قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والعشرون

إذًا أضرمت نارًا أنت صاحبها ف احترس..
قد تُصيبك يومًا ولا تجد طريق العودة مفتوحًا.

كان عمال الإطفاء يتجولون حول ?يلا نائل للسيطرة على هذا الحريق الهائل الذي طال المناطق المجاورة وتسبب في خسائر فادحة..
بينما يقف نائل في مقابلة مسكنه الذي تفحّم تقريبًا وعيناه متعلقة على الأدخنة التي تتصاعد للأعالي، خرج أحد العاملين بالطاقم الرسمي ليتحدث إلى زميله قائلًا: - في أثر لمواد سريعة الإشتعال في كل حتة
فتسائل زميله: - يعني بفعل فاعل؟
- ده أكيد.

لم يستغرق وقت في التفكير، تقريبًا قد وصل بتفكيره لهوية الفاعل مما جعل ابتسامة ساخرة تلوح على ثغره، أخفض رأسه وهو يفرك ذقنهِ الحليقة وتمتم: - هي اللعبة بقت كدا!، أمممم.

عاونتها كاميليا حتى جلست على طرف الفراش بعد إرتداء ثيابها الجديدة التي ابتاعتها كاميليا بنفسها، ثم مشطت شعرها بالمشط وهي تقول بنبرة حزينة: - ألف سلامة عليكي ياتينا، ازاي بقالك يومين هنا وانا معرفش!
أطبقت وتين جفونها ب اختناق شديد وهي تردد بصوت ضعيف: - مكنتش فايقة لحاجة خالص
فردت شعرها الناعم ذا الموجة الخفيفة خلف ظهرها وهي تردف: - طب وبعدين، آخر الطريق ده إيه؟

وهنا بدأت عيناها تجرف بدموع غزيرة لا تدري من أين أتت فجأة، وبدا صوتها مختنقًا بمزيج من القهر وهي تقول: - معرفش، معرفش اللي انا عيشاه ده هيخلص أمتى، أنا حاسة إني هموت وبرضو مش هيبقى خلص.

ضمتها كاميليا مشفقة على مصابها، وداخلها يؤلمها شاعرة بالذنب بسبب ضعفها، لا يوجد حتى ما تقدمه لها، مسحت على شعرها بحنو محاولة مواستها: - كفاية ياوتين انتي مش مستحملة ضغط والدكتور محذر علينا
انفتح الباب ودلف رحيم منه وهو يحمل حقيبة صغيرة الحجم، ابتعدت وتين عن أحضان كاميليا ونزحت دموعها بعجلة ظنًا إنه لم يراها، ولكنه انتبه لذلك بسهولة شديدة..
وضع الحقيبة جانبًا و: - هتحطي حاجتك هنا.

فتحركت كاميليا لتجمع باقي أغراضهم، ولكن اعترض رحيم قائلًا: - متتعبيش انتي نفسك، مدام داليدا كانت عايزاكي ياكاميليا
ف تعجلت كاميليا بالتحرك: - حاضر
أغلق رحيم الباب من خلفها، ثم عاد ينظر ل وتين وهو يقترب منها: - متأكدة من القضية اللي هترفعيها؟
- أه
ونظرت نحوه وهي تتابع بثقة: - حالة واحدة بس اللي هتنازل فيها عن القضية دي.

هو يعلم جيدًا ما يخبو بنفسها، أطال النظر إليها يقرأ كل ما تقول بدون أن تتفوه بكلمة، وأومأ برأسه متفهمًا: - أنا مش هعقب على أي حاجه
ثم بدأ يجمع حوائجها بنفسه ويضعها بالحقيبة، شعرت بالحرج مما يفعل، وسرعان ما نهضت فجأة لتمنعه: - أنت بتعمل إيه، أنا هجمعهم أو كاميليا ه...
هاجمها الدوار بسبب نهوضها المفاجئ وكان هذا جليّا عليها، ف ساندها حتى جلست وهو يردد بحزم: - ما تقعدي شوية وكفاية فرك.

رفعت نصف عين إليه وهي تتسائل: - يعني إيه فرك؟
فعاد يجمع ما تبقى وهو يردف: - يعني حركتك كتير
وقع في يده حمالة الصدر الخاصة بها، ذات لون أسود مرصعة بخرزات لامعة جذبت ناظره، ف عقد حاجبيه وهو يسألها بعبث: - إيه ده!
ف نظرت نحوه وقد تورد وجهها بخجل منه وهي تجذبه من بين يديه: - انت مالك؟
ف فتح لها الحقيبة لتضعه بنفسها: - طب إيه؟ هتحتفظي بيه مثلًا!

دسته بنفسها للأسفل كي لا يكون في القمة، ف أغلق سحاب الحقيبة وحملها، ثم مدّ يده لها ل تستند عليه وخضعت هي لذلك، لمساعدته ويده الممدودة.
رغم شعورها بالقهر لفقد قطعة من روحها إلا أن ذلك جعلها أقوى وأعتى، قسى قلبها ولو قليلًا، يكفي إنها واجهته ولم ترضى الإستغناء عن حقها، وكأن الفرصة قد أتتها على طبق من ذهب ولن تفوتها.

فتح هشام باب الشُقة وأدخلها والابتسامة على محياه جليّة: - تعالي ياندى قلبي
ولجت نداء وقلبها خالي منه الروح، تنظر بنظرات فاترة للغاية، فقد حقق مراده وحصل على موافقة منها لعودتهما زوج وزوجة، وضع هشام الطعام الجاهز على المنضدة و: - انتي ادخلي غيري هدومك كدا وروقي وانا هستناكي هنا عشان نتعشا مع بعض.

تركته واتجهت نحو غرفة نومها دون أن تنبث كلمة واحدة، وأوصدت باب غرفتها، فتحت خزانة الملابس وسحبت منامة محتشمة منها، ثم رددت بصوت منخفض: - والله العظيم لأكرهك في عيشتك وأخليك انت بنفسك اللي تطلقني وتحمد ربنا بعدها كمان.

حين تضعك امرأة في قلبها، فإن الحظ قد حالفك، ولكن حين تضعك في عقلها، حينها حتى أبليس بنفسه سيجلس ليشاهد مدى جبروتها وتجبرها فيما سيطولك منها.
وهذا ما انتوته نداء عقب أن فشلت كل محاولاتها للتخلص من زوجها، حتى والديها لم يستطيعوا تخليصها وإنصافها منه ولم يقوم والدها بدور العضد والحماية، فأصبحت بلا جدار، وكأنها كتب عليها اليُتم وهو على قيد الحياة.

كان يقود السيارة بهن لطريق غير معروف، ولم يجاوب على أي من استفساراتهن حول المكان الذي يقود إليه..
وعندما يأست وتين من أن يجيب عليها التزمت الصمت، حتى كاميليا، داليدا لم يتحدثا البتة.
حتى وقف رحيم أمام منزل خاص من طابقين متداخلين على طريق سقارة، بوابة المنزل حديدية مغلفة بالزجاج الأبيض الذي يعكس الإضاءة، ويقف أمامها أربعة من أفراد الأمن ذي ملابس سوداء رسمية.

علقت وتين بناظريها عبر النافذة على ذلك المنزل الذي تعرفه جيدًا، ولكنها لم تتوقع أن يأتي بها هنا، المنزل الذي أتم جميع استعداداته ليستقبلها گعروس، وها هو الآن يستقبلها گضيفة..
أنتظر رحيم أن يظهر منها أي رد فعل، حتى التفتت برأسها إليه وسألت بتوجس: - إحنا بنعمل إيه هنا؟
فأجاب بثبات وعينه على المنزل: - هتقعدي هنا، مقدرش أسيبك لوحدك في شقة بعيدة عن عيني
- لأ.

كان جوابها قاطعًا، جعلت نظراته المحتدمة تتعلق عليها، بقى الوضع متأزمًا للحظات حتى أن داليدا رفضت التدخل ظنًا إنها بذلك تحميها، ولكن لم تطل وتين صمتها: - مش عايزة أقعد هنا
- أنا مش بسألك
- وانا مش هطاوعك المرة دي
ف صاح فيها بعصبية: - وانا قولت هتقعدي هنا ياوتين
ف اشتد الصراع بينهما بصياحها هي الأخرى: - انت بتزعقلي!
- انتي اللي اضطرتيني أزعق
- انت اللي على طول عصبي وبتزعق على أي حاجه
- لأنك بتستفزيني.

فتدخلت داليدا محاولة إصلاح الأمر: - ما خلاص ياوتين!
بينما كانت كاميليا منكمشة على نفسها بسبب عصبيته المفرطة والتي تنبئ بما هو أسوأ..
ترجل رحيم عن مقعده وأشار لرجال الأمن كي يفتحوا البوابة، ثم فتح الباب المجاور لها و: - أتفضلي
لم تتحرك من مكانها وظلت قابعة هكذا، ف مال عليها قليلًا و: - لو شيلتك وطلعت بيكي فوق متلومنيش.

سرعان ما بدأت تتحرك، دفعت يده الممدودة لها وترجلت بمفردها، خطت ببطء نحو مدخل البوابة، عندما وقف رحيم مع أحد أفراد الأمن وناولة وصفة علاجية قائلًا: - تروح دلوقتي تجيب العلاج ده، عايزك طيارة، تجيلي في دقايق
- حاضر يافندم
- وخلي بالك فيهم دوا ناقص، تتصرف وتجيبه.

صعدت وتين للأعلى محاولة ألا تستعيد ذكرى أول مرة جاءت بها هنا لرؤية المنزل والموافقة عليه، كانت حمقاء حينها، لم تتأنى حتى في متابعة تفاصيله، ولكنها الآن تتطلع إليه بنظرة مختلفة.
فتحت كاميليا أحد الأبواب لتجد الغرفة مجهزة بالكامل لإستقبالها، ولجت وتين وأراحت جسدها المرهق على الفراش، بينما قالت داليدا: - بعد اللي حصل مش هسيبك لوحدك ثانية بعد كده.

ثم تحركت لمغادرة الغرفة: - هنزل اشوف في حاجه هنا ينفع تاكليها ولا لأ، انتي من الصبح على لحم بطنك
أطبقت وتين جفونها لتستعيد هذا المشهد المرعب ثانية، أحست بالألم من جديد وكأنها ضُربت توًا، ف هزت رأسها بعنف وفتحت جفونها وهي تتنفس بصعوبة قابضة بأصابعها على بطنها التي فرغت من طفلها، ف احتوتها كاميليا و: - وتين متستسلميش، انتي أقسمتي تكوني أقوى.

سحبت وتين شهيقًا مؤلمًا لصدرها وباحت ب: - مش قادرة أتحمل، قلبي واجعني أوي
ربتت عليها و: - معلش، كله هيعدي وهتنسي، ويمكن من رحمة ربنا ليكي إن الحمل ده مكملش، الله أعلم كان ممكن يحصل إيه بعد ما تولدي ونائل يعرف.

دلف رحيم ممسكًا بحقيبة صغيرة من الأدوية و: - في علاج واحد ناقص وانا هتصرف واجيبه الصبح
ثم أخرج أمبولة وإبرة طبية بدأ بتركيب أجزائها، ف انتفضت وتين من جلستها وهي تردد صائحة: - انت بتعمل إيه؟
ترك الحقيبة على منضدة الزينة وهو يردف: - متقلقيش هطلع برا وصحبتك هي اللي هتديكي الحقنة
ف ارتعبت كاميليا قائلة: - بس انا مش حقنة، ق، قصدي ماليش في ضرب الحقن
مط رحيم شفتيه وهو يقول: - يبقى مضطر أنا اللي اديهالك.

- مستحيل
وقفت عن مكانها و: - أطلع برا
بدأ بتعبئتها بالفعل متجاهلًا إياها، ثم أفرغ هوائها وأغلقها مرددًا: - نامي ياوتين عشان الحقنة عضل، متخافيش إيدي خفيفة
ف حدقت فيه غير مصدقة حتى الآن إنه سيفعلها: - أنام!، أنت بتهزر!، انا عمري ما هاخد حقن، وكمان انت اللي هتديهاني!

أشار ل كاميليا كي تفسح المجال، وبحركة خاطفة كان يُنيمها على الفراش وثقله على ذراعها، صرخت محاولة التخلص من هذا الثقل الذي فشلت في دفعه عنها و: - طب خلاص أديهاني في الوريد مش العضل، أرجوك
نظر حيال كاميليا و: - ساعديني لو سمحتي
فركت كاميليا كفيها بارتباك و: - يعني اعمل إيه!
- أمسكي دراعها عشان نخلص
أضطرت كاميليا الإصغاء له لمصلحة رفيقتها، ف شددت قبضتها على ذراع وتين قائلة: - أنا آسفه ياوتين.

تشنجت وتين متابعة صياحها: - والله عيب كدا
كشف عن جزء بسيط من جسمها واستعد لضرب سن الأبرة فيها وقبل ذلك أردف: - أنا مش بتحرش بيكي عشان تقوليلي عيب، وبعدين كفاية حركة عشان الإبرة لو اتكسرت جوا جسمك مش هعرف اخرجها.

خشيت تحقيق ما قال، ف حاولت السكون قليلًا ومازالت ترتجف بخوف وهي تهمس: - حرام عليكوا بخاف من الحقن، آآآه
وصرخت حينما شعرت بوخزتها تضرب جسمها، وقبضت بأظافرها على يد كاميليا لتصيح الأخيرة: - أي، وتين حاسبي إيدي
نهض رحيم وهو يغلق الأبرة وقال: - بالشفا ان شاء الله
ف تحسست وتين مؤخرتها وهي تردف بتألم: - آه، كذب عليا وقال إيده خفيفة، آآه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة