قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس عشر

يأتيك حينًا يكون القرار الخاطئ فيه هو أسلم الحلول
، حينها تكون قد حُشرت في زاوية لدرجة إنك لا ترى حتى بصيص ضوء واحد، تظلم الدنيا من حولك فجأة، فلا ترى ملجأ سوى وسادة جافة قاسية تستقبل دموعك بالترحاب، لن تشفق عليك؛ بل إنها تتشبع وتطلب المزيد.
لن يرحمك قلبك، سيؤلمك ألمًا لا نهاية لمسيرتهِ، وكيف يكون له نهاية وقد اخترت أنت طريق الوجع ذاك وكأنه القريب.!

كادت تغادر عقب كلمات فقيرة مقتضبة قالتها وعلى وجهها تعابير الحزن جليّة، ولكنه استوقفها بالإجبار في هذا الشارع الواسع الذي يسير على جانبيه سيارات يمينًا ويسارًا، ولم يكترث بوجود العامة وهو يجأر ب: - أنا مش فاهم إزاي عايزة تعاقبيني على غلطة مش غلطتي؟
ف تهربت بنظراتها وهي تنطق محاولة تخليص رسغها من قبضته: - احنا في الشارع يابدر!
- مش همشي ولا هتمشي غير لما نحل المسألة دي.

عادت تنظر إليه بقهر وهي تقول: - أنا مبقتش عارفه اعيش وسط كل ده، انا بقيت بينك وبين وتين، مقدرش اكمل مع صاحب جوزها اللي دمرها.

ف ارتجفت أعصاب جفنيه وهو يترك ساعدها قائلًا: - وملقتيش غير إنك تضحي بيا انا! صح؟
لم تجب وهي تطرق رأسها بضيق شديد، حينما استطرد هو: - أنا مش زيه ياكاميليا
رفعت بصرها المضطرب والذي يشوبه القلق نحوه، ف فهم إلام تهدف نظراتها، وعاد يقول بعدم تصديق: - انتي خايفة مني؟ كاميليا انا مستحيل أئذيكي!

ف تجمعت الدموع في مقلتيها وهي تقول: - نائل كمان كان مستحيل يأذي وتين، كان يبان إنه أكتر واحد بيحبها في الدنيا
ارتفع حاجبيه باندهاش شديد و: - انتي بتشكي فيا ياكاميليا؟! مصدقة إني ممكن أقبل بأذيتك!؟
مرت تلك القطرة الملتهبة من بين شعيرات أهدابها الطويلة وهي تردد بنبرة مرتجفة: - نائل عملها قبلك
فلم يستطع منع نفسه من الصياح فيها بغضب أعماه: - انتي عايزة تجنينيني؟!، أنا مش زي حد.

مرة أخرى تتهرب من حصار نظراته لها التي تكاد تفتك بها من فرط الغيظ، بينما وجد هو نفسه يحارب من جهة واحدة وبدون فائدة، إنها حتى أوصدت عقلها عن تصديق أي شئ آخر غير ما تؤمن به، فسألها للمرة الأخيرة: - ده آخر كلام عندك ياكاميليا؟
فلم تقوَ سوى على هزّ رأسها ب إيماءه لا تعكس رغبة قلبها، على الفور وجدته يفسح لها الطريق وهو يردد بمضض: - اللي تشوفيه، اركبي عشان اوصلك
كادت تعترض: - ملهوش ل...
- قولت هوصلك.

ثم تحرك نحو مقعد القيادة ولم يفتح لها الباب گ كل مرة، أدار محرك القيادة وانتظرها تغلق الباب عقب أن استقرت مكانها، ثم شق طريقه بين السيارات السريعة على الطريق بشكل متهور أرعبها، ولكنها دفنت هذا الخوف الممزوج بالضيق داخلها ولم تظهره...

بصعوبة شديدة منعها من مغادرة المكان عقب حالة الهياج العصبي التي انتابتها عندما صرح لها بعدم قبوله نهائيًا ب اكتمال هذا الحمل، كانت متشبثة برأيها على عكس استسلامها له من البداية، مما أكد له أن الأمر لن يكون سهلًا..

وقف أمامها سدًا منيعًا قبل أن تخرج من بوابة المقهى، لم يكن متساهلًا معها بتاتًا، بل أظهر تعندهِ وإصراره الشديد وهو يردد بلهجة خشنة متعصبة: - مش هبقى انا بحارب عشانك وانتي شايله إبنه جواكي؟ انهي عقل يقول كدا!
فصاحت به وهي تحاول أن تدفعه بعيدًا عنها: - مش هفرط في ابني مهما حصل، ده ابني أنا مش أبن حد تاني.

فصرخ في وجهها عقب هذا الصبر المزيف الذي تحلّى به طويلًا: - ومين قالك هيسيبه ليكي! هيذلك بيه ومش هتلحقي حتى تتهني بيه
ترقرقت الدموع من بين أهدابها وهي تردد: - ابني ده اللي هيرجعلي حقي، مش هخليه حتى يشوفه، انا اللي هذله مش هو
ابتعد خطوة للخلف، رمقها بشدوه، كم رآها أنانية في هذه اللحظة حتى بعد عودتها منكسرة.

أطال تحديقه فيها بصمت حتى بتره و: - لسه أنانية؟، لسه بتفكري في نفسك بس! طب انا؟ والاتفاق اللي بينا؟
رمشت وهي تنظر لحدقتيه، ولم تتردد في التصديق على هذا الإتفاق قائلة: - لسه اتفاقنا زي ما هو، إلا لو انت مش عايز تتبنى ابني
ارتفع حاجبيه بذهول من تمادي تفكيرها في كل مرة أكثر وأكثر و: - أتبناه!، أنتي أكيد مش في وعيك!، أنا اتبنى إبن ال ده!
أطبقت وتين جفونها وهي تردد: - ده ابني أنا.

- يعني كنتي جبتيه لوحدك!، ماهو برضو ابنه
نفخ بضيق وهو يحيد بصره عنها، ثم ولاها ظهره وأردف: - أنا هسيبهولك، بس بشرط
أخيرًا تنفست براحة وهي تسأل بشغف: - إيه هو؟
- نائل مش هيعرف حاجه عنه ولا هيسمع بيه
وافقت بدون تردد، فهذه هي الفرصة التي تمنتها وإن كانت بشكل مؤقت، لم تمهل نفسها التفكير وأردفت: - موافقة
التفت ينظر إليها من طرف عينه و: - للدرجادي يهمك تاخدي حقك منه!

- أكتر مما تتصور، ده مش بس سرقني! ده دمرني وهدّ شغلي وكياني، مش ممكن هتساهل معاه أبدًا.

مجبرًا، مجبرًا على تصديقها ومطاوعتها، على تنفيذ رغبتها ليصل إلى مبتغاه هو، ماذا سيتطلب هذا لا يعلم، ولكنه يؤمن إنه سيكلفه الكثير والكثير، يكفي ما يعيشه من ألم يتكبد العناء ليدفنه بصدره ف يتفاقم الوجع عليه بكل ليلة يراها ولا يتمكن من لمس يدها، من استنشاق رائحتها عن قرب رغم إنها أمامه، من عناق يعتصرها فيه حتى تكون جسدًا مكملًا له.

هذه النظرة التي تراها في عيناه تجعلها تشعر بتأنيب الضمير، لا تدري هل هذه شفقة أم ندم؟، المؤكد إنه ثمة غصة تعكر عليها حتى الشعور بلذة الإنتصار، گضربة مبرحة تركت تورم أزرق اللون مطبوع بداخلها.

كان يهز ساقيه بعصبية شديدة عندما كان المحامي جالسًا أمامه ويفصح له عن عدم وجود إجراء قانوني يستخدم حيالها لأجبارها على الخضوع إليه، صفع جهاز الحاسوب وهو يردد بصوت هادئ هدوء مريب: - يعني إيه مينفعش؟
- يعني لازم يتفصل في قضية الخلع الأول، دعوة الطاعة مش هتفيدك بأي شكل، كل اللي هيحصل إن المحامي بتاعها هيرفع أعتراض وهيتقبل لحد ما القضية تخلص.

ثم ذكره ب: - ومتنساش إن القوة اللي خدتها معاك عشان تجيبها من بيتها مكنش إجراء سليم بالمرة
- أطلع برا
اتسعت عينا المحامي مصدومًا من هذه الجملة المفاجئة، وعندما أدرك ما قيل وقف بعد لحظات وسحب حقيبته منصرفًا بهدوء وقد أصابه الحرج..
رفع نائل سماعة الهاتف وتحدث به: - أيوة، ابعتيلي بدر
نفخ نائل بضجر و: - خرج من أمتى!؟

ثم أغلق الهاتف وبدأ يجري مكالمة عبر هاتفه المحمول، انتظر طويلًا ولم يأتيه الرد، وقبل أن يشرع بإنهاء المكالمة وجد صوتًا يأتيه: - أيوة، وصلتي لأيه؟، لأ مينفعش، لازم تعرفي كل خطوة بتخطيها بتروح فين وتبلغيني.

نهض عن جلسته وقد زادت ملامح الامتعاض لديه: - يعني السواق بتاع رحيم هو اللي جه خدها؟
ضغط بقوة على أسنانه وهو يبعد بالهاتف عن أذنيه، وكأنه كان يهديها إليه مغلفة بورق الشيفون الأحمر بما فعل معها، شعور بالغيرة يتسرب بداخله الآن، هل لأنها مازالت زوجته! أم لأنه شعر مؤخرًا بأنها شئ يخصه ولا يجوز كونها مع آخر غيره.

لا يمكن تفسير ما يحسه الآن سوى إنه يرغب وبشدة في تحطيم وتكسير كل شئ أمامه لعل طاقته العدوانية تنخفض، ولكنه وجد حلًا آخر، لا يوجد سواها هي، هي التي سيفرغ فيها طاقته تلك، ومن هنا حضرته فكرة مطاردتها أينما كانت ليطفئ بعضًا من نيران صدره.

كان رحيم يدفع ثمن علبة سجائره حينما كان يتحدث في هاتفه بداخل المتجر الفخم، قائلًا باستنكار: - ومين قال هقبل بوضع زي ده؟!
ناولته الموظفة بطاقة الائتمان خاصته وفاتورة الشراء ف التقطهم وهو يتابع: - أنا هسيبها مرتاحة على الآخر لحد ما تتأكد إني موافق، بعدها هتصرف، مش هسيب احتمال 1 ? إنها تبوظ كل اللي بعمله لمجرد نطفة مخرجتش من جواها.

ضغط على مفتاح سيارته لتنفتح إلكترونيًا واستقر بالمقدمة: - ماشي، سلام
ترك هاتفه بهدم اكتراث، ونظر أمامه وهو يشعل سيجارته، زفر الدخان من صدره وهو يفكر مليًا في هذا الحدث الذي خرب توازن كل شئ، و الأسوأ إنها تختار هذا الطفل الذي لم يتكون بعد عن أي شئ آخر.
أطبق رحيم جفونه فجأة يخبئ عن ناظريه صورة طفل من رجل آخر لها، وغمغم قائلًا: - مش هسيب فرصة زي دي لنائل، هو خلاص خد فرصته، لحد هنا وكفاية عليه.

وضرب المقود صائحًا: - كفاية.

وصل السائق بها أمام البناية التي تقطن بها كما أخذها، انتظرها حتى ترجلت ثم انصرف رويدًا رويدًا، حينما كانت عيون نائل تراقب هذا المدخل الذي عبرت منه، أشتط عندما رآها تهبط عن سيارة رحيم وزادت نيران غضبه، وهبط عن سيارته گالأعمى مقتحمًا البناية بتعجل، كانت تصعد أولى الدرجات عندما وجدت من يقبض على ذراعها قبضة قاسية أوجعتها، صرخت وهي تلتفت لتراه أمامها، فصاحت فيه: - بتعمل إيه انت اتجننت؟

غرز أصابعه في ذراعه ملامسًا عظامها وهي يردد بحنق: - كنتي مع رحيم بتعملي إيه؟
خدشت أصابعه ليترك ذراعها قائلة: - وانت مالك! انا ولا حاجه بالنسبالك ملكش تسألني كنت فين ومع مين
ف جرها خلفه بعنف وبربرية لتتخبط هي يمينًا ويسارًا وهو يقول: - ده مالي ومالي ونص كمان، دلوقتي هعرفك انا أبقى إيه بالنسبالك
- آآه، أوعى يانائل سيبني.

ولكنها فشلت في التملص منه وبقيت تُعصف هكذا من خلفه وهو يسوقها بإنفعال أعماه كليًا عما يفعله، فقد أودت به لطريق منحدر لا يستطيع التوقف عن الركض فيه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة