قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني عشر

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني عشر

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني عشر

الأختيار، روتين طبيعي ومعتاد عليه في حياة الجميع، إلا حياتها، الأختيار بالنسبة ل وتين بمثابة الموت والحياة، يفصل بينهما شعره واحدة..
هكذا كان حالها، وكأنها اختارت الموت شنقًا بدلًا من الموت حرقًا لتخفيف حدة الميتة التي ستموت بها.

كان تدري أن ما تقدم عليه هو شئ جنوني سيؤدي بها حتمًا لطريق لن تحبذه، ولكنها كانت الطريقة المثلى لتفادي بطش هذا المجنون الذي هددها بقتلهما.
كانت ترى نظراته التي تأكل منها وهو يقترب والقشعريرة تتسلل لأوصالها، أشارت له بسبابتها محذرة إياه من التمادي أكثر من ذلك و: - لو قربت مني هصرخ واعملك فضيحة.

ف ضحك بسخرية وهو يفتح ذراعيه مرحبًا بالفضيحة: - صرخي ياحببتي، طلعي كل اللي جواكي، مفيش حد هيطلعك من تحت إيدي النهاردة
نزعت حذائها وقذفته به و: - أنسى اللي في دماغك ده يحصل
تفادى تلك الضربة وهو يوسع من خطواته نحوها، وعندما حاولت الركض كان جسده الثقيل يتهجم عليها ليشل حركتها كليًا وهو يكتف ذراعيها للخلف ف التصق نهديها بصدره وهو ينطق ب انتشاء: - ياريتني طولت شهر العسل شوية، كنتي أحلى وانتي قطة مغمضة.

وأطبق بشفتيه على وجهها وبشرتها يُقبلهما بحماسة مفرطة، حينما كانت تسعى جاهدة لإبعاده عنها دون جدوى، ذراعيها المكتفتان للخلف يعجزان حركتها، حتى وجدت نفسها تقع معه على جانب الفراش ليكون أقوى وهو مركز بثقل كاهله عليها، حاول أن ينال من قوتها ويسلبها إياها حتى تكون أكثر لينًا، ونجح في ذلك، سئمت من سعيها الذي لا يجدي وأحست بآلام في عضلات ذراعيها نتاج محاولاتها فضلًا عن وجودهما أسفل ظهرها..

تركت نفسها أخيرًا وهي تطبق عيونها كي لا ترى وجهه، وحاولت التفكير بأي شئ قد يلهي عقلها عن التركيز فيما يحدث، ما زالت دموعها تنسال على جانبي وجهها متسللين بداخل فروة رأسها، فقط صورة والدها هي التي تترسخ بخيالها الآن مع حديث نائل عما حدث قديمًا، وأيضًا لم يفي ذلك بالغرض، فما زالت تحس بلمساته التي تخترق بشرتها وجلدها وجسمها، حتى وإن كانت تاركة له جسد بلا روح أو حس، ف بداخلها براكين لو اطلع عليها ل احترق.

كان رحيم يقود سيارته بسرعة فائقة وهو يتحدث بهاتفه، سرعة سيارته گسرعة ضربات قلبه التي لا تتوقف بل تتزايد، تكاد رأسه تنفجر من سخونة الدماء التي تجري بعروقه، عندئذ كان يتواصل مع أحدهم على الهاتف: - يعني الناس دي أوصلها ازاي؟

قبض على المقود أكثر حتى أبيض جلدهِ من شدة الإنفعال: - بأي تمن يانبيل، عايز الناس دي حالًا دلوقتي، لو اتأخرت شوية معرفش هيكون حصلها إيه، هبعتلك لوكيشن location على الواتساب دلوقتي تخليهم ييجولي.

ثم أغلق الهاتف وهو يسترجع هذه اللحظة في عقله...
((عودة بالوقت للسابق))
- هيجبرك، وهيحاول يعمل أي حاجه عشان يخليكي تتنازلي عن الخلع، ساعتها مفيش قدامك غيري، وانا عيني دايمًا هتكون عليكي.

بدأت تخشى ماهو قادم أكثر، وبذعر بيّن سألته: - واعمل إيه ساعتها؟
- عنيكي، عنيكي هي اللي هتكلمني في الوقت ده، وأنا هفهمك كويس
((عودة للوقت الحالي)).

كان ماهرًا في قراءة ما بين السطور، حيث رأى الرسالة التي بعثتها له في نظراتها المرتجفة ف تفهم على الفور ما الذي يحدث، وهذه الخدوش التي لمحها على نحرها كأنها طعنات في صدره، خرج من هناك عقب أن جعله يصدق إنه قد انقلب عليها ولم يعود، أعطاه الأمل في إنه ذهب وانتهى الأمر، بينما هو في حقيقة الأمر ينصب له فخًا قويًا سيدرجه أسفله بحرفية، فقط ليستحوذ عليها وينتشلها من بين يديه.

- ماشي ياطنط، لو وصلتي لحاجه بلغيني بعد أذنك
وأغلق بدر هاتفه متذمرًا عندما ضربت كاميليا على ساقيها وهي تقول: - مفيش فايدة، أعمل إيه دلوقتي؟ أقول إيه لطنط داليدا!؟
ف التفت بدر نحوها وهو يحاول تهدئتها: - أهدي ياكاميليا أهدي، أنا بحاول أوصل لأي حاجه بس تليفونه مقفول
كادت كاميليا تترجل عن السيارة وهي تردد: - شكرًا يابدر
ف وجدته يقبض على ذراعها فجأة ليحول بينها وبين الترجل: - أستني هنا رايحة فين؟!

- هروح اشوف طنط عرفت تعمل حاجه ولا لأ
فكان الضجر متمكنًا من تعابير وجهه وهو يردد بعصبية: - أنا هوصلك، أما اشوف أخرة الموضوع المنيل ده إيه!، عشان انا جيبت آخري خلاص
ف صاحت به وهي تفلت نفسها منه: - انت بتتعصب عليا ليه؟
فزفر ب اختناق وهو يشيح بوجهها عنه: - أنا اتخنقت من الوضع اللي دخلنا فيه بسبب إننا عامل مشترك بينهم.

كتفت ساعديها أمام صدرها وهي تقول بتذمر: - والله روح عاتب صاحبك على الندالة وقلة الأدب اللي عملها، ساب مراته اللي كان بيسميها أحلى حاجه في الدنيا لوحدها وسرق منها كل حاجه، وكمان عايز يعيشها مذلولة!

فلم يتمالك نفسه وهو يصيح فيها ب انفعال: - أنا ماليش دعوة ب نائل، ماليش دعوة، أنا متعاطف مع وتين جدًا ومستعد اساعدها، لكن مش على حسابنا انا وانتي.

ثم أمسك بطرف ذقنها وقام بتوجيهه نحوه و: - كاميليا، بصيلي
رفعت عيناها المغرورقة نحوه، ف مسح على وجنتها و: - أهدي علشان خاطري، وأوعدك هسعى بأقصى جهد عشان أوصل بينهم لحل وسط.

بكل برود وفتور مثير للأعصاب، كان نائل ممدًا براحة عجيبة على فراشه الزوجي الذي انتقته وتين بنفسها عندما كانت تجهز عش زواجهم، يتصفح هاتفه وقد اعتدل مزاجه الآن، بينما هي ممدة على جانبها بجواره مولياه ظهرها الذي مازال عاريًا.

رغم إنها لا تراه ولكن صورة ما عالقة بذهنها، خياله المائل على وجهها وهو ينهل من شفتيها بعنف واضح، وسخونة جسده التي مسيطرة عليها حسيًا حتى الآن وكأنها مازالت بين يديه، أطبقت جفونها لحظات مطولة، ف شعرت به ينهض من جوارها، انتظرت حتى استمعت لصوت إغلاق باب المرحاض، ف اعتدلت على الفور وسحبت ثيابها المتناثرة كي تستر عُريها وقد بدأت شهقاتها تصدر عنها بعد كبح طويل ومؤلم، سحبت منديل ورقي لتمسح به وجهها بعجل، ثم تركت ظهرها يستند على الفراش وراحت تتنفس شهيقًا وزفيرًا بعمق محاولة استجماع شتاتها.

في نفس اللحظة التي وجدت فيها رجالًا يقتحمون الغرفة، أشداء البنية ضخام الأجسام، أغلبهم ذا بشرة سمراء أو حنطية غامقة، فضلًا عن ملامحهم المريبة والغير مريحة، شهقت وكادت تصرخ مستغيثة لولا ظهور رحيم من خلفهم، ف كتمت صوتها بكفها بينما تقدم هو منها بسرعة وحذر وهو يبحث عنه بنظرات مفترسة: - هو فين؟
فأشارت بعيناها الزائغة نحو المرحاض ومنه استمع صوت هدير المياه، ف أمسك بكفها وسحبها خلفه بهدوء: - تعالي.

خرجت معه بطواعية وهي تنظر بتخوف لأولئك الرجال الذين بدا عليهم وكأنهم من أرباب السجون، بينما غمز هو لهم بعينيه قبل أن يخرج، لاحظ ثقل حركتها فسألها: - مش قادرة تمشي؟
فنظرت لحال ساقيها وعضلاتها الرخوة وهي تهمس: - خلينا نمشي بسرعة أرجوك قبل ما يخرج
فقال بثقة مفرطة: - ولو خرج حتى، إيه اللي هيحصل؟

ترك يدها وهي تجلس في مقدمة سيارته وأوصد الباب عليها، كانت يديها قد تعرقت من فرط الخوف فتركت أثرًا في كفه، فرك كفه يتحسس ملمسه اللطيف عقب أن تركته وراح يستقل مقعد القيادة، وطار بالسيارة قائدًا إياها بسرعة.

كانت تتنفس بسرعة ويداها ترتجفان، لا تصدق إنها نجت منه حتى الآن، ورغم ذلك ذكرى ما حدث منذ قليل قد حُفرت في ذاكرتها ولن تستطيع محوها مهما حدث، تحدث إليها مرارًا ولم تستمع إليه حتى، ف اضطر لوضع يده على كفيها قائلًا: - سمعاني ياوتين؟
أرتجفت فجأة وضمت ذراعيها لجسمها كأنها تحميه، ف أدخلت شعور القلق بداخله، توقف بالسيارة على الجانب وعلق بصره عليها وهو يسأل بدون تردد: - لمسك؟!

دمعتين ترقرقتين من بين أهدابها كانتا كافيتين للجواب، تماسك رحيم بصعوبة ونفض عن عقله فكرة العودة له وتأديبه بنفسه، ورمقها ب امتعاض وهو يقول: - عادي، مش جوزك؟!
- لأ مش جوزي
قالتها وهي تصرخ من بين أنين بكائها المتواصل، وتابعت بعد ذلك: - مش ده اللي اتجوزته وحبيته، مش ده البني آدم اللي اخترته، مش هوَ.

وانزوت على نفسها بالمقعد مستجمعة نفسها عندما كان داخله يغلي گالقدر المحموم، ولم يجد منفذًا ينفس فيه عما يشعر به، حتى هذا الصمت أصبح ثقيلًا على عاتقه، إلى متى سيظل هكذا صامتًا؟! كلما زاد الصمت زاد مكيال ما يختزنه، وعلى ما يبدو سيسبب إنفجاره الكثير من الخسائر.

خرج نائل من المرحاض على خصره منشفة عريضة وأعلاه عاريًا، ليصطدم بهذه الحالة التي عليها الغرفة، ليت شيطانًا سكن الغرفة لكان ذلك أهون، لم يبقى شيئًا في مكانه، كل شئ تبعثر وملقى على الأرضية وحتى مراتب المضجع قد فسدت بفعل آله حادة، الأثاث ليس على حالته، أدرك على الفور السيناريو الذي حدث، أحدهم اقتحم منزله، ويبدو إنه أدرك من هو أيضًا، هرول نائل للخارج ليجد الأمر أكتر سوءًا، غالبًا تم كسر جميع المزهريات واللوحات الغالية القابلة للكسر، والأجواء في حالة لا توصف، و الأسوأ إنها ليست موجودة.

ذمّ نائل شفتيه وهو يستعيد ما حدث في ذاكرته وغمغم متبرمًا: - يعني كان بيمثل؟، طب كويس، أهو طلع ممثل شاطر
وعاد باتجاه غرفته بخطى متعجلة، بحث عن هاتفه يمينًا ويسارًا وسط هذه الأكوام المبعثرة وهذا الضجيج المنتشر في الوسط؛ ولكنه لم يجده، ف انتقل للبحث عن ثيابه عله يجده في أحد جيوبه، ولكنه لم يجد ملابسه أيضًا!

أضئ عقله بشئ ما، ف مضى نحو الشرفة ونظر من خلالها، ليجد سيارته أيضًا ليست بمكانها، اتسع مبسمه ب ابتسامة عريضة ساخرة، لقد تمت سرقته رسميًا وفي عقر داره، لا ملابسه ولا بطاقاته البنكية ولا سيارته، بات محبوسًا هنا الآن حتى لا يوجد ثياب تستر جسمه ولا وسيلة اتصال يستنجد عبرها.
صرخ نائل وهو يضرب الحائط بكلتا ذراعيه: - آ، الو ه.

وظل هكذا يسب ويلعن، ها هي نقطة جديدة لصالح رحيم، أصبح المنقذ الطيب في ناظرها أيضًا، وكأن هذا ما كان ينقصه، أصبح الأمر معقدًا ويتطلب ترتيبًا خاصًا.

كان يجلس على هذا المقعد الحديدي اللامع بداخل المشفى عقب أن أصر على اصطحابها لهناك كي يطمئن على حالتها بعد هذه الهيستريا البكائية التي انتابتها، أثرت حرارة جسمه الحار حتى على المقعد فأصبح دافئًا، نظر رحيم لساعة يده وهو ينفخ بضيق، ثم ردد: - إيه كل ده؟!
وإذ بالطبيبة تخرج من الغرفة ليقف وهو يسألها بتذمر: - في إيه يادكتور؟ كل ده تأخير جوا ليه؟

فهدأته بدبلوماسية وهدوء وهي تنزع نظارتها الطبية: - متقلقش حضرتك، أول ما المصل يخلص تقدر تاخدها وتمشي، ناقص بس نتيجة صورة الدم الكاملة وبعدها هكتبلها شوية ?يتامينات ونبقى خلصنا.

ثم تركته ومضت في طريقها بينما تردد هو هل يدخل إليها أم ماذا؟، هل ترى خوفه وقلقه عليها أم يظل هكذا خلف جدار القسوة المزيفة.
وفي الأخير زفر باختناق وهو يفتح أحد أزرار قميصه ويرمي بجسده على المقعد وقد قرر الثبات على موقفه المزعوم هذا.

كانت وتين تنظر لهذا المصل الذي يخترق عروقها عبر خرطوم شفاف طويل ممتد لأعلى، لا تشعر بشئ، كفاها ما شعرت به اليوم ولم تعيشه في حياتها قط، بشرتها شاحبة وعيناها مُحمرة شيئًا بجانب الانتفاخ بفعل كثرة البكاء..
تحسست عنقها حيث شعرت ب حكة مكان هذه الخدوش المزعجة، وأطبقت جفونها وهي تطرد زفيرًا حانقًا..

عندما عادت الطبيبة تدخل إليها، ف اعتدلت متجاهلة ثقل وألم جسدها وتسائلت بتلهف جلي: - ها يادكتورة؟، لقيتي إيه؟
ف ابتسمت الطبيبة وهي تجيبها بحبور: - زي ما توقعنا، ال test أكد إنك حامل في خمس أسابيع
فغرت شفتيها محاولة التحدث أو التعليق، ولكن توقفت عضلات لسانها أمام هذه الصاعقة التي ضربت وجهها، يا للمصيبة!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة