قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

يومان..
يومان وهو يبحث عن أثرها گالمجنون، وهي گقطعة من السكر التي ذابت في كأس من الماء..
ليس لها أي أثر، وحتى رحيم الذي يراقبه جيدًا لم يستطع الوصول لأي جديد من خلاله.
كان عصبيًا بصورة مفرطة هذه الأيام، تحاشاه الجميع كي لا يفرغ غضبهِ بأحدهم وبقى بمفرده يواجه كل ذلك.
وقف نائل عن الأريكة الموضوعة بزاوية غرفة المكتب وهو يتسائل: - يومين، يومين ومش عارف توصل لطرف خيط واحد يودينا ليها!

- ياباشا من ساعة ما سابت المستشفى وهي مظهرتش خالص
- يعني إيه؟، ده انا هسود أيامك لو معرفتش مكانها، دي أمي هتتعرض بكرة الصبح على النيابة، عارف يعني إيه؟! يعني برضاها غصب عنها لازم تروح تتنازل.

ف أخفض الرجل رأسه و: - حاضر
كانت تنظر عبر شرفتها لترى هذا السجن الذهبي الجميل الذي تمكث فيه منذ أيام، نفخت ب انزعاج جلي، فقد منعها من الخروج والظهور، وكان هذا التخطيط لسبب ما في رأسه..
دخلت وتين لحجرتها من جديد لتجد داليدا تدخل إليها ممسكة ب فنجانين من القهوة سريعة التحضير: - جبتلك نسكافية ياتينا
تفهمت من نظرات ابنتها ما تشعر به، فسألتها: - لسه رحيم مكلمكيش؟!
- خالص، ولا حتى جه.

- يمكن في حاجه معطلاه
ثم لمحت لها عن قصد: - أو المعرض الجديد واخد وقته
تركت وتين الفنجان على الطاولة وقد تجهم وجهها قائلة: - معرض إيه؟
- هو مقالكيش إنه هيفتح معرض جديد؟
ف ابتسمت وتين بسخرية و: - ولا جاب سيرة، عمومًا ميهمنيش، كل اللي فارق معايا الحبسة اللي انا فيها
- متنسيش إنك في فترة نقاهه ياوتين، وطالما احنا هنا في أمان يبقى خلاص، كاميليا كلمتك؟
- آه، بدر هيروح يقابل باباها النهاردة بعد ما هي وافقت.

ثم تلوت شفتيها ب استهجان: - يارب يكون هو الإنسان اللي هيسعدها وميطلعش زيه
فدافعت داليدا عنه: - لأ مش هيعمل كدا، بدر طينة تانية غير نائل، دايمًا كنت بحس إن حب نائل ليكي فيه حاجه ناقصة، ومن بعد اللي حصل فهمت.

فكرة ينقصها التنفيذ خطرت على عقلها توًا، أحست إنها بحاجة لبعض البُهارات الخاصة لتخرج في أحسن صورة، ف لاح على ثغرها إبتسامة أعقبتها ب: - ماما أنا محتاجة أكون لوحدي شوية
ف أبدت داليدا اعتراضها قائلة: - اليومين دول بقيتى بتقعدى لوحدك كتير يا وتين وانا مش مرتاحه لكده
- معلش انا محتاجة شويه وقت عشان ارجع لطبيعتى
نهضت داليدا وهي تنفخ منزعجة: - اللى يريحك يا وتين.

وغادرت متأكدة بداخلها من حياكة ابنتها لأمر ما..
وبالفعل، أمسكت وتين بهاتفها وبدأت تخطو أولى خطواتها نحو تنفيذ ما انتوت عليه، انتظرت أن يجيب المتصل به حتى رد عليها: - أيوة يامتر، محتاجة منك أمر ضروري جدًا، مينفعش فيه تأجيل.

كانت ماريا تستقل أحد المواصلات العامة حين عودتها من الجامعة، الضيق يتملك من صدرها وأنفاسها تخرج منها بصعوبة شديدة، حتى وصلت للمكان الذي تقصده..
ترجلت من المواصلة وسارت بطول الشارع الجانبي وهي تدعو الله أن تجده، حتى وصلت أمام البناية، اقتربت من حارس العقار وسألته: - هو أستاذ وليد لسه مرجعش؟

فتنهد الحارس بقنوط وهو يجيبها: - يابنتي قولتلك ساب الشقة، مش مصدقة ليه!، عايزة تطلعي بنفسك زي المرة اللي فاتت اطلعي.

فصاحت فيه بتذمر: - ماانا قولتلك لقيت كالون الباب متغير والمفتاح اللي معايا مش بيدخل فيه
- وانا مالي بقى دي مواضيعكوا، مش كل شوية تيجي تسألي نفس السؤال انا زهقت.

ابتعدت ماريا عن العقار وقد ذاب آخر أمل لها في إيجاده، حقًا اختفى ولم يعد له أثر، حتى مراكز الدروس الخصوصية التي كان يدرس فيها تركها، ماذا ستفعل الآن، لقد وضعت عليه أحلامها وطموحها، واستسلمت له كليًا مع أول عرض منه، فلم تكن تحلم أن الرجل الذي تعشقه قد ينظر لها يومًا ويوهمها بالحب.
كانت تسير وساقيها رخوتين نتاج تلف أعصابها، إن تحقق ما تخشاه وهرب منها عقب كل ذلك ماذا ستفعل!

لقد وقعت وقعه لا رجعه بعدها، وجزاء فعلتها سيكون جزاءًا مخيفًا لا تستطيع تصوره حتى، دخولها الجامعة وبداية حياة مختلفة جديدة بداخل أسوار هذا المجمع العريق لم تشعر بها، . وكيف تشعر وهي في حالة لا يرثى لها منذ أن قطع كل وسيلة قد تؤدي إليه..
إنها الكارثة التي تقع بها فتيات المراهقة، حُب يسوقها نحو الجحيم، رحلة قاسية تمر بها كل من تركت الواقع وتمسكت بخيوط الخيال الضعيفة البالية.

أخيرًا أمسك به عقب انقطاع أيام لا يعلم عنه شيئًا..
وصل نائل أمام منزل بدر وانتظره يعود من الخارج جالسًا في سيارته، حتر رآه يصف أمام البناية، فترجل ليلحق به ووقف أمامه بنظرات حادة يسأله: - أسبوع مش عارف أشوفك ولا أوصلك!، هي دي أخرتها يابدر!
فأخفض بدر رأسه وهو يجيبه: - كنت مشغول جدًا الفترة اللي فاتت، حتى كنت واخد أجازة ومش بروح الشركة، خير كان في حاجه؟

فصاح فيه بإنفعال: - في إني محتاجك، تعرف إن أمي محبوسة بقالها كذا يوم واحد دلوقتي مش عارف أخرجها ولا بكفالة ولا حتى واسطة!، أنت ازاي مش جمبي!

ف استنكر عليه عصبيته مبررًا سبب ابتعاده: - جمبك!، جمبك ازاي وانت ظالم؟
دي حتى طنط ثريا مرحمتش وتين ولا فكرت ان الطفل ده يبقى حفيدها وكانت عايزة تخلص من الاتنين!، انا مكنتش اعرف إن كل الشر ده جواكم! أنا حاسس إني أول مرة أشوفكم واعرفكم، اللي بتكلم عنها دي حتى لو أمك ف هي اللي قتلت إبنك اللي متولدش!، وأنا مستحيل أقف معاكم في حاجه زي دي.

أومأ نائل برأسه و: - حلو أوي الكلام ده، تمام يابدر، كنت عند وتين يومها ليه وإيه الورق اللي كان معاك؟!
- مفيش حاجه من دي تخصك عشان تسألني عنها، عن أذنك ورايا معاد مهم جدًا
ومضى من أمامه صاعدًا لمنزله..
في هذه اللحظة فقط أدرك نائل إنه خسر بدر تمامًا، لن تعود علاقتهم كما كانت يومًا، فقد مشى نائل في الطريق الذي لم يقبل به الطرف الآخر، وهذا ما سبب هذه المعضلة.

عاد نائل لسيارته ليجد هاتفه يرن برقم غريب، فأجاب عليه بدون اكتراث: - ألو
كان صوتها هي، المفقودة التي يبحث عنها منذ أيام وليالي، الوحيدة التي ستنقذه ووالدته من كارثة كبرى، تحفز داخله وحافظ على هدوء نبرة صوته رغم الضجيج الذي يملأ صدره و: - انتي فين؟!

الليلة مختلفة عن أي يوم آخر، الإنتصار الكبير والفوز الساحق على بُعد خطوات منها.

تأهبت وتين واستعدت إستعدادًا خاصًا للإحتفال اليوم بما سيحدث، ارتدت فستان أسود قصير ذا خامة مخملية رائعة يصل أعلى ركبتيها، عاري الذراعين، فتحة صدره الموصولة بعنقها شفافة، وتركت شعرها المموج على ظهرها منسدلًا، تفننت بوضع مساحيق التجميل التي أبرزت مناطق الجمال في ملامحها، وآخر لمسة كان عطرها المميز الذي لا تضعه سوى امرأة واحدة بين آلاف النساء.

تحسست ثوبها الضيق الذي يبرز نتوء جسمها الأنثوي، وتمايلت أمام المرآه وهي تتذكر أن الليلة هي ليلة مميزة.

لم يكن دخول نائل لمنزل رحيم الذي تسكن فيه زوجته صعبًا، فقد أمرت وتين بالسماح له بالدخول، هذه المرة الأولى التي يرى فيها هذا المنزل البعيد عن الأعين، رغم إنه سمع عنه كثيرًا من قبل، ولكنه الآن بداخله وبين جدرانه وتفاصيله.
وقف نائل ينظر حوله ونيران الحقد والغيرة تكاد تعميه إن لم يكن أعمى الآن بالفعل، فهي الآن تسكن منزل غريمه وأحد أعداءه بكل حرية وكأنه هو لفحة من هواء لا اعتبار له..

استمع لوقع حذائها ذا الكعب الرفيع، ف انتقلت عيناه نحو الدرج ليجد امرأه فاتنة تهبط إليه..
إنها هي التي تزوج بها ورآها سابقًا في أبهى حالاتها، والآن تبهره من جديد، تعلقت عيناه على تفاصيلها التي افتقدها طوال الفترة الماضية، حتى وقفت أمامه بالضبط و: - النهاردة جيبتك عشان أديك الخيار، ياأما كل اللي عيشتني فيه هينتهي، ياأما هتعيش إنت ومامتك أضعافه.

ف ابتسم بسخافة وهو يسايرها بالحديث: - انتي جيباني هنا عشان تهدديني؟
- تؤ، ده مش مجرد تهديد، أنا شرحتلك اللي هيحصل
قطع هذه الخطوة التي بقيت بينهما وهو يردد بنبرة مغوية: - ومين قالك إني مش ممكن أجبرك تعملي اللي انا عاوزه!، تفتكري بعد دخولي هنا هيكون سهل عليا أخرج خسران؟

فبادلته ابتسامة تشبه ابتسامته الفاترة وهي تقول بثقة: - ومين قالك إني مش عاملة حسابي!
نظرت نحو أقصى اليسار لتلفت انتباهه لفرد الأمن الذي يقف على بعد مسافة معينة ممسكًا بسلاح وهاتف لاسلكي، ثم نظرت نحوه مجددًا و: - أنا اتعلمت من أخطائي، ومستحيل اسيب نفسي فريسة ليك مرة تانية
علم إنه حُشر في زاوية ضيقة، ولا يوجد أمامه سوى سؤالها: - عايزة إيه!؟
- هتطلقني، وهتتنازل عن كل حاجه أخدتها مني بورق رسمي.

كركر بضحكة عالية مصدومًا رغم توقعه لهذا سابقًا، وعندما هدأ قليلًا: - انتي أكيد بتهزري؟!
- لأ مش بهزر
- ولو رفضت؟، مش هتخرجيني من هنا!
- أنا ماليش في أساليب البلطجة دي، بس في طرق تانية
قوس نائل شفتيه ملمحًا: - فعلًا انتي مالكيش، بس في حد تاني ليه في البلطجة وانتي تعرفيه كويس
تركته وتين وراحت تجلس هناك في حُضن البهو، حيث الجلسة التي جهزت لها: - أعتبر إنك بتشتري براءة ثريا هانم..

عمومًا كل حاجه جاهزة والمحامي كمان في الطريق
دخل المحامي الذي وصل توًا برفقة أفراد الأمن الذين شكلوا طبقة حماية على باب المنزل من الداخل، ثم تقدم منهم و: - كل حاجه جاهزة
جلس بالقرب من وتين وأخرج كافة الأوراق الاي طلبت منه تجهيزها، بينما كان نائل يتطلع لهذا الفخ الذي نُصب له من زوجته، فقطعت هي تفكيره قائلة: - على فكرة لو مش عايز بلاش، لكن أنا مش هتنازل عن القضية ولا هخرج حد من السجن.

أضطر نائل مرغمًا مشاركتهم في هذه الجلسة، ثم اشترط عليهم: - هسيبلك المعرض ياوتين، لكن المصنع مش هتاخديه حتى لو انطبقت السما على الأرض، موافقة ماشي، مش موافقة أخبطي دماغك في الحيط، وانا هعرف إزاي أخرج أمي من اللي هي فيه
- موافقة
يقال أن نصف البلاء أهون من البلاء كله، وهذا ما طبقته وتين الآن، رضيت بنصف الخسارة أفضل من اللاشئ، يكفي إنها ستحصل على حريتها أيضًا ولن تحتاج للإنتظار أكثر.

أخرج وفيق عدة أوراق من حقيبته، ثم وضع عليهن قلمًا و: - أتفضل وقّع على الأوراق دي
نظر نائل لهذه الأوراق نظرة حسرة، فلا يبقى شيئًا على حاله، وقد أعطت ثريا بنفسها الثغرة التي مكنت وتين من استرداد جزءًا من حقوقها الآن، ظن إنها لن ترى الفوز على الإطلاق، ولكنه كان مخطئًا، الآن ستضحك هي، سيبتسم وجهها قليلًا عقب كل ما مضى.

أمسك نائل بالقلم ولم يُطل الأمر أكثر من ذلك، ووضع توقيعه بسرعة على كل الأوراق عقب أن خطف ببصره لمحات منها، ثم قذف بالقلم على الطاولة ونهض قائلًا: - بكرة الصبح تكوني موجودة في النيابة
- أستنى
جمع وفيق أوراقه ووضعها في الحقيبة، ثم قال: - نسيت ترمي عليها اليمين
فوقفت وتين مستعدة لهذه اللحظة وعقبت: - بالتلاتة
شدد على فكيه وهو يحذرها: - متفرحيش باللي خدتيه النهاردة، الخسارة مش بتدوم.

فأجابت بتحدِ أزعجه: - مش هخسر تاني، أنا هعيش بس عشان أفكرك، كل ما تشوفني وتبص في عيني مش هتشوف غير اللي خسرته.

بداخله ترددًا ما، لا يرغب في فعلها أو قولها، ولكنه لا يستطيع الخروج عن الإتفاقية التي ما زالت هي المتحكمة الرئيسية فيها، أطال النظر في عيناها التي تبلدت، لم تكن هي تلك العيون التي سحرته رغم كل شئ..
وهي تقف گالجدار الصلب خلف شعورها بالتحسر، لو إنه لا ينطقها، ولكن شئ ما يتمرد على قلبها اللعين، ويدفعها للصلابة والجمود، سحب شهيقًا حبسه بداخله، ثم نطقها بصعوبة: - أنتي طالق، طالق بالتلاتة ياوتين.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة