرتاح، وكأنه يحتاج لشئ أكبر كي يستطيع نسيان ما حدث أو المعايشة بطبيعية.

فتح رحيم خزانته الخاصة الصغيرة، وأخرج منها علبة مخملية مربعة الشكل، فتحها ليجد خواتم خطبتهم، والتي كان منقوشًا عليها التاريخ والحروف، انقبض قلبه مع استذكار اللحظة التي ألبسها فيها خاتمهِ، ولحظة أخرى كانت تنتزع فيها ذلك الخاتم لتعطيه إياه، لم يكن بحال كهذا من قبل، ولكنها أوصلته لحال مزدري هي لن تصدقه.

تلمس رحيم خاتمها للمرة المائة، ثم أغلق العلبة وقذفها بعيدًا، ودفن رأسه في الوسادة ليتبع ذلك صرخة مكتومة أصابت أحباله الصوتية بالألم، ومع ذلك هذا الألم لا يزول، لا يزول أبدًا، بل إنه أصبح رفيق حياته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة