قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع

وتين، تعني نهر الجسد والشريان الأقرب للقلب، ما إن قُطع يموت الأنسان على الفور..
أسمانيهِ والدي بعد انتظار دام لأكثر من 5 سنوات بدون إنجاب، لقد كُنتُ حبة قلبه، أسمي من صفتي لديهِ..
وعندما تركني وذهب لعالم البرزخ، ترك لي أرثًا من الحقد، أرثًا سأعيش وبصماتهِ عالقة في ذاكرتي ما حييّت.
كيف يعيش الإنسان هكذا؟.
بل كيف سأعيش أنا هكذا؟!

أزدردت وتين ريقها بصعوبة وقد أحست بألم في حلقها، وبدأت تتعرق بشكل مفرط، حكت عنقها بإنفعال وهي تردد: - يعني إيه، أكيد في حاجه غلط!، وعقود البيع دي مزورة، أيوة مزورة
أجفل وجيه جفونه وهو يهتف آسفًا: - أنا شوفت العقد بنفسي، وبعت صورة للمحامي قبل ما اجي هنا، قالي كُل الإجراءات سليمة.

أرتخت أعصابها بشكل غير طبيعي، أحست كأن الدنيا تدور من حولها، ضغطت بأصابعها على جانبي رأسها تمنع تسرب هذا الدوار المؤلم الذي داهمها، ثم رددت: - أنا لازم اخرج حالًا
وفرت من أمامهم بعجالة دون أن تنتبه للطريق حتى، حينما صاح وجيه بعصبية وهو يُحدث داليدا التي احتبست نفسها بداخل الصمت: - ما تقولي حاجه يامدام داليدا!

فتوصلت لمبرر واحد منطقي وهي عالقة ببصرها على الفراغ: - حد رسملنا فخ مظبوط أوي ياأستاذ وجيه، في حاجه بتحصل من ورا ضهرنا إحنا منعرفهاش.

كانت وتين تركض بدون حساب، وأنفاسها تخرج من صدرها بصعوبة وهي تستدير حول ال?يلا كي تصل للجراچ وتحصل على سيارتها..
ولكنها اصطدمت بمفاجأة أخرى، سيارتيها ليستا في مكانهن، والمكان خالي، وقفت تنظر بذهول، لقد تركت كلاهن قبيل سفرها بيوم واحد، والآن قد أختفتا أيضًا، والسبب غير معلوم حتى الآن.

حتى الآن لم يحصل على إجابة واحدة تُرضي شغفه، لم يتوصل لأصل اختفاءه المريب لكل هذا الوقت واخفاء الأمر عن أقرب إنسانة له وتين.
كانت مرتكزًا بنظراته على تعابير نائل الساكنة، فشعر بالقلق أكثر، هو أدرى الناس به، لذلك هو موقن بوجود مصيبة ما لا يعرفها، وللمرة السادسة يسأله: - أنا برضو مفهمتش!، أزاي تغيب كدا ومراتك متعرفش انت فين؟

تنهد نائل وهو يتلاعب بالقلم على سطح المكتب و: - أنت أقرب حد ليا يابدر، إحنا مش بس قرايب، انت عشرة عمري وصاحبي وانا مش عايز اخسرك، متكلمش معايا في أي موضوع يخص وتين لو مش عايزنا نخسر بعض.

أعتقد بدر إنها بوادر للغيرة على زوجته، فتجهمت ملامحه وهو يسأل غير مصدقًا: - انت بتغير على مراتك مني!
- تبقى غبي لو فكرت كدا، أنا مش عايز أي مشاكل تتحول وتبقى بيني وبينك
ف حاول بدر استنباط سبب ذلك: - انتوا متخانقين طيب!
نفخ نائل بانزعاج و: - خلصنا يابدر، قولتلك متكلمش معايا يبقى خلاص
وأكد عليه أخيرًا: - ومتردش على تليفوناتها، أعتبرني لسه مجيتش مصر.

ثم نظر لساعة يده وهو يردد: - أنا عندي مشوار مهم جدًا، سلام دلوقتي وهشوفك بعدين
ونهض عن المقعد متوجهًا للخارج وسط مراقبة بدر له، لم يسئم من محاولة اكتشاف ما سبب هذا الإنقلاب ياترى؟!، لقد كانوا گزوج من الكناريا نوع عصافير سويًا قبل عدة أيام، ماذا حدث ليستدعي كل ذلك؟

تعلقت عيون بدر بهاتفه المسنود على سطح المكتب، وجال بخاطره مهاتفتها مؤمنًا بأن هذا هو حقها، ولكنه أصرف هذه الفكرة عن رأسه، فالأهم لديه هو نائل، رغم إنه متورط في أمر ما ويخفي عنه، ولكنه لم يستطع تجاوز نائل وتعليماته رغمًا عن ذلك.

كانت ماريا في جلسة الدرس الخاص ووسط هذا العدد الهائل من طلاب الثانوية العامة، طوال فترة مكوثها في الدرس لم تكن ترى سواه، طريقة تحدثه، حركاته على مسرح التدريس، إشاراتهِ وكلامه وتعابير وجهه، تهيم فيه بشدة، وترى فيه فارس أحلامها الذي طالما حلمت به، تتأمل كيف يبدو وسيمًا لهذا الحد عندما يُنمي أطراف ذقنه السفلى، فتعطى لوجهه الوقار أكثر.

تنهدت ماريا ب إستمتاع وهي تنظر ل مُعلم التاريخ الذي يُدرس لها المادة، لتنتبه إلى انتهاء الحصة أخيرًا حيث قال كلمته الأخيرة: - الحصة الجاية في امتحان على أول فصلين، ومحدش ينسى يشتري الكتاب بتاع المادة من برا.

وبدأ يلملم أشيائه ويضعها في حقيبة سوداء، وتهافت عليه الطلبة والطالبات يستفسرون منه عما يخصهم أو يشغلهم، عداها، انتظرت بالخارج حتى تراه أمامها وجهًا لوجه، وقلبها يدق بعنف في انتظار هذه اللحظة، حتى خرج أخيرًا، ف استوقفته و: - مستر ماجد، آ، أنا ملزمتي ضاعت والسنتر هنا خلص النسخ كلها
ابتسم ماجد وهو يخرج إحدى النسخ الأضافية من حقيبته، ثم ناولها إياها وهو يقول: - خدي ياكتكوته.

ثم داعب وجنتها الحمراء وتابع: - أوعي تضيع هي كمان
وتركها واقفة متجهًا نحو بوابة المركز التعليمي الرئيسية، تحسست ماريا موضع أصبعه الذي لمس بشرتها، وأحست بالحرارة تدب في هذا المكان بخجل، ف أحنت بصرها تنظر لما أعطاها من أوراق وهمست: - حط إيده على وشي، مش مصدقة!، آآآه، يارب يحس بيا بقى.

كانت باردة گقطعة ثلج، فاترة وكأن الأمر عاديًا.
حتى ارتابت وتين أكثر وأكثر وتيقنت من وجود شئ ما خلف هذا الأمر..
قابلتها ثريا مقابلة جافة للغاية، وأعلنت بدون ذرة أحساس واحدة إنها لا تدري أين هو، بينما كانت الأخرى لا تصدق هذه الأكذوبة التي فاحت رائحتها بشكل مثير للأنتباه، ورغم ذلك لم تُظهر عدم تصديقها..
وتين: - تفتكري يكون راح فين ياطنط؟!، أنتي مامته وتعرفي أكتر مني.

كانت ثريا تجلس براحة على المقعد الضخم، رافعة ساقها على الأخرى وهي تتحدث بعجرفة: - انتي مراته وانتي اللي كنتي معاه، إزاي بتسأليني أنا؟!
تعمقت وتين النظر لحدقتيها القاتمتين لترى فيهما الخبث والكذب، ورددت بلهجة مستنكرة: - حضرتك هادية زيادة عن اللزوم، وده معناه إن عندك معلومة مش عندي!
التقطت وتين حقيبتها وهي تتابع: - بس متقلقيش، أنا هعرف اتصرف وألاقي جوزي، مش محتاجة مساعدتك.

فأجابت ثريا بفظاظة جليّة وهي ترمقها ب إحتقار: - يبقى جيتي ليه لحد عندي طالما هتعرفي توصليله!
اتسعت عيناها غير مصدقة هذا التحول الجذري الغريب في شخصية من تسمى حماتها، وكأنها شخصًا جديدًا لا تعرفه ولم تتعامل معه قط على مدار العام والنصف السابقين، أطالت وتين تحديقها فيها محاولة استيعاب ما يحدث، ف أردفت ثريا بنفس نبرتها الباردة: - روحي دوري عليه، ولما تلاقيه أبقي قوليلي.

فلم تطل تعجبها مما يحدث وسألتها مباشرة: - أنتي بتتكلمي معايا كدا ليه؟، دي أول مرة أشوفك بتتعاملي معايا بالشكل ده!
وقفت ثريا عن جلستها واستدارت موليه ظهرها لها بعدم اهتمام و: - أبقي سلميلي على مامتك، مع السلامة
أطبقت على حقيبتها بإنفعال وقد شعرت بالحرج من فظاظتها، ورمشت عيناها عدة مرات قبل أن تستدير وتتعجل في خطواتها منصرفة من هذا المنزل الكبير المتكون من طابقين، گ ?يلا مصغرة.

لم تتوقع أن يكون لقائهما بهذا الشكل، حتى إنها قررت رد هذا الأسلوب لاحقًا، ف هي بطبعها لا تترك لها حقًا ولا ثأر، هكذا علمها والدها الراحل.

استقلت سيارة الأجرة وقامت بتوجيه السائق، ثم استخدمت هاتفها، بدأ عقلها يعمل الآن، عقب أن أخمدت قلبها الذي كانت تتعامل به طوال الفترة الماضية، انتظرت رد الطرف الآخر حتى أتاها و: - أيوة ياأستاذ فايد، في موضوع مهم جدًا عايزاك تتحرى عنه من فضلك، المعرض بتاعي والفرع كمان أتباعوا امبارح بدون علمي ومعرفش ده حصل ازاي!، عيزاك تشوف أصل الموضوع فين من فضلك، شكرًا.

أغلقت الهاتف ونظرت للطريق أمامها وهي تتحدث بين خلجات نفسها: - لو اللي في دماغي صح، أنا مش هسكت.

كانت كاميليا تجلس بصحبته على أحد الطاولات المستديرة بأحد النوادي الشهيرة تستمع لآخر المستجدات التي تخص إختفاء نائل المفاجئ بفترة شهر العسل..
أصابها الجمود عندما علمت بعودته بهذا الشكل بينما رفيقة دربها تعاني ويلات التفكير والحيرة منذ غيابه..

تركت كاميليا قدح قهوتها السريعة باللبن ونظرت إليه بعيون غير مصدقة و: - يعني إيه قالك متدخلش؟!، وتين قالتلي إنهم كانوا كويسين جدًا اليوم اللي قبله ومحصلش حاجه تخليه يختفي كدا.

طرق بدر على الطاولة بتوتر وأجابها: - معرفش ياكاميليا، معرفش حتى السبب اللي خلاه يعمل كدا
- طب هي عايزة تشوفه وبتدور عليه!، إيه العمل دلوقتي؟
هو يريد أكثر من أي أحد آخر أن تعلم وتين بمكانهِ، حتى تتخلص من أرق التفكير وتتعرف على أسباب فعلته تلك، لذلك قرر مساعدتها ولكن عن بُعد، هو يعلم مقدار الصداقة التي تجمع بينهن، لذلك لم يتوانى في توصيل المعلومة إليها كي تكون مبعوثًا خفيًا ل وتين..

حمحم بدر وهو يردد متصنعًا حسن النية: - أكيد هييجي يوم ويتقابلوا، ماهو نائل مش هيفضل في شقته اللي في المهندسين كتير، هيرجع ال?يلا أكيد.

أزدردت كاميليا ريقها وهي تتأكد من صدق المعلومة: - هو قاعد في شقته التانية!؟
- آه
ثم أشار بدر للنادل: - خلينا ناخد الغدا لو سمحت
- أمرك
سحبت كاميليا هاتفها وهمّت بالنهوض وهي تردد: - أنا هروح ال Toilet مرحاض وراجعة
- أتفضلي
وتطلع إليها وهي تنصرف مدركًا أن الخبر على أعتاب الوصول ل وتين، تنهد بتحير وهو يطرق رأسه قائلًا: - هي وتين اللي هتجيب أصل الموضوع، طالما بقيت تخبي عني يانائل!

أجابت وتين على المكالمة المنتظرة بتلهف، وأول ما تسائلت عنه هو: - ها ياكاميليا، عرفتي حاجه؟
نظرت كاميليا حولها وهي تجيب كأنها سارقة: - في شقة المهندسين، هتعملي إيه دلوقتي؟
نظرت وتين لشاشة هاتفها تستكشف كم الساعة، ثم عادت تُحدثها: - الصبح هتصرف، مش هيعدي بكرة من غير ما اشوفه وأفهم كل حاجه.

أحضرت سوسن صحن صغير من حلوى الأرز باللبن الساخن ووضعته أمامها، حينما كانت وتين تغلق الهاتف، . فبادرت سوسن قائلة: - من يوم الراجل ده ما دخل البيت وانا مش طيقاه سبحان الله!
زفرت وتين باختناق وهبت واقفة عن جلستها وهي تردد بلهجة منزعجة: - أنا مش ناقصة ياسوسن please
كادت تنصرف لولا أن وقفت الأخيرة أمامها و: - طب خلاص متزعليش مش هجيب سيرته خالص، أنا عملتلك رز باللبن وعليه...
- ماليش نفس.

واندفعت نحو الدرج الصغير منتقلة نحو غرفتها وقد ضاق صدرها أكثر، صفعت الباب بإنفعال شديد، وجلست على طرف فراشها العريض تشعر بالحماقة، بالضياع، بالسذاجة، لا تدري ماهية شعورها وما هو مسماه، ولكن قلبها گاليابس الذي لا ماء فيه ولا زرع، ثمة حركات تنفسية بدون روح، وقعت عيناها على حقائبه التي مازالت بحوزتها، تقدمت منهن وفتحت واحدة، لتنبعث منها رائحته التي تميزها من بين روائح عدة، تحسست ملابسه باشتياق شديد رغم ما تعانيه من عذاب الحيرة والتفكير والتشتت بسبب فعلته..

لكل شئ مسببات، فما هو السبب وراء ما قام به عقب قصة الحُب القوية التي كانت بينهما!.
فتحت داليدا الباب بهدوء ظنًا إنها تستريح فلا ترهقها، فوجدت حالتها تلك، أشفقت على ما أصابها ودنت منها، ساعدتها لتنهض وهي تقول: - قاعدة كدا ليه ياوتين، قومي يابنتي ارتاحي انتي يعتبر منمتيش خالص.

استجابت لها، حينما تابعت داليدا حديثها قائلة: - أنا لسه جاية من بيت عمك دلوقتي، بس مكانش هناك گالعادة، قولت يمكن يعرف حاجه ولا تواصلوا مع بعض.

لم تنطق وتين بكلمة واحدة، ف حزنت والدتها أكثر وهي تحاول مواستها: - ياحببتي أكيد في مبرر هيوضحه ليكي، ليه مكشرة كدا
تمددت وتين على فراشها وهي تتهرب من محادثة والدتها التي لن تكون ذات جدوى في ظل حالتها النفسية المتدهورة تلك، ثم رددت بصوت منخفض يكاد يكون منبحًا: - أنا عايزة انام ياماما
- طيب ياحببتي.

نهضت داليدا رغمًا عنها وهي تعلم أن ابنتها لن تتذوق طعم النوم حتى، ولكنها مرغمة على تنفيذ مطلبها، أغلقت الإضاءة والباب، فبقيت الغرفة مظلمة للغاية..
فقامت وتين بتشغيل موسيقى هادئة عبر هاتفها وتركت عقلها يسبح في الأفكار التي تداهمها بدون بتوقف، تترقب الأسباب والتبريرات التي سيعترف بها نائل عندما تواجهه، ولكنها على يقين أن ليس فيهم ما يرضيها.

هي مجبرة على الصبر والأنتظار حتى الصباح، كي تتمكن من الوصول إلى أصل الموضوع.

على عجلة من أمرها ارتدت ثيابها بسرعة، واستعدت للخروج مقررة ملاقته اليوم بأي شكلٍ كان.
لململت شعرها ذا المموج ورفعته لأعلى، عقصتهِ في شكل كعكه وأسرعت نحو الخارج.
كان فايد المحامي في انتظارها بالأسفل، وقد أبلغتها سوسن بذلك، فأسرعت خطاها متشوقة لما سيرويه عليها عقب أن قضى ليلة أمس في التحري كما رغبت هي..
دلفت إليه وبدون انتباه منها سألت بتلهف: - ها ياأستاذ فايد، وصلت لحاجه؟

أطرق فايد رأسه آسفًا، ف أصبحت نيران صدرها مُسعرة أكثر وأكثر وهي تصيح بدون صبر: - ما تكلم ياأستاذ فايد في إيه أنا أعصابي مش متحملة!
ذمّ شفتيه، وأعربت تعابير وجهه عن مدى حزنه وهو يردد: - فعلًا المعارض اتباعت، ومش كدا وبس، المصنع كمان
سعلت فجأة، سعلت بإنفعال جعل عيناه تغرورق بالدموع اللاإرادية، فاقترب منها يسألها بقلق: - انتي كويسة، أجيبلك ميا؟!

ألتقطت أنفاسها بصعوبة شديدة وهي تسأله: - يعني إيه؟! مصنعي اتباع لمين وازاي؟!، أنا مبيعتش ولا مضيت
وتابعت بصراخ: - مين عمل كدا، دا أكيد تزوير
ف تهرب فايد بنظراتهِ منها و: - جوزك، نائل بيه.

گالقنبلة، أنفجرت عبارته للتو في أذنيها وصدحت، كأنها تكررت على مسامعها عدة مرات گالصدى المستمر، تحجرت الكلمات في حلقها ولم تستطع التحدث، فتابع فايد قائلًا: - أستخدم التوكيل العام اللي حضرتك عملاه ليه، وباع المصنع لنفسه، حتى المعارض باعها.

جحطت عيناها، وسقط جسمها بثقلهِ على المقعد وهي تردد بخفوت: - توكيل!، توكيل إيه؟!، أنا مش عاملة توكيلات لحد؟!
- لأ، أنتي بالفعل عاملة توكيل عام وعليه أمضتك، أنا أتأكدت النهاردة الصبح ومكنتش مصدق إنك خدتي خطوة زي دي.

استندت على مسندي المقعد لتقف، فإذ بساقيها گعصيان من الخشب الخائر، تنحنحت محاولة إصدار صوتها، وفركت عنقها بإنفعال وهي تهتف: - في مشوار لازم اروحه، من فضلك، آ...
كانت مرتبكة، متوترة، ولا تملك أعصابها، صمتت هنيهه وعادت تقول: - تعالى معايا، أنا محتاجة حد أثق فيه ييجي معايا
- تحت أمرك.

سارت بخطوات بطيئة وهي تستند على الأشياء، گسيدة عجوز قد هرمت وأصرفت صحتها، وهو من خلفها ينظر إليها نظرات مختنقة، تقريبًا قد ضاع كل شئ منها، لم تعد تملك أيًا من أرثها الذي تركه والدها، أي ضياع ذلك؟!

سار فايد بسيارتهِ حسب الطريق الذي وصفته وتين، حتى وجد نفسه أمام بناية راقية بأحد شوارع حي المهندسين، وقف بعيدًا عن العيون المترصدة، وهي بجواره، تنظر لمدخل البناية بترقب، في انتظار اللحظة التي سيظهر فيها..

ولكن طال انتظارها قليلًا، مر الوقت بصعوبة وهي تفكر في كيفية مواجهة حبيبها قبل زوجها، سيكون الأمر غاية في الصعوبة، لماذا؟!، لماذا قد يفعل ذلك وهو يمتلك من المال ما يزيد عنها أضعافًا، أي إنه ليس بحاجه لعمليات النصب والسرقة وما شابه ذلك، إذًا لماذا فعل؟! هناك لغز عليها الوصول إليه.

ظهر نائل وهو يخرج من البناية مسرعًا نحو سيارته بينما كانت هي في أوج شرودها، وضع نظارته على عينه، بينما صاح فايد ليثير انتباهها: - وتين هانم، نائل ظهر
نظرت حيث أشار، وكادت تترجل عن سيارته، ولكنها وجدته قد انصرف بالفعل، فصاحت بصوت مرتفع: - أطلع وراه يافايد، بسرعة من فضلك.

فقام فايد بتعقبه حريصًا على أن لا يراه أو ينتبه له، وهي عالقة ببصرها وذهنها عليه لئلا ينفلت من مراقبتهم، تنتظر اللحظات والدقائق حتى يحين الوقت الذي ستنظر فيه لوجهه وعيناه بفارغ الصبر..
حتى توقفت السيارات في إشارة مرورية، نظرت وتين لعداد الوقت قبيل أن تترجل عن السيارة مسرعة بينما قال فايد بصوت مرتفع: - رايحة فين ياوتين استني؟

ولكنها لم تصغي إليه، أسرعت نحو سيارته التي تبعد عنهم بمقدار سيارتين، ثم فتحت باب المقعد المجاور له فجأة حينما شخص هو أنظاره على صاحب تلك الفعلة الجريئة، ليجدها استقرت بجواره في سيارته، تطلع إليها بنظرات حادة، بينما التفتت هي برأسها لتلاقي عيناه المحتدمتين بنظرات أكثر حدة، وكأنها تسأله بصمتها المريب وتعبير وجهها التي لم يراه قط من قبل ماذا فعلت؟ ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة