قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس

توتر فايد وهو يراها تستقل سيارة نائل، متوقعًا حدوث ما هو أسوأ مما حدث، ورغمًا عنه أضطر أن يستقل سيارته مرة أخرى بعد أن فُتحت الإشارة أمامه فأصبح ليس بإمكانهِ اللحاق بها.
انتظرت وتين أن يبادر بالحديث، أن يقول أي شئ، ولكنه لم يفعل، بقى صامتًا وهو يقود السيارة بسرعة مفرطة وحركة غير متزنة..

بينما لم يقل حاله عنها، ظل صامتًا معتقدًا إنها ستفتح عليه الآن وابل من الحديث والكلام وربما السباب إن تطور الأمر، ولكنها خيبت ظنونه وبقيت صامتة.
لاحظت إنه ينحرف عن الطريق المفترض أن يسلكه، ف نظرت بإتجاهه أخيرًا و: - أنت موديني فين؟، أنا قولتلك تطلع على الكافيه اللي كنا بنقعد فيه على طول، إيه اللي دخلك من الشوارع دي؟

كان يقود سيارتهِ ببرود شديد وكأنه غير منصتًا لها، فأعادت التحدث بصوت أعلى وأعنف في نبرته: - رد عليا يانائل، واخذني فين؟!
فقال وهو ينظر أمامه مباشرة وبدون النظر إليها: - أنتي مراتي ولسه على ذمتي، أكيد مش هخطفك
ثم التفتت رأسه نصف التفاته ليلمحها بطرف عينيه ويتابع: - هنتكلم زي ماانتي عايزة، بس بعيد عن الناس
ثم عاد ينظر للطريق وهو يبتسم ابتسامة سخيفة: - عشان نكون براحتنا.

كانت تتطلع إليه غير مصدقة هذا الوجه الجديد الذي تراه الآن، من هذا!؟، ليس زوجها الذي عاشت معه أفضل أيام عمرها، وليس الخطيب أو الحبيب الذي عاهدها بالسعادة والسرور ورسم لها القصور على سحب عالية..
إنه شكل آخر وصوت آخر وأسلوب آخر، كأنه ليس هو..

انتقلت نظراتها ليده اليسرى المسنودة على المقود، ف إذ بهِ لا يرتدي خاتم زواجهما، فقط سوار فضي نفيس يزين معصمه وأصابعه فارغة، عادت تحدق فيه قليلًا قبل أن تصرف بصرها عنه، لترى طريقهم شبه خاوي من العامة، ويتوقف هو بمنتصف الطريق فجأة ويردف: - أنزلي
ترجلت وتين عن السيارة وهو ترفع حقيبتها الصغيرة على كتفها، ولحقها هو أيضًا ونظراتها تكاد تفترسه من شدة الغيظ.

دنى منها بخطى متأدة، ولاحت بسمة مستخفة على ثغره وهو يردد: - بما إنك وصلتيلي بالشكل ده يبقى عرفتي
قطعت المسافة القصيرة الموجودة بينهما بخطوة واحدة، وسألته بحزم وهي تنظر لأعماق عيناه القاتمة الواسعة: - أنا عملتلك انت توكيل؟!، أمتى وازاي؟
ف رد وهو يشمل تعابير وجهها المحبوبة له: - آه عملتيلي، أنتي نسيتي ياتينا؟
((عودة بالوقت السابق)).

كانت وتين تعتلي المقعد المقابل لمكتبه، توقع بأمضائها على المستند الذي يفيد تعاقدها گمصممة أزياء مع أسم الماركة العالمية خاصتهِ لتقوم هي بتصميم الثياب بأسم ماركته الشهيرة..
ومع آخر ورقة وقعّت عليها قالت: - أديني مضيت، مش عارفه لزومها إيه الروتينيات دي يانائل
ثم أطرقت رأسها: - كدا كدا هبقى مراتك أول الشهر ده، وأي شغل بينا هيفضل مستمر.

ابتسم نائل ابتسامة لم تعرف مغزاها حينها، ووضع المستند في أحد الأدراج وهو يقول: - أديكي قولتي ياحببتي، مجرد روتين، ورق موجود في درج مكتبي مش أكتر.

ولكنها قد خطت بقلمها على إيصال بيعها واستغنائها عن ممتلكاتها بكل حماقة وبدون أن تشعر، كانت عمياء لدرجة لا يمكن تصورها، فهي لم ترى سوى وجهه الوسيم وابتسامته الناعمة، نبرته المتلهفة عليها ومعاملته الرقيقة الراقية، لم ترى سوى مُحب لدرجة الجنون، بينما كان هو متعطشًا للنيل منها ليس أكثر.

((عودة للوقت الحالي))
فغرت فاهها وهي تستمع لتلك الحيلة الدنيئة التي أسقطتها فريسة فيها كي توقّع على توكيل عام له يعطيه كل الصلاحيات التي قد تقوم هي بها، كاد قلبها يخرج من بين ضلوعها صارخًا فيه بدون توقف، كيف له أن يفعل لها ذلك وهي التي وهبته نفسها وقلبها؟!، كيف؟!
طال صمتها وهي تنظر نحوه بنظرات مذهولة، حتى تابع هو: - عايزة تعرفي حاجه تاني قبل ما امشي؟!

ف خرج صوتها مبحوحًا ضعيفًا ولمعان عيناها يتزايد بريقه: - أنا عملتلك إيه عشان تعمل معايا كدا؟! أنا حبيتك، بس، معملتش حاجه غير حبي ليك
كانت عيناه عليها، گالحجر الجماد لا يشعر بها، وإن بكت أمامه سنوات لن يرأف بها، وكيف يرأف وقلبه لم يترعرع سوى على كراهيتها؟!
فصاحت فيه صارخة: - رد عليا، ازاي تعمل فيا كدا؟!
ف رد بكل هدوء وثبات ومازال واقفًا وقفته الشامخة: - إحنا كده خالصين ومالكيش عندي أي حاجه، حقي خدته.

- حقك!
قالتها بصوت مرتفع ثم تابعت بصوت مقهور على حافة البكاء: - حقك يعني إيه؟!، أنت ليك عندي أنا حق؟!
أومأ رأسه بالإيجاب وهمس وهو يدنو من وجهها: - كل اللي تملكيه حقي أنا، فلوسي، وانتي وأمك مالكيش فيهم جنيه واحد.

دفعته بعيدًا عنها فكان جامدًا صلبًا لم يتزعزع من مكانه، حتى الآن لا تفهم ما معنى ذلك ولا تصدق هذا الحلم الكئيب الذي تعيشه، رمقته بنظرة متعشمة أن يكون كل ما حدث دعابة ثقيلة أو لعبة اخترعها، ولكن: - أنت بتكدب عليا، مستحيل تعمل فيا كدا!، أنا عمري ما أذيتك
وأشارت لنفسها وهي تذكره: - نائل أنا وتين، وتين اللي حبتها وصممت تكون معاها، وتين مراتك، إزاي تدمرني بالشكل ده؟!

فلم يأخذ بها شفقة ولا رحمة وهو يقطب جبينه ويحدّ من نظراته الشيطانية لها ويردد: - أحمدي ربنا إني سيبتك عايشة، وهسيبك انتي وأمك عايشين عشان تشوفوا الأيام الجاية مخبية إيه ليكوا، ده ورثك الحقيقي.

ثم أشار لوجهه وملامحه: - وكل ما هتشوفي الوش ده هتفتكري، إنك مورثتيش غير كرهي وبس
رماها بنظرة أخيرة أشد قسوة، وانتقل بخطوته نحو السيارة ليستقلها، أغلق أبواب السيارة عليه، فإذ بها تركض لتلحق به، ضربت على زجاج السيارة بعنف وهي تصيح: - تعالي هنا كلمني، أنت مستحيل تعمل فيا كدا، انت بتهزر معايا، نائل، أنا مراتك يانائل.

وبلمح البصر كان يشق طريقه للأمام تاركًا إياها وهي تصيح: - رايح فين وسايبني، أنا عملت إيه عشان تعمل فيا كدا
غربت سيارته بعيدًا عنها وهي ما زالت تصرخ وتصرخ بصرخات تمزق القلوب: - نائل..!

كان فضل يتناول وجبة الإفطار في هذه الساعة المتأخرة من العصر گعادتهِ، بجواره شريفة تحتسي من فنجان الشاي المخمر وهي تتصفح الأنترنت عبر شاشة هاتفها، ثم لفت انتباهها إعلان عن عقارات راقية بأحد التجمعات السكنية الجديدة في المدن الحديثة، ابتسمت تلقائيًا وهي تتحدث لزوجها والطمع يتراقص في نظراتها نحوه: - بص يافضل الإعلان ده، بتدفع مقدم 150 ألف بس وتستلم، وتقسط كُل 3 شهور 20 ألف جنيه.

تناول منها الهاتف وتصفح الإعلان جيدًا، ثم تركه بعدم اهتمام و: - هو احنا محتاجين؟!، طب قولي نغير العربية اللي بقالها 4 سنين متغيرتش
تقويت شفتيها بغير رضا، ثم عادت تنظر للهاتف وهي تهتف ب: - أنا مبقتش طايقة الشقة دي، عايزه اسيبها
ترك الملعقة بإنفعال وهو يرميها بنظرة مستنكرة و: - أنتي اتجننتي ياشريفة؟!، كل شوية تطلعيلي في موال جديد!، خلينا نفكر في طلاق بنتك اللي هييجي على دماغنا.

زفر باختناق و: - أكيد هيطالب بفلوسه اللي عندي، هعمل إيه ساعتها وهجيبله منين؟!
ف صاحت به وهي تقف عن جلستها فجأة: - محدش قالك تستلف من جوز بنتك يافضل، أنت عارف إنه بخيل ومعفن، ومش هيسيب فلوسه كدا بالساهل.

استمعا لصوت رنين الجرس المستمر، وكأن أحدًا وضع أصابعه على الجرس ولم يرفعها..
عبس وجهها بتذمر وهي تجلس من جديد و: - مين اللي هيرن الجرس بالشكل ده؟!
فتحت نداء الباب كونها الأقرب منه، ف تفاجئت بوجود وتين أمامها بتعابير وجهها الغريبة تلك، ف أجبرت ثغرها على الإبتسام و: - انتي رجعتي أمتى ياوتين؟!، ده انا لسه كنت بفكر أكلمك
دلفت وتين للداخل وهي تردف بتوتر: - فين عمي يانداء، عايزاه ضروري.

تأكدت من وجود خطب ما بها، ف تعابير وجهها المثيرة للقلق تلك لن تأتي من الفراغ..
تنحت نداء جانبًا وأشارت لها لتدخل قائلة: - طب أدخلي وانا هنادي عليه، في حاجه حصلت؟!
أغلقت نداء الباب بينما أردفت وتين بتعجل: - من فضلك بسرعة يانداء
- ح، حاضر
وأسرعت نداء لتدخل غرفة الطعام حيث كان والديها في انتظار الخبر ب ماهية الزائر، عقد فضل حاجبيه بإستغراب عندما رأى وجه نداء من بعيد و: - مالك يانداء؟!، مين اللي جه برا؟

فركت نداء أصابعها بتوتر وهي تجيب: - وتين يابابا، وشكلها مش طبيعي خالص
- مين؟!
قالها فضل وهو يهبّ من جلسته واقفًا وقد اتسعت عيناه بذهول، بينما تبدلت ملامح شريفة وهي تردد بعدم تصديق: - هي لحقت ترجع من شهر العسل؟!
فأجابت نداء والقلق بارز في عينيها: - مش عارفه، بس شكلها مش خير خالص.

أوفض فضل للخارج مستنبطًا وجود ما هو سئ من أجل حضورها فجأة هكذا وقبل أن تنهي أجازة زفافها، بينما أسرعت شريفة تقف بالقرب من الصالة لترصد الأحداث بعين دقيقة..
وجدها فضل تقف بالقرب من الباب بإتجاه الداخل، وتتحرك في مكانها حركات مرتبكة متوترة، فأقدم عليها وهو يتسائل بفضول شديد: - إيه اللي رجعك من السفر بدري ياوتين؟!

فوجدت نفسها تجري بإتجاهه وترتمي في أحضانه، ورغمًا عنها أذرفت الكثير من الدموع التي كبحتها طويلًا وهي تحتمي به كونه الوحيد الذي بقى لها بعد وفاة والدها، أرتعد أكثر من هذه المُقدمة الغير مبشرة، وربت عليها وهو يسأل بفضول شديد: - في إيه يابنتي ما تفهميني اللي حصل؟! هو نائل لحق يزعلك ولا إيه!
ف ابتعدت عن أحضانهِ وهي تشهق بمرارة الألم ناطقة بكلمات متقطعة أثر بكائها: - حصلت مُصيبة ياأونكل، مصيبة.

حتى الآن، وبالرغم من كُل ما ظفر به، إلا إنه لم يشعر بالإكتفاء، أحس وكأن شيئًا ناقصًا سيجعله أكثر انتشاءًا وسعادة إن حدث..
تنهد نائل وهي يستند بظهره على المقعد الجلدي المريح، وتعلقت نظراته بالسقف وهو يخطط للخطوة القادمة، أو بالمعنى الأدق، الضربة الأخيرة التي ستأتي بنهاية أسم وتين الصباغ.

أعتدل نائل جالسًا ولاح على مبسمة بسمة متشفية، ثم أمسك بهاتفه الموجود على سطح المنضدة وبدأ يجري مكالمة هاتفية حتى أتاه صوت المتصل به: - ها، رجعت ?يلتها ولا لسه؟!
وبعد أن تلقى الأجابة قال: - أول ما تدخل من باب ال?يلا لازم أعرف، عشان المفاجأة تيجي في وقتها الصح، مستنى تليفون منك.

ثم أنهى المكالمة وهو يقف عن جلسته ويردد بتحمس غريب: - هانت، كلها شوية.

— في نفس الآن —
سردت وتين تفاصيل ما حدث ل عمها الذي استشاط وغلى الدماء بعروقه، ليس لأجلها فقط، ولكن لأن هذا المال هو حقه الذي حُرم منه..
زرع غرفة الجلوس ذهابًا وإيابًا وهو يسب ويلعن في هذا الشيطان، بل وإنه ألعن من الشيطان فيما فعل، وهدر بصياح عنيف: - أبن ال، قولتلك عليه لأ من الأول ومش مرتاحله، افتكرتيني بتحكم فيكي، انتي وأمك العقربة السبب في اللي احنا وقعنا فيه دلوقتي.

وقفت وتين عن جلستها بتشنج وصاحت بصراخ ممزوج ببكائها الذي لم يتوقف وهي ترد على كلماته القاسية: - أنا مش جيالك عشان تلومني ياأونكل، أنا معملتش حاجه غير إني وثقت في الراجل ده وحبيته واخترته من وسط 100 واحد.

وهدأت صرخاتها وهي تتابع بصوت يقطع القلوب: - والله ما عملت حاجه أستاهل عليها ده، أنا حبيت بس
زفر فضل وهو يحيد بصره عنها، ثم خطى نحو الباب و: - أما أشوف هروحله ولا هعمل معاه إيه إبن ال ده!، وانتي روحي بيتك، عالله أمك تكون مرتاحة بجوازة الهنا اللي جوزتهالك.

وخرج سالكًا الردهه المؤدي لغرفة نومه، ليجد شريفة في مواجهته وتدخل من خلفه الغرفة بعجالة، ثم أوصدت الباب من خلفها وتسائلت بتخوف: - هتعمل إيه يافضل؟!، حتى المرتب اللي كنت بتاخده من المصنع خلاص! راح مننا!

فتح الخزانة وبدأ يخرج ثيابًا نظيفة بدون أن يتفوه بكلمة واحدة، بينما تابعت هي ثرثرتها: - يادي الحظ المنيل، ياميل بختي أنا وبناتي وإحنا اللي كنا فاكرين هنتسند على فلوس أخوك!، مات وسابلنا البلاوي كلها، أدي أخرتها، حتة بت مفعوصة ضيعت كل حاجه.

ف صاح بها غير متحملًا كلماتها التي تزيد من لهيب صدره: - يوه، أرحميني ياشريفة بقى، أنا مش ناقص
ف أضطرت أن تلتزم بالصمت وعقلها مشغولًا بما تخبئه الأيام القادمة، فقد حطتّ المصيبة على بيتها هي أيضًا، عقب أن كان لهم دخلًا ثابتًا يحتمون به، أصبح ما سيطول وتين سيطول بهم هم أيضًا، وهذا أكثر ما يحزنها، أن القدر سيجمع بينهما في مصير بائس واحد.

وكأن ساقيها لا تقويان على حملها، تجر فيهما بخطواتها للداخل عنوة، بصرها مشوشًا بعض الشئ نتيجة نقص السكر في الدم، بعد أن قضت يومها في صدمة مما تعيش دون أن ترتشف رشفة ماء واحدة.

ألمًا في قلبها، ولو أن أحدًا يمسك به ويعتصره ما كانت ستشعر بكل هذا الألم، ضغطت على صدرها وتأوهت بصوت مكتوم، وانحنى ظهرها للأمام قليلًا تحاول السيطرة على هذا الوجع المفاجئ الذي هاجمها، ف اقتربت منها السيدة سوسن والتي تعمل في خدمتهم منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وحاوطتها بذراعها وهي تسألها بتلهف: - مالك ياوتين؟!، حاسه بحاجة؟!

لم تستطع الرد، بماذا ستجيب وقد حدث لها ما حدث، فقط هزت رأسها بالنفي، ثم طلبت: - روحي نادي على ماما من فضلك ياسوسن، مش هقدر أطلع السلم
فأسرعت نحو الدرج و: - حالًا
لحظات وكان جرس الباب يرن، ف نفخت وتين بإنزعاج وراحت تفتحه بنفسها، لترى هذا الرجل الوسيم ذا الطلة الوقورة المهيبة ببذلته السوداء الكاحلة، دققت بصرها به وهي تسأل بفضول: - أيوة؟!

وبدون إستئذان خطى الرجل خطوتين داخل محيط ال?يلا ونظر حوله بتفحص وهو يردد: - أنا جاي استلم النهاردة زي ما اتفقنا
ثم ألتفت ينظر إليها وتابع: - مش عايز أي تعديلات، أنا بنفسي هغير كل حاجه على مزاجي
لم تكن في حالة تسمح لها بالألغاز والكلام المبهم الغير مفهوم، قذفت بحقيبتها بعيدًا ونظرت إليه ب حزم وهي تجبر نفسها على تناسي ألمها: - أنت بتقول إيه ياحضرت مش فهماك؟!، إستلام إيه وتعديلات إيه اللي بتكلم عنها؟!

لم تروق له طريقتها في التحدث، ف رمقها بجدية وهو يجيبها: - جاي استلم ?يلتي ياهانم، في حاجه ولا إيه؟!
أنفرجت شفتيها غير مدركة ما قيل توًا، ودافعت عن آخر ما تبقى لها ب حمية شديدة: - ?يلتك إزاي يعني؟! دي ?يلتي أنا وأنا صاحبتها، أنت أكيد غلطان في العنوان، أتفضل أطلع برا.

وأشارت نحو الخارج وهي تصيح ثانيةً: - برا
ف صاح فيها وهو يقترب منها خطوة: - لأ حضرتك اللي هتطلعي برا، أنا اشتريت ال?يلا دي من 3 أيام من أستاذ نائل والنهاردة وثقت عقد الملكية في الشهر العقاري.

ثم أشهر صورة من عقد ملكيته الذي أخرجه من جيب سترته و: - وصورة العقد أهو لو مش مصدقة، كويس إني جيبته معايا، حتى بالأمارة أستاذ نائل أداني عربيتين هدية، كانوا مركونين ورا في الجراچ وقالي ملهمش لازمة.

هل حدث لك وأن تختفى الأضواء من عينيك فجأة فلا ترى سوى صفحة سوداء مظلمة وتنقشع الأصوات عن مسامعك فتشعر وكأنك ميت للحظة؟!
هكذا شعرت الآن، لم تعد ترى شيئًا، وبدون أي مقدمات، كانت تسقط عقب ترنح لم يدوم طويلًا مستسلمة لحالة الإغماء التي أصابتها فجأة لتكون بين ذراعيه وهو يلحق بها قبيل أن تلمس الأرضية قائلًا بذعر: - حاسبي!

كان يبدو گالمتهجم على المكتب بملامح وجهه العبوس، نهض عمر عن جلسته فجأة ليقف حائلًا بين فضل وبين دخول غرفة نائل وسأله: - حضرتك رايح فين؟!
ف صاح فضل ليصل صوته الجهوري لمسامع نائل: - دخلني عند اللي مشغلك، قوله فضل الصباغ برا ولو مش هيقابلني هخلي الشركة كلها تتفرج على اللي هيحصل.

أشار له عمر ليجلس و: - أستاذ فضل كدا مش هينفع، حضرتك أرتاح وانا هبلغه
- بلغه دلوقتي
تركه عمر ودلف للداخل لحظات، ثم خرج و: - أتفضل ياأستاذ فضل
كان بدر جالسًا برفقته على طاولة مستطيلة بعيدًا عن المكتب، يجتمع عليها نائل بالأشخاص الهامين وفيما يخص العمل فقط، فسأله بدر بفضول: - الراجل الجشع ده عايز منك إيه؟!
فكان نائل مرتاحًا للغاية كأنه يدري ماذا يحدث: - دلوقتي نشوف.

أقتحم غرفة المكتب گالذي أصابه مسّ من الجن، ف نهض بدر بتخوف عن جلسته ووقف أمامه حتى لا يتجاوز أكثر بينما كان يصيح هو: - ماانت لو راجل من ضهر راجل مكنتش هتعمل حركات النسوان دي
أشار له بدر ليكف عن الحديث و: - ده مش أسلوب حوار ياأستاذ فضل، أتفضل أقعد وخلينا نتكلم بالأدب
فرمقه فضل بإحتقار و: - أنت مين انت عشان تعرفني الأدب من قلة الأدب!
أمشي اطلع برا ياشاطر عايز أتكلم معاه لوحدنا
- لأ، لو عايز ت...

فقاطعه نائل وهو ينهض متجهًا نحو مكتبه: - روح انت يابدر شوف اللي قولتلك عليه واعمله، وسيبني أتكلم مع نسيبي
قالها بإستخفاف وهو يبتسم مثيرًا استفزازه، فأصغى له بدر ونفذ رغبته تاركًا إياهم بمفردهم..
تقدم فضل من المكتب بخطوات بطيئة وعيناه عليه، ثم ألتقط تحفة ديكورية من الزجاج الكريستالي، وقذفها لتتهشم، وعاد ينظر إليه بإبتسامة خبيثة وهو يثني عليه: - لعبتها صح أوي يانائل، مكنتش أعرف إن في حد أدهى من أبليس.

ف ضحك نائل ملء شدقيه وقد راق له التصور، ثم قال: - عيب عليك ياأبو نسب، ده أنا نائل حليم، ولسه اللعبة شغالة
ثم أستند بمرفقيه على سطح المكتب و: - وأنا بس اللي هقول game over اللعبة انتهت
ف اتسع ثغر فضل بإبتسامة عريضة طامعة وهو يسأل عما يخصه أولًا: - ونصيبي؟!
- في الحفظ والصون
ثم أثنى هو الآخر على أدائه المحترف في التمثيل: - بس الشهادة لله، أنت تاخد أوسكار يافضل، وعن جدارة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة