قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

منذ الأمس وهو متجهم الوجه قاطب الجبين عابس الملامح، أو الأدق منذ أن علم بهوية الرجل الذي التجأت إليه زوجته كي يساعدها ضده.
مضى نائل بين أروقة الشركة لا يقصد وجهه محددة، حتى أن موظفيه قد ارتابوا وبدأت تعمّ حركة ارتجاليه غير مسبوقة معتقدين وجود حملة تفتيش مفاجئة على الأقسام، إلى أن انتهى الحال به لمكتب بدر
هو الوحيد الذي سيتفهمه ويقرأ ما بين السطور والتي لا يقوَ على التحدث بها..

فتح نائل الباب فجأة ودلف، وقبل أن يصفع الباب وقع بصره على بدر جالسًا على المقعد المقابل للمكتب مستندًا بذراعه على سطحه وعقله شاردًا في عالم آخر، صوت صفعة الباب جعلته ينتبه لدخول نائل، ف تنهد بثقل وهو يعتدل في جلسته بينما اقترب الأول منه وهو يردف: - شوفت اللي انت بتدافع عنها قدامي عملت إيه من ورايا؟!

تأهب بدر لسماع الخبر، فقد أصبح الأمر برمته يحوز على اهتمامه بعد أن بات هو وحبيبته كاميليا جزءًا لا يتجزأ من هذه الخصومة المعلنة، انتصب بدر في جلسته وهو يسأل بتلهف: - عملت إيه وتين؟
كور نائل قبضتهِ بقوة وقال والغيظ ينقذف من عينيه: - راحت لرحيم، نسيت هي مرات مين وملقتش غير رحيم تروحله!
اتسعت عينا بدر وهو ينظر للفراغ، بينما تابع نائل بحنق أكبر: - أعمل فيها إيه انا دلوقتي!؟

رفع بدر بصره نحو نائل يحدجه باستنكار لهذا التناقض الغريب، ثم ردد: - وانت زعلان ليه؟ مش عملت اللي انت عايزه وأكيد هترميها وتطلقها!
فصاح نائل وقد انتفخت عيناه باحمرار شديد: - لما أبقى أطلقها تبقى تعمل اللي على مزاجها، إنما دلوقتي هي لسه على ذمتي.

وقف بدر عن جلسته يرميه بنظرات محتقنة وهو يقول: - انا مبقتش فاهم حاجه، انت عايز إيه يانائل؟، عايز تعمل كل ده معاها وهي تفضل تحت رجلك مثلًا! أكيد البنت هتدور على مخرج من الورطة اللي وقعتها فيها.

فرمقه نائل بامتعاض وهو يهتف: - أنت معايا ولا معاها؟!
- أنا مع نفسي مش مع حد، عشان أنا اللي هضيع وهضيع مني كاميليا بسببكوا!، بس انا مش هسمح بدا يحصل وماليش علاقة بمشاكلكوا.

لوح نائل في الهواء بعدم اكتراث وسلك طريق الخروج وهو يردد: - كاميليا وزفت!، أهي دي اللي كانت نقصاني
أمسك بدر بهاتفه وحاول الوصول إليها مرة أخرى، ولكن للمرة الألف يأتيه الرد المُسجل الهاتف المطلوب مغلق أو غير متاح من فضلك حاول الإتصال في وقت لاحق.

قذف بدر بالهاتف وهو يردد بأرادة قوية: - لازم ألاقي حل وأخرج نفسي من اللعبة الرخيصة دي!، واهو رحيم كمان بقى جوا الدايرة ولسه هتولع أكتر، طب اعمل إيه طيب؟!

كانت داليدا تراقب ابنتها وهي ترتدي ثيابها على عجلة من أمرها استعدادًا للقاء محامي رحيم الذي حضر مؤخرًا، نفخت داليدا بانزعاج وهي تسألها للمرة الأخيرة: - متأكدة ياوتين من اللي هتعمليه؟ فعلًا هترفعي قضية خلع على نائل؟

كانت وتين تغلق آخر زرين من قميصها الحريري الأسود الذي ارتدته على بنطال أبيض ضيق يصل لما بعد ركبتيها، ثم لململت شعرها وعقصته بشكل كعكة وهي تجيب: - مفيش قدامي غير إني أسمع كلام رحيم في كل حاجه، أنا متأكدة إنه هينجح ويرجعلي حقي.

ف ابتسمت داليدا بسخرية وهي تذكرها بالثمن الذي ستدفعه مقابل ذلك: - انتي نسيتي التمن اللي هتدفعيه عشان الحق ده يرجع؟!
وهنا عادت وخزة مؤلمة تنغز صدرها من جديد مع تخيل إنها بالأمس وافقت على عرض البيع الذي عرضه عليها، ليس هذا فحسب، سيحصل على نسبة من مالها أيضًا، ولكن بمضاهاة هذا الإتفاق مع ما تعيشه الآن، فهو الأنفع بالنسبة لها بكل تأكيد..

المهم الآن هو التخلص من نائل ثم استعادة حقها المهدور، خرجت وتين قاصدة غرفة الجلوس، أوصدت الباب من الداخل ثم دلفت: - أهلًا يامتر
صافحها المحامي نبيل قبل أن يعاود الجلوس و: - أهلًا ياهانم، أنا جاي بخصوص آ...
- عارفه، فين الورق اللي همضي عليه؟

فأخرج الملف من حقيبته وناولها إياه مرفق بقلم حبري، فتحت الملف وقرأت السطور جيدًا، فهي لن تُلدغ من نفس الموقف مرتين، وبعد أن تأكدت من سلامة الأوراق، بدأت تخطّ توقيعها عليها ورقة تليها الأخرى، وفي الأخير تسائلت: - إيه اللي هيحصل دلوقتي؟

- هبدأ إجراءات القضية ودي مش هتاخد وقت مننا، والحكم تقريبًا هيبقى من أول جلسة وفي صالحك، بعد إثبات الفضايح والسُمعة السيئة اللي طالتك بعد الإشاعات اللي طلعها الزوج، يعني في سبّ وقذف بدون دلائل ملموسة، كل ده المحكمة هتحطه في الاعتبار.

كان يذكرها بما حدث بدون وعي، هي لم تنسى، ولكن ذكر ذلك أمامها يجعل صدرها يضيق وكأنه لا يتحمل حتى أنفاسها.
تظاهرت وتين بالقوة كما تتصنع دائمًا، ثم قالت: - اللي تشوفه اعمله
- اتفقنا
استمعت وتين لصوت رنين الجرس حينما كان نبيل ينهض عن مكانه، رافقته حتى الخارج لتصادف نداء في طريقها، فألقت عليها السلام و: - أهلًا يانداء، استريحي لحد ما آجي
- ماشي ياحببتي.

ثم خرجت خلف المحامي بينما اتخذت نداء الأريكة موضعًا لجلوسها حتى عادت هي لها: - أهلًا يانداء
نهضت لتعانقها عناقًا روتينيًا و: - أنا كنت هجيلك من يومين بس كنت محرجة أوي، قولت اسيبك ترتاحي بس شكلك مش هترتاحي الفترة دي خالص.

جلست وتين أمامها على المقعد وبدرت منها ابتسامة مستخفة وهي تقول: - صح، مش هرتاح أبدًا، المهم انتي بخير؟
أطرقت نداء رأسها بحزن و: - لأ مش بخير، أنا بطلق
- ليه كدا؟!
تنهدت نداء بضيق وهي تحاول أن تبدو طبيعية: - مشاكل، سيبك مني المهم انتي، أكيد مش حمل هموم تاني تفكري فيها
أطبقت وتين جفونها مكافحة هذا الحزن البارز في عينيها: - صح، أنا شايلة هموم تكفيني وزيادة.

خرجت داليدا أثر صوت نداء، رمقتها بضيق بالغ، ثم أطلقت بعض كلماتها الحانقة: - لسه أبوكي ملقاش حل للمصيبة اللي وقعنا فيها يانداء؟
عضت نداء على شفتيها بحرج، بينما تابعت داليدا: - ماهو لو كانت وتين دي بنته، كان هد الدنيا فوق دماغ نائل وأمه.

ضحكت نداء في قرارة نفسها، فما زالت داليدا بالرغم من كل تلك السنين لا تعرف فضل جيدًا، وإن كان سيهدم الدنيا ويجيئ بأعلاها في أسفلها لفعل من أجل ابنته أولًا، ولكنه تخاذل ولم يفعل.
زفرت نداء زفيرًا طويلًا و: - ربنا يكون في عون وتين ياطنط، اللي عرفته إن نائل حط إيده على كل حاجه بأوراق رسمية، تفتكري بابا كان هيعمل إيه؟ يروح يطرده من حاجه بقت خلاص ملكه ومفيش حد مننا ليه حق في حاجه من اللي خدها نائل و...

- بس كفاية، كفاية، عن أذنكم
وغادرت وتين مجلسهم يصاحبها الاختناق الذي يجثم على صدرها وأنفاسها، أغلقت الباب على نفسها وهي تتنفس بمعدل متسارع، ثم سكبت من أبريق المياه وارتشفت گالتي لم تشرب الماء منذ فترة طويلة، أحست بحرارة جسمها ترتفع والعرق يتمكن منها، فأمسكت بجهاز التحكم وبدأت ترفع درجات مُكيف الهواء لأقل درجة حتى تبرد الغرفة.

ذكريات كثيرة تداهمها في كل مكان تذهب إليه، في كل لحظة مشهد جديد وذكرى جديدة تأتي لعقلها حتى أصبحت لا تطيق رؤية طيف صورته حتى، كيف لهذا القلب أن يكون بهذه الحماقة؟، ثمة قطعة ما زالت تهيم به وتعشقه، قطعة ما زالت تبحث عنه في كل مكان، بمعنى أشمل تبحث عن إنسان آخر تعايشت معه على مدار عام ونصف العام ويزيد، أطبقت جفونها ليختفي ظله، فأذ بصورته تقتحم ظلامها، أصبحت لا تجد مفر من رؤيته، وكأنه لم يكتفي وترك لها عذابًا فوق عذابها.

كانت ماريا مرتدية كامل ثيابها ومتأنقة للخروج عندما كانت الساعة الخامسة بعد العصر، استوقفها والدها وهو يترك كوب الشاي الخاص به وسألها: - رايحة فين ياماريا؟ مش خلاص خلصنا من الدروس وامتحانات الثانوية العامة وقرفها؟، رايحة فين بلبسك ده!
- هقابل صحابي يابابا، مخنوقة أوي من وقت الامتحانات ومحتاجة أغير جو
شملها بنظرة خاطفة قبل أن يردد: - متتأخريش
ف انفرجت أساريرها وهي تقترب من باب شقتهم قائلة: - حاضر.

ما هي إلا لحظات حتى أتت شريفة وهي ترمقه بنظرات محتقنة أطالت فيها، حتى أحاد هو بصره عنها وسألها: - عايزة تقولي إيه ياشريفة؟
- كفاية دلع في بنتك يافضل، البنت في سن خطر وانت سايبلها الحبل على الآخر
نهض عن جلسته وهو يردد: - البت لسه مخلصة امتحانات متضغطيش عليها، وبعدين ماريا مبقتش صغيرة
ودلف باتجاه غرفته وهي من خلفه: - رايح فين يافضل؟ أنا لسه بكلمك
- عندي مشوار كدا.

وبدأ يخرج ثيابًا تناسب الخروج في هذا المساء، بينما سألته هي: - طب وموضوع بنت أخوك؟ خلاص كل حاجه راحت مننا كلنا كدا!
ابتسم فضل ابتسامة عابثة أخفى خلفها حقيقة تورطه بالأمر، ف زرع بقلبها الريبة من هذا الهدوء المثير للتساؤل والمحرك لتعجبها، حتى إنه لم يعقب مما أثارها أكثر: - فضل!
نظر حيالها، فدققت بصرها بعينيه وتسائلت: - انت مخبي عني حاجه!؟
- خالص.

قالها وهو يشرع بارتداء ملابسه: - أنا بس مستني اللحظة المناسبة اللي أرجع فيها حقنا، اطمني ياشريفة
حينما ترددت أصداء داخلية بصدرها إينذاك: - ياخوفي منك يافضل، ياترى مخبي إيه عني مخليك مرتاح أوي كدا!

السيجارة بين أسنانه، يضم شفتيه عليها وهو يسحب منها أنفاس النيكوتين السامة، ثم يحرر شفتيه عنها ليتطاير الدخان من هذه المساحة المفتوحة بين شفتيه.
أثناء ذلك كان يتفحص الملف الموضوع أمامه بدقة ويضع أمضاءه في نهاية كل ورقة على حدا و: - هتخرج العربيات من الجمارك أمتى؟
- أديني أسبوع وتبقى في المعارض يارحيم بيه
أغلق رحيم الملف وناوله إياه و: - خلصني بسرعة، انت عارف إننا متأخرين وفي شغل كتير مستني.

ولج نبيل المحامي في هذه اللحظة فعلقت به عيون رحيم وهو يدعس ما يزيد عن نصف سيجارة بالمنفضة ناظرًا نحوه، ثم أشار رحيم للموظف التابع له بنظرة واحدة: - روح انت
تقدم نبيل من المكتب، وجلس قبالته وهو يقول: - عملت إيه يانبيل؟
- زي ما قولتلي بالظبط، بدأت في إجراءات القضية، يومين بالكتير وهيوصل إخطار لنائل يبلغه بالقضية المرفوعة ضده.

ابتسم رحيم مستخفًا وهو ينهض عن مكانه: - مين يصدق اللي بيحصل؟، فرصة من ألماظ وجت لحد عندي
ثم جلس أمامه وتابع بلهجة بلغ فيها الحقد ذروتهِ: - ولسه لما اللي في دماغي يتحقق هلاعب نائل ده بطريقة تندمه إنه بدأ اللعب
التقط رحيم علبة السجائر وبدأ بأخراج إحداهن و: - روح انت يانبيل وأي جديد بلغني على طول.

ثم بدأ بأشعالها مستعدًا لحشو رئتيه بالنيكوتين، وبخفة سحب جهاز الحاسوب ليكون أمامه، وبدأ البحث عما يرغب، حتى صادف في طريقه هذه الأخبار المنتشرة مؤخرًا والتي تمسّها بكلام مشين وقد تزايد الموضوع عن الحدّ المسموح به، أطبق شفتيه وزفر باحتقان من أنفهِ وهو يزج بالجهاز بعيدًا عنه، ثم التقط هاتفه وهو يبعد السيجارة عن فمه وبدأ يتحدث لأحدهم: - أيوة، وصليني برئيس التحرير بسرعة، رحيم نصار معاكي.

أيام والحال من أسوأ إلى أسوأ وأسوأ، ما يقرب من النصف ساعة، وهي بمحلها هكذا، جالسة أمام هذه الأخبار المنتشرة عنها على المواقع الاجتماعية والأخبارية المختلفة.

لم يبقى شيئًا لم يحدث، ولم يبقَ ما لم يحلّ بها، تعيش أسوأ أيام حياتها على الأطلاق، لا يوجد فرصة تنسى بها أو تعيش بدون حدث جديد يؤرق عليها حتى أنفاسها، دموع منهمرة بصمت مريب، وذكريات عالقة في ذهنها تأبى الخروج، لم يكفيها ما حدث، وإذ ب هجوم العامة من رواد المواقع الإلكترونية للحصول على أكبر قدر من التفاعل والهجوم والتعليقات السخيفة والألفاظ النابية التي لحقت بها وهي الضحية التي بلا ذنب.

أخيرًا صدر عنها صوت شهقاتها وخرج أنين بكائها من صدرها الذي يجيش بمئات المشاعر السلبية، وضمت لصدرها ركبتيها لتستند عليهما، الأشد إيلامًا هو أن يتسبب من كان يوم حماية وعضد في أكبر نكبة في حياتك، حينها تشعر وكأن الحياة قد توقفت من حولك ولم يبقَ لك ملجئًا.
استمعت وتين لتلك القرعات المتعجلة على بابها، ف مسحت دموعها على عجل وهي تستمع بصوت والدتها: - وتين، افتحي بسرعة.

أوفضت وتين نحو الباب وفتحته وهي تنزح بقايا دموعها، ف دلفت والدتها سريعًا و: - رحيم واقف تحت وعايزك تنزلي ليه
تحجرت مقلتيها وهي تنظر لوالدتها بنظرات يشوبها علامات استفهام كثيرة، بينما رددت والدتها: - لسه متصل على تليفون البيت وقالي أقولك كدا عشان تليفونك مقفول.

توجهت وتين نحو النافذة وأزاحت ستائرها، نظرت، فإذ بسيارته السوداء الضخمة تقف أسفل بنايتها بالفعل، ماذا يفعل هنا في هذه الساعة من الليل؟ ولماذا جائها على حين غرة، انتابها شعور بوجود شئ ما وراء ذلك، وبالرغم من شعورها إلا أن الاختيار ليس بيدها، ستجد نفسها إجباريًا تقف بالأسفل وترضخ لطلبه لها بدون تفكير، فقد تركت توقيعها على اتفاق بينهما لا يشتمل رفضها لأي شئ.

كان رحيم يجلس خلف المقود منتظرًا ظهورها، يخرج أنفاس سجائره التي أدمنها مؤخرًا من النافذة المفتوحة بجواره، وعيناه تتجول في الشارع وبين مرايا السيارة.

حتى لمح بزاوية عينيه طيفها يقترب منه، التفت لا أراديًا ليراها بثوبها الأسود ذاك الذي لم يصل حتى لركبتيها، و سيقانها الرفيعة اليافعة تلمعان بجوارب شفافة بجانب ذراعيها المكشوفتين وشعرها المربوط خلف ظهرها، متألقة گالعادة وكأنها لن تسمح بغير ذلك، فتحت باب السيارة واستقرت بجواره جامدة في حركاتها، ثم أردفت وهي تنظر أمامها: - في حاجه حصلت؟

وجدته يدير المحرك ويقوم بتشغيل السيارة استعدادًا للرحيل، مما دفعها لتنظر إليه فجأة وهي تسأل بنبرة حازمة: - انت رايح بيا فين؟! أنا مش عاملة حسابي اتحرك من هنا ولا معايا حتى تليفوني
- أحسن حاجه عملتيها إنك مش عاملة حسابك.

وانطلقت سيارته فورًا تشق طريقها نحو مكان غير معلوم، حتى إنه تجاهل سؤالها ولم يجيب حول ماهية المكان، ف التزمت بالصمت وراقبت الطريق، تحاول استنباط ما يجول في عقله، ولكنه بات غامضًا بالآونة الأخيرة أكثر من زي قبل، وعليها تقبل هذا الوجه الجديد الذي ولد بفضلها.
لم يكن شخص گهذا قبل عام ونصف من الآن، حتى ملامحه تغيرت عقب أن اهتم بتربية لحيتهِ وبدل تصفيفة شعره لأخرى..

هذا الإنقلاب الجذري الذي أصاب حياته كانت هي المتسبب الوحيد فيه، هل كان جيدًا له أم لا؟، لا يعرف، هو يعلم فقط إنها كانت حلقة فاصلة مرّت بحياته، وكادت تودي بتلك الحياة لتقذف بها من الهاوية.
وفي النهاية، تجلس بجواره في سيارته الفارهه تنتظر ما سيحدث، مستسلمة لقدرها عقب أن باء اختيارها بالفشل الذريع.

كانت ثريا تقف في المطبخ، تشرف على عمل الطباخ الذي يعد وجبة العشاء وتملي عليه بعض الملحوظات، نظرت في صحن الجبن ثم أشارت إليه و: - حط جبنة تاني عشان نائل بيحبها
- من عنيا ياهانم
استمعت لصوت رنين جرس الباب، ف خرجت من المطبخ قاصدة بهو المنزل لتجد الخادمة تتحدث لأحدهم، قطبت جبينها باستغراب وهي تدنو منهم متسائلة: - في إيه؟
- ده محضر من المحكمة ياست ثريا.

أسرعت ثريا في خطاها تلقائيًا حتى أصبحت أمامه: - خير؟
- عايز أسلم أستاذ نائل حليم الإخطار ده
- إخطار إيه؟
وتناولت منه هذه الورقة الرسمية تتفحصها، فإذ بها تجحظ عيناها وهي تشمل محتواها مصدومة مما وقع ولم يحسبون حسبانه، وبخفوت شديد رددت: - قضية خلع يابنت سامي! صحيح قادرة زي ابوكي
ثم تناولت القلم ووقعت على الإستلام نيابة عنه: - أنا أمه وهستلم مكانه.

ثم خرج المُحضر لتقول هي: - هاتيلي تليفوني من جوا اشوف فين نائل
ثم تابعت بتذمر: - صحيح كنت عيزاه يطلقها ويخلص من وشها بس مش بالشكل ده، رافعة قضية خلع يا، صحيح بنت امها، عيلة كلها ناقصة.

في هذا الحين
كان نائل ينفرد ب فضل في مكتبه بهذا الليل الطويل المظلم عقب ذهاب جميع موظفي الشركة، حيث ذهب فضل يستعجل نصيبه من الغنيمة الكبيرة، وإذ ب نائل يزيد من طموحاته أكثر: - كمان هسيبلك المحلات، ماليش في شغل الأثاث والموبيليا
فردد فضل بانزعاج بيّن: - ولا وتين عمرها فهمت فيه، بس اقول ايه، منه لله أخويا!

عبس نائل قليلًا مع ذكر هذا الرجل الذي يكرهه أكثر من أي شئ في الدنيا، حينما كان الهاتف يضئ وينطفئ بصمت، ف التقطه نائل وأجاب: - أيوة
لحظات معدودة وتغير لون وجهه وتحولت نظراته لأخرى، انقلب لشخص آخر في ثوانِ معدودة عقب هذا الخبر الذي وصل إليه، فكان رد الفعل ذاك هو الأبعد عن خياله رغم احتماليته، انتصب نائل في جلسته وهو يتسائل بصرامة صاحبت صوته الخشن: - أمتى الكلام ده؟

ثم استطرد: - صحيح، ماهي لقيت اللي يقف في ضهرها ضدي!
ثم ضرب سطح المكتب وصاح فجأة: - بس ورحمة أبويا ما هنولها اللي في بالها، وهعرف أزاي أوريها على الحركة الو دي.

وأغلق هاتفه وهو يصيح: - بنت أخوك بترفع عليا انا قضية خلع!، ده انا هبهدلها أكتر ما هي متبهدلة، انا مش هخلي ليها بيت يلمها من الشوارع اللي هرميها فيها.

ووقف وهو يتابع: - ماشي ياوتين، ماشي
- رايح فين يانائل؟!
وخرج من باب الغرفة بصمت بينما لحق به فضل وهو يتمتم بغيظ: - يعني مش قادرة تصبر لما اوصل للمحلات وبعدها تبقى تولعها!، صحيح بنت سامي!، مش هتنام غير لما تهدها على الكل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة